لم تعد حقول الرز في كولومبيا مهددة فقط بالطيور الملتهمة للحبوب، بل يشكل التغير المناخي لها تهديداً أكبر كثيراً من ذلك. إذ لطالما حظي مزارعو الرز في سهول مونتيريا المدارية بظروف مواتية جداً لمزروعاتهم، لأن الحر الرطب الخانق كان يضمن لهم ثلاثة محاصيل في السنة الواحدة، قبل أن ينقلب الوضع رأساً على عقب. ويقول أوسكار بيريز وهو مزارع، في تصريح الى وكالة «فرانس برس»، «يُحكى أن الطقس أصبح مجنوناً هنا، والكوكب برمته يشهد تغيرات ولا بد لنا من التكيف مع الوضع». ففي أقلّ من عقد، تلقى المزارعون ضربة قاسية إثر تغير الأحوال الجوية وارتفاع الحرارة بمعدل ثلاث درجات، وازدياد الرطوبة إلى 85 في المئة، مع فيضانات وموجات جفاف. وأشارت المسؤولة التقنية في اتحاد «فيدياروز» الوطني باتريسيا غوزمان، والذي يضم 12 ألف مزارع إلى أن «محاصيل الرز تراجعت بمعدل طن في الهكتار الواحد، بسبب تقلب الطقس وفي خلال خمس سنوات». ويعد هذا الوضع مأسوياً في بلد يضم 450 ألف هكتار من حقول الرز التي يعيش منها أكثر من 200 منطقة، كما أن التوقيت لم يعد مناسباً. إذ بموجب اتفاق تجاري أُبرم مع الولاياتالمتحدة، سيستورد الرز الأميركي في غضون خمس سنوات مع إعفائه من الجمارك. علماً أن كلفة إنتاجه أقل مرتين تقريباً. وأقرت غوزمان بأن «التغير المناخي سرّع هذا السباق مع الزمن». ونظراً إلى خطورة الوضع، شارك المركز الدولي للزراعة المدارية في برنامج تحليل للمعطيات ينفذ للمرة الأولى على هذا النطاق الواسع. وسمحت عوامل كثيرة، مثل التوقعات المناخية ودراسة الأراضي وأنواع الرز المختلفة بحسب تعرضها لأشعة الشمس، بتحديد توصيات ملموسة، وتحديداً ما يخص الفترات المثالية لمواعيد بذر الحبوب. وأوضح سيلفان ديليرس وهو باحث فرنسي يشارك في مشروع المركز المعروف ب «بيغ داتا» الذي كرمته الأممالمتحدة في إطار قمة مناخية عقدت في نيويورك، أن «المزارع ربما يتحفظ عن تغيير ممارساته التقليدية خصوصاً عندما يوصيه أبناء المدن بذلك. لكن مع التغير المناخي فقد المزارعون البوصلة وباتوا في الضيق». وسمح مبدأ بسيط بتحسين الوضع في مونتيريا، إذ قام المزارعون بموسم حصاد واحد في نهاية السنة وتجنبوا زرع الحبوب خلال النصف الأول من السنة، عندما يعزز ارتفاع الحرارة في الزراعات الكثيفة الأحادية المحاصيل انتشار بكتيريا تقضي على المزروعات. واعترف المزارع ألفونسو بيانكو بأن «الأمر كان صعباً بالنسبة إلى مزارعين كثر». ودعا الباحث الزراعي كريستو بيريز، المزارعين الأكثر تحفظاً إلى معاينة آثار البكتيريا في الحقول، وينظم لهم اجتماعات لرفع الوعي تبدأ عادة بصلوات وتسمح بتعميم هذه التوصيات في الأرياف حيث حلت محطات الأرصاد الجوية المتنقلة محل فزاعات الطيور. وقالت المزارعة روزاريو غانيم، التي باتت تفضل تطبيق توصيات العلماء على تعليمات أجدادها «أدركنا هول الوضع».