الذهب يحقق مكاسب أسبوعية وسط آمال خفض أسعار الفائدة    «هيئة العقار»: 3404 بلاغات و251 مخالفة خلال الربع الأول من العام الحالي    فشل المفاوضات يهدد حكومة نتنياهو    خيرية آل عبدان في ذمة الله    هندسة جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تشارك في مبادرة "مجتمع أبحاث المياه    ستانيشيتش: بلوغ نهائي الدوري الأوروبي أهم لليفركوزن    استمرار هطول أمطار رعدية متوسطة على معظم مناطق المملكة    بيئات قتالية مختلفة بختام "الموج الأحمر 7"    رسالة رونالدو بعد فوز النصر على الأخدود    35 طالباً سعودياً يرفعون التحدي ب"آيسف 2024″    629 موقعاً مزيفاً تستهدف جيوب السعوديين ب«الاحتيال»    مقرن بن عبدالعزيز يرعى حفل تخريج الدفعة السادسة لطلاب جامعة الأمير مقرن    الشاعرة الكواري: الذات الأنثوية المتمردة تحتاج إلى دعم وأنا وريثة الصحراء    العرب ودولة الإنسان    حين يتحوّل الدواء إلى داء !    أدوية التنحيف أشد خطراً.. وقد تقود للانتحار !    مصير مجهول للمرحلة التالية من حرب روسيا وأوكرانيا    الاتحاد يتغلّب على الهلال وينتزع ذهب نخبة الطائرة    سقوط الجدار الإعلامي المزيف    حرارة قياسية    ذكاء التوقيت والضمير العاطل    المركز الوطني للمناهج    ب 10 طعنات.. مصري ينهي حياة خطيبته ويحاول الانتحار    جمال الورد    جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز تحتفل بتخريج الدفعة السادسة    لاعبو الأندية الإيطالية خارج القائمة.. ولاعبو «البريمير ليغ» الأكثر حضوراً    رَحِيلُ البَدْرِ    انكسار الهوية في شعر المُهاجرين    المقاهي الثقافية.. والمواهب المخبوءة    مفوض الإفتاء في جازان يشيد بجهود جمعية غيث الصحية    الاتفاق يكمل جاهزيته لمواجهة الاتحاد في الجولة 31 من دوري روشن    الاتفاق والنصر إلى المباراة النهائية لممتاز قدم الصالات    «البعوض» الفتاك    أمير منطقة جازان يلتقي عدداً من ملاك الإبل من مختلف مناطق المملكة ويطّلع على الجهود المبذولة للتعريف بالإبل    رئيس المجلس العسكري في تشاد محمد إدريس ديبي إتنو يفوز بالانتخابات الرئاسية    رئيس جامعة جازان المكلف ⁧يستقبل مدير عام الإفتاء بالمنطقة    أمانة الطائف تسجل لملّاك المباني بالطرق المستهدفة لإصدار شهادة "امتثال"    أولمبياكوس يهزم أستون فيلا ويبلغ نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    تعزيز الاستدامة وتحولات الطاقة في المملكة    أسماء القصيّر.. رحلة من التميز في العلاج النفسي    كيف نتصرف بإيجابية وقت الأزمة؟    شركة ملاهي توقّع اتفاقية تعاون مع روشن العقارية ضمن المعرض السعودي للترفيه والتسلية    مكان يسمح فيه باقتراف كل الجرائم    دلعيه عشان يدلعك !    للرأي مكانة    قُمري شلّ ولدنا    بلدية صبيا تنفذ مبادرة لرصد التشوهات البصرية    تجنب قضايا المقاولات    رسالة من أستاذي الشريف فؤاد عنقاوي    تدشين مشروعات تنموية بالمجمعة    الملك وولي العهد يعزيان رئيس الإمارات في وفاة هزاع بن سلطان بن زايد آل نهيان    مستشار أمير منطقة مكة يرأس الأجتماع الدوري لمحافظي المنطقة    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من تركيا متجهة إلى المملكة    نائب أمير عسير يتوّج فريق الدفاع المدني بكأس بطولة أجاوييد 2    مفتي عام المملكة يستقبل نائب الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي    المملكة تدين الاعتداء السافر من قبل مستوطنين إسرائيليين على مقر وكالة (الأونروا) في القدس المحتلة    أمطار رعدية ورياح تؤدي إلى تدني في الرؤية بعدد من المناطق    القيادة تعزي رئيس البرازيل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الجزيرة» والثورات: كم نشبه «الإخوان المسلمين»؟
نشر في الحياة يوم 01 - 01 - 2012

أينما ولّيت وجهك في بلدان «الربيع العربي»، وجدت لقناة «الجزيرة» حصة لا يستهان بها. هذه حقيقة لم يعد من المفيد الهروب منها، خصوصاً لشخص مثلي لا يحب هذه الشاشة. في تونس تكاد أن تكون «الجزيرة» شريكة في الحكم الجديد، ومن الطُرَف التي خرجت بها الصحف في أعقاب تشكيل الحكومة الجديدة هناك أن للمحطة القطرية حصة في الحقائب السيادية، ذاك أن وزير الخارجية الجديد الشاب رفيق عبدالسلام كان موظفاً فيها، وأمضى من عمره في المحطة أكثر مما أمضى في تونس. وإذا كانت شراكة «الجزيرة» في الحكومة التونسية افتراضية فهي في ليبيا واقعية. فهناك في طرابلس عملت المحطة في الإعلام بموازاة تولي الدوحة عملاً ميدانياً. هذا قبل الثورة، أما بعدها فإعادة إعمار ليبيا لن تنفصل عن هذه المهمات المتوازية، والحكومة في تونس تلقت وعوداً من «الجزيرة» بحل جزء من مشكلة البطالة الهائلة هناك، عبر استقدام جزء من اليد العاملة التونسية إلى المشاريع في ليبيا.
في سورية لا تقل شراكة «الجزيرة» قوة، فأن تقرأ خبراً مفاده أن الشيخ يوسف القرضاوي اتصل بخالد مشعل وناشده عدم انزلاق «حماس» في موقف مؤيد للنظام في دمشق، فما يخلفه لديك هذا الخبر تتردد أصداء «الجزيرة» فيه. فالقرضاوي إحدى أيقونات «الجزيرة» في نهاية المطاف، على رغم أن له مهمات ومواقع أخرى. ثم إن موقف المحطة من الانتفاضة السورية تطور على وقع تغيرات في مواقع الدول وفي حساباتها. فهي أغفلت الثورة السورية في بداية انطلاقتها وعادت والتحقت بها ثم ما لبثت أن أصبحت رأس حربة الثورة، وإن على نحو انتقائي.
قد تبدو مصر أكبر من أن تبتلعها «الجزيرة»، وقد يعتقد المرء بأن على تلك الشاشة أن تمالئ البلد العربي الأكبر، لكن مشهداً واحداً على المحطة يُظهر كم أن «الجزيرة» تريد مصرها وتسعى الى مصرها وتوظف في سبيل ذلك عناصر ليس من السهل احتسابها على الشيخ يوسف القرضاوي. فأن يظهر عزمي بشارة، وهو الشخصية غير الإسلامية، يومياً في برنامج يُقدمه إعلامي لطالما انجذبت الكاميرا إلى الخاتم الفضي في إصبعه الرخو وغير المتوتر، في وقت يتولى بشارة طوال فترة البرنامج تنزيه جماعة «الإخوان المسلمين» المصريين عن هفوات المجلس العسكري، فذلك ينطوي على سعي إلى مصادرة المضامين غير الإسلامية في الثورة المصرية، وتوظيفها في خدمة «الإخوان». المعادلة هنا بسيطة وتتمثل في صورة الداعية عزمي بشارة.
«الجزيرة» شريكتنا في الثورات العربية، ولكن أي شريك هذا؟ وهل يكفي انحيازها إلى الثورات حتى نصمت عن المضمون السياسي والثقافي لانحيازها؟ إنها شاشة محيّرة فعلاً، فهي قوية قوة يتمناها المرء لنفسه، لكنها مظلمة وخطابية على نحو لا يشعر معه المرء بأدنى تماهٍ معها. وهي تستفزنا في وقوفها ضدنا بالمقدار نفسه الذي تستفزنا فيه بوقوفها إلى جانبنا. هذا ما يُفسر السرعة الهائلة في هجاء «الجزيرة»، ذاك الذي أقدم عليه حلفاء المحطة السابقون من معسكر الممانعة عندما انقلبت المحطة عليهم. ففي إحدى الليالي وبعد أن كتبوا مقالات المديح بقناتهم، توجهوا إلى فُرُشِهِم واستيقظوا في الصباح على شاشة أخرى، فما كان منهم إلا أن باشروا فوراً بمقالات الهجاء، من دون أن يُمهدوا لذلك بما يحفظ ماء وجوههم، كأنهم كانوا أعدوا أنفسهم لهذه اللحظة.
وقناة «الجزيرة»، شريكتنا في الثورات العربية، لا تريد من الثورات ما نريده منها. ف «الإخوان المسلمون» المقيمون في المحطة قبل إقامتهم في بلدانهم، أو بموازاة إقامتهم في بلدانهم، راغبون في استعمالنا على نحو ما تستعمل «الجزيرة» «مرشد» الثورات فيها. هم يريدون بلداناً غير تلك التي نريدها، وغير تلك التي يريدها من كانوا شرارات الثورات ومطلقيها. أولئك الذين كانوا أول من التقطت «الجزيرة» صورهم وتوجهت بها إلى الدوحة، وتولى القرضاوي إعادة بثها.
لا قيمة لمشهد الثورة المركّب من عناصر شديدة التفاوت في صورة الثورات التي تبثها «الجزيرة». المشهد المعاد بثه وتأليفه شديد الانسجام ومكرر ويشبه نفسه. ثمة حرص على أن نكون كما كنا لا كما نرغب في أن نصبح. أنتم تشبهون «الإخوان المسلمين»، عليكم أن تكونوا كما أنتم، وإذا قررت مدينة سورية إطلاق عبارة «البلد بلدك يا باولو» قاصدة التضامن مع الراهب الإيطالي الذي طردته السلطات السورية، فذلك يُعد خروجاً عن الانسجام ولن تبثه «الجزيرة».
«الجزيرة» أقوى منا تماماً كما هم «الإخوان المسلمون» أقوى من المجتمعات التي أنتجتهم. ففي اللحظة التي قررت فيها تلك المجتمعات إطاحة أنظمة الفساد والعسكر، قرر «الإخوان» أن البديل هو مرحلة ما قبل هذه الأنظمة، مستعينين على ذلك بأدوات أنتجها تقدم مجتمعات أخرى. علينا إذاً، أن نقيم في دول جديدة وفي زمن قديم، مثلما علينا أن نشاهد أنصع صورة تبثها «الجزيرة» حاملة صور شيوخ «الإخوان المسلمين».
والقول إن قوة «الجزيرة» ليست حقيقية، وإنها صادرة عن بنية هشة وغير راسخة يحتاج، على رغم رجاحته، إلى اختبار فعلي. فالقوة الموازية، أي «الإخوان المسلمون»، حقيقية في ظل خروجنا من تجارب حكم بائس وفاسد ومستبد. ومجتمعاتنا المنجذبة إلى رجعية «الإخوان»، إنما فعلت ذلك رغبة في القطع مع الفساد والاستبداد، وليس تعلقاً بما تمثله تلك الجماعة من ماضٍ وذكريات. وهو على كل حال ليس ماضياً سحيقاً، ف «الإخوان» ليسوا جوهراً ثقافياً، بل عارض في هذا الجوهر.
قوة «الجزيرة» بهذا المعنى عارض وليس جوهراً، وإذا كانت تونس هي الاختبار الأول ل «الإخوان»، الاختبار الصعب والذي يكاد أن يكون مستحيلاً، فإن «الجزيرة» لن تبقى بمنأى عنه. وفي هذا الوقت علينا أن نسلم بها وأن ننتظر، على نحو ما سلّمنا لحركة النهضة الإسلامية... ولا يبدو أننا سننتظر طويلاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.