تحت رعاية خادم الحرمين .. المملكة تعرض فرصاً استثمارية خلال مؤتمر مستقبل الطيران    لجنة الصداقة البرلمانية السعودية العراقية بمجلس الشورى تجتمع مع سفيرة العراق لدى المملكة    السفير العبدان يسلم أوراق اعتماده لرئيس المجر    مجلس الحرب يناقشها اليوم.. تعليق واشنطن شحنة الأسلحة يثير غضب إسرائيل    وفد حماس يغادر القاهرة إلى الدوحة.. وإسرائيل ترفض ضم رفح لوقف إطلاق النار    أمير الرياض يستقبل رؤساء المراكز ومديري القطاعات الحكومية بمحافظة المجمعة    "إعادة" تُسجّل أداءً قوياً في الربع الأول من العام 2024 بارتفاع الأرباح إلى 31.8 مليون ريال    نائب أمير عسير يتوّج فريق الدفاع المدني بكأس بطولة أجاوييد 2    النفط يرتفع مع سحب المخزونات الأمريكية وارتفاع واردات الصين    عقود ب3.5 مليار لتأهيل وتشغيل محطات معالجة بالشرقية    تاليسكا يتغنى بفترته مع النصر ويتحدث عن علاقته مع رونالدو    الزلفي تحتفي بعام الإبل بفعاليات منوعة وورش عمل وعروض ضوئية    مفتي عام المملكة يستقبل نائب الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي    أمير الحدود الشمالية يتسلّم تقريرًا عن الصناديق العائلية والوقفية بالمنطقة    فيصل بن خالد بن سلطان يطلع على مشروع ربط حي المساعدية بحي الناصرية بمدينة عرعر    «تقييم» تبدأ بتصحيح أوضاع القائمين بتقدير أضرار المركبات في عددٍ من المناطق والمحافظات    المملكة تدين الاعتداء السافر من قبل مستوطنين إسرائيليين على مقر وكالة (الأونروا) في القدس المحتلة    حساب المواطن يودع 3.4 مليار ريال مخصص دعم مايو    جمعية البر بالشرقية توقع اتفاقية لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر    القيادة تهنئ رئيس الجمهورية القرغيزية بذكرى يوم النصر لبلاده    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من باكستان    توقع بهطول أمطار رعدية    إطلاق مبادرة SPT الاستثنائية لتكريم رواد صناعة الأفلام تحت خط الإنتاج    ريال مدريد يقلب الطاولة على بايرن ويتأهل إلى نهائي "الأبطال"    إخلاء مبنى في مطار ميونخ بألمانيا بسبب حادث أمني    "واتساب" يجرب ميزة جديدة للتحكم بالصور والفيديو    طرح تذاكر مباراة النصر والهلال في "الديريي"    زيت الزيتون يقي أمراض الشيخوخة    محادثات "روسية-أرميني" عقب توتر العلاقات بينهما    الديوان الملكي: وفاة والدة الأمير سلطان بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود    الاتحاد يتحدى الهلال في نهائي كأس النخبة لكرة الطائرة    دجاجة مدللة تعيش في منزل فخم وتملك حساباً في «فيسبوك» !    أشباح الروح    بحّارٌ مستكشف    جدة التاريخية.. «الأنسنة» بجودة حياة وعُمران اقتصاد    منها الطبيب والإعلامي والمعلم .. وظائف تحميك من الخرف !    النوم.. علاج مناسب للاضطراب العاطفي    احذر.. الغضب يضيق الأوعية ويدمر القلب    المملكة ونمذجة العدل    القيادة تعزي رئيس البرازيل    يسرق من حساب خطيبته لشراء خاتم الزفاف    روح المدينة    خلال المعرض الدولي للاختراعات في جنيف.. الطالب عبدالعزيزالحربي يحصد ذهبية تبريد بطاريات الليثيوم    ختام منافسة فورمولا وان بمركز الملك عبدالعزيز الثقافي    كشافة شباب مكة يطمئنون على المهندس أبا    شقيق الزميل حسين هزازي في ذمة الله    " الحمض" يكشف جريمة قتل بعد 6 عقود    الوعي وتقدير الجار كفيلان بتجنب المشاكل.. مواقف السيارات.. أزمات متجددة داخل الأحياء    سعود بن جلوي يرعى حفل تخريج 470 من طلبة البكالوريوس والماجستير من كلية جدة العالمية الأهلية    نائب أمير الشرقية يلتقي أهالي الأحساء ويؤكد اهتمام القيادة بتطور الإنسان السعودي    فهيم يحتفل بزواج عبدالله    نائب أمير منطقة مكة يكرم الفائزين في مبادرة " منافس    لقاح لفيروسات" كورونا" غير المكتشفة    الذهب من منظور المدارس الاقتصادية !    الاتصال بالوزير أسهل من المدير !    أعطيك السي في ؟!    سمير عثمان لا عليك منهم    استقبل مواطنين ومسؤولين.. أمير تبوك ينوه بدور المستشفيات العسكرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«شارع في أوفير» لفان غوغ : ألوان هذا الفنان وأشكاله المدهشة
نشر في الحياة يوم 25 - 05 - 2012

من بين رسامي نهاية القرن التاسع عشر الذين اهتموا خصوصا برسم لوحات تمثل شتى أحوال الطبيعة وألوانها، ينظر عادة الى بول سيزان الفرنسي، وفنسان فان غوغ الهولندي، بصفتها الأبرز... وكذلك بصفتهما صاحبي أكبر قدر ممكن من اللوحات التي رسمت فيها هذه الطبيعة. وكان ذلك بالنسبة الى الإثنين، في الوقت نفسه تقريبا، أي في زمن كان فيه فن الرسم، خارج اطار هذين الفنانين الكبيرين - اللذين اشتركا معاً، على أية حال، في رسم مشاهد عاشا في أحضان طبيعتها في الجنوب الفرنسي -، يهتم أكثر وأكثر ببدايات الرسم الدرامي من ناحية، والرسم التجريدي من ناحية أخرى، بحيث كان يبدو واضحاً أن الطبيعة ستقلل من حضورها في لوحات الفنانين خلال العقود المقبلة، وتحديدا منذ العشرية الثانية من القرن العشرين. وكانت الطبيعة قد شكلت جزءاً أساسياً من درامية المشهد التصويري، منذ عصر النهضة الايطالي، حين راحت الطبيعة - في اللوحات - تجاور المشاهد الدينية وتكون في أحيان حاضنة لها. كان عصر النهضة هو الذي أعطى للطبيعة تلك المكانة، ودائما في التواكب مع الانسان أيضا، كجزء من الطبيعة مكمّل لها. من هنا حين اهتم كل من سيزان وفان غوغ برسم الطبيعة - بخاصة - في لوحاتهما، اضافة الى اهتمامهما، غير المفاجئ على أية حال، برسم الانسان وحيدا أو في علاقته مع الطبيعة، لم يكونا ليفعلا أكثر من استعادة ما كان بدأه عصر النهضة، وربما بغية إيصاله الى خاتمة منطقية له، قبل «هجمة الحداثة». بل لربما يمكننا أن نقول ان فن سيزان من جهة، وفن فنسان فان غوغ من جهة ثانية، كان المقفز الذي خلاله راحت الحداثة تظهر، بعد أن حولت آخر لوحات كل من هذين الفنانين، تلوين الطبيعة، الى كتل لونية صارت تعبر عن ذاتها بذاتها، وأحيانا خارج إطار المعنى الطبيعي المناط بها.
غير ان المقاربة والمقارنة بين سيزان وفان غوغ يجب أن تتوقف هنا، ذلك ان بقية ما تبقى من فنيهما، تكاد تقف بالتعارض في ما بينهما. فسيزان، على سبيل المثال، كان - ولا سيما في أعماله الأخيرة التي تواكبت نهاياتها مع بداية نهايات فان غوغ (ثمانينات القرن التاسع عشر) - يبذل جهده لكي يكتشف جوهر واقع المادة الثقافية، التي تشكل خلفية فنه، انطلاقا من قوانين اساسية، أما فان غوغ، فإنه كان يسعى الى أن يعطي لفنه جوهرا روحيا، كما كان يحاول أن يضفي على الطبيعة المرسومة لديه صورة لأهوائه الخاصة، معطيا إياها كثافة العواطف التي كانت تعتريه، وهي العواطف التي نعرف ويعرف المطلعون على تاريخ الفنون الحديثة ولا سيما على تاريخ فان غوغ وأعماله، انها مزجت تماما بين حياته وفنه بحيث صار يعنبر من اكثر الفنانين ذاتية في التاريخ.
على هذا النحو، إذا، كان في وسع فنسان فان غوغ ان يكتب ذات يوم «أوليس صحيحا ان المرء يدرك الأشياء في شكل أكثر صفاء وأكثر وضوحا حين يكون مولعا بها، على عكس حاله حين يكرهها فيكف عن أن يدركها في صفائها ووضوحها»؟ والحال أن هذه الفكرة الجوهرية التي تأتي هنا على شكل سؤال، يلوح مضمونها، كما يلوح الارتباط الحماسي بها، في الأسلوب الذي راح فان غوغ يرسم فيه لوحاته الأخيرة ولا سيما في أوفير، ومنها هذه اللوحة التي رسمها عام 1890، أي في العام نفسه الذي رحل فيه، من دون أن يمكن اعتبارها من آخر لوحاته، طالما انه عرف عنه انه كان يرسم لوحات عدة في وقت واحد، وان من الصعب على أيّ كان احصاء لوحاته الأخيرة، التي رسمها خلال ذلك العام.
هذه اللوحة التي نتحدث عنها هنا، هي «شارع في أوفير» وهي متوسطة الحجم لا يزيد عرضها على 91 سم وارتفاعها على 72 سم. وهي تعتبر عادة من أجمل اللوحات الأخيرة التي رسمها فان غوغ... ذلك انها اختصرت وفي شكل مميز كل همومه الفنية والتشكيلية، حيث ان اللون يستخدم هنا كوسيلة للتعبير، فيما تعبر اللمسات التلوينية في تعارضها وتجاورها عن قوة هيام الرسام بالطبيعة وبالحياة أيضا - ما من شأنه أن يتعارض منطقيا مع وضعه حدا لحياته بعد فترة قصيرة من الزمن... لكن هذه واحدة من التناقضات التي ملأت حياة فان غوغ ومماته كذلك -. ان فرشاة فان غوغ تسري هنا بقوة ولكن بعزيمة هادئة أيضا فوق سطوح المنازل معبرة عما كانه الفنان خلال تلك الفترة: رؤيويّا ينقل الى اللوحة ما تمليه عليه رؤيته، من دون تردد أو خوف، كفنان تعتريه حال من القداسة الاستحواذية في كل مرة انصرف فيها الى الرسم.
قبل انجازه هذه اللوحة بعامين، كان فان غوغ قد ترك باريس ليقيم في آرل، جنوب فرنسا... وهناك، بدءا من العام 1888، وبعد أن كان انهمك في باريس برسم الكثير من المشاهد الداخلية والبورتريهات الدرامية السيكولوجية المعبرة، نراه يكتشف، وكأنما بفعل المفاجأة، طبيعة شمس الجنوب، ما فتح أمام فنه آفاقا جديدة ما كان له أن يتوقع انفتاحها هو الآتي من ضبابية الشمال وألوانه الغامقة المكتئبة. وهكذا تحوّل فان غوغ من فنان درامي، الى فنان ملوّن، يستخدم اللون وسيلة أساسية، وربما وحيدة أيضا للتعبير. ان اللون هنا، لدى فان غوغ، لا يعود وسيلة لتعريف الشيء المرسوم، بل وسيلة للتعبير عن عواطف الفنان الأكثر حميمية. وهكذا يصبح، مثلا، رسم سطح بيت تحت سماء زرقاء تنتشر فيها غيوم نقية بيضاء، أشبه بالتعبير عن تذكّر الفنان لأستاذه الراحل، موف، على سبيل المثال. ان المشاعر الانسانية تشكل هنا، وبالنسبة اليه، مفتاح العالم... وهو إذ يريد أن يعبر عن هذا المفتاح، يجسد تعبيره في اللون، وبخاصة في ضربات الفرشاة التي تنشر هذا اللون. صحيح ان فن فان غوغ، ومنذ مراحله الأولى، لم يكن غريبا عن هذا التعبير عبر ضربات الفرشاة، بيد أن الجديد هو أن هذه الضربات، صارت تستخدم لديه من أجل نشر ألوان أكثر صفاء - متأثرة بشمس الجنوب -، وأكثر وضوحا ودرامية - إذ صارت وظيفتها تعبيرية لا تفسيرية - وأكثر غائية - إذ صارت هي شكل اللوحة ومضمونها التعبيري في آن معا-.
من الواضح ان هذه اللوحة تمثل نقطة الذروة لخطوة جبارة قطعها فان غوغ خلال سنوات قليلة من الحقبة الأخيرة من حياته، ليصل الى جوهر اللون وروحيته. وهذا التصور للعالم كروح، وكوسيلة تعبير عن أهواء الانسان وضروب شغفه كان هو بحسب ما سيقول دارسو أعمال هذا الفنان الكبير والاستثنائي، ارثه الذي خلفه للقرن العشرين، الذي يظل فان غوغ بعد كل شيء أحد فنانيه الكبار في مجال تجديد الفن التشكيلي وربطه أكثر وأكثر بنظرة الانسان - الفنان بخاصة - الى العالم.
وفنسان فان غوغ، الذي لم يعش طويلاً كما نعرف، وتعتبر حكاية تنقله وحياته وارتباطه بفنه، من أعجب الحكايات في تاريخ الفن التشكيلي، ولد عام 1853 في هولندا، ورحل عام 1890 في الجنوب الفرنسي، مخلفا لتاريخ الفن، ولتاريخ الانسان، مئات اللوحات التي تشهد على عبقرية استثنائية - كان عمرها قصيراً - وتعتبر من أثمن ما خلفه تاريخ الفن منذ أقدم العصور.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.