أكدت التشكيلية السعودية اعتدال عطيوي أن المدارس الفنية والأطر تعنيها. وأنها لا تقع في شرك المحرضات ولا ترتكب البلادة بإصرار. وأوضحت أن الفن لا يعرف الحدود وهو مجموعة من التراكمات الذهنية والثقافية المتفاعلة. وقالت في حوار مع «الحياة» إن استكناه الإبداع من فن وشعر وموسيقى وأدب يشكل حصيلة محرضة تقتنصنها في زمن ما. وأشارت إلى أن التشكيلية السعودية ما تزال تراوح مكانها وتناور ذاتها، وأنها لم تتحقق لها هوية بدرجة يمكن الإمساك بها. ولفتت اعتدال عطيوي، التي أسست «جماعة نون النسائية» إلى أنها كانت أول عضوه في نادي جدة الأدبي، خلال ما وصفته بالأيام الذهبية على يد الأديب المجدد محمد حسن عواد. وقالت إن حراك النادي بين مد وجزر، وإن تراجع في الآونة الأخيرة. وعن الحركة الأدبية في السعودية، أوضحت أنها ما زالت أثيرة التقليد. اعتدال عطيوي فنانة تشكيلية لها بصمتها الخاصة في مساحة التشكيل السعودي، كيف استطعتِ نحت تلك البصمة، في الظروف التي يعانيها التشكيل في شكل عام؟ - بامتشاق الشغف المستجيب لهواجس الأنا ومعاناتها، فالفن في كل أطوار حياتي حيوات متعددة تمنحني وأمنحها وأعتبرها عنصراً جوهرياً لحياتي تثريني. كان لي في غنائية الرمز وثرائه حديث طويل تواتر ملياً ثم تحول إلى تجريد منذر ظللت مخلصة له ببصمة خاصة ما زالت مكانها تراوح طويلاً، وإن أجدني في الفترة الأخيرة ميالة بشدة إلى الشكلانية اللونية المنقادة للباطن، لا أخشى التجارب يشوقني غرابتها وتوحدها أحياناً إذا أرضتني كفتني على الصعيد الشخصي. كنت أول من طرح الأسود والأبيض ثم توالى الآخرون، وأول من استعمل الورق كمنجز وحيد في عمل تشكيلي، وهناك تجارب كثيرة ما زالت حبيسة، أرحل حتى أرى وأغوص وأتأمل عن قرب طروحات الآخرين في كل مكان وزمان. اشتغالك التشكيلي يبدو أحياناً خارج إطار المدارس، في الوقت الذي يفصح عن إفادة واسعة من منجز التشكيل العربي والإنساني، حدثينا عن ذلك؟ - لا تعنيني المدارس والأطر، فالفن لا يعرف الحدود، وهو مجموعة من التراكمات الذهنية والثقافية المتفاعلة، واستكناه الإبداع من فن وشعر وموسيقى وأدب يشكل حصيلة محرضة تقتنصني في زمن ما. هل من عمل معين تجدين أنه أقرب إلى روحك؟ - أي عمل مهما كان وفي أي زمان أو مكان هو جزء مستل من زمني الروحي، كلهم يسكنونني وألتحف بهم من صقيع الوقت. كيف تنطلق الريشة في يدك، في معنى ما المحرض على الرسم لديك؟ - لا أقع في شرك المحرضات وإلا ارتكبت البلادة بإصرار، هي شهقة مفاجأة لا أعرف من أين تصعد ومتى تقتنصني وأين، فأهبها زمني بلا شروط، فقد تكون ورقة جافة أو بضع كلمات أو كم من مكدساتي الملتقطة أو تعرجات في شارع ما، كلها أو بعضها إلا أن الشعر يظل سيدها الأخاذ، وقد أصمت طويلاً ثم أتدفق كالبركان. الألوان ليست مجرد خامات، إنها أدوات ابتكار وخلق، إلى أي حد تمثل هذه الخامات عوناً لك على التعبير واقتراح ممكنات لونية وجمالية تميزك عن سواك؟ - يمر الفنان بمراحل انفعالية مختلفة تنعكس في اختياراته اللونية بتلقائية قد لا تفصح عن أسبابها كثيراً، فالألوان حيوات متواترة لا سقف لبهجتها وتمايزها وارتحالها، فهي تصطك وتتثنى وتواجه، وقد تولي الإدبار أو تفرض ذاتها عليّ بلا هوادة، والطبيعة سيدتها الأولى. وفي كل زمن لي معها تمازج وإيقاعات مختلفة، تتوالى بين عنف وسكون، ثم يخف صوتها لمصلحة أخرى، ولكني في المجمل أعشق العنف اللوني الساطع، أما الأزرق فهو اللون المفضل لدي، فهو السماء والبحر عشقي المستمر. كفنانة ومثقفة، كيف ترين الحركة التشكيلية في السعودية الآن، وهل وصلت التشكيلية السعودية إلى المكانة التي تليق بها؟ - ما زالت لا تراوح مكانها وتناور ذاتها ولم تتحقق لها هوية بدرجة يمكن الإمساك بها، لاعتمادها على التجارب والاجتهادات الخاصة لانعدام التشكيل الأكاديمي وضعفه من ناحية، وتقليدية الدعم الرسمي من جهة أخرى، إلا أنها حققت بعض الانتشار الإقليمي والعالمي في الآونة الأخيرة بجهود ذاتية وهذا لا يكفي. تتحرك الفنانة السعودية في حقل ألغام المنع والتحريم في غالب الأحيان، فكيف تتغلبين على ذالك المنظور الاجتماعي السائد؟ - الرقيب والمنظور الاجتماعي موشوم بقوة لدى كل المبدعين العرب، والتحرر منه إشكالية لها مسافات قرب وبعد تتراوح على حد نمطية المجتمعات ومساحة الفكر الحر السائدة، وهو لا يعنيني كثيراً عند العمل، ولكن مكان العرض يحتم بعض المحددات والأطر. نرى لك حضوراً كبيراً ومشاركة في كثير من الجمعيات الثقافية والفنية، فما الذي تريدين إيصاله للناس من خلال كتاباتك ولوحاتك وأبحاثك؟ - أعيش الإبداع لذاته حتى الثمالة ولا أسعى إلى رسائل مقننة، وإلا اتخذت منصة الوعظ، ولا يتناسب ذلك مع بركانية الإبداع فالفن للفن، وترطيب الروح وبعث الاستشراف في عتمة الحياة هو بعض ما تحققه، أما الأبحاث فتخضع لقوانين أكثر صرامة وإن كنت أسعى إلى أن أطرح الجديد في الفن أو أوثق القديم في الدراسات الإنثربولوجية حتى لا يتبعثر في ذمة التاريخ. كنتِ من أوائل المؤسسات لنادي جدة الأدبي، فكيف ترين تطور الحركة الثقافية والفنية في مدينة جدة؟ - كنت أول عضوة في نادي جدة الأدبي في أيامه الذهبية على يد الأديب المجدد محمد حسن عواد، فقد منحني عضوية النادي، وأنا ما زلت في مرحلة الدراسة الثانوية، أراوح بين التكهنات والشخبطات الرومانسية. أما عن حراك النادي فهو بين مد وجزر، وإن تراجع في الآونة الأخيرة. أما عن الحركة الأدبية فما زالت أثيرة التقليد إلا من بعض التجارب المتطاولة وإن خفت صوتها كثيراً. أسست جماعة نون النسائية عام 2007، إلى ماذا تهدف تلك الجماعة؟ - إيجاد مجموعة متجانسة تطرح إبداعاً مختلفاً، ولكن لم يكتب لها الاستمرارية، ولكني لا أيأس بسرعة، والقادم قد يكون أفضل. أعرف أنكِ تكتبين القصة القصيرة والشعر، فكيف تترجم الكلمة في اللوحة؟ - كل منها يعطي الآخر ويأخذ منه بشكل سلس وتلقائي، إذ لا أؤمن بإخضاع إبداع لمصلحة آخر، لأن التقصد إحدى مصايد الإبداع القاتلة. لك كتابات متفرقة في الصحافة ومشاركات عدة شعرية وقصصية، فكيف تجمعين بين كل هذه الأنواع التعبيرية؟ - لم أفكر يوماً أو أشغل نفسي في كيف ولماذا، لأن الإبداع فطري النشأة وهاجس ضارٍ، وتجليات تختار صورتها الفضلى للظهور، وأنساق مع تلقائيتها في طموح متواتر آمل ألا ينضب.