لا يمكنك دائماً حل مشكلة في الرياضيات عبر اختصارها بما سبق أن وجدت له حلاً. أحياناً، أنت بحاجة إلى ابتكار مجال جديد كلياً في الرياضيات. في هذا السياق، أعلن شينيتشي موتشيزوكي من جامعة كيوتو اليابانية أنه عمل لسنوات على تطوير مجال جديد، أطلق عليه اسم «نظرية تايشمولر الحسابية»، ويسعى لإثبات مُعادلة حدسيّة شهيرة في إطار نظرية الأعداد، تُعرف باسم «حدسيّة أ ب س». ليست هذه الحدسيّة سوى خطوة أولى على طريق الألف ميل. ففي حال أُثبتت صحة نظرية موتشيزوكي، سيطلق العنان لسلسلة من المشكلات المفتوحة في مجال نظرية الأعداد وغيرها من فروع علم الرياضيات. تنبع الحدسيّة من معادلة بسيطة ظاهرياً: أ+ب= س. ثمة أشكال متنوّعة لهذه المعادلة، يحتاج أبسطها إلى إتقان معادلات في علم الجبر، بل إن بعضها يستعصي على الحلّ، خصوصاً عند رفع قوة الرقمين أ وب. في المقابل، تملك معادلة أ+ب=س حلاًّ أساسياً: اختَر رقمي أ وب ثم اجمعهما، فتحصل على النتيجة. في المقابل، عندما تدخل الأعداد الأولية في هذه المعادلة، تصبح الأمور مثيرة للاهتمام، ففي منتصف الثمانينات من القرن العشرين، وجد عالما الرياضيات ديفيد ماسيه (من جامعة بازل في سويسرا) وجوزيف أوسترليه (من جامعة بيار وماري كوري في باريس)، أنه عندما يمكن تمثيل أ وب بأعداد أولية صغيرة مرفوعة إلى قوى كبيرة، كأن يكون رقماً مضروباً بنفسه عشر مرّات، وعندها يميل مجموعهما س لاتّخاذ شكل أعداد أولية كبيرة مرفوعة إلى قوى صغيرة. تعكس «حدسيّة أ ب س» هذا الترابط بلغة رياضية دقيقة، مسلِّطةً الضوء على ما ينتجه «الضغط» الكامن بين عمليات الجمع والضرب، من معادلات غير متوازنة، بمعنى وجود كثير من الأعداد الأوليّة الصغيرة من جهة، والقليل من الأعداد الأولية الكبيرة نسبياً من جهة أخرى. أحدثت الحماسة في إمكان توصّل موتشيزوكي إلى إثبات لحل ما عن «حدسيّة أ ب س» ما يشبه الرعشة في أوساط علماء الرياضيات، تشبه ما حدث عند إعلان غريغوري بيرلمان عام 2002 عن توصّله الى حدسيّة بوانكاريه، وأندرو وايلز عام 1993 عن إثباته لما يعرف ب «معادلة فيرما الأخيرة». لكن تلك الحلول، على رغم صعوبتها الطاغية، استندت إلى تقنيّات متعارف عليها بصورة عامة في أوساط خبراء الرياضيات. نتيجةً لذلك، تمكن الباحثون من «الإقلاع» على متن أجزاء إثباتات للتأكد من صحة طروحاتهم. أما ما يسعى إليه الياباني موتشيزوكي، فهو التوصّل الى حلّ جذري ل «حدسيّة أ ب س»، من دون الاستناد إلى مُعادلات سابقة!