تعتبر تجربة المخرج السينمائي المغربي مومن السميحي مميزة داخل المجال السينمائي في بلده، فهو قد سعى منذ أفلامه الأولى إلى تشكيل رؤية سينمائية مخالفة للمعتاد، تغوص في المسكوت عنه سواء كان فردياً أو جماعياً، وتقدمه للمشاهد وفق تقنية إخراجية ترتكز على المزج بين التصوير البانورامي العام الذي يقدم الفضاءات في كليتها، كما فعل في فيلمه المعروف «الشركي» خصوصاً في بدايته، وبين التصوير المركز الذي يفكك بنية الصور الداخلية للشخصيات المقدمة من أجل سبر أغوارها انطلاقاً من عملية التصوير ذاتها، قبل اللجوء إلى الاستعانة بالموسيقى. وهو ما يفعله غالبية المخرجين. وقد تجلى هذا الأمر في فيلمه الجميل «العايل» الذي قدّم فيه صورة لطفولة باحثة عن ذاتها في فضاءات مدينة طنجة، بكل ما تحمله هذه الفضاءات من متخيل واقعي ومؤسطر أيضاً. وبين هذا الفيلم وذاك ظل السميحي في جل أفلامه حريصاً على هذا التميز الرؤيوي للأشياء وعلى هذه الخصوصية الفنية بالتحديد والتي جعلت النقد السينمائي يدخل تجربته السينمائية ضمن خانة «سينما المؤلف» بكل استحقاق. وبالموازاة مع إخراجه لأفلامه السينمائية، كان السميحي حريصاً على مساءلة تجربته السينمائية بشكل خاص، والتجارب السينمائية الأخرى بشكل عام. وهو ما أفصح عنه في كثير من كتاباته التي بدأ يصدرها تباعاً في كتب. ومن بين هذه الكتب جاء كتابه «حديث السينما» بجزءيه ليسد فراغاً في المكتبة السينمائية العربية، سواء المغربية منها أو المشرقية. في هذا الكتاب تحدث المخرج عن مجموعة من المواضيع المهمة المرتبطة بالمجال السينمائي بشكل عام، والمغربي منه بالخصوص، ولكن في بعده الثقافي الشامل الذي يجعل من السينما مرآة المجتمع المعبرة بقوة عن مختلف الاتجاهات الفكرية فيه. وقد انطلق في هذا الكتاب من الحديث عن علاقته بالسينما وعن ذهابه إلى باريس حيث ترعرع بالاعتكاف على الخزانة السينمائية ومتابعة الدراسة بالمدرسة التطبيقية للدراسات العليا هناك. كما تحدث عن إشكالية التعبير بالصورة حيث السينما هي ممارسة وتعامل مع نظام الصورة ونظام الصوت المندمج معها. كما تحدث عن علاقته بمدينة طنجة وكيفية تقديمه لها في أفلامه لا سيما في فيلمه «الشركي». تحدث المخرج مومن السميحي أيضاً في كتابه هذا عن فيلمه «44 أو أسطورة الليل» مركزاً في هذا الصدد على زوايا قراءته تاريخ المغرب المعاصر وكيف سعى إلى تقديم هذا التاريخ ليس كمؤرخ وإنما كفنان سينمائي بالدرجة الأولى، مستشهداً في هذا الصدد بكل من سيغموند فرويد ورولان بارت لتوضيح رؤيته لهذه الأمور. وبالإضافة إلى هذا تحدث عن فيلمه الجميل «قفطان الحب المنقط بالهوى»، متوقفاً بعمق عند تيمة الحب والعلاقة الظاهرة والمستترة بين كل من الحب والجنون، ليصل إلى الحديث عن الكتابة والأسطورة في السينما المغربية. في الجزء الثاني من الكتاب الثري تحدث السميحي عن السينما والمشكلة الثقافية في العالم الثالث، وعن السينما المغربية والتساؤل الفكري وعن العلاقة بين الأدب والسينما، وعن الإيمان بالسينما على اعتبارها نافذة لرؤية العالم. بالإضافة إلى مواضيع سينمائية متعددة أو لها علاقة بالسينما في بعدها الرؤيوي للعالم، ونذكر منها على سبيل المثال : «يوميات فيلم»، «تصوير طرف الخبز»، «يجري ويجاري»، «مجاعة فكرية»، «المرأة في أفلامي»، «أوراق العمر»، «المثقف والمجتمع المدني». وقد جاء هذا الجزء الثاني ليدعم وجهات نظر المخرج مومن السميحي في القضايا التي أشار إلى بعضها في الجزء الأول من الكتاب وليتطرق إلى مواضيع أخرى مرتبطة بها، خصوصاً ما يتعلق بمنهجية الكتابة السينمائية وبالسيميائيات والتحليل. في اختصار يعتبر هذا الكتاب السينمائي، الفكري والتأملي، بجزءيه الأول والثاني، من دون أدنى مبالغة إثراء للثقافة السينمائية بشكل خاص، وللثقافة السينمائية في مختلف تجلياتها الفنية والفكرية بشكل عام. هو بالتالي كتاب جدير بالقراءة والمتابعة التعريفية منها والنقدية على حد سواء.