مصر: الفنانة السورية نسرين طافش تستأنف على الحكم بحبسها 3 سنوات.. الأربعاء    إغلاق مؤشرات أسواق الأسهم الأمريكية مرتفعة    انخفاض أسعار النفط في أكبر خسارة أسبوعية في ثلاثة أشهر    الجنيه الإسترليني يرتفع مقابل الدولار الأمريكي وينخفض مقابل اليورو الأوروبي    بيان «الصحة» عكس الشفافية الكبيرة التي تتمتع بها الأجهزة الحكومية في المملكة    "الترفيه" تنظم عروض "سماكداون" و "ملك وملكة الحلبة" في جدة الشهر الجاري    محمية عروق بني معارض.. لوحات طبيعية بألوان الحياة الفطرية    اليوم المُنتظر    «النصر والهلال» النهائي الفاخر..    بأمر الملك.. إلغاء لقب «معالي» عن «الخونة» و«الفاسدين»    «الأونروا»: الصراع في غزة مستمر ك"حرب على النساء"    عقد المؤتمر الصحفي لبطولة "سماش السعودية 2024" في جدة    جريمة مروّعة بصعيد مصر.. والسبب «الشبو»    أمانة الطائف تنفذ 136 مبادرة اجتماعية بمشاركة 4951 متطوعًا ومتطوعة    أبها يتغلب على الاتحاد بثلاثية في دوري روشن وينعش آماله في البقاء    المملكة وأذربيجان.. تعاون مشترك لاستدامة أسواق البترول ومعالجة التغير المناخي    رئيس مجلس القيادة الرئاسي يوجه بسرعة العمل على فتح الطرقات وتقديم المساعدة    موعد مباراة الاتحاد القادمة بعد الخسارة أمام أبها    إدانة المنشأة الغذائية عن حادثة التسمم الغذائي وإغلاق فروعها بالرياض والخرج    ميتروفيتش: لم نحسم لقب الدوري حتى الآن    نمو الغطاء النباتي 8.5% بمحمية "الإمام تركي"    توسيع نطاق الاستثناء الخاص بالتصرف العقاري    مدير «الصحة العالمية»: الهجوم الإسرائيلي على رفح قد يؤدي إلى «حمام دم»    "درع الوقاية 4".. مناورات سعودية – أمريكية بالظهران    غداً.. منع دخول المقيمين لمكة دون تصريح    تركي الفيصل يرعى حفل جائزة عبد الله بن إدريس الثقافية    31 مايو نهاية المهلة المجانية لترقيم الإبل    موعد مباراة الهلال القادمة بعد الفوز على التعاون    «الدفاع المدني» محذراً: التزموا البقاء في أماكن آمنة وابتعدوا عن تجمُّعات السيول    الشرطة تفرق اعتصاما مؤيدا للفلسطينيين في معهد الدراسات السياسية بباريس    الفوزان: : الحوار الزوجي يعزز التواصل الإيجابي والتقارب الأسري    جامعة الإمام عبدالرحمن تستضيف المؤتمر الوطني لكليات الحاسب بالجامعات السعودية.. الأربعاء    رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء    الجمعية السعودية للإعاقة السمعية تنظم "أسبوع الأصم العربي"    الصحة العالمية: الربو يتسبب في وفاة 455 ألف إنسان    سحب لقب "معالي" من "الخونة" و"الفاسدين"    إشعار المراسم الملكية بحالات سحب الأوسمة    تحويل حليب الإبل إلى لبن وإنتاج زبد يستوقف زوار مهرجان الألبان والأغذية بالخرج    "تقويم التعليم"تعتمد 45 مؤسسة وبرنامجًا أكاديمياً    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    المملكة: صعدنا هموم الدول الإسلامية للأمم المتحدة    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية    " عرب نيوز" تحصد 3 جوائز للتميز    وزير الطاقة: 14 مليار دولار حجم الاستثمارات بين السعودية وأوزبكستان    وفيات وجلطات وتلف أدمغة.. لعنة لقاح «أسترازينيكا» تهزّ العالم !    انطلاق ميدياثون الحج والعمرة بمكتبة الملك فهد الوطنية    الخريجي يشارك في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية للدورة 15 لمؤتمر القمة الإسلامي    136 محطة تسجل هطول الأمطار في 11 منطقة بالمملكة    قصة القضاء والقدر    كيفية «حلب» الحبيب !    من المريض إلى المراجع    أمير جازان يطلق إشارة صيد سمك الحريد بجزيرة فرسان    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    ما أصبر هؤلاء    هكذا تكون التربية    اطلع على المهام الأمنية والإنسانية.. نائب أمير مكة المكرمة يزور مركز العمليات الموحد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرية التعبير... هل عليها قيود في السعودية؟

اطلعتُ في الشبكة العنكبوتية على صفحة ناشطين تَضَمّنت - حتى تاريخه - رسالتين عَرّفَ مُوَقِّعُوهما أنفسهم بأنهم: «مجموعة من شباب هذه الأمة العربية السعودية، من الجنسين ومن مختلف التوجهات والأفكار والطوائف...».
وأفصحوا في رسالتهم الأولى عن غايتهم: «... سنظل... مدافعين ومحاربين بشجاعة عن حرمة حقوق وحريات أمتنا العربية السعودية... لدينا هذا الحلم، وهو أكبر، حرية الرأي والتعبير والضمير والمعتقد... هو حلمنا، وهذه هي رسالتنا الأولى».
وتضمنت الرسالة الأخرى بياناً جاء فيه: «نحن بأسمائنا... نؤيد كل من يريد أن يقول ما في نفسه، وأن يُعبّر عما في روحه، ويكتب ويتحدث ويرفع صوته عالياً بما يريد هو، ليس بما نريده نحن، وليس بما يريد أولئك وهؤلاء، وبكل ما تعهد به البشر من مواثيق عالمية معلنة في حفظ حقوق الإنسان وحرياته، وهو ما وقعت عليه الحكومة السعودية وخالفته وانحرفت عنه، وإذ نؤكد... أن هذه الأسماء على أتم الاستعداد لأن تدفع حياتها ثمناً كي يقول كل مواطن رأيه ويعبر عنه. نحن نؤمن بأننا أمام اختبار وضعنا فيه الآن، إما أن نكون أو لا نكون، إما أن نكون أمام أنفسنا متسقين مع مبادئنا وقيمنا التي نؤمن بها، ونقف أمام انحراف الحكومة عما وقعت عليه من مواثيق عالمية تكفل حقوق الإنسان وحرياته، وإما لا نكون أمام أنفسنا سوى مدّعين، لا مبادئ لنا ولا قيم، نتفوه بما لا نؤمن، ولا نأمل لجيل أمتنا المقبل خيراً بعدم التصدي لهذا الانحراف الحكومي، من حرية وعدالة ومساواة».
سأناقش في هذه الورقة مضامين هذه العبارات المقتبسة، وما يرتبط بها.
بصرف النظر عن ارتياب المشككين بعدم صدقية البيان، بسبب غياب الأسماء المعروفة دائماً بحماستها لتأييد «حق» الحرية في التعبير، وأن الأسماء التي ظهر بها البيان في جملتها لم تُعْرَف من قبل بمثل هذه الحماسة، لأن المقصود، في هذا المجال، «القول» وليس القائل، و «الرأي» وليس الشخص الذي أُسْنِد إليه.
وقد يقال: هل إن كلاماً صادراً من عدد «ما» من الناس يَستحقُ أن يُحتفل به، ويُشْغِل به الإنسان فكره وقلمه؟
والجواب: ان مناقشتي عدداً من «المثقفين» السعوديين، واطلاعي على بعض ما يطرح في وسائل الإعلام، أوجد لدي انطباعاً بأن ما تضمنته العبارات المقتبسة هو رجع صدى للشيء ذاته الذي يتصوره عدد من «المثقفين» السعوديين، وهم، وإن كانوا قليلي العدد، وأُوتُوا من نقص في الاطلاع على المصادر المعرفية التي تتناول الموضوع، إلا أنهم مرتفعو الضوضاء، ومحظيون بالاهتمام، حتى عند بعض الخاصة.
وأهم من ذلك أنني، وقد بلغت في السن من الكبر عتياً، أعرف من تجارب الحياة: أن الفكرة وإن كانت مبنية على «وهم» فإنها بشيوعها وترددها على الأسماع وعلى الألسنة تصبح كما لو كانت «حقيقة إيمانية»، لا سيما إن ارتفعت إلى مرتبة «الشعار» فإنها في هذه الحال تعتبر في قوتها الإقناعية لدى أكثر الناس بمنزلة أعلى من الحقائق الرياضية.
لهذا فقد أثار اهتمامي هذا الموضوع، ورأيت من واجبي التعليق عليه، وفي هذا التعليق سأتفادى ذكر آرائي الشخصية، إلا عند الحاجة الملحّة، وهذا إذا وجد فسيكون في حالات قليلة، وبدلاً من ذلك سأكتفي بإيراد معلومات واقعية، وأترك للقارئ حرية الاستنتاج منها، وسأستعمل اللغة والمنطق العقلي وطريقة التفكير المفروض قبولها من مثل من كتبوا البيان.
إن من الواضح أن هذه العبارات كُتبت نتيجة تفكير جاد، وأن من كتبوها يستشعرون بأنهم مقدمون على أمر خطر، وأنهم يتوقعون أذىً كثيراً نتيجة صدورها عنهم، وأنهم مستعدون للتضحية حتى بحياتهم في سبيل مناصرة «حرية التعبير».
فما «الأمر الخطر» الذي أشار إليه كاتبو البيان، وتوقعوا الأذى الكثير بسبب انحيازهم اليه، واستعدوا لبذل حياتهم في سبيل الجهر به؟
الجواب: باستحضار المناسبة التي كُتِب في ظلها البيان يبدو أن القارئ لا يمكن أن يعتقد إلا أن المقصود: حرية التعبير في (الجهر بقولة الكفر)، و(الكفر بعد الإسلام)، ونفي القداسة عن المقدسات لدى المجتمع: الله، القرآن، الرسول، الإسلام، والتعامل معها بالنقد أو حتى بالذم، أو التحقير، أو السخرية أو الاستهزاء، كما لو كان شيئاً لا قداسة له ولا وقار. فإن لم يصح الافتراض بأن هذا الأمر مقصودٌ بالذات في العبارات المقتبسة، فعلى الأقل أن يُفتَرض أن هذه الأمور داخلة قصداً في عموم عبارة: «نؤيد كل من يريد أن يقول ما في نفسه، وأن يُعبّر عما في روحه، ويكتب ويتحدث ويرفع صوته عالياً بما يريد هو»، فإن لم يصح هذا الافتراض أيضاً فعلى الأقل: ألا تكون هذه الأمور منفية أو مستثناة في قصد المتكلمين عن العموم المشار إليه، وليس بعد هذا إلا اعتبار الكلام لغواً لا معنى له.
وهذا هو السبب في أن هذه العبارات أثارت اهتمامي، وسيجرى التعليق عليها في وقفتين:
- الوقفة الأولى: عندما نحكّم العقل والعدل، أو بعبارة أخرى، التفكير العقلاني والأساس الأخلاقي، هل القول بحرية التعبير كقيمة كونية وحق من حقوق الإنسان يعني أنها حرية «مطلقة» لا قيد عليها، كما يُفهم من عبارات البيان المقتبسة؟ هل وُجد مِن قبل في أي زمان وفي أي مكان من يعتبر حرية التعبير قيمة كونية «لا قيود» عليها؟ هل يعتبرها كذلك وينحازُ إليها حتى ولو ظهرت في صفة عدوان على الآخرين وحرياتهم وقيمهم؟ هل يعتبرها كذلك لو ظهرت في إعلان البائع عن سلعة يسوّقها إعلانه بالكذب والخداع والغش وتضليل المستهلكين؟ هل نتوقع أن تُعتبر كذلك قيمة مطلقة عندما كانت المناداة بالحرية والمساواة والإخاء في ذروتها بعد الثورة الفرنسية حتى عندما كانت مدام «رولان» تخاطب الحرية وهي في طريقها إلى المقصلة بقولها «أيتها الحرية كم من الجرائم ترتكب باسمك»؟ هل إنّ تقييد حرية التعبير في المملكة العربية السعودية ب «عدم المساس بالمقدسات، أو الجهر بما يوجب الحكم بالردة في الشرع» انتهاك لحق من حقوق الإنسان؟ هل يمكن أن نجد الإجابة في ما هو واقع؟
المرجع الثقافي
من المعروف أن لكل دولة مرجعها الثقافي الأعلى، هذا المرجع يحكم قوانينها وإجراءاتها وتصرفاتها، ويسمى «القانون الأساسي للحكم»، أو «الدستور»، في ظل هذا الواقع هل يمكن مواطن أي دولة أن يدّعي الحق، بالاستناد إلى حرية التعبير، أو بحكم حريته الشخصية في صورها المختلفة، أن يدّعي أن دستور بلاده لا ينطبق عليه، وأن في إمكانه الخروج عليه وتسفيهه والدعوة للثورة على نظام الحكم الذي يحميه هذا الدستور؟
المملكة العربية السعودية كغيرها من الدول لديها قانونها الأساس للحكم، وهو يحكم قوانينها وإجراءاتها وتصرفاتها، ولكن في حال المملكة ليس قانونها الأساسي للحكم مرجعها الثقافي الأعلى، فنظامها الأساسي للحكم يَعترف صراحة بأن هناك مرجعاً ثقافياً «أعلى» يحكم القانون الأساسي للحكم وما يحكمه هذا القانون من قوانين وإجراءات وتصرفات في المملكة العربية السعودية (المادة السابعة من النظام الأساسي للحكم).
أليس الالتزام بهذا المرجع الثقافي الأعلى يجب ألّا يقل، عقلاً وعدلاً، عن الالتزام بالقوانين الأساسية للحكم (الدساتير)، وذلك في ما يتعلق بعلاقة حرية التعبير بحقوق الإنسان، التي غالباً ما تشتمل على مضمونها القوانين الأساسية للحكم (الدساتير)، ومن بينها النظام الأساسي للحكم في المملكة – (راجع مواده 26، 39 ومواده 8 ،18،19 ومواده من 26 حتى 28 ومواده من 36 حتى 40، والمادة 47).
قد لا يكون محلٌ للإشارة هنا إلى تجريم القانون الفرنسي، وغيره من القوانين في الغرب، تجريمها التشكيك في أعداد الذين أدخلهم هتلر إلى الأفران من اليهود، وصنع من شحومهم الصابون، بأنهم بلغوا في قصة «الهولوكوست» «المقدسة!» أكثر من عدد اليهود في ذلك الوقت، أو الإشارة إلى شناعة التشكيك في «الهولوكوست» التي حملت مستشارة ألمانيا إلى التدخل في الشؤون الداخلية لدولة أجنبية، كما اعترفت بذلك، حينما وجهت اللوم الى البابا على عفوه عن رجل دين (باحث في التاريخ) ارتكب تحت غطاء «حرية التعبير» التشكيك في بعض تفاصيل «الهولوكوست».
السعودية ليست استثناء
بصرف النظر عما ذُكر، فهل يستطيع كاتبو البيان أن يذكروا حالاً واحدة في أي دولة أوروبية أو أميركية قَبِلت فيها هذه الدولة بالاحتجاج بحرية التعبير تبريراً لتحقير الدستور، أو الدعوة للثورة عليه، أو على نظام الحكم الذي يحميه؟
إن كان تقييد حرية التعبير، في ما يتعلق بالدساتير ومضامينها، قولاً وعملاً هو حكم العقل والعدل (التفكير العقلاني والأساس الأخلاقي)، فبأي مبرر تستثنى المملكة من حكم العدل والعقل في تقييد حرية التعبير في ما يتعلق بمرجعها الثقافي الأعلى، لا سيما بعد معرفة أنه في حال المملكة أجمع الشعب على اختيار الإسلام، طريقة للحياة والإيمان بذلك، ولا يوجد ولم يوجد له شبيه في الأنظمة البشرية، سواء الاشتراكية أو الرأسمالية، والتي هي - في الحقيقة لا في الشكل - اختيار حزب وليس اختيار شعب، أو اختيار نخبة وليس الجمهور، فإذا جاء من ينكر على شعب المملكة هذا الاختيار، فهل يكون إنكاره متفقاً مع المنطق العقلي والعدل؟
تُلحّ الجهات المواجهة للمملكة على الإنكار عليها: أن تتخذ الإسلام منهجاً للحياة، وأن تخضع لأحكامه، ويُعذَرون بأنهم يقيسون الدين الإسلامي على الأديان الأخرى التي تترك «ما لقيصر لقيصر وما لله لله»، فلا تتدخل في الحياة العامة جاهلين طبيعة الإسلام، ولكن، ما عُذر أبناء المسلمين الذين يعرفون طبيعة الإسلام، وأنه شيء مختلف عن مضمون كلمة دين بالمعنى المعروف لكلمة Religion.
كم مرة رأينا الوفود من السياسيين والاجتماعيين والتربويين وغيرهم يأتون الى المملكة ليقنعوها بعدم العقاب على الردة بحجة «حرية الرأي والتعبير والضمير والمعتقد»، ونرى إخواننا من الخاصة وليس العامة ترتجف الأرض تحت أقدامهم، وترتعش أفئدتهم، ويتصبب العرق من جباههم، شاعرين بالحرج ألا يتمكنوا من مواجهة هذا الهجوم. لم يدرك هؤلاء الإخوة أن هجوم عدوهم لا تدعمه قوة حجة وبرهان، إذ لا يَستند إلى قاعدة قانونية معترف بها، أو إلى محاكمة منطقية سليمة أو إلى أساس خُلقي.
لو انتهى القارئ بعد قراءة ما سبق إلى الاقتناع بأنه لا يوجد في العالم من يدعي أن من حقه أن: «يقول ما في نفسه، وأن يعبّر عما في روحه، ويكتب ويتحدث ويرفع صوته عالياً بما يريده» من دون قيد، أو أن هذا من حقوقه التي تضمنتها وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولو وجد من يدعي ذلك لما قَبِلَه منه أحد، وأنه لم يوجد في واقع الحياة تطبيق لمثل هذه الدعوى.
سؤالان
لو افتُرض أن القارئ وصل إلى الاقتناع بما سبق، لكان من الطبيعي أن يثور لديه سؤالان:
الأول: إلى أي مدى يمكن عقلاً وعدلاً وواقعاً تقييد حرية التعبير؟
والثاني: من له سلطة هذا التقييد؟
للإجابة عن السؤال الأول، من المناسب أن نلاحظ أولاً أن حرية التعبير ككل الحريات قابلة للنسبية والغموض، وقد يساعد في جلائها مفهوم الاصطلاح المقابل: «الطاعة»، فالحرية والطاعة وجهان لعملة واحدة، فحيث تحكم الطاعة لا توجد الحرية، وربما يتضح ذلك أكثر في ما بقي من كلام عن إجابة السؤال الثاني.
وفي ما يتعلق بالسؤال الثاني: من له الحق في تقييد حرية التعبير؟ بالطبع، فإن الإجابة عن هذا السؤال بشمول ليست ممكنة في هذا المجال، إن كانت ممكنة في مجال آخر، ولكن، لنستحضر في الذهن الأنظمة الديموقراطية، ففي هذه الأنظمة تكون للجهة التشريعية (البرلمان) سلطة عليا في الأمر والنهي، ومن أفراد هذه السلطة: سلطة «تقييد الحريات»، التي تنص عليها وثيقة حقوق الإنسان، بما فيها حرية التعبير. وقد تبالغ الأنظمة الديموقراطية في وصف هذه السلطة العليا كما في المثل الإنكليزي المشهور «الملك مع البرلمان يستطيعون أن يعملوا أي شيء سوى أن يحولوا الرجل إلى إمرأة أو المرأة إلى رجل».
لكن هذه السلطة في الحقيقة ليست على إطلاقها فقد يُعترض على بعض التشريعات بأنها مخالفة للدستور، وإذاً فالحكم الأخير أو السلطة الحقيقية في «التقييد» للدستور (الذي وافقت عليه الأمة بغالبيتها عند الاستفتاء العام عليه) وهي طاعة «مُطْلقة» له. ويتضح هذا المعنى أكثر عند المقارنة بالنظام الإسلامي، فالنظام الإسلامي، ككل الأنظمة، يَفرضُ في حالات معينة طاعة المخلوق للمخلوق مثل: طاعة الزوجة لزوجها، والولد لوالديه، والرعية لولي الأمر، ولكن، كل هؤلاء طاعتهم «غير مطلقة» لأن الطاعة المطلقة في الإسلام من خصائص الألوهية، فدعواها لغير الله «شرك» في الطاعة، يعني أن طاعة المخلوق في الإسلام دائماً «مقيدة» وليست «مطلقة»، على عكس ما رأينا بالنسبة الى الدستور في مواجهة الخاضعين له في النظم الديموقراطية، ففي الإسلام طاعة المخلوق المفروضة سواء الولد لوالديه، أو الرعية للحاكم، طاعة «مقيدة» في «المعروف»، وهذا المعيار استعمل في القرآن في 39 موضعاً، ما يعني أنه معيار «مرن» ولكنه «منضبط»، قال تعالى في مخاطبة الرسول «صلّى الله عليه وسلّم» في بيعة النساء: (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ)، علق المفسر المشهور ابن زيد (توفي عام 182ه) على هذا الجزء من الآية الكريمة بقوله: محمد صلّى الله عليه وسلم نبي الله وخيرته من خلقه ومع ذلك فلم يقل الله (وَلا يَعْصِينَكَ) ويترك حتى قال (فِي مَعْرُوفٍ)، فكيف لغيره «صلّى الله عليه وسلّم» أن يدعي أنه يطاع في غير المعروف (راجع الطبري في تفسير هذه الآية)، وفي الآية الكريمة الأخرى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ...)، فالآية الكريمة تفترض إمكان المنازعة بين ولي الأمر ومن يَحْكُمه، في شأن أمْرٍ أَمَرَ به - ويشمل ذلك التنازع في اتصاف الأمر بصفة المعروف - والمنازعة هنا - والله أعلم - إنما تكون بعد المراجعة، ما يعني قابلية كل أمْر من أوامر ولي الأمر للمراجعة (كما اختار ذلك ابن عاشور في تفسيره لهذه الآية) تحت شرط «في المعروف»، وتهدي الآية الكريمة إلى طريقة العلاج وهو تحكيم: القرآن والسنّة الثابتة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وفي هذه المناسبة يمكن القارئ إعادة التأمل، أيّ النظامين الثقافيين أكثر تحضراً وتقدماً وإنسانية وحماية لكرامة الإنسان وحريته، وأولى بالدعوة لتبنيه والدفاع عنه؟ وليتذكر القارئ أننا نتحدث عن الأنظمة ونقارن بينها، ولا نتحدث عن التطبيقات التي تحدث في ظلها، هنا أو هناك. وعندما نتحدث هنا عن الإسلام فإنما نقصد به جانبه «الدنيوي»، أي تنظيمه لطريقة الحياة، أما جوانبه الأخرى فيمنع الحديث عنها شرطي على نفسي استعمال اللغة وطريقة التفكير التي يقبلها كاتبو البيان.
- الوقفة الثانية: وهي عن صلة الحكومة السعودية بوثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ودعوى إطلاقها.
تتهم العبارات المقتبسة من البيان موضوع البحث الحكومة السعودية بأنها: خالفت وانحرفت عن إعلان حقوق الإنسان «وهو ما وقعت عليه الحكومة السعودية وخالفته وانحرفت عنه». وأن الاتساق مع المبادئ التي يؤمن بها المطالبون يعني، وبعباراتهم: أن «نقف أمام انحراف الحكومة عما وقعت عليه من مواثيق عالمية تكفل حقوق الإنسان وحرياته»، وأن: «لا نأمل لجيل أمتنا المقبل خيراً بعدم التصدي لهذا الانحراف الحكومي، من حرية وعدالة ومساواة».
بالنسبة الى اتهام الحكومة السعودية بانتهاكها للحقوق التي تضمنتها وثيقة حقوق الإنسان، ففي هذا يقال: المقام ليس مقام الدفاع عن الحكومة السعودية، بل لا ننكر أن الحكومة السعودية كغيرها من الحكومات في العالم، غير معصومة عن صدور إجراءات لا تتفق مع وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولكن، ماذا نسمي هذا الأمر عندما تقوم أول دولة غربية أعلنت عن حقوق الإنسان، وتصف نفسها بأنها: أغنى وأقوى دولة في التاريخ، حين تقوم باختطاف الناس وشحنهم بالطائرات إلى المواقع السوداء Black sites، أعني مراكز التعذيب في أوزبكستان، ودول أوروبا الشرقية، وبعض دول الشرق الأوسط، على سبيل المثال سورية، وسجن «باغرام» تحت سلطة الجيش الأميركي في أفغانستان، وماذا نسمي إسهام دول عدة في الدعم اللوجستي لهذا العمل «الإنساني!!!»؟ هل لها اسم غير انتهاك حقوق الإنسان ومخالفته والانحراف عن وثيقة تلك الحقوق، وإن جرى تحت سمع القانون الدولي وبصره.
إعلان حقوق الإنسان
ومن الملائم في هذه المناسبة القول أن يَذكُرَ شخصٌ في مثل سني، تَتَبّعَ مراحل توقيع المملكة على وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
انَّ الحكومة السعودية ظلت لمدة طويلة متمنعة عن التوقيع على هذه الوثيقة، ذلك أنها خشيت أن تُفسّر بعض بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بأنها تخالف الإسلام، أو لا تتفق معه، فيلزمها بالتوقيع ارتكاب ما يخالف الإسلام وأنها - على خلاف الدول الأخرى - كانت ترى أن توقيعها للعقد يعني التزامها به التزاماً حقيقياً، لا يتصور أن تحيد عنه، وذلك تطبيقاً لأمر الله الحاسم: (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)، في حين نعلم أن الحكومات الديكتاتورية وقّعت من دون تردد على وثيقة حقوق الإنسان لأنها لم تخش من تفسير الميثاق، ولا بعواقب تطبيقه، كما أن الدول الأخرى غير المملكة لا تنظر الى العهود بين الدول نظرة المسلم للقوة الملزمة للعقود والمعاهدات الدولية، وإنما تعرف أنها ستلتزم بها فقط في الحالات التي يسمح لها مبدأ: المصلحة القومية والقوة. وقد وقّعَت الحكومة السعودية على وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الانسان، بعد أن أدركت أنه ليس في ما تضمنته الوثيقة ما يقتضي ضرورة أن يُفسر بما يخالف الإسلام، لا سيما بعد إعمال المادة 29 من الوثيقة.
فوثيقة حقوق الإنسان، بعد إعمال القيد المشار إليه، ليس فيها ما يقتضي بالضرورة أن يُفسّر بأنه حرية لإباحة ما حرمه الإسلام مما يتعلق بالتعامل مع الثوابت، أو مع المقدسات: «الله، القرآن، الرسول، الإسلام»، ولذلك فيمكن القول إن الحكومة السعودية، بعدم سماحها بما يخالف الإسلام، لا تُعتبر من الناحية القانونية مخالفة لحقوق الإنسان أو حرياته، بل إن نص الفقرة الثانية من المادة 29 من الوثيقة نفسها يعطي المملكة هذا الحق.
طواحين هواء
أوضحنا، في الوقفة الأولى، أن الإسلام، بالقيود التي ذُكرت في المادة عينها، يتفق مع الوثيقة في حماية حريات وحقوق الإنسان، بل ادعينا أن الإسلام في حمايته حرية الإنسان وحقوقه هو أرقى وأكثر إنسانية وأبلغ حماية من أي نظام ثقافي آخر، ديني أو علماني. ونَدّعِي أن هذا ما يُستنتج من المعلومات الواردة في ما سبق، وإذا صح هذا، فإن القضية لا تحتاج من مُوقّعي البيان دفاعاً، ولا حرباً، ولا استعداداً للموت، وإلا كانت حرباً دونكيشوتية، تهاجم طواحين الهواء بحسبانها شياطين.
تنص الفقرة الثانية من المادة 29 من وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على الآتي: «يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق»، ويتناغم هذا النص مع نص المادة 39 من النظام الأساسي للحكم في المملكة.
واضحٌ من النص أنه يضع قيداً شاملاً على كل الحريات والحقوق التي تتضمنها الوثيقة، ومن بينها الحرية الشخصية التي من أفرادها حرية التعبير.
وتضعُ الوثيقة «قيداً» على «حرية التعبير» بألا تكون مخالفة لما يقرره القانون لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق، ولا شك في أن القانون الأعلى في المملكة العربية السعودية لا يُطلق حرية التعبير بما يخالف أحكام الإسلام، ومن بينها التعامل السلبي مع الثوابت أو المقدسات الإسلامية.
وعندما تستعيد الذاكرة أن المسلمين في المملكة يؤمنون: بأن الله وحده المستحق منهم لغاية الخضوع والاستسلام، وغاية الحب والتعلق، وأنه سبحانه وحده الذي إن ذكره المؤمن وَجَلَ قلبه وتملكه الشعور بما يجب له من توقير وإجلال، وأنهم لا يكونون مؤمنين إلا إذا كان الرسول «صلّى الله عليه وسلّم» أحب إلى أحدهم من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، وأنه أُرسل رحمة لنا، وكان عزيزاً عليه ما يعنتنا، حريص علينا، رؤوف رحيم بنا، وأن الذين يؤذون الله ورسوله لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، ويَعْرِفون: أن القرآن كلام الله لا ريب فيه، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، ولو أن قرآناً سيّرت به الجبال، أو قطعت به الأرض، أو كلم به الموتى لكان هذا القرآن.
حدود التسامح
فالاعتراف بحقوقهم وحرياتهم تمنع التسامح مع أي تعاملٍ مع هذه الذوات المقدسة بما يخالف الأدب الواجب لها والوقار، فهم إذاً عندما لا يتسامحون مع ذلك إنما يفعلون ما يتطابق تماماً مع القيد الوارد في الفقرة الثانية من المادة 29.
ومن الطبيعي أن يشعر المسلمون في المملكة بأنهم يُؤذَون نفسياً بالعدوان في التعامل السلبي مع الثوابت والمقدسات أكثر ما يتأذون جسمانياً أو مالياً بالعدوان على الجسم والمال، ويعتقدون أن حقهم في عدم التسامح مع أي انتهاك لما ذكر، لا يقل عن حقهم في عدم التسامح مع أي انتهاك لحقوقهم أو حرياتهم الأخرى المقررة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
والحقيقة التي يغفل عنها الكثير أن الله حَظَرَ على المسلم الاستماع باختيار ورضا لمن يخوضون في آيات الله، قال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرهِ، وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، وقوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ)، والمقصود ب «الخوض في آيات الله» هنا معنى واسع يشمل: «الوقوع في النبي صلّى الله عليه وسلّم والقرآن وسبه والاستهزاء به»، (راجع ابن جرير عند تفسير هذه الآية).
وإذا كان المسلم، بالتعرض لهذا الوعيد والإنذار الذي ترتعد منه القلوب وتمتلئ من الخشية والفَرَق، لا يملك إلا الانصياع لحكم الله فلا يقعد من دون إنكار بقلبه ولسانه في مجلس - حقيقي أو افتراضي - يخاض فيه في آيات الله، وتقال فيه قولة الكفر، ولا يتردد بعض حاضريه من الجهر بما يُحكم عليه بالردة، أفلا يكون من باب أولى أن يحظر على المسلمين أن يتسامحوا في سلطانهم بالاستماع اختياراً إلى من يجهر بقولة الكفر، وما يوجب الردة والكفر بعد الإسلام، فهل يكون التسامح منهم موافقاً لنص الفقرة، أم مخالفاً له؟
لا أحد يقول إن سلوك قاطع الطريق يمكن أن يبرر بأنه ممارسة للحرية الشخصية. قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا...)، فمن أحق بهذه الصفة «محاربة الله» و «السعي للإفساد في الأرض»: قاطع الطريق، الذي ضرره على المجتمع محدود بالزمان والمكان والأشخاص المتضررين، أم من يرمي بنواتجه في بحيرة المجتمع الهادئة التي يرفرف عليها السلام، فيثير في المجتمع عوامل البغضاء والكراهية والنزاع، مثل من يحارب الله ويسعى في الأرض الفساد بالتعامل السلبي مع الثوابت والمقدسات على نحو ما وُصف؟
وإذا كانت وثيقة حقوق الإنسان نصّت ضمناً على تقييد الحريات والحقوق التي تضمنتها بألا تخالف «النظام العام»، و «المصلحة العامة»، و «الآداب والأخلاق»، فهل يُنكر على مجتمعٍ، مثل المجتمع السعودي، أن يَفرضَ على الخاضعين لقانون البلاد ألا يخالفوا «نظامها العام»، و «مصلحتها العامة»، و «أسسها الأخلاقية».
من لديه إلمام بالقواعد القانونية وتطبيقاتها، وإحساسٌ سليم بمعنى العدل واستجابةٌ لدواعي المنطق لن يكون في صف مُوقّعي البيان، - إذا كان يُعبّر حقيقة عن اعتقادهم - إلا إذا كان مكابراً متنكراً للقيم الكونية وما فطر الله عليه البشر من تصور للعدل واستجابة لمقتضيات المنطق.
حرية التعبير بلا «اطلاق»
كل ما سبق تضمن معلومات واقعية، فالسؤال الآن موجّه الى القارئ:
- هل اقتنع بأنه لا يوجد في العالم من يدعي أن له الحق بممارسة حرية التعبير بصفة «مطلقة» وغير قابلة «للتقييد»، وأن هذا هو ما تضمنته وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ما يتعلق بحرية التعبير؟
- هل اقتنع بأن مثل هذا الادعاء لا تقتضيه وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟
وبعد ذلك فإنني لا أملك أن أترك هذه الورقة من دون التشديد على أن المسلم مُحّرَمٌ عليه بنص القرآن الصريح، الذي لا يحتمل التأويل، أن يستمع مختاراً لمن يخوض في آيات الله، أو يتعامل بغير الوقار اللائق مع الذات الإلهية، أو الرسول، وأنه إن خالف هذا الحظر مُعَرّضٌ للحكم المرعب: (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ)، وأنه بطريق القياس الأولوي مُحرّم عليه أن يستمع مختاراً لمن يخوض في آيات الله، أو يتعامل بغير الوقار اللائق مع الذات الإلهية إذا كان في مجتمع كمجتمع المملكة يَخْضَع مستوطنوه لحكم الله.
هذه القضية: تحريم الإسلام الاستماع اختياراً لمن يخوض في آيات الله، بالمعنى الواسع الذي أشرنا إليه، من الأهمية بحيث يعتبرها المسلم معياراً لقوة الإسلام أو ضعفه في نفس المسلم، إذ هل يتصور من مسلم يقرأ الآيات التي أوردناها ثم يخالف هذا التحريم الجازم بقلب بارد وحس متبلد أن يعتبر نفسه صحيح الإسلام؟ فضلاً عن أن يشعر بالمودة لمن يحاد الله بارتكاب مثل هذا الجرم العظيم، وقد قال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).وفي النهاية، بأي عقل أو عدل يطلب من مجتمع مسلم، كل أفراده مسلمون، بأن يتسامحوا مع طارئ من بني جلدتهم أو غيرهم - ممن حُرمَ فضيلة التواضع الفكري وخلا صدره إلا من «كِبْرٌ مَا هُو بِبَالِغِيهِ» - بإنكار حقوقهم اتكاءً على حق حرية التعبير.
هامش
لفت نظري، في العبارات المقتبسة من الصفحة، موضوع الحديث، وصف الشعب السعودي ب «الأمة العربية السعودية»! نسمع وصف الشعب الفرنسي بالأمة الفرنسية، وبريطانيا بالأمة البريطانية، وألمانيا بالأمة الألمانية، إذ تتميز كل واحدة بلغتها الخاصة وثقافتها الخاصة وتاريخها الخاص، وقد يكون عرقها الخاص، ولكن، للمرة الأولى نسمع عن وصف الشعب السعودي بأنه «أمة»، يقع هذا الوصف على الآذان مثلما لو سمعنا الأمة القطرية، أو الأمة البحرينية أو الأمة العمانية، أو الأمة الأردنية.
* الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي وعضو هيئة كبار العلماء في السعودية ورئيس اللقاء الوطني للحوار الفكري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.