يقول الزميل جمال خاشقجي في موضوع له نشرته هذه الصحيفة: «يجب أن نعيد الاعتبار للاقتصاد، فهو المحرك الرئيس لكل القضايا، الاجتماعية والسياسية، إنه سبب الثورات والرضا، سبب التحولات السكانية، والهجرة، ونشوء المدن وانحسارها»، يقول ذلك بعد أن افتتح مقاله باستعراض الجدل الذي يحدث في كل مكان في وطننا العربي، بسبب قضايا تافهة لا قيمة لها، وخص بالذكر المجتمع المصري في هذه الأيام الحاسمة في تاريخ مصر السياسي. الواقع أننا في العالم العربي على العموم، كما أشار جمال، متخلفون في ترتيب الأولويات بحسب أهميتها، لا أحد من أصحاب الأصوات الرنانة يلامس «أم القضايا»، بما يفيد وينفع وهي قضية التنمية الاقتصادية، نبتعد كثيراً من الخوض في دهاليزها وتفرعاتها ومسببات نجاحها أو اندحارها. في «دول الربيع» يبقى الحديث لدى الساسة مؤدلجاً وعاماً، المرور على الشأن الاقتصادي مرور الكرام وبوعود لا يمكن أن يتم تحقيقها على أرض الواقع. المرشح «الإخواني» مرسي، على سبيل المثال، وعد بإلحاق سبعة في المئة من العاطلين المصريين فور فوزه في الرئاسة، لم يتحدث عن هذه الفرص بالتفصيل وأين هي اليوم. فقط «أوعدكم بإلحاق هذا العدد فور تصويتكم لي». هذا خلاف الوعود الأخرى الأكثر استحالة في التطبيق، مثل خفض رسوم التعليم والصحة في دولة تئن تحت العجز الاقتصادي الضخم. «ولا يهون» أحمد شفيق، فهو الآخر ألقى خطاباً قبل أيام مليئاً بمثل هذه «الأماني» من دون أن يستعرض الآليات وكيفية ترجمة هذه البشائر إلى واقع. الشأن الاقتصادي ومستقبل البطالة المرعب، الذي يخيم في السنوات القليلة المقبلة هو في ذيل الأولويات لدى بعض المسؤولين والنقاد وحتى الدعاة، وللدعاة نصيب في خطابنا العام كما نعلم. في ما لو نتأمل الحال ونتصور عواقبها لما هدأ لنا بال، ولم يغمض لنا جفن. منذ متى سمعتم أو قرأتم تحليلاً معقولاً عن مسببات شح وجود الوظائف في اقتصادنا السعودي؟ منذ متى سمعتم أو قرأتم تحليلاً يثبت بالأرقام أن لا تنمية مع تدني الخدمات العامة. والأسوأ أن الجميع تقبل هذا المستوى من هذه الخدمات وتعايش معه في كل مكان وأصبح هو العرف. الخدمات العامة المتدنية لا تصنع اقتصاداً نابضاً بفرص العمل اللائقة. تخيلوا لندن أو باريس أو حتى دبي مع وجود «شقق مفروشة» بعدد أعمدة الإنارة ولا وجود لخدمات خمس نجوم؟ لو تخيلتم ذلك لتوصلتم إلى صورة سيئة جداً في عدد العاطلين هناك عن العمل. الخدمات السيئة في كل مكان لا تتطلب من يقوم بإدارتها والعكس هو الصحيح، أنا على قناعة تامة أن تدني هذا المستوى في المملكة سبب رئيس في تدني فرص العمل. ارتقاء الخدمات والدعم اللوجستي وراءها يعني أيضاً ارتقاء مستوى اداء الجهات الحكومية وتحريره في كثير من الأحيان من بيروقراطيته وفساده. الجهات الحكومية في الغالب العام تتطور مع تطور القطاع الخاص وبعده في كثير من الأحيان وليس بالضرورة العكس. فهل أطلقنا العنان لهذا القطاع أن يتطور بكل حرية وبلا عوائق؟ لا أعتقد ذلك، حتى في التجارة والتجزئة تحديداً نلاحظ انتشار البضائع الرديئة في كل «قرنة» بما يسمى «أبو ريالين» وما تختزنه هذه المتاجر من مخلفات البضائع الراكدة في أسواق العالم، مثل هذه المتاجر لا تتطلب موظفين مدربين وبرواتب مجزية. وهكذا دواليك. هذه الحال وغيرها سبب رئيس في عجز الاقتصاد عن مواكبة خلق الوظائف اللائقة لأبناء الوطن، فمتى برأيكم سنجد مثل هذه المواضيع في قمة اهتماماتنا؟ الأمم المتطورة تطورت بسبب حضور الرؤية والنظرة الثاقبة المستشرفة للمستقبل وكان القطاع الخاص هو القائد لهذا التطور، لم تتطور بسبب برامج أو مشاريع عشوائية، كما يحدث في هذه الأوقات، وبمناسبة الحديث عن المشاريع، وبيان مجلس الوزراء في الأسبوع الماضي حول نسبة الإنجاز، أقول إن مثل هذه النتائج المزعجة تتطلب قرارات كبيرة في تحديث الإدارة وتطوير قدراتها. واضح جداً أن الوزارات المتخلفة في تنفيذ ما تم تخصيصه لها مشاريع هي وزارات عاجزة. فقد طلبت مشاريع من دون أن تهيئ نفسها لتنفيذ مثل هذه المشاريع. حال مزعجة وارتباك لا يبعث على الطمأنينة. اختتم بالتأكيد على دور وزارة التخطيط الحاسم في هذا الموضوع، على وزارة التخطيط، ومن باب الأمانة أن تبادر بنشر التقارير المطلوبة التي تستعرض مستقبل التوظيف في المملكة. على هذه الوزارة أن تعلق الجرس وترفع علامات التحذير. فإما أن ننجح ونستمر، أو نفشل ونواجه كل نتائج ذاك وبأغلى الأثمان التي لم نتخيلها بعد، لكن أن نصمت فقط أو ننشغل بتفاهات الأمور فهذا يعني أنه لن ينجح أحد. * كاتب سعودي. [email protected] F_Deghaither@