تمديد مهلة تصحيح أوضاع العمالة المنزلية المتغيبة لمدة 6 إضافية    المشهد السياسي العراقي في ضوء الانتخابات البرلمانية الجديدة    المنتخب السعودي على مشارف التأهل في مونديال الناشئين    بيان في الشباب بشأن أزمة الحارس بوشان وقرار الفيفا    المملكة تشارك في مؤتمر الإنتربول العالمي لمكافحة الفساد واسترداد الأصول    أمير الشرقية يكرم مدارس المنطقة بدرع التميز والاعتماد المدرسي    القيادة تهنئ رئيس جمهورية بولندا بذكرى إعلان الجمهورية لبلاده    مجموعة شركات SAMI تحصد ثلاث جوائز للتميز في توطين الصناعات العسكرية    ب "رؤية ما لا يُرى".. مستشفى الملك عبدالله ببيشة يُفعّل اليوم العالمي للأشعة    هجوم روسي بمسيرات يوقع قتيلا شرق أوكرانيا    لماذا دخل الشرع البيت الأبيض من الباب الجانبي؟لأنها زيارة خاصة لا رسمية    الفقد والادعاء.. حين يساء فهم معنى القوة    قصيدة اليقين    أنت أيضا تحتاج إلى تحديث    سعر برميل النفط ينخفض إلى 63.93 دولار    تعليم الطائف يعقد الاجتماع الأول للجنة الشراكات والاتفاقات    استبعاد تمبكتي من معسكر الأخضر.. واستدعاء الشهراني وكادش    «الشورى» يدعو مركز المناطق الاقتصادية في الرياض لاستكمال البناء المؤسسي والخطة الإستراتيجية    «التواصل الحضاري» ينظّم ملتقى التسامح    95 مليون ريال لصيانة ونظافة وتشغيل 1400 مسجد وجامع في المملكة    ضبط 21647 مخالفاً للإقامة والعمل وأمن الحدود    النصر يتصدر بالمحلي    وسط ضغوط على المرحلة الثانية من اتفاق غزة.. الاحتلال يمنع خروج المحاصرين في أنفاق رفح    علامات تكشف مقاطع الفيديو المولدة بال AI    أمريكي يبحر 95 كيلومتراً داخل يقطينة    الديوان الملكي: وفاة وفاء بنت بندر    خادم الحرمين يدعو لإقامة صلاة الاستسقاء الخميس    تحت رعاية ولي العهد.. تنظيم المؤتمر العدلي الدولي الثاني بالرياض    أكد أن المنظومة تشهد تحولاً نوعياً.. وزير البلديات: تشغيل ذكي وإدارة رقمية لخدمة ضيوف الرحمن    موجز    الذكاء الصناعي سلاح ذو حدين    يوثق التحولات التاريخية والحضارية للمشاعر.. «الدارة» تطلق ملتقى تاريخ الحج والحرمين    وعكة صحية تدخل محمد صبحي المستشفى    1.7 مليون دولار تعويضاً على تنمر النظارات    لجان الكرة وقرارات غائبة أو متأخرة    يتباهون بما لا يملكون    تقديراً لجهودها في إبراز خدمات المملكة لضيوف الرحمن.. نائب أمير مكة يكرم وزارة الإعلام بمؤتمر الحج    شلوتربيك أولوية لبرشلونة في يناير    ممرض ألماني يخدر المرضى ليهنأ بليلة هادئة    موانع حمل للرجال (1)!!؟    الأخضر تحت 19 عاماً يدشن تدريباته في معسكر الأحساء استعداداً لكأس آسيا    تداول 197 مليون سهم    خديعة القيمة المعنوية    أزمة الأطباء الإداريين    القصيم: فرع الشؤون الإسلامية يُتعامل مع 1169 بلاغًا خلال الربع الثالث    "مسام" ينزع (1.044) لغمًا من الأراضي اليمنية خلال أسبوع    البنيان يرعى «التعليم المنافس» في «الملك سعود»    «الرياض الصحي»: البحث العلمي شريكٌ محوري في التحول الصحي    رئيس جامعة جازان يطلق منصة "ركز" للاستثمار المعرفي    «سعود الطبية» تعيد الحركة لمفصل كوع بعد 10 أعوام من العجز    مطالبة المناطق الاقتصادية بالرياض باستكمال البناء المؤسسي    رجال أمن الحرمين قصص نجاح تروى للتاريخ    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل مدير فرع الهيئة العامة لتنظيم الإعلام بالمنطقة    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. منح رئيس «الأركان» الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    إنفاذًا لأمر خادم الحرمين الشريفين.. رئيس هيئة الأركان العامة يُقلِّد رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة    فهد بن سلطان: هيئة كبار العلماء لها جهود علمية ودعوية في بيان وسطية الإسلام    أمير نجران يلتقي مدير فرع «عقارات الدولة»    أمير تبوك يستقبل عضو هيئة كبار العلماء الشيخ يوسف بن سعيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سوسيولوجيا الفنون التقليدية
نشر في الحياة يوم 23 - 10 - 2012

الفن بصورة عامة نوع من النشاط الإنساني الواعي والهادف الذي يتميز بقدرة ومهارة فنية رفيعة وهو عمل الإنسان على الخلق والإبداع والتعبير عن ميوله ومشاعره ودوافعه الشعورية واللاشعورية. انه التعبير الفكري والعملي عن إبداعات الفنان التي تظهر في أشكال وصور وكلمات وحركات وأصوات ورموز مؤثرة، مفيدة وممتعة، يستطيع بواسطتها استيعاب الواقع الاجتماعي والثقافي والنفسي بشكل واع وهادف، في محاولة لتغييره وتطويره عن طريق إبداع نماذج فنية تصور ما هو إنساني عام وشامل وتكشف عن عالم الإنسان الداخلي «المقنع» والخارجي «المبرقع». ولا يكون العمل الفني اجتماعياً إلا إذا كان عاماً ومعبراً عن المحتوى الاجتماعي لوجوده.
يقوم المعنى السوسيولوجي للفن على العلاقة الجدلية بين الشكل والمضمون وعلى رسالة الفنان وتعقيد هذه العلاقة وجدليتها، التي يستطيع بموجبها اختزال رؤيته للواقع بهذا الشكل أو ذاك. وكل عمل فني مبدع يمارس تأثيراً عكسياً على الواقع، إذ يشكل، جنباً إلى جنب مع الفلسفة وعلم الأخلاق، جزءاً من وعي الناس.
تاريخياً لم ينشأ الفن كوسيلة للمتعة والترفيه، بمقدار ما نشأ كشكل متميز من المعرفة الإنسانية عن الكون والحياة لسبر الواقع الاجتماعي. فهو استيعاب مجازي للعالم، حيث سبق العلم الفن وعكس أول ما عكس المعلومات والتجارب والخبرات التي اكتسبها الإنسان من محيطه الطبيعي والاجتماعي. فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه ويتميز عن الكائنات الحية الأخرى بامتلاكه الوعي واللغة والعمل التي استطاع بموجبها التكيف مع الطبيعة والسيطرة عليها وتذليلها لمشيئته.
وفي الوقت الذي غير فيه الإنسان الطبيعة غير نفسه أيضاً. ومن هنا ارتبط الفن بالعمل الإنساني، إذ ابدع الفنان نماذج تشكيلية فنية أعطته دفعاً جديداً لتطوير نفسه وعمله وأفكاره، وهو ما أدى إلى صياغة علاقة ابداعية بينه وبين العالم وتطويرها عبر الممارسة العملية.
وهكذا بدأ الإنسان التعبير عن الواقع في رسم «لوحات» يعبر فيها عن معلوماته الأولية عن العالم والحياة والطبيعة وما ارتبط بمحيطه البدائي. وكانت نظرته للأشياء واقعية بدأت برسوم الثيران على جدران مغارة التامير في إسبانيا، التي هي في جوهرها شكل لوعي الواقع الاجتماعي المركب.
وبتراكم المعرفة الإنسانية وارتباطها بالممارسة العملية، اصبح الفن جزءاً عضوياً من حياة الفنان اليومية ثم حقيقة جوهرية. وهكذا تظهر قوة الفن في إغناء الإنسان بمعارف متميزة ترتبط بعالمه الذاتي والموضوعي.
ووظيفة الفن ليست واحدة. فهو يمتاز موضوعياً بتعدد الوظائف، وبالقدرة على حل مهمات اجتماعية وفكرية ونفسية متعددة. وأولى هذه الوظائف هي إشباع حاجات الإنسان الأساسية التي نتجت أصلاً من الضرورة الحياتية ووجود الإنسان في مجتمع وضرورة تكيفه مع الطبيعة، وهو ما يؤكد تجدد نشاط الإنسان الفني وتغييره بحيث يتلاءم مع متطلبات الحياة. وقد تطور الفن عبر العصور ومنذ وجود الإنسان على الأرض وارتبط بالعمل الإنساني وتطور وسائل الإنتاج المادية والمعنوية. ومن خلال العمل انتج الإنسان كل أنواع الفنون.
إن تعدد وظائف الفن وتداخلها بعضها مع بعض تعكس أهمية الفنون التقليدية ودورها الفكري والاجتماعي. وتظهر هذه التعددية بوضوح في فنون المجتمعات التقليدية ذات التكنولوجيا غير المعقدة اكثر من غيرها، كما تعطينا تفسيراً سوسيولوجياً لطبيعة تلك المجتمعات وحضاراتها وإمكاناتها الفنية. ولذلك كانت الفنون التقليدية أقل غموضاً وتعقيداً وأكثر صدقاً وأصالة، وهي في الوقت ذاته، اكثر أخلاقية ونبلاً، لأنها تكشف عن الحقيقة العارية في خيرها وشرها.
وتتمثل الفنون التقليدية في الصناعات والحرف وكل الأعمال اليدوية وكل ما يتداوله الناس من فولكلور وآداب شعبية وفنون تشكيلية وموسيقى وغناء وشعر وحكم ورقص وطقوس وأساطير وغيرها التي تسود في أفريقيا وآسيا وأميركا وأستراليا، وفي تلك المجتمعات التي ما زالت لا تمتلك تكنولوجيا متقدمة وتختلف في بناها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية عن غيرها من المجتمعات الصناعية ذات التكنولوجيا العالية.
وتنقسم الفنون التقليدية بصورة عامة إلى نوعين من الفنون: فنون مكانية تتمثل بالفنون التشكيلية وتشمل الصناعات والحرف اليدوية كالرسوم والمنحوتات والزخارف والحياكة والأواني الفخارية وفن العمارة وغيرها، وفنون زمانية غير تشكيلية لا ترتبط بزمان ومكان معينين كالموسيقى والرقص والشعر والقصص والأساطير وكل ما يتصل بالتراث الشعبي والأدب الشفاهي والمأثورات الشعبية.
وللفنان التقليدي وظيفة معينة وكل أعماله الفنية تستخدم كوسائل وأدوات للعيش والعمل والطقوس الدينية والسحرية أو تقوم بدور اجتماعي أو صحي أو أسطوري.
وبهذا فالفنان التقليدي فنان ملتزم أمام عشيرته ومجتمعه وروح أجداده. وعمله الفني إنما يشبع حاجة ذاتية. فهو لا يعمل من اجل تفريغ طاقة نفسية أو من اجل التسامي- بالمفهوم الفرويدي، وإنما يقدم خدمات عملية لمجتمعه.
ومن هنا يظهر المحتوى الاجتماعي للفن التقليدي باعتباره فناً عملياً يشكل قاعدته الأساسية الارتباط الجدلي والتلاحم العضوي بين الفن والمهنة وبين الفن والمجتمع.
كما تظهر الأهمية الفائقة للفنون التقليدية للتمييز بين المجتمعات البدائية القديمة، التي تعود إلى ما قبل التاريخ والتي لا تمتلك حضارة وأساليب إنتاج متقدمة عن المجتمعات التقليدية التي تمتلك حضارة وثقافة وتكنولوجيا غير معقدة والتي تمتاز بعالم خاص يسود فيه الفكر الروحي- السحري المترابط والمنسجم، كما يظهر في عبادة روح الأجداد في أفريقيا. فالأفريقي لا يجد تكامله الفردي والجماعي ولا يحقق ذاته إلا ضمن ارتباطه بالجماعة التي ينتمي إليها وبروح الأجداد وقوتها السحرية.
وتشهد على ذلك الطقوس والقرابين والأقنعة وكذلك القصص والأساطير والموسيقى والرقص، التي تعبر بصورة واضحة عن أهمية الأجداد ومكانتهم الروحية في التواصل مع السلف الذي هو أصل القبيلة، الذي يعطي للأشياء روحها الجماعية التي تنعكس في تماثيل الأجداد في بوربا في نيجيريا وتماثيل سانغو في الكابون وأقنعة الأجداد في الكونغو وأنغولا وغيرها. فالسلف مثال للقوة والعظمة والحب، وهو مثال للخوف والرهبة.
إن هذه النظرة الروحية لا تنفصم عن نظرة الأفريقي إلى العالم وعلاقته معه، وتعبر في الوقت ذاته، عن الانتماء والمشاركة الجماعية والترابط مع الطبيعة. كما أن وحدة الإنسان مع الطبيعة جعلته جزءاً من المجتمع وفي داخل المحيط التي يعيش فيه ويستمد منه مقومات حياته. في هذا المحيط الاجتماعي- الروحي- السحري يحقق الفنان التقليدي وجوده ويؤكد عمله ويحدد أدواته الفنية ويحصل في الأخير على قوة الحياة السحرية «نياما»، التي تجعل من العمل الفني التقليدي الأداة النافعة -المعبرة - والجميلة التي تخدم أهداف الجماعة التي ينتمي إليها وتحافظ على عمله الفني وتحميه وتحدد شكله ومحتواه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.