شهدت تونس منذ هروب الرئيس السابق زين العابدين بن علي العام الماضي أحداث عنف متصاعدة اتُهم السلفيون بالوقوف وراءها وعلى رأسها عمليات حرق النُزل والحانات بمحافظة سيدي بوزيد (وسط البلاد) وتكسير المقاهي في محافظة جندوبة (شمال غربي البلاد) والاعتداء على روادها في شهر رمضان الماضي، بالإضافة إلى الاعتداء على تظاهرات ثقافية وسياسية ووسائل الإعلام. لكن الجديد هذه المرة تمثّل في أن الاستهداف تحوّل من استهداف المواطنين إلى استهداف المؤسسة الأمنية ممثلة في رجال الأمن، وهو ما جعل أصواتاً في المجتمع تُطلق صيحة فزع جديدة ضد تصاعد العنف. وحذّرت أحزاب سياسية وجمعيات مدنية من خطورة تصاعد وتيرة العنف في البلاد، وطالبت بضرورة التصدي للعنف «لأنه يهدد الانتقال الديموقراطي». كما طالبت الحكومة التي يهيمن عليها حزب النهضة الإسلامي بضرورة الحزم مع الجماعات المتشددة. وغالباً ما تكون الجماعات السلفية في قفص الاتهام في هذا الشأن. لكن القيادي في حزب جبهة الإصلاح (حزب محسوب على التيار السلفي) رفيق العوني رفض توجيه التهمة إلى السلفيين دون التحقيق والتقصي، مشيراً إلى أن العديد من الأطراف تقوم بأعمال إجرامية وأعمال عنف ثم يتم نسبها إلى التيار السلفي. وفسّر رفيق العوني، في تصريح إلى «الحياة»، أن التيار السلفي يحتوي على اتجاهات كثيرة منها الدعوية ومنها التكفيرية والجهادية ومنها من يستعمل العنف ومنها من يؤمن بالعمل القانوني والمدني. ودعا السلفيين إلى الدخول في إطار العمل السياسي المدني ورفض العنف. ولاحظ الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد، في تصريح إلى «الحياة»، أنّ وزارة الداخلية تشهد مخاضاً عسيراً هذه الأيام في شأن طريقة التصدي للعنف المتزايد في البلاد. وفسّر ذلك بوجود أطراف نقابية (نقابات الأمن والحرس الوطنيين) تعرّف نفسها بوصفها «منحازة لمكتسبات الثورة» و «تطرح بقوة مفهوم الأمن الجمهوري وتطالب بالحزم والشدة في مواجهة السلفيين»، في مقابل أطراف أخرى تعمل بمنطق «الولاء للسلطة الحاكمة مهما كانت». ووصف الباحث الاجتماعي هذا الانقسام بأنّه مخاض بين «أمن جمهوري وأمن موال للحزب» (الذي يتولى الحكم). لكن وزارة الداخلية تشدد، من جهتها، على أنها ستلاحق كل المعتدين والخارجين عن القانون وتقدّمهم للعدالة. وأكدت في بيان أصدرته الاثنين عزمها على تتبّع كل التجاوزات التي ترتكبها مجموعات تريد الحلول محلّ الدولة وفرض قانونها الخاص على المجتمع. وحمل عضو المكتب التنفيذي للحزب الجمهوري المعارض وسام الصغير مسؤولية العنف إلى وزارة الداخلية التي يرأسها القيادي في «النهضة» علي العريض لأنها لم تحرك ساكناً تجاه تهديدات السلفيين. وذكّر الصغير في تصريح إلى «الحياة» ب «الدعوات الصريحة إلى القتل التي توجه ضد السياسيين والنشطاء والنقابيين في ظل صمت وزارة الداخلية». ودعا إلى حل ما يُسمى بلجان حماية الثورة وبإقالة وزير الداخلية وتعويضه بشخصية مستقلة «تضمن حياد جهاز الأمن في هذه الفترة الحرجة»، بحسب قوله. ويتهم العديد من المراقبين حركة النهضة بالتواطؤ مع السلفيين وتوجيههم لخدمة مصالحها. ويعتبر الباحث طارق بالحاج محمد أن قيادات الصف الأول لحركة النهضة المتمثلة في راشد الغنوشي والصادق شورو والحبيب اللوز هي من تمسك بخيوط العلاقة مع السلفيين و «هم يعتبرونهم أبناءهم الشرعيين». وأشار إلى أن هناك توجهاً آخر داخل النهضة «يتمسك أكثر بمنطق الدولة والديموقراطية وهو المتمثل في وزراء النهضة من بينهم رئيس الحكومة (حمادي الجبالي) ووزير الداخلية (علي العريض)» الذين اعتبرهم «رجال دولة ... لكن السلطة العليا لرئيس حركة النهضة الإسلامية تمنعهم من القيام بواجبهم»، بحسب قوله. وكانت نقابة الحرس الوطني طالبت الأحد وزارة الداخلية بالحزم ضد الممارسات العنيفة التي يتعرض لها أفراد الأمن ومواطنون، وذلك على خلفية الاعتداء على رائد بالحرس الوطني من قبل مجموعة من السلفيين. وحذّر سامي الغناوي، عضو المكتب التنفيذي لنقابة الحرس الوطني، من أن ممارسات السلفيين المتكررة أصبحت «تهدد بقيام دولة داخل الدولة»، مُنبهاً من أن السلفيين يطبّقون قانونهم على الجميع في ظل صمت الإدارة. وكانت قوات الحرس الوطني في محافظة منوبة (غرب العاصمة التونسية) قد تدخلت لفض اشتباكات اندلعت بين سلفيين وتجار الخمور في المنطقة. وبحسب مصادر الحرس الوطني فإن أحد السلفيين ضرب الرائد وسام سليماني بواسطة آلة حادة مما تسبب في جروح خطيرة على مستوى الرأس والرقبة. وهذه الحادثة ليست الأولى في المنطقة، إذ وقعت قبل ثلاثة أسابيع تقريباً حادثة مماثلة خلّفت كسوراً في يد أحد الإطارات الأمنية بعد الاعتداء عليه من قبل السلفيين في المنطقة نفسها.