مفخرة التطوع    مطار الملك خالد يدشن وجهته الجديدة إلى روما    تاسي يعود للهبوط وسط تراجع جماعي للأسهم    صالة مسافرين جديدة بجسر الملك فهد    20 مليار ريال فرصاً استثمارية بالثروة الحيوانية    المنتدى العربي للبيئة يؤكد أهمية التعاون للمشاركة الفعالة في «COP 16» بالمملكة    الدوحة تسلم «حماس» مقترحاً إسرائيلياً.. ونتنياهو يطالب بضمانات أمريكية لاستئناف الحرب    مودي يحتفل بفوزه في الانتخابات الهندية رغم تراجع غالبيته    الكوريتان نحو منعطف خطير    دراسة: إنفلونزا الطيور تقتل القطط    طبول الحرب تُقرع.. «حزب الله» يقرّ بتنفيذ هجمات وإسرائيل تهدد بعمل حازم    غموض موقف سالم الدوسري من مواجهة باكستان    مبابي «فتى الضواحي» نجم الريال المنتظر    نونيش بديلاً لأوتافيو في تشكيلة البرتغال    دي بروين يُلمح للانتقال إلى دوري روشن    670 ألف طالب وطالبة بجدة يؤدون أول اختبارات نهاية الفصل الثالث    الوزراء: تعديل نظام شركات التمويل.. وتحمل ضرائب المواشي    الفريق اليحيى يقف على سير العمل بجوازات منفذَي جسر الملك فهد والرقعي    40 مشروعاً تتنافس على «موسم المعمول» في الحج    بدر بن عبدالله يُثمّن اعتماد مجلس الوزراء تنظيمات الهيئات الثقافية    الذييب يدشّن «جمعية اللغة العربية للناطقين بغيرها»    «تيم لاب بلا حدود» يفتح أبوابه في جدة التاريخية    مؤتمر دولي لعرض مسيرة فصل التوائم بالسعودية    تدخل جراحي ينقذ ذراع مقيم من البتر    مسبار صيني يجمع عينات من القمر    نيمار: فينيسيوس هو من سيفوز بجائزة الكرة الذهبية هذا العام    باعشن يستقبل أبطال الذهب    ضبط (3) أشخاص بجازان لترويجهم (142) كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر    معالجة المستنقعات بالمبيدات الكيميائية    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الأمريكي المستجدات في قطاع غزة    برجيل القابضة الإماراتية وكيرالتي الكولومبية تعلنان مشروعاً مشتركاً لحلول الرعاية الصحية الفعالة من حيث التكلفة في السعودية    دراسة: الحياة على الأرض نشأت في السعودية    الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بنجران في زيارة لمدير الجوازات    وفد المملكة يشارك في أعمال دورة مجلس الاتحاد الدولي للاتصالات 2024م    قطاع ومستشفى محايل يُنفّذ حملة "التوعية بلقاح حج"    سمو محافظ الخرج يستقبل رئيس الجمعية التاريخية السعودية        أمير الحدود الشمالية يتسلّم تقريرًا عن مهام وجهود حرس الحدود بالمنطقة    انطلاق منافسات بطولة العالم للبلياردو (9 كرات) بجدة    قوافل الحجاج تغادر المدينة إلى المشاعر المقدسة    طلاء لتبريد المنطقة المحيطة بمسجد نمرة لخفض درجات الحرارة    الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    رئيس هيئة الأركان العامة : جامعة الدفاع الوطني تؤسس لمرحلة جديدة وانطلاقة مشرقة لمستقبل تعليمي عسكري احترافي    محفظة Nusuk Wallet لخدمة الحجاج والمعتمرين    الصمعاني يدعو خريجي المركز العدلي إلى الممارسة المهنية الشغوفة    «العقار»: تراخيص جديدة للبيع على الخارطة ب 6 مليارات ريال    تعاوُن سعودي – برازيلي في الدفاع    «التنسيق السعودي الكويتي»: رؤية مشتركة في الثقافة والإعلام والسياحة والتنمية الاجتماعية    كلما زاد زملاء الدراسة المضطربين عقلياً.. زادت فرص إصابتك !    سفير خادم الحرمين لدى كوت ديفوار: خدمة ضيوف الرحمن مبدأ ثابت في سياسة المملكة    أمير عسير يفتتح مقر" رعاية أسر الشهداء"    محافظ بيش يرأس لجنة السلامة المرورية الفرعية بالشخوص ميدانياً    القرار    الحركة و التقدم    نهاية حزينة لحب بين جنية وإنسان    « شاهد على وطني » .. الفال يرسم شمس المستقبل    محمد بن سلمان.. الجانب الآخر    منفذ حالة عمار يواصل خدماته لضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مغالطات في كتب التاريخ المدرسية الكوسوفية
نشر في الحياة يوم 09 - 06 - 2012

يزداد الاهتمام في السنوات الأخيرة بدور التعليم، وبالتحديد الكتب المدرسية، في التسامح أو عدم التسامح وذلك وفق صورة الآخر المرغوب أو غير المرغوب فيه في المجتمعات الأوروبية. وفي ما يتعلق بالإسلام والمسلمين تدل الدراسات الحديثة على ضرورة التغيير في الكتب المدرسية التي تعتبر مصدراً للصور النمطية التي تنتج توتر العلاقة مع الآخر. ويكفي أن نشير هنا إلى كتاب الباحثين عبدالفتاح العويسي ومالوري ناي «آن الأوان للتغيير» الذي صدر في بريطانيا 2006 (انظر ملحق «تراث» 5/ 5/ 2007).
بالمقارنة مع حالة أوروبا الغربية والوسطى التي جاءها معظم المسلمين في الخمسين سنة الأخيرة من بيئات ثقافية مختلفة وحتى معادية للغرب، وهو ما يولد في حد ذاته بعض الأعمال الإرهابية التي تكرس الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين، فإن الوضع في أوروبا الجنوبية الشرقية يختلف كثيراً لأن المسلمين هناك أوروبيون وقد مضى على اعتناقهم الإسلام قروناً عدة أنتجت رموزاً للتعايش الديني على مستوى العالم (سراييفو - القدس الثانية وأوهريد – قدس مكدونيا إلخ).
وعلى رغم أن الإسلام في أوروبا الجنوبية الشرقية هو امتداد للإسلام العثماني، الذي يعتبر منفتحاً و حضارياً، إلا أن الحركات القومية التي برزت هنا (في صربيا وبلغاريا والجبل الأسود واليونان وألبانيا) كانت بطابع اثني استردادي، أي أنها كانت تبحث عن حدود الدول القومية في خرائط القرون الوسطى وتنمّي أفكارها القومية في مواجهة العدو التاريخي (الحكم العثماني). وقد انعكس ذلك سلبياً على المسلمين خلال «الحروب التحررية» في 1912 - 1913 و1918 - 1919 باعتبارهم من «الأتراك» أو من بقايا الحكم العثماني.
وبالمقارنة مع الدول القومية الجديدة التي انبثقت عن يوغسلافيا السابقة كانت كوسوفو تمثل خصوصية في هذا المجال. فقد أدى التدخل الدولي في 1999 إلى إنشاء إدارة دولية انتقالية، ومع الإدارة الدولية تشكلت أول حكومة كوسوفية تولت فيها وزارة التعليم إصدار الكتب المدرسية التي ألفت الآن بروح جديدة تعبر عما تغير في الواقع. وقد استمر هذا الواقع الانتقالي حتى 17 شباط (فبراير) 2008 حين أعلن استقلال كوسوفو الذي لم يحدث فارقاً جوهرياً في الكتب المدرسية لأن الكتب المدرسية التي كانت تدرس قبل 2008 بقيت تدرس بعد 2008 مع إضافة صفحة أو صفحات إلى كتب التاريخ تعرّف بما حدث في 2008 وبعده.
مع إعلان استقلال كوسوفو في 17 شباط 2008 تم الإعلان عن الدولة الجديدة بكونها أحدث دولة في أوروبا و «أول دولة أوروبية من حيث نسبة المسلمين فيها» (90 في المئة) إلى حد أن رئيس الحكومة آنذاك هاشم ثاتشي توقع أن تعترف باستقلال كوسوفو فوراً حوالى مئة دولة بما في ذلك دول «منظمة المؤتمر الإسلامي» التي يصل عددها إلى 55 دولة. ومع أن دستور «جمهورية كوسوفو» الذي أُقرّ في حزيران (يونيو) 2008 ينص على كونها «دولة علمانية» إلا أن الولايات المتحدة تروّج لكوسوفو أخيراً باعتبارها نموذجاً للدولة الأوروبية التي تحافظ على القيم الإسلامية. ومع ذلك إن تفحّص نصوص كتب التاريخ الكوسوفية وما فيها عن الإسلام يولّد انطباعاً بأن هذه الكتب لاعلاقة لها بكوسوفو باعتبارها «أول دولة أوروبية من حيث نسبة المسلمين».
لأجل إعداد هذه الورقة اعتمدنا على كتب التاريخ (5 و6 و7 و8 و9 و10) التي صدرت في طبعات عدة خلال 2001 - 2011 عن «الكتاب المدرسي» والتي تستخدم الآن خلال العام الدراسي 2011 - 2012. ويلاحظ هنا أن الكتاب الأول للتاريخ يتوجه لتلاميذ الصف الابتدائي الخامس بينما يتوجه الكتاب الأخير لتلاميذ الصف العاشر أو الثانوي الأول، وبذلك فإن هذه الكتب تشمل الفئة العمرية الحساسة (من عمر 11 إلى عمر 16 سنة). ويلاحظ أن مؤرخين اثنين (أ. د. فهمي رجبي وأ. د. فراشر ديماي) قد ألفا لوحدهما أربعة من الكتب الستة وأن أحدها (رجبي) قد ألف لوحده الكتاب الخامس، ما يعني أن هذين الاثنين قد احتكرا لوحدهما تشكيل وتنميط الصورة الموجودة عن الإسلام في كتب التاريخ الكوسوفية.
تتناول الكتب المدرسية الكوسوفية الإسلام في مجالين مختلفين: ظهور الإسلام في شبه جزيرة العرب وانتشاره وصولاً إلى «الخلافة الإسلامية» و «الحضارة الإسلامية»، انتشار الإسلام في صفوف الألبان بشبه جزيرة البلقان وتحوله إلى دين الغالبية. وفي الواقع تتميز كتب التاريخ الكوسوفية في ما يتعلق بالإسلام بأمور عدة ملفتة للنظر: أخطاء فاحشة لا يوجد أي أساس لها، تعميمات غير دقيقة ومواقف غير موضوعية.
في ما يتعلق بالأخطاء الفاحشة التي لا يوجد أساس لها يتكرر القول عن المجال المكاني الذي ظهر فيه الإسلام بأنه كان يتكون من «العرب» الذين يعملون في التجارة ومن «البدو» الذي يشتغلون في رعي الجمال والخيول، وكأن الأمر يتعلق بعنصرين اثنييين مختلفين، و أن محمداً «التاجر المكي» هو «مؤسس الإسلامزم» (وليس الإسلام)، و أن «عقيدة محمد» تدعو إلى كذا وكذا، وأن القرآن قد «طبعه» أبو بكر لأول مرة (ويتكرر هذا التعبير في كتب عدة) ثم شرّعه عثمان بن عفان في عام 650!
وبالمقارنة مع الحديث المشهور «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت» نجد أن الكتب المدرسية الكوسوفية تجعل هذه الأركان الخمسة كما يأتي: الصلاة خمس مرات في اليوم، صوم رمضان، مساعدة الفقراء، الذهاب إلى الحج مرة على الأقل والمشاركة في القتال ضد الكفار.
وتعرّف الكتب المدرسية الكوسوفيه أتباع الدين الجديد بأنهم «المسلمون»، أي الخاضعين لله، ولكنها تميز بينهم كما يأتي: إضافة إلى القرآن كان بعض المسلمين يجلّون «السنّة» أيضاً، و «هو الكتاب الذي يتضمن أساطير عن حياة محمد» فالمسلمون الذي يجلّون القرآن والسنّة أطلق عليهم «السنّة»، بينما أطلق على الذين يجلّون القرآن فقط «الشيعة»!
ويلاحظ من ناحية أخرى أن الكتب المدرسية الكوسوفية التي كانت قد ميّزت بين «السنّة» و «الشيعة» تنسى ذلك حتى تتحدث عن «استغلال الأتراك لضعف الخلافة وقيامهم بفتح بغداد في 1055»، على حين أن من المعروف أن الأتراك السنّة جاؤوا إلى بغداد بطلب من الخليفة العباسي للتخلص من سيطرة الأسرة البويهية الشيعية على الحكم.
وفي الواقع ترتبط صورة الأتراك هنا الذين «استغلوا ضعف الخلافة وفتحوا بغداد في 1055»، بالصورة السلبية للأتراك الذي فتحوا البلقان ونشروا الإسلام هناك. فمع أن الألبان كانوا أكثر من استفاد من الحكم العثماني إلا أن الكتب المدرسية الكوسوفية حافظت كسابقتها في العهد اليوغسلافي على الصورة السلبية للحكم العثماني التي ترتبط بطبيعة الحال بانتشار الإسلام باعتباره أحد نتائج الحكم العثماني الطويل الذي استمر حوالى 500 سنة.
وفي ما يتعلق بانتشار الإسلام بين الألبان تربط الكتب المدرسية الكوسوفية دائماً انتشار الإسلام بالفتح العثماني من دون أية إشارة إلى الأبحاث التي نشرت في السنوات الأخيرة حول الصلات السابقة للألبان مع الإسلام قبل الفتح العثماني. ولا شك في أن هذا الربط المتواصل بين «الفتح العثماني» و «انتشار الاسلام» يوحي بكون الإسلام «دين الفاتح الجديد»، في الوقت الذي تقدم هذه الكتب صورة مختلفة عن انتشار المسيحية بين الألبان. ومع اعتراف هذه الكتب بأن انتشار الإسلام شمل حتى القرن السابع عشر ثلثي الألبان إلا أن «العوامل» التي ساعدت على مثل هذا الانتشار الفريد من نوعه في البلقان لا تعود إلى طبيعة الدين ولا إلى إيمان الألبان به بل إلى مجموعة من العوامل الخارجية: الضغط على السكان بواسطة الضرائب، أخذ الأولاد من العائلات المسيحية الألبانية وإرسالهم إلى اسطنبول حيث كانوا يؤسلمون ويربون بروح إسلامية، الإجراءات القمعية من قبل أجهزة الدولة ضد السكان إلخ.
هكذا، تبدو في الكتب الكوسوفية المدرسية صورة فريدة لدين الغالبية: دين لم تكن فيه أية جاذبية بل انتشر نتيجة للضغوط المباشرة وغير المباشرة التي كانت تقوم بها الدولة العثمانية الفاتحة.
وحين تتحدث عن الشعر الألباني الجديد في القرن السابع عشر (شعر البيتيجيين)، الذي شمل لأول مرة موضوعات اجتماعية، تذكر أن «أشعارهم تستند إلى نماذج الشعر الشرقي وأن معظم مؤلفاتهم كتبت في العثمانية والعربية والفارسية»، وهو يغالط الواقع لأن معظم أشعارهم كانت في الألبانية بحروف عربية وقد نشرت أعمالهم في بريشتينا خلال العقود الأخيرة.
ومن ناحية أخرى تسكت الكتب المدرسية الكوسوفية عما يربط الألبان بغالبيتهم المسلمة بالعالم الإسلامي بعد استقلال ألبانيا (1912)، حتى حين تكون هناك أحداث تستحق الذكر. هكذا، تركزعلى تطور ألبانيا في العهد الديموقراطي الجديد (بعد 1992) وتذكر كيف أنه «توسعت العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي» وأن «ألبانيا قبلت في 29 حزيران 1995 في المجلس الأوروبي»، من دون أية إشارة إلى أن ألبانيا في الوقت نفسه انضمت إلى «منظمة المؤتمر الإسلامي» وأصبحت لها علاقات جديدة سياسية واقتصادية وثقافية مع دول العالم الإسلامي.
* مقاطع من الورقة المقدمة إلى الندوة الدولية «دور التعليم في تعزيز التسامح والسلام» التي عقدت في جامعة ساراييفو 21 - 22 أيار (مايو) 2012.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.