في حوار خاص مع الناقد السينمائي المصري كمال رمزي الذي بدأ حديثاً الكتابة عن التلفزيون ومشاغله وهمومه لإحدى صحف بلاده بعد أن امتنع طويلاً عن مراودته، قال إن هذا الجهاز العجيب على رغم فرادته في تقديم كل ما يخطر ببال الجميع من فنانين ومذيعين وأساتذة وربات بيوت ومحللين سياسيين ورياضيين، فإنه بحاجة إلى زاوية مهملة لالتقاط بعض هذه الهموم والمشاغل والتعبير عنها بشكل لافت. وأضاف ان من يريد أن يتعاطى معه عليه أن يتمتع بهذه الخاصية، ليس بسبب الاستخفاف به، بل بالعكس، لأن هذه الزاوية كما يوضح، وهي لاتخطر ببال أحد، قد تعطي نتائج جيدة في التعبير عن أحواله عموماً. ويقول رمزي إنه على رغم عدم اهتمامه مثلاً بكرة القدم وأهلها، ونفوره منها على الدوام إلا أنه استطاع أخيراً أن يكتشف سبب «ثقل» بعض لاعبي النوادي في تحركهم على أرض الملاعب، وإنه لولا زاوية الفرجة المهملة التي توافرت له لما توصل إلى نتيجة مفادها أن اللاعب نفسه تحول إلى سلعة تجارية متنقلة. وإنه لولا التلفزيون لما أخذ الأمر هذا المنحى الخطير، فهو ساهم بشكل أو بآخر في تحويله إلى مادة مثيرة للإعلان التجاري، إذ يمكن من خلال نظرة مبسطة اكتشاف أن كثراً من اللاعبين أصبحوا في الميدان مادة للإعلان عن ماركات تجارية تتعدى مادتين أو أكثر في الوقت ذاته. قد تتيح زاوية الفرجة المهملة التقاط أشياء أخرى أكبر بكثير مما يمكن لناقد سينمائي جدي القيام به إن أصر على التعاطي مع شؤون الفن السابع وشجونه بمزاج جدي يفوق السينما نفسها وهي في أحسن أحوالها. بالطبع لايمكن الاستخفاف بالكثير من الظواهر التلفزيونية، ولكن يمكن للمرء من خلال الاعتياد على النظر من الزوايا التي قد لاتخطر ببال أحد أن يكتشف مثلاً أن كثراً من هؤلاء اللاعبين أصبحوا هدفاً إعلانياً مربحاً للشركات الضخمة التي تقف وراء أحذيتهم وقمصانهم وسراويلهم الملونة، وأنه يكفي أن يكون شريكاً معنوياً لهم في تمرير ماركاتهم التجارية بين الناس حتى يصبح انتقاله بين النوادي بكل تلك المبالغ الخيالية. الرياضة بهذا المعنى تأخذ منحى مختلفاً، وبعد سيطرة الإعلان التجاري على أهم عناصرها، لم تعد وسيلة لإطلاق الروح وتحريرها. قد يبدو الأمر مضحكاً، لأن اللاعب لا يحرك عملياً سيارة على صدره أو يحمل شاشة تلفزيون مسطح على ساقه الأيمن أو على ظهره، فهي بضائع استهلاكية تحولت إلى مجرد فكرة سابحة في الهواء، ولكن الأكيد أن روحه أضحت ثقيلة لدرجة أن تنقله في الملاعب أصبح يشبهها. وكما يمكن تفكيك هذه المواد الاستهلاكية والاستغناء عنها، يمكن الاستغناء عن الروح في كثير من المواقف التي نشهد عليها بين الحين والآخر، وهذه مسألة لا يمكن التقاطها بالفعل إلا من زاوية رؤية مهملة وغير عادلة أحياناًَ.