وأخيراً رأى سكان الرياض الماء على بعد كيلومترات معدودات من بيوتهم، لن يحتاجوا إلى قطع مئات الكيلومترات بحثاً عن بحر ورطوبة. لا يهم إن كان جارياً أو واقفاً، الحال الفيزيائية ليست بذات أهمية، فالأهم أن «واحة» ولدت على حفاف العاصمة السعودية التي اشتهرت بتمركزها بين صحارى ثلاث. واحةٌ إن أريد وصفها فهي «اصطبيعية» نصفها طبيعي والآخر اصطناعي، هُيئت لتكون مستراحاً لأهل الرياض، هرباً من ضوضائها وزحامها وإسمنتها، إلى الهواء الطلق والطبيعة الممتزجة بالترفيه والبنية التحتية المناسبة. آن الأوان ليصير للرياض «كورنيشها» الذي حرمتها الطبيعة منه، فلا شيء بعد الآن ينقصها، فالمنظر للوهلة الأولى يذكرك بكورنيش جدة أو الخبر، أو بواحات الأحساء. عندما ترى اكتظاظ الناس على أطراف البحيرة الواقعة في وادي نمار (غرب الرياض)، رجالاً وأطفالاً، نساء وشباباً، وترى السيارات بالمئات مصطفة لمسافات طويلة، والدراجات الهوائية والنارية وعلى ظهورها مراهقون، وجدوا في المكان ضالتهم، ستعلم كم كان سكان الرياض محتاجين لواحة يجلسون على أطرافها لتخضر أرواحهم، وتتنفس همومهم. وربما أحب من أحبها أن يسميها متنزهاً جديداً، يضاف إلى مجموعة المتنزهات والحدائق التي بدأت تتكاثر في العقد الأخير بجهود أمانة منطقة الرياض، وهيئة تطوير الرياض. هناك في غرب الرياض، حيث تختفي الضوضاء إلا قليلاً، بات بإمكان المقيم في العاصمة أن يجد مكاناً آسراً يضطجع فيه مع أسرته أو أصدقائه لينفض عنه هموم الحياة اليومية، ويصفي روحه من ضجة العمل والمشاحنات، ويصفي أذنيه من مزامير السيارات وطرق الحفارات وضجيج الأصوات المتزاحمة. ستجد هناك رائحة شواء، وأصوات قدور، وأناساً يأكلون، وأناساً يشربون، وفتية يمرحون، ومياهاً تتهادى، وطوابير بطٍّ ترسم الطمأنينة على وجه ماء «بحيرة الرياض». سواء كنت تحب الاقتراب من الماء أكثر، أو الإطلال من علٍ، فلك الخيار أن تفرش سجادتك أو بساطك، وتوزع أغراضك حولك على رصيف الكورنيش، وإلا فإن الجبل سيمنحك مدى أكبر، وحرية لعينيك لتنطلقا في أفق أوسع. رطوبة تندي الروح وحياة تعود للانتعاش عندما ترى النساء يتحركن كما لم يفعلن من قبل، وشباباً اشتغلوا بين لاعب وطابخ ومستلقٍ، وجدها فرصة ليضرب العصافير كلها بحجر. لكن مهما ابتلت أرواح الكبار، فإن فرحة وجوه الأطفال المتراكضين ببساطتهم هي المنظر الأجمل، والشعور الأبهى، ولا عجب إن سرقت تلك الوجوه نظراتك، لتتأمل تلك الوداعة والبراءة التي لم تشتتها مروحة الحياة العصرية. وإن كنت طالب سمرٍ وسهر، فكل ما عليك أن تطرق باب الهواء باتجاه كورنيش الرياض، لتقضي سويعات بين الصخور البنية والنخل الباسق والماء وأعمدة الإنارة. وتبلغ مساحة البحيرة المقتطعة من وادي نمار 200 ألف متر مربع تقريباً، فيما يبلغ متوسط عمقها 20 متراً، فيما يمتد الكورنيش مسافة كيلومترين، كما يحوي 520 نخلة و9500 شجيرة. بعضهم لم يكتف بالجلوس وركوب الدراجات، فالفرصة تطرح خيارات أكثر، إذ بدأت القوارب تأخذ طريقها في البحيرة، وهناك من بدأ يجرب حظه في اصطياد سمكة وسط الصحراء. حسان أبوصلاح