سمو ولي العهد يعزّي ولي عهد دولة الكويت في وفاة الشيخ علي عبدالله الأحمد الجابر الصباح    بأمر الملك وبناءً على ما عرضه ولي العهد: تعيين الفوزان مفتيًا عامًا للمملكة    NHC Innovation توقّع مذكرة تفاهم مع شركة "BytePlus" لتطوير حلول الذكاء الاصطناعي    المدينة المنورة.. عالمية في تقنيات المدن الذكية    الليث.. وجهة بحرية    أمانة العاصمة المقدسة تطلق مبادرة "شتاء مكة".. لتجربة سياحية وترفيهية مستدامة    ترمب يعلن إلغاء الاجتماع مع بوتين: «لم أشعر بالراحة»    سفير دولة فلسطين: القيادة الفلسطينية تثمن مواقف المملكة الثابتة والمشرفة تجاه القضية الفلسطينية    وزارة الخارجية: المملكة تدين وتستنكر مصادقة الكنيست الإسرائيلي بالقراءة التمهيدية على مشروعي قانونين يستهدفان فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية    رئيس وزراء مملكة إسواتيني يستقبل نائب وزير الخارجية    تشيلسي يكرم وفادة أياكس بخماسية    سمو ولي العهد يهنئ السيدة ساناي تاكايتشي بمناسبة انتخابها رئيسةً للوزراء في اليابان    كأس آسيا 2| النصر يتغلب على جوا الهندي ويعزز صدارته ل" الرابعة"    النصر يعود من الهند بنقاط جوا    المنتخبات السعودية تواصل مشاركتها في منافسات دورة الألعاب الآسيوية الثالثة للشباب "المنامة 2025"    اللواء الدكتور صالح المربع يرأس الاجتماع السنوي لقيادات الأحوال المدنية    «السمحانية».. جمال المكان وروح التاريخ    السينما.. ذاكرة حضارية    محافظ الأحساء يرعى توقيع اتفاقيات إستراتيجية لجمعية زهرة ويكرّم الجهات الداعمة    نجاح عملية دقيقة لرضيع مصاب بالجلوكوما    78 % ارتفاع عقارات مجاورة لمترو الرياض    شراكة ثقافية سعودية فرنسية    339 مبتعثا يدرسون الأمن السيبراني بأمريكا    %59 نمو تقنيات الواقع الافتراضي    التراث يحفّز الاستثمار ويقود ازدهار المتاحف    50% من سعوديات القطاع الخاص بالرياض    قبيل قمة «أبيك».. بيونغ يانغ تطلق صواريخ باليستية    الإدارة العامة للخدمات الطبية للقوات المشتركة تنظم فعالية "يوم المسعف الميداني" في وزارة الدفاع    ترمب: لا أريد اجتماعاً «بلا نتيجة» مع بوتين    قمة بروكسل: غزة في قلب الأجندة السياسية والإنسانية    إيران ترفض التفاوض وسط مطالب غير معقولة    الرابطة توقّع مذكرة تفاهم مع الجمعية السعودية للذوق العام    سمو الأميرة نجود بنت هذلول تزور أمانة الشرقية    كأس آسيا 2 .. النصر يتغلب على جوا الهندي بثنائية ويعزّز صدارته    ضبط 13 إثيوبياً في عسير لتهريبهم (195) كجم "قات"    فتح باب تسجيل المتطوعين لبطولة كأس آسيا تحت 23 عاما    تجمع الرياض الأول يعزّز التكامل الصحي في وادي الدواسر والسليل    نائب أمير جازان يستقبل مدير عام فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بالمنطقة    الأمير ناصر بن محمد يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    نائب أمير منطقة الرياض يرعى حفل جائزة الاستدامة المالية    غرفة الطائف تبحث فرص الاستثمار في التعليم الأهلي    وزير الثقافة يلتقي وزيرة الثقافة الفرنسية    أمير حائل يستعرض خطط وبرامج جمعية تحفيظ القرآن الكريم بالمنطقة    "القارب الفارغ".. كيف تتقن فن الهدوء وسط زحام الغضب؟    "الوداد" تحصد جائزة الأميرة نورة للطفولة في مجال جودة الحياة والرفاه النفسي للطفل    تشغيل وحدة العلاج الطبيعي والتأهيل للأطفال في مستشفى الأسياح العام    «رجال عبدالعزيز» في التلفزيون السعودي    الصليب الأحمر يؤكد تبادل 15 جثماناً لفلسطينيين.. «حماس» تسلم جثتي أسيرين إسرائيليين    جمجمة في سنارة صياد بدل السمكة    تحايل قانوني.. قضية «شمس الزناتي» تشتعل    شريحة ذكية تعيد البصر ل84% من المكفوفين    محمد بن عبدالعزيز يشيد بمنجزات «محكمة إدارية جازان»    حراك متنامٍ    العنزي مديرا للإعلام والاتصال    نائب أمير جازان يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    محافظ بيش يستقبل شيخ شمل السادة الخلاوية والشابين المبدعين الشعفي    استقبل الفائز بالمركز الأول بمسابقة تلاوة القرآن بكازاخستان.. آل الشيخ: دعم القيادة لحفظة كتاب الله يحقق الإنجازات    استقبل وزير الحج والعمرة.. نائب أمير مكة: العمل التكاملي يعزز جودة خدمات ضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طه حسين من قَيْظ الصيف إلى تقوى الصوم
نشر في الحياة يوم 21 - 07 - 2012

«إن الكتب الدينية والعمارات الدينية لا ينبغي أن تكون وقفاً على أصحابها وحدهم، وإنما هي متاع للإنسانية كلها، كغيرها من الآثار الفنية التي كان لها حظ عظيم في تكوين نفسية الأمم والأجيال. وليس من الضروري ولا من المحتوم أن تكون حَبْراً أو قسيساً أو شيخاً من شيوخ الأزهر لتقرأ في التوراة أو الإنجيل أو القرآن، وإنما يكفي أن تكون إنساناً مثقفاً له حظ من (الفهم) والذوق الفني لتقرأ في هذه الكتب المقدسة، ولتجد في هذه القراءة لذة ومتعة وجمالاً». بهذا التناول المنطقي يدرس طه حسين الأديان والكتب المقدسة، من منطلق الباحث الأدبي والفنان الموسوعي الذي تجلو موهبتُه وروحه أغوارَ نداءات السماء إلى الأرض وأسرارها، فيقارب بين عناصر الإنسانية في الشرق والغرب، في إطار السماحة والود والمحبة والوئام! وليس أصدق في الدلالة على كل ذلك من حديث الكتب المقدسة عن الجمال والجلال والروعة والفن.
يقول طه حسين في كتابه (في الصيف) إنه قضى أيام سفره في السفينة، عندما كان ذاهباً إلى أوروبا في ثلاثينات القرن الماضي، في قراءة التوراة، وكانت القاعدة التي استخلصها أنه «ليس من الضروري ولا من المحتوم أن تقرأ في هذه الكتب المقدسة مدفوعاً إلى القراءة فيها بهذا الشعور الديني الذي يملأ قلب المؤمن فيحبِّبَ إليه درس آيات الله ويرغبه في تدبرها والإنعام فيها، بل تستطيع أن تنظر في هذه الكتب نظرة خصبة منتجة وإن لم تكن مؤمناً ولا ديّاناً، ففي هذه الكتب جمال فني أظن أنه يستطيع أن يستقل عما فيها من مظاهر الدين والإيمان، أليس فيها ما يمس عواطف النفس فيبعث فيها الرحمة والحنان ويملأها طمأنينة ودعة...؟ ثم أليس فيها من الصور الفنية الخالصة ما يستطيع أن يثير إعجابك لنفسه لا لأي شيء آخر؟ وهذه الألوان من التصوير الذي يتحدث إلى العقل الإنساني وإلى القلب الإنساني، أحاديث تلائم ما اكتنفها من الأطوار المختلفة والظروف المتباينة، كل ذلك يكفي لأن يحبب إليك القراءة في التوراة والإنجيل والقرآن تلتمس فيها اللذة والمتعة والجمال والفن وإرضاء الذوق، وإن لم تكن من الأحبار ولا من الرهبان ولا من القسيسين ولا من الشيوخ ولا من طلاب الدين والإيمان».
وبعين الناقد الشجاع ورؤيته الثاقبة، يؤكد طه حسين أن كلامه السابق سيثير ضده نفراً من الموتورين أعداء العقل، فيقول: «وإن في نفسي لخاطراً لن أتردد في تسطيره، وإن كنت أعلم أنه سيُحفِظ (سيثير) قوماً، لأني لم أتعود التردد أمام ما أقدِّر في نفسي من سخط الساخطين، وهو أن من الحق على كل مثقف، مهما يكن مؤمناً أو ملحداً، ومهما تكن ملته أو نحلته، أن يقرأ في هذه الكتب ويُكثر القراءة على نفس النحو الذي يقرأ عليه في آيات البيان القديمة والحديثة، لا يبتغي في ذلك إلا هذه الآيات من حيث هي آيات. وليس ضرورياً أن تكون يونانياً أو رومانياً أو فرنسياً أو إنكليزياً أو ألمانيا لتجد اللذة الأدبية عند هوميروس، أو سوفوكليس، أو فرجيل، أو هوجو، أو شكسبير، أو غوته، وإنما يكفي -كما قلتُ آنفاً- أن يكون لك حظ من ثقافة وفهم وذوق، لتقرأ وتلذ وتستمتع».
ويرى طه حسين أن الكتب السماوية جاءت للبشرية جميعاً، فليست التوراة قاصرة على اليهود، ولا الإنجيل على النصارى، ولا القرآن على المسلمين «وإنما هي كتب دين من ناحية، ومظاهر للأدب والفن والبيان من ناحية أخرى، فهي من ناحيتها الدينية من قسمة اليهود والنصارى والمسلمين، وهي من ناحيتها الفنية متاع للإنسانية كلها، وما رأيك في هذه البيع والكنائس والمساجد والمعابد التي أتقن الفنيون إقامتها وتنسيقها وجعلوها آيات فنية في العمارة والنقش والتصوير؟ أتظنها مقصورة على الذين يقيمون الصلاة ويتوسلون فيها إلى آلهتهم بالوسائل المختلفة؟ أم هي إلى ذلك متاع مباح للذين يستطيعون أن يذوقوا الفن ويحبوه ويلتمسوا درسه وفهمه وتحليله؟».
ويتساءل طه حسين: «أترى أنه لا يجوز لغير المسلم أن ينظر إلى مسجد أو يدخله، ولا لغير المسيحي أن يتوسم كنيسة أو يتأملها؟ وأن الحكومات القائمة آثمة حين تبيح هذه المساجد والكنائس لطلاب الفن غير المسلمين والنصارى؟ كلا، إن هذه الحكومات تأثم وتجرم حين تَقْصُر هذه المساجد والكنائس على الذين يريدون أن يقيموا فيها شعائرهم الدينية، وتقصي عنها الذين يريدون أن يقيموا للفن شعائره أيضاً! وأنا أحب أن أمضي إلى أبعد من هذا، فأزعم أن من الممكن، بل من الأشياء الواقعة أن قراءة طلاب الفن والجمال الأدبي هذه الكتب يُنتج للإنسانية نتائج لا يُنتجها عكوف الأحبار والرهبان والشيوخ على قراءة التوراة والإنجيل والقرآن! فهؤلاء يقرأون متعبدين يلتمسون الدين والإيمان، وهم يقرأون ويفسرون ويقربون هذه الكتب إلى الناس من ناحيتها الدينية، كما يعنون بالناحية الفنية! وهل تستطيع أن تحصي كثيراً من الأحبار والرهبان والقسيسين كانوا إلى ناحيتهم الدينية أصحاب فن وأدب وذوق؟ وأين هو الحبر أو القسيس أو الراهب الذي تأثر بالعهدين القديم والجديد فأنتج مثل ما أنتجه فيكتور هوجو حين قرأهما وتأثر بهما؟ وسَلْ شيوخ الأزهر عن جمال القرآن الفني، فلن تجد عندهم غناء، سيجيبونك بأن القرآن معجز، وهو مضطرون إلى هذا الجواب. ولكن سلهم عن هذا الإعجاز: ما هو؟ وما مظاهره؟ ومصادره؟ فلن تجد عندهم غناء، وستجد أشدَّهم ذكاء وأَحَدَّهم ذهناً وأَنْفَذَهم بصيرة وأكثرَهم اطلاعاً مضطراً إلى أن يُعيد عليك عن ظهر قلب نطرية الإعجاز والتحدي كما صاغها المتكلمون منذ أكثر من عشرة قرون! فأما أن يذوق هو جمال القرآن ويشعر بما فيه من مواضع الإعجاز، فشيء لا سبيل إليه وإن زعمه لك، فلا تصدِّقْه، لأن الشعور بالجمال الأدبي موقوف على درس الأدب نفسه، وإتقان اللغة وتعمق أسرارها ودقائقها، وليس شيوخ الأزهر من هذا كله على شيء!».
ويسوق طه حسين أدلته على صدق آرائه، فيقول: «وسل شيوخ الأزهر والقسس والرهبان عما في المساجد والكنائس والأديرة من الجمال الفني، فلن تجد عندهم غناء، وأنا أراهن على أنك لن تجد بين شيوخ الأزهر من يستطيع أن يؤرخ للأزهر نفسه من الناحية الفنية، فضلاً عن غيره من المساجد، وفضلاً عن تذوق هذه الناحية الفنية وتكوين رأي فيها!.
إذن، فآيات الفن الإسلامي، ومن ثم جمال القرآن وطلاوته ليست بالضرورة موجودة لدى شيوخ الدين الإسلامي فحسب، وإنما لدى آخرين من علماء الذوق والبلاغة والأدب! وكذلك، فالأمثال والمجازات في التوراة والإنجيل ليست موقوفة على الحاخام والراهب، بل إن المتذوق العادي –من أي مله أو لغة– يستطيع أن يخوض تجربة التعاطي الفني مع الكتب المقدسة، بشرط أن يكون موهوباً، ولديه القدرات اللغوية والذوقية، واحترام هذه الكتب، واستخراج فرائدها ونفائسها الفنية الجميلة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.