أثار الملتقى الثاني للثقافة العربية الكردية، الذي عُقِدَ في مدينة البصرة، أسئلةً كثيرة عما يُمكن المثقف العراقيِّ فعله في الأزمات السياسيّة. فالقائمون عليه حددوا لبرنامج هذا الموسم سقفاً مرتفعاً لطموحاتهم: «آفاق انفتاح واسعة بين القوميتين»، وهو الشعار الذي اختتم الملتقى تحت لافتته. وأخذ الجدل عن «الوحدة والتعدد» حصة الأسد من نقاشات المثقفين العراقيين في الملتقى، في حين يتفق كثيرون إنَّ الحالة العراقيّة أصابها الكثير من التشويه، وإنَّ الوقت لا يزال طويلاً للحديث عن تنوع ثقافي يحظى بالحماية. وانتهى الملتقى بعرض لوحات راقصة من التراث البصري، اضافة إلى تكريم القاص والروائي محمد خضير. مثل هذه الأنشطة تقام على هاجس وقلق يسكنان المثقف العراقي، في أن تتحول الأزمات السياسيّة إلى بابٍ من أبواب انهيار عام يضرب البلاد. ويحاول منظمو هذه التظاهرة بعث رسائل إلى النخبة السياسية بعدم قدرتها على تهميش التأثير الثقافي في العراق. وعلى مدى أربعة أيام قدم 30 باحثاً من العرب والأكراد 30 ورقة عمل تدرس حماية التنوع الثقافي في البلاد، وتقدم حلولاً مفترضة لضمان الإفادة من الاختلاف بين الهويات العراقية. وتبدو هذه المهمة صعبة في ظل صراع سياسي يديم نفسه، ويلمح الى وسائل تنافس قد تأخذ شكل العنف، أو الانفصال. وسلطت البحوث الضوء على محاور عدة منها «الأكراد في شعر الجواهري»، و «إشكالية الوحدة والتعدد»، و «التطور الأيديولوجي للتعددية الثقافية»، و «التحليل الاجتماعي لمفهوم التعددية الثقافية». وقرأ شعراء عرب وأكراد وتركمان وسريان قصائد بلغاتهم الأصلية، في محاولة لإظهار التنوع وإغناء التواصل بينهم عبرالمكونات العرقية. وكان مركز «كلاويز» الثقافي (منظمة كردية)، الذي يرعى الملتقى، نظم انشطة الموسم الأول في بغداد العام الماضي، لكن انتقادات واسعة وجهت له لاقتصاره على قراءات شعرية ولوحات رقص من الفلكلور العربي والكردي، سوى إن هذا الموسم عالج فكرة الانفتاح بين الثقافتين عبر أوراق بحثية. «نريد مد الجسور بين الشعبين العربي والكردي»، هذا ما يقوله رئيس المركز نوزاد احمد، الذي يزعم «تبني الملتقى منهجاً تنويرياً يعالج الخلل السياسي الغارق في الخلافات». ويقول مثقفون عراقيون شاركوا في ملتقى البصرة إنه «خطوة مناسبة لتحريك المياه الراكدة» ويرون إن المثقف وحده يستطيع تجاوز «الصيغة الأيديولوجية للصراع»، كما يصرح رئيس اتحاد أدباء البصرة كريم جخيوّر. ويخطط المركز، ومعه مثقفون من بغداد ومحافظات جنوب العراق، تكرار التجربة في مدن عراقية قريباً. وقال ناشط في «كلاويز» إن الدورة الثالثة للملتقى ستكون في مدينة النجف. لكنّ شخصيات ثقافية عراقية لا تتحمس لفكرة الملتقى الثقافي العربي الكردي، على أساس إنه «ترويج سياسي لقوى وأحزاب في إقليم كردستان». وكانت اعتراضات من مثقفين عراقيين على كلمات الافتتاح سطرت دور حكومة إقليم كردستان في دعم الانشطة الثقافية الكردية. بيد إنَّ القيادي في حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني»، الذي شارك في ملتقى البصرة قال إنَّه «محاولة لإظهار الهوية الثقافية الكردية وعرضها على المدن العراقية (...) وفرصة مناسبة لتفعيل العلاقة بين المثقفين وجعل خطابهم يوازي تأثير الخطاب السياسي».