ستانيشيتش: بلوغ نهائي الدوري الأوروبي أهم لليفركوزن    استمرار هطول أمطار رعدية متوسطة على معظم مناطق المملكة    النصر يهزم الأخدود بثلاثية في "روشن"    بيئات قتالية مختلفة بختام "الموج الأحمر 7"    35 طالباً سعودياً يرفعون التحدي ب"آيسف 2024″    629 موقعاً مزيفاً تستهدف جيوب السعوديين ب«الاحتيال»    مقرن بن عبدالعزيز يرعى حفل تخريج الدفعة السادسة لطلاب جامعة الأمير مقرن    الشاعرة الكواري: الذات الأنثوية المتمردة تحتاج إلى دعم وأنا وريثة الصحراء    العرب ودولة الإنسان    حين يتحوّل الدواء إلى داء !    أدوية التنحيف أشد خطراً.. وقد تقود للانتحار !    مصير مجهول للمرحلة التالية من حرب روسيا وأوكرانيا    الاتفاق والنصر إلى المباراة النهائية لممتاز قدم الصالات    الاتحاد يتغلّب على الهلال وينتزع ذهب نخبة الطائرة    جمال الورد    ذكاء التوقيت والضمير العاطل    المركز الوطني للمناهج    ب 10 طعنات.. مصري ينهي حياة خطيبته ويحاول الانتحار    سقوط الجدار الإعلامي المزيف    99 % انتشار الإنترنت في المملكة    جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز تحتفل بتخريج الدفعة السادسة    رَحِيلُ البَدْرِ    انكسار الهوية في شعر المُهاجرين    المقاهي الثقافية.. والمواهب المخبوءة    مفوض الإفتاء في جازان يشيد بجهود جمعية غيث الصحية    لاعبو الأندية الإيطالية خارج القائمة.. ولاعبو «البريمير ليغ» الأكثر حضوراً    الاتفاق يكمل جاهزيته لمواجهة الاتحاد في الجولة 31 من دوري روشن    «البعوض» الفتاك    تعزيز الاستدامة وتحولات الطاقة في المملكة    أمير منطقة جازان يلتقي عدداً من ملاك الإبل من مختلف مناطق المملكة ويطّلع على الجهود المبذولة للتعريف بالإبل    الحياة في السودان مؤلمة وصادمة    رئيس جامعة جازان المكلف ⁧يستقبل مدير عام الإفتاء بالمنطقة    رئيس المجلس العسكري في تشاد محمد إدريس ديبي إتنو يفوز بالانتخابات الرئاسية    أولمبياكوس يهزم أستون فيلا ويبلغ نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    أمانة الطائف تسجل لملّاك المباني بالطرق المستهدفة لإصدار شهادة "امتثال"    أسماء القصيّر.. رحلة من التميز في العلاج النفسي    كيف نتصرف بإيجابية وقت الأزمة؟    حقوق الإنسان في القاموس الأمريكي    رسالة من أستاذي الشريف فؤاد عنقاوي    بلدية صبيا تنفذ مبادرة لرصد التشوهات البصرية    وزير النقل: 500 ريال قيمة التذكرة بين الرياض وجدة.. ولا نتدخل في أسعار «الدولية»    دلعيه عشان يدلعك !    للرأي مكانة    تجنب قضايا المقاولات    شركة ملاهي توقّع اتفاقية تعاون مع روشن العقارية ضمن المعرض السعودي للترفيه والتسلية    مكان يسمح فيه باقتراف كل الجرائم    قُمري شلّ ولدنا    تدشين مشروعات تنموية بالمجمعة    "تاسي" ينهي تداولات الأسبوع على تراجع 1.4%    الملك وولي العهد يعزيان رئيس الإمارات في وفاة هزاع بن سلطان بن زايد آل نهيان    مستشار أمير منطقة مكة يرأس الأجتماع الدوري لمحافظي المنطقة    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من تركيا متجهة إلى المملكة    نائب أمير عسير يتوّج فريق الدفاع المدني بكأس بطولة أجاوييد 2    مفتي عام المملكة يستقبل نائب الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي    المملكة تدين الاعتداء السافر من قبل مستوطنين إسرائيليين على مقر وكالة (الأونروا) في القدس المحتلة    أمطار رعدية ورياح تؤدي إلى تدني في الرؤية بعدد من المناطق    القيادة تعزي رئيس البرازيل    فهيم يحتفل بزواج عبدالله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف وجه لألف عام - فنسان فان غوغ يرسم ذاته: سيرة الفنان في لوحاته
نشر في الحياة يوم 22 - 01 - 2010

رسم كثر من الفنانين على مر الأزمان، ومنذ عصر النهضة على الأقل، انفسهم في الكثير من لوحاتهم، وأحياناً كانت اللوحات من نوع «البورتريه الذاتي» وأحياناً كانت تمثل مشاهد جماعية تضم عدداً من الاشخاص سرعان ما يتعرف المتخصصون الى صورة للرسام نفسه بينهم. وفي احيان كثيرة، في مثل هذه المشاهد الجماعية، كان الفنان يختار لنفسه مكاناً نائياً يضع فيه صورته كمراقب، او كشخصية ثانوية في المشهد (فيرونيزي مثلاً في لوحة «عرس قانا الجليل»). وفي الاحوال كافة، كانت مثل هذه الاعمال عابرة في مسار الفنانين، حيث ان اللوحات الذاتية كانت تبدو اشبه بنزوات. ولكن، بالنسبة الى عدد قليل من الفنانين، كان الامر اكثر من مجرد نزوة. فدورر او رمبرانت او ماكس بيكمان في القرن العشرين، وصولاً مثلاً الى دافيد هوكني، رسموا انفسهم راغبين ان تتحول صورهم الى نوع من السيرة الذاتية البصرية. فهل كانت هذه، كذلك، رغبة فنسان فان غوغ، الرسام الهولندي الكبير الذي عاش سنواته الاخيرة ومراحل خصبه الفني الرائعة في فرنسا وجنوبها؟
ان لدينا الآن، موزعة في متاحف العالم، عشرات اللوحات التي تمثل هذا الرسام، وتمثله ليس فقط كشكل يملأ اللوحة، بل كتطور سيكولوجي بين لوحة وأخرى. فهل رسم نفسه على هذه الشاكلة وبهذه الكثرة، وبخاصة خلال مرحلته الباريسية، لأنه، كما يقول بعض الكاتبين عنه، كان عاجزاً عن دفع ايجار «موديل» يرسمه، ام انه كان يستخدم ملامحه للتعبير عن تطور الشرط الانساني... او حتى، كما يقول باحثون آخرون، لأنه اراد ان يترك للأجيال التالية آثاراً تدل اليه؟
مهما كان من شأن الجواب، فإن الواقع يقول لنا ان فان غوغ، اسوة بسلفه الهولندي الكبير، رمبرانت، ترك هو الآخر ملامحه وفصول حياته مرسومة على عدد كبير جداً من اللوحات. وهي، دائماً تقريباً، لوحات حزينة يائسة قوية التعبير، وحدها تكفي، لسرد حياة هذا الفنان الذي عاش قليلاً ورسم كثيراً، ويعتبر اليوم، بعد اكثر من قرن على رحيله واحداً من كبار الفنانين الذين عرفتهم البشرية، ناهيك بأن لوحاته - اذ تباع اليوم في المزادات العلنية - تسجل ارقاماً قياسية في قيمتها المادية. والطريف ان اياً من لوحات فان غوغ الذاتية، لم يبلغ ارقاماً قياسية في هذه القيمة، وكأن الزمن شاء ان يحفظ لتلك «السيرة الذاتية المصورة» قيمة معنوية خاصة.
نعرف ان فان غوغ مات باكراً في اوائل العام 1891، وكان في الثانية والاربعين من عمره. وهو عاش خلال السنوات الخمس الاخيرة من حياته بين باريس والجنوب الفرنسي، وكانت تلك سنوات عاصفة مملوءة بالأحداث القاسية وضروب المرض والفقر والجنون، غير ان ذلك كله لم يفتّ من عزيمة الفنان الشاب، اذ نعرف انه خلال تلك الفترة نفسها كان يرسم بسرعة جنونية، وكأنه كان يعرف انه لا محالة سيموت قريباً، وأن عليه قبل دنو الأجل ان يقول، على لوحاته، كل ما عنده. والواقع ان لوحات فان غوغ الكبرى تعود الى تلك المرحلة بالذات. وكذلك يمكننا ان نقول ان سلسلة «البورتريهات» الذاتية التي رسمها لنفسه، عادت بدورها الى تلك المرحلة، حيث ان في امكاننا اليوم ان نتأمل ما لا يقل عن ثماني «بورتريهات» رائعة رسمت بين 1885 و1890، بدءاً من مدينة انتورب وصولاً الى مدينة اوفير الفرنسية، وكلها تمثل الفنان، ليس فقط في تطوره السيكولوجي والاجتماعي على مدى تلك المرحلة القصيرة - والتي كان فيها كثير التنقل بين مكان وآخر -، بل كذلك في تطور اساليبه الفنية. اذ فيما نجده في اللوحة الاولى لا يزال متأثراً بالفنون الهولندية من حيث ضعف البعد المنير في اللوحة واللجوء الى الالوان الغامقة، اضافة الى استخدام الغليون في الفم كأكسسوار ضروري، نجده بعد ذلك في اربع لوحات باريسية متتالية تنم عن التأثيرات المتلاحقة التي راحت تطرأ عليه، من حيث امعانه في اضاءة لوحته بألوان مضيئة فاتحة وصولاً الى تأثره بأسلوب التنقيط، الذي كان الفرنسيان سورا وسينياك رائديه الكبيرين. وفي اللوحة السادسة التي رسمها في آرل (الجنوب الفرنسي)، نجده وقد بدأ يزداد تأثره بالفنون اليابانية، بل انه يرسم نفسه هنا على صورة راهب بوذي، فيما ينتقل في اللوحة التالية الى التعبير عن حلول الجنون لديه مكان الكآبة التي كانت تطبع لوحاته السابقة. فهنا، في العامين الاخيرين من حياته (1889-1890) كان فان غوغ اصيب بذلك الانهيار العاطفي والعقلي الذي، اذا كان قد اثر في فنه فإنه اثر فيه ايجاباً، في عمل بدا فيه الجنون واضحاً على نظرته، وبدت الخلفية ملتبسة تماماً تجعل سماته اشد غرابة وكينونته نفسها آتية من اللامكان. اما في اللوحة الاخيرة، وهي تلك التي رسمها في سان ريمي او في اوفير، فإننا هنا امام عمل يرتبط تماماً بأسلوب فان غوغ كما تجلى في آخر اللوحات التي رسمها في حياته: اسلوب قوي في خبطات ريشة لولبية معبرة، وفي وحدة لونية تجمع بين لون الخلفية ولون ثيابه. غير ان المهم في هذه اللوحة، ليس هنا، المهم في قدرة فان غوغ، في ايامه الاخيرة، على تحميل نظراته كل ذلك التعبير، اذ ان هذه اللوحة التي كانت آخر «بورتريه» ذاتي له، اتت اشبه بدراسة قوية لعقل يحاول، بعد، ان يتماسك وسط دوامة أحزانه وأحزان نهاية عالمه.
لقد اكمل فان غوغ هذه اللوحة، قبل شهور قليلة من رحيله الطوعي... وهو وضع فيها، ما يمكن اعتباره وصية اخيرة، اذ رسم روحاً معذبة، تحاول ان تخوض حربها الاخيرة ضد الرعب الذي تحس انه يحيط بها من كل جانب... وسلاح الفنان/ المرسوم، في هذه اللوحة انما هو نظرة تحمل في ظاهرها الهدوء، اذ ان الجلسة تبدو سرمدية: كأن المرسوم جالس هنا منذ الازل، وسيظل كذلك حتى الابد. اما العينان، فإن فيهما من الحزن ما يكفي البشرية كلها، ولكن فيهما ايضاً ما يشبه التصميم على المقاومة... وكأنها مقاومة تلقائية. اما الشفتان فإنهما صارمتان ومكتنزتان عزيمة مدهشة. فهل يمكن مثل هذه الملامح، الا ان تكون صورة لإنسان قرر ان عليه ان يمسك مصيره بين يديه، حتى ولو كان امساك هذا المصير يعني الانتحار؟ لقد كان من الواضح، في اللوحة هذه، ولكن كذلك في رسالة فنسان الى اخيه ثيو، ان ثمة امامنا ها هنا، رجلاً قرر انه قال كل ما عنده، وعاش حياته من دون ان يغريه شيء في تلك الحياة، وان اوان الرحيل قد حل، لأن ما بعد ذلك سيكون تكراراً لما كان من قبل. بالنسبة الى فان غوغ، كانت الحياة قد اضحت «عبئاً ثقيلاً عليه» كما قال اخوه ثيو في رسالة بعث بها الى امه يخبرها فيها بانتحار فنسان. ومن الواضح انه لو بعث اليها بتلك اللوحة، لكان في الرسالة المرسومة هذه، من الفصاحة ما يكفي لتفسير كل شيء...
ولد فنسان فان غوغ العام 1853 في غروت - زوندر، شمال منطقة برابان، ابناً سادساً لأبيه الذي كان واعظاً في الكنيسة. وهو توجه في العام 1869، الى لاهاي، حيث التحق موظفاً لدى فرع فرنسي لشركة تتاجر بالأعمال الفنية، ما اتاح له الاطلاع على عدد كبير جداً من اللوحات في الوقت الذي راح يقرأ كثيراً عن الفن ويرتاد المتاحف. وقد بدأ في تلك المرحلة ترحاله بين بروكسيل وباريس ولندن، حيث كانت زيارة المتاحف نشاطه الاول. وفي العام 1875، انتقل الى باريس، لكنه لن يبدأ ممارسة الرسم فعلياً إلا منذ العام 1881، وهو بعد ذلك لن يتوقف عن ممارسته ابداً، وبكثرة وسرعة، اذ نعرف انه خلال الاعوام العشرة التالية، وأمضى معظمها في فرنسا، رسم ما يقارب التسعمئة لوحة. وما ان انقضت تلك السنوات، حتى كان المرض والجنون قد تمكنا منه، فرحل بائساً يائساً منتحراً اواخر كانون الثاني (يناير) 1891.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.