انطلقت في تونس مبكراً استعدادات الزواج للصيف المقبل، على رغم أنها لم تتوقف طوال العام. أما السبب فبسيط جداً، وهو تزامن شهر رمضان مع أهمّ الشهور التي تتضاعف فيها أعداد الزيجات لدى التونسيين، وهو تموز (يوليو). وكان العام الماضي شهد أيضاً انطلاقة مبكرة لموسم الأعراس. وتحاول العائلات التونسية أن تربح ما أمكن من وقت وجهد لتجري مراسم الزفاف على أكمل وجه، على رغم ما تعيشه من مشاكل مادية واضطرابات على مستوى الدخل والمصاريف. «كل شيء يهون من أجل ان أفرح بابني»، هكذا بادرت فاطمة التي تحتفل خلال شهر حزيران (يونيو) المقبل بزفاف ابنها البكر آزر (28 سنة) الذي يملك متجراً صغيراً لبيع الحليب ومشتقاته. وتضيف: «إنها فرحتي الأولى، ولن أدّخر جهداً لتكون كما أحب. وعلى رغم كل الظروف التي نعيشها، فإنني لن أحرم «كبدي» من عرس جميل لن ينقصه شيء». الإصرار ذاته يحمله آزر في نفسه. فهو سعيد لقرب موعد زواجه الذي أعدّ له جيداً. يقول: «سأبقى على الأقل سنتين كاملتين لأكمل تسديد بعض الديون. ومع ذلك، لا أخفي أنني فرح جداً. وإن لم أقدم على الزواج الآن... فربما لن أتزوج أبداً». صديق آزر متحمّس أيضاً للزواج. وسعادته كبيرة لأن موعد زفافه بقريبته التي تعيش في ألمانيا يقع بعد حفلة زفاف آزر بأسبوع واحد فقط. يقول: «لن أسافر للعيش هناك، بل ستقيم هي في تونس. لذلك، أنا سعيد لأنني لن أكون كالآخرين». وشهدت تونس خلال العام الحالي اضطراباً في مواعيد الزواج التي كانت عادة لا تحصل إلّا في أشهر الصيف، لاعتبارات كثيرة، منها عودة الأهل والأصدقاء المقيمين في الخارج إلى البلاد خلال العطلة الصيفية، لا سيما أن الطقس يساعد على إقامة الأفراح. لكن ذلك لم يمنع إقامة أعداد كبيرة من حفلات الزفاف خلال الفصول الأخرى، وبمعدلات غير عادية. ويعود ذلك، ربما، إلى تقلص الشكل التقليدي للزواج الذي يستغرق أياماً، إذ أصبح كثر يتزوجون في شكل عصري وسريع أيضاً. فليلة واحدة تكفي لجمع العائلة والأصدقاء... و «يتفضّ المولد»، على رأي المصريين. في المقابل، تستغرق الأعراس التقليدية ليالي وأياماً، وتستهلك جهداً ومالاً كبيرين. لذلك، ارتفع عدد حفلات الزفاف العصرية، غير التقليدية، ليس فقط في المدن الكبرى وحسب، بل أيضاً في المناطق المختلفة من البلاد. وبدأت العائلات تقتنع، شيئاً فشيئاً، بضرورة الاقتصار على الأهمّ، من دون الدخول في تفاصيل تفتح أبواب الدَّين والغرق في المشاكل المالية لاحقاً، ما يؤثر سلباً في الأشهر الأولى للزواج. أعراس على مدار العام وهكذا، فإن حفلات الزواج هذا العام لن تتوقف، وستشهد ذروتها خلال شهري أيار (مايو) وحزيران (يونيو) المقبلين. ويقول الشيخ محمود (71 سنة)، وهو صاحب محلّ لبيع مستلزمات الزواج: «لم تعد الأمور كما كانت عليه سابقاً. كانت العائلات، وخصوصاً عائلة العروس، تنطلق في استعداداتها قبل أشهر لتجهز كل شيء. وحتى لا تسهو الأم عن بعض التفاصيل، فإنها تستعين بأختها مثلاً أو جارتها أو قريبتها في زيارات متواصلة لمتاجرنا حيث نوفّر كل ما يمكن أن تطلبه الزبونة». ويضيف: «اليوم أصبح الأمر مملاً جداً. وبتّ أحضر للمحلّ فقط من باب تغيير الجو لا أكثر. فأبنائي هم من يديرونه ويقومون عليه. أما أنا فلم أعد أجد المتعة السابقة ذاتها. اليوم أصبح الجميع متعجّلاً ومتسرّعاً». حال الشيخ محمود يفسّرها سليم، أحد أبنائه، بالقول إنّ والده لم يستسغ بعدُ التطورات الحاصلة في الطرق الحديثة للزواج. «فهو يرى أنّ كل شيء في الدنيا يمكن أن يتغيّر إلا مراسم الزفاف وطقوسه إذ له خصوصيته وأجواؤه وقدسيّته». ويضيف سليم: «صحيح أنّ الإقبال تضاءل على مستلزمات الأعراس، لكنّنا أيضاً طوّرنا عملنا بما يتناسب والتطورات الحاصلة. فأصبحنا نعدّ لكل فصل ما يناسبه من لوازم». ويشكّل الزواج أحد أهم المناسبات التي تجمع العائلة التونسية. ويرى تونسيون كثر في الزفاف موعداً يجب عدم التقليل من قيمته. ويطالب البعض بالرجوع إلى الأشكال التقليدية، ولو في أبسط الأمور، حتى لا يفقد بهجته وأجواءه الاحتفالية. لكن المشكلة الأساسيّة تكمن في المال الذي من دونه لا يمكن إقامة مراسم عرس تونسي تقليدي. هذا إذا استثنينا طبعاً المصاريف الجانبية التي تشكّل وحدها هاجساً مقلقاً لكل مقدم على إكمال نصف دينه.