تتواصل منذ أشهر في قطاع غزة، حملة يقودها أطباء شباب للحد من إدمان الشباب على الحبوب المخدرة، والتي باتت ظاهرة في الفترة الأخيرة تعرف ب «إدمان الترامال»، وتتواصل على رغم الحملات المتنوعة للحد منها. أحد هؤلاء الأطباء، إيهاب موسى، اختصاصي الأمراض العصبية والنفسية والإدمان، بادر إلى هذه الحملة برفقة أطباء وممرضين من القطاع، لاستشعارهم خطر ظاهرة «إدمان الترامال» خصوصاً «مع انتشار الأدوية والعقاقير المخدرة بشكل كبير في القطاع»، ومع انتشار بيئة خصبة من الناحية النفسية لدى قطاعات واسعة من الشباب. وقال موسى: «للأسف تتسع هذه العادة بشكل كبير في الآونة الأخيرة في غزة لدرجة مرعبة، وإذا كانت تتركز بشكل أساسي في صفوف الشباب، إلا أنها تطال فئات عمرية متنوعة». وكشف موسى أن الشباب المدمنين يحملون المنظومة السياسية في غزة مسؤولية انهيار الأوضاع الاقتصادية والأوضاع الاجتماعية في القطاع، وأنها السبب الرئيس في انهيار معنوياتهم ووقوعهم في شرك المخدرات، وبخاصة الحبوب المهدئة، وعلى رأسها «الترامال»، وهو ما وصفه ب»عذر أقبح من ذنب». ويعتبر «الترامال» من مسكنات الألم القوية وغير الباهظة الثمن التي تحدث حالاً من الهذيان في حال زيادة الجرعة وقد تؤدي إلى الإدمان. وأضاف موسى: « افتتحنا عيادة في مستشفى خاص، ونسعى بكل الجهود التطوعية للخروج بنتائج إيجابية في هذا الاتجاه على رغم ضعف الإمكانات. لكن للحصول على تأثير أقوى علينا إزالة الخوف الذي يتملك المدمن من التوجه إلى العلاج، خشية ملاحقته أمنياً، ولهذا بدأنا التنسيق مع الأجهزة في غزة، وكل المؤسسات الرسمية، لضمان نجاح حملة «أطباء شباب ضد الإدمان». ومن بين أعضاء الحملة، الممرض الشاب أحمد الخالدي الحاصل على درجة الماجستير في الصحة النفسية، والذي أشار إلى أن ازدياد الحملات المناهضة للإدمان في غزة، ينبع من تحول الإدمان إلى ظاهرة فعلية. وقال: «لا إحصاءات رسمية لعدد المدمنين في غزة، لكن نسبة المترددين على عيادات وزارة الصحة (في الحكومة الفلسطينية المقالة) والعيادات الخاصة تقارب 50 في المئة وهي نسبة مرتفعة جداً، وبالتالي لا بد من مزيد من الحملات الرسمية والشعبية والشبابية، للخروج بخطة استراتيجية للحد قدر المستطاع من هذه الظاهرة». وأضاف الخالدي: «الحملة لا تقوم على التوعية فقط، بل على العلاج بالعقاقير، والعلاج النفسي، للتخلص من الإدمان، وبخاصة على الحبوب المخدرة، ولكن تبقى التوعية هي الأساس، لأنها تساهم في الحد من دخول شباب جدد إلى دائرة الإدمان». وافتتحت وزارة الصحة في الحكومة الفلسطينية المقالة في قطاع غزة قسماً للحد من انتشار هذه الظاهرة، لكن الخالدي يرى أن الإمكانات المتوافرة لهذا القسم لا تكفي للحد من الانتشار المتسارع للحالات، على رغم تحقيق بعض النجاحات البارزة في هذا المجال، وهذه النجاحات تتوقف على طبيعة كل حالة على حدة، وتتوقف أيضاً على استجابة العائلة والمحيطين بالمدمن. ولا تقتصر حالات إدمان «الترامال» على الذكور، بل تعدتها إلى الإناث، فإحدى النساء المدمنات على تناول هذا العقار، ولا تزال في عقدها الثاني، قالت: «منذ فترة وأنا أتناول الترامال. وضعنا المأسوي منذ سنوات دفعني إلى الترامال كمهدئ. أريد بصراحة أن أمحو ذكريات أليمة عشتها ولم أجد طريقاً إلا هذا». وأضافت طالبة عدم ذكر اسمها: «للأسف وضعي النفسي لا يزال سيئاً جداً ولم يتحسن أبداً والمشكلة أنني لا أستطيع التوقف عن تناول الترامال لأنني أصبحت مدمنة عليه، ولا أتخيل يوماً يمر علي من دونه حتى أنني الآن أحتاج عقاراً أقوى وأكثر فاعلية منه لأغيب عن هذا الواقع المرير الذي لا يصل بالإنسان إلا إلى الجنون». وكشفت السيدة في شهادة مشفوعة بالقسم لإحدى المؤسسات ذات العلاقة: «حتى زوجي يتناول الترامال ولا يمكنني التفاهم معه إلا إذا كان «مترمل»، أي تحت تأثير الحبوب». وقالت الطالبة «س.ن» (20 سنة) في شهادة مشابهة: «لديّ حبتان في جيبي الآن، ولا أستطيع العيش ولو ليوم واحد دون ترامال، لأن حياتنا كشباب تعيسة جداً، فلا مكان للترفيه ولا مستقبل ينتظرنا ولا استقرار نفسياً فالحل دائماً يكون بتناول العقار». وأضافت: «معظم صديقاتي يتناولن الترامال. بعضهن بشكل علني والأخريات بشكل سري. وأنا عندما أشعر بشيء من الضيق سواء جسدياً أم نفسياً أتناول حبة».