استشاري ل«عكاظ»: 4 عوامل ستعزز الفوز في «الكلاسيكو»    ليفربول يتوقع بقاء صلاح    الهلال أكمل تحضيراته    الإطاحة بوافد وثلاثة مواطنين في جريمة تستر وغسيل أموال ب200 مليون ريال    القبض على عصابة سلب وسرقة    6 نقاط تفصل بنو قادس عن دوري روشن    بيان الاجتماع الوزاري للشراكة الإستراتيجية بين مجلس التعاون والولايات المتحدة    رئيس دولة فلسطين يغادر الرياض        ترقيم الماشية شرط الرعي    مذكرة تفاهم سعودية-موريتانية حول قطاعات الكهرباء والطاقة المتجددة والهيدروجين النظيف    توقيع مذكرتي تفاهم لتعزيز استدامة إدارة النفايات    السعودية للكهرباء تتلقى اعتماد العائد التنظيمي الموزون لتكلفة رأس المال على قاعدة الأصول المنظمة ب 6.65%    محافظ العارضة يستقبل مفوض الإفتاء فضيلة الشيخ محمد شامي شيبة    إسرائيل تناهض تحركات المحكمة الجنائية    %97 رضا المستفيدين من الخدمات العدلية    فيصل بن بندر يستقبل مدير 911 بالرياض.. ويعتمد ترقية منتسبي الإمارة    أمير المدينة يدشن مهرجان الثقافات والشعوب    الهيئة الملكية للجبيل وينبع    اليوم.. آخر يوم لتسجيل المتطوعين لخدمات الحجيج الصحية    حارس النصر "أوسبينا" أفضل الحراس في شهر أبريل    مواهب سعودية وخبرات عالمية تقود الأوبرا الأكبر عربياً "زرقاء اليمامة"    السنيد يتوج أبطال الماسية    جدة: القبض على مقيمين لترويجهما مادة الحشيش وأقراصا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    اختتام أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي في الرياض    7 دول طلبت من المحكمة الجنائية الدولية وقف اعتقال مسؤولين إسرائيليين    إنقاذ معتمرة عراقية توقف قلبها عن النبض    الاحتلال اعتقل 8505 فلسطينيين في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر    «سلمان العالمي» يُطلق أوَّلَ مركز ذكاء اصطناعي لمعالجة اللغة العربية    أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشاريع التي تنفذها أمانة المنطقة    الكلية التقنية للبنات بجدة تطلق هاكاثون تكنلوجيا الأزياء.    أمير المدينة يستقبل سفير إندونيسيا لدى المملكة    زلزال بقوة 5 درجات يضرب شرق تايوان    "جائزة الأميرة صيتة" تُعلن أسماء الفائزين بجائزة المواطنة المسؤولة    افتتاح الملتقى السنوي الثاني للأطباء السعوديين في إيرلندا    سياسيان ل«عكاظ»: السعودية تطوع علاقاتها السياسية لخدمة القضية الفلسطينية    أمطار مصحوبة بعدد من الظواهر الجوية على جميع مناطق المملكة    76 فيلماً ب"أفلام السعودية" في دورته العاشرة    «مطار الملك خالد»: انحراف طائرة قادمة من الدوحة عن المدرج الرئيسي أثناء هبوطها    أمير الرياض: المملكة تدعو لدعم «الإسلامي للتنمية» تلبية لتطلعات الشعوب    وزيرا الإعلام والعمل الأرميني يبحثان التعاون المشترك    نائب أمير مكة يطلع على تمويلات التنمية الاجتماعية    الأهلي بطلاً لكأس بطولة الغطس للأندية    رابطة العالم الإسلامي تُعرِب عن بالغ قلقها جرّاء تصاعد التوترات العسكرية في شمال دارفور    منصور يحتفل بزواجه في الدمام    ديوانية الراجحي الثقافيه تستعرض التراث العريق للمملكة    لقاء مفتوح ل"فنون الطهي"    إطلاق المرحلة الثانية من مبادرة القراءة المتجولة    فيصل بن بندر يؤدي الصلاة على عبدالرحمن بن معمر ويستقبل مجلس جمعية كبار السن    دولة ملهمة    فئران ذكية مثل البشر    إستشاري يدعو للتفاعل مع حملة «التطعيم التنفسي»    المصاعد تقصر العمر والسلالم بديلا أفضل    سعود بن بندر يستقبل أعضاء الجمعية التعاونية الاستهلاكية    ذكاء اصطناعي يتنبأ بخصائص النبات    تطبيق علمي لعبارة أنا وأنت واحد    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ثلج» لأورهان باموك: ثلاثة أيام من الحب والصقيع والإرهاب والعسكر والانتحار
نشر في الحياة يوم 03 - 04 - 2013

كا، للحرفين الأولين من اسم الشاعر. كار، للتعبير عن معنى كلمة ثلج باللغة التركية. وأخيراً كارس، وهو اسم تلك المدينة الواقعة عند أقصى الطرف الشمالي الشرقي لتركيا، غير بعيد من الحدود الأرمينية ومن نقطة التلاقي بين تركيا وأرمينيا وروسيا. كا، شاعر ومناضل تركي أمضى سنوات كثيرة من حياته في ألمانيا وها هو يعود الآن إلى وطنه ليشارك في دفن أمه في اسطنبول، مدينته ومسقط رأسه، لكنه عند مفتتح رواية أورهان باموك، يتوجه إلى مدينة كارس وسنعرف لماذا بعد قليل. أما هذه المدينة فإنها سمّيت بهذا الاسم الذي قد يعني «ماءً مثلجاً» لسبب شديد الوضوح، فهي مدينة شديدة البرد وحتى حين لا نكون في موسم الصقيع. وخلال الأيام القليلة التي يزورها فيها كا، تعيش كارس حالاً من سقوط الثلج مذهلة وقاتلة إلى درجة أن المواصلات بينها وبين كل ما يجاورها تنقطع... والحال أننا لن نعرف أبداً مشاعر كا تجاه ذلك الثلج المتواصل الندف... لكننا نعرف الكثير عن مشاعره الأخرى. فالرواية ترافقه في كل لحظة من لحظات إقامته، من دون أن يكون هو راويها. الراوي هنا، والذي لن نتعرف إليه سوى في شكل تدريجي بعد عبور مئات الصفحات من الرواية، سنكتشف أنه يُدعى السيد أورهان باموك، من دون أن يطالعنا ما يؤكد لنا أنه هو نفسه مؤلف الرواية، الكاتب التركي المعروف عالمياً منذ سنوات طويلة والذي فاز بجائزة نوبل للآداب قبل سنوات. فقط سنفهم، في السياق، أن كا كان صديقاً للراوي السيد باموك، وأن هذا الأخير، إذ يقوم في حقيقة الأمر بنوع من التحقيق حول آخر سنوات حياة كا، بدءاً من الرحلة التي قام بها إلى مدينة كارس، إنما يقوم بفعل وفاء بعد سنوات من مقتل كا. ومقتل كا بعد سنوات أيضا من زيارته كارس سيتم في ألمانيا حيث منفى الرجل، وربما في شكل له علاقة مباشرة بتلك الزيارة. أو هذا ما سيتبين لنا شيئاً فشيئاً خلال الفصول الأخيرة من الرواية التي يصل عدد صفحاتها إلى حوالى 500 صفحة.
مهما يكن من أمر، فلا بد أن نشير هنا، ومنذ الآن، إلى أن الصورة الإجمالية التي قدمناها عن رواية «ثلج» في السطور السابقة، ستبدو لمن يقرأ الرواية، مخادعة بعض الشيء لأنها اختزالية وتصل إلى تقديم استنتاج إجمالي لفصول طويلة نعايش خلالها ساعة بساعة ما عاشه كا في تلك المدينة... صحيح أن كل ما عاشه هناك لم يتجاوز بضعة أيام وبضعة لقاءات مع عدد يكاد يكون محدوداً من الشخصيات، لكن كاتب الرواية عرف كيف «يوظف» هذا كله ليرسم لقارئه صورة مدهشة وتفصيلية لحقبة طويلة جداً من التاريخ التركي المعاصر... وليقدم من خلال ذلك السرد صوراً أشد اثارة للدهشة لبعض المسائل الشائكة وليس هنا فقط في الراهن التركي، بل كذلك في الراهن الشرق أوسطي متحلقاً حول مسائل تشغل صورة هذا الراهن وواجهاته الفكرية والسياسية، من قضية الهوية إلى التشابك بين الإسلام والحداثة مروراً ب «الصحوة الإسلامية» التي لا مفر من الدنوّ منها في أي عمل يدنو من هذا الراهن، إلى فشل أحلام الستينات الثورية والعلمانية، إلى سلطة التاريخ سواء كان قديماً أو جديداً، مروراً بقضية المرأة وتفكك العائلة والانقلابات العسكرية، ودور المبدع في عملية التغيير ومسائل مثل الوفاء والصداقة والحب والرومانسية... ولن يكون هذا كل شيء على أية حال.
غير أن هذا كله لا يأتي أشبه بفسيفساء متراصة قطعاً إلى جانب بعضها بعضاً كما قد يحدث عادة في هذا النوع من العمل الإبداعي البانورامي الذي يبدعه أصحابه محاولين أن يقولوا أشياء كثيرة – وربما أيضا، «كل شيء» – من خلاله. على العكس، كل ما في هذه الرواية ذات البرد القارس والأيام الثلاثة وحكايات الحب والبحث البوليسي، واستبطان تاريخ الذات وما إلى ذلك، يبدو متشابكاً تماماً بين بعضه البعض في نص روائي ممتع من المستحيل معه الاكتفاء بالتعاطي مع الشخصيات بصفتها رموزاً أو كنايات، مع أنها في عمق أعماقها كذلك... فالحقيقة أن قدرة باموك السردية والتحليلية مكّنته من أن يحوّل حتى الشخصيات الرامزة لحقب أو أفكار أو طبقات، إلى كائنات بشرية من لحم ودمّ... على صعوبة مثل هذا الإنجاز في هذا النوع من الأدب حيث تختلط الحميمية بالبانورامية والحب بالتاريخ... والسياسة بالدين. أما ما سمح لباموك بهذا المقدار من التشابك والحرية فهو موضوعه المتعدد التوجّهات... ففي البداية لدينا كا الذي إذ يقترح عليه صديق صحافي في اسطنبول أن يتوجه إلى مدينة كارس في الطرف الشرقي من البلاد للتحقيق في انتحار فتيات عدة لمجرد أن الكلية التي يدرسن فيها فرضت عليهن عدم ارتداء الحجاب وإلا يُطردن، يقبل القيام بالمهمة. بالنسبة إلى كا بدا الموضوع في حد ذاته مغرياً، فكيف إن عرف، إضافة إلى هذا، أن الحسناء أيبك رفيقته السابقة في الجامعة والتي كان معجباً بها، تعيش اليوم في المدينة مطلّقة من زوجها مختار، الزعيم اليساري السابق الذي أضحى اليوم زعيماً إسلامياً يناضل في المدينة نفسها ضد السلطات العلمانية القامعة؟ أمام هذا الواقع صار لكا دافعان بدلاً من واحد. والحال أن هذه الازدواجية ستكون عنصراً أساسياً في الرواية وعلى صعد عدة. فأيبك نفسها لها أخت لا تقل عنها جمالاً، محجّبة ومناضلة إسلامية. ولمختار نفسه أنا/ آخر هو الزعيم الديني الذي كان بدوره يسارياً ويعرف باسم أزرق، ويتزعم اليوم في كارس نفسها مجموعة إسلامية متطرفة. وأزرق هذا سنكتشف لاحقاً ان قديفة أخت ايبك مغرمة به، كما سنكتشف أمام حزن كا أن أزرق كان ذات لحظة على علاقة بأيبك نفسها. وقديفة المغرمة بأزرق كانت موضوع حب المناضل اليساري نجيب الذي حين سيُردى قتيلاً خلال الرواية على يد قوة محلية من الجيش (قامت خلال إقامة كا في المدينة بانقلاب، يشكل أحد المحاور الرئيسة للسرد الروائي هنا)، سيحل محله في حب قديفة أنا/ آخر له هو أيضا مناضل إسلامي بدوره... هكذا، بالتدريج يكشف باموك لعبته القائمة على تلك الازدواجيات حتى الفصول الأخيرة حين سيبدو لنا الراوي، السيد باموك نفسه وكأنه يتماهى تماماً مع صديقه كا المقتول، إلى درجة أنه سيقع بدوره في غرام أيبك، وإنما من دون طائل!
والحال أن الازدواجية التي نشير إليها والتي تعمّ العلاقات بين شخصيات هذه الرواية، تتمدد منذ فصولها الأولى وحتى الفصول الأخيرة، إذ حتى بالنسبة إلى الحبكة تؤطّر هذه بين حفل مسرحي يقام فيها أول ليلة وحفل آخر يقام آخر ليلة من ليالي إقامة كا هنا. والحفلة الأولى ستكون الإطار الحدثي لانقلاب عسكري يقوده في شكل أو في آخر الممثل صوناي زعيم الذي «يتحالف» هنا مع العسكر للحدّ من نفوذ الإسلاميين عشية انتخابات محلية يتوقّع فيها الفوز لهؤلاء... وخلال الانقلاب سيقع ضحايا ويكون كا شاهداً على الأحداث، تماماً كما أنه كان وأيبك قبل ذلك شاهدين على اغتيال إرهابي إسلامي مدير الكلية المتهم بطرد الطالبات المحجبات والتسبب بانتحارهن بالتالي... أما الحفلة الثانية فإنها ستكون بدورها عرضاً مسرحياً ذا خلفية سياسية تآمرية.
إن كا، في طول الرواية، يبدو لنا مراقباً محايداً من دون أن يعني هذا أنه ليس لديه لحظات شك وتمزق... وهي لحظات كان يمكن أن تكون قاتلة له، لولا أنه تحت وقع إقامته واستعادته حبه لأيبك والطقس العنيف والأحداث واللقاءات المتلاحقة، يستعيد ما كان فقده منذ زمن بعيد: قدرته على كتابة الشعر... حيث نجده استعاد الإلهام ليكتب ما مجموعه تسع عشرة قصيدة. غير أن الراوي باموك سيقول لنا لاحقاً إن تلك القصائد قد فقدت وإنه هو، إذا كان زار كارس بعد حين ليلتقي أيبك بدوره ويغرم بها، فإنما كانت الغاية من زيارته محاولته العثور على الكراس الذي خطّ فيه صديقه قصائده. الراوي لن يعثر على القصائد، كما أنه لن يتمكن من إقناع أيبك بحبه ولو بديلاً لكا الذي سنعرف في النهاية أنها تخلت عنه وعن اللحاق به إلى محطة القطار للسفر معاً إلى ألمانيا، بسبب انكشاف صفقة غاص فيها... وهذه الصفقة تشكل طبقة أخرى مدهشة من طبقات هذه الرواية التي كتبها باموك نفسه، الكاتب لا الراوي هذه المرة، في العامين الأخيرين من القرن الفائت، لتضاف إلى مجموعة رواياته الساحرة المدهشة التي فتحت له طريق نوبل، وجعلته واحداً من أشهر أدباء العالم في زمننا هذا، ومن أبرزها «الكتاب الأسود» و «اسمي أحمر» و «القلعة البيضاء» و «الحياة الجديدة» و «بيت الصمت» و «متحف البراءة»...
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.