الصناعة والثروة المعدنية تعلن تخصيص مجمعين لخام الرمل والحصى في بيشة    توافد حجاج الأردن وفلسطين والعراق    أرامكو تبدأ طرح 1.5 مليار سهم    470 ألف مستفيد من فعالية الإعلانات الرقمية    "مسبار" صيني يهبط على سطح "القمر"    الأهلي يلاقي الأهلي المصري في اعتزال خالد مسعد    تواصل تسهيل دخول الحجاج إلى المملكة من مطار أبيدجان الدولي    "الصحة العالمية " تمدد مفاوضات التوصل إلى اتفاقية بشأن الأوبئة    السعودية تتوسع في تجربة تبريد الطرق بالمشاعر المقدسة لمعالجة "ظاهرة الجزيرة الحرارية"    كارفخال يشدد على صعوبة تتويج الريال بدوري الأبطال    إرهاب «الترند» من الدين إلى الثقافة    «الصهيونية المسيحية» و«الصهيونية اليهودية».. !    البرلمان العربي يستنكر محاولة كيان الاحتلال تصنيف الأونروا "منظمة إرهابية"    ارتفاع ملموس في درجات الحرارة ب3 مناطق مع استمرار فرصة تكون السحب الممطرة على الجنوب ومرتفعات مكة    عدا مدارس مكة والمدينة.. اختبارات نهاية الفصل الثالث اليوم    جنون غاغا لا يتوقف.. بعد أزياء من اللحم والمعادن.. فستان ب «صدّام» !    توجيه الدمام ينفذ ورشة تدريبية في الإسعافات الأولية    جامعة بيشة تحتفل بتخريج الدفعة العاشرة من طلابها    أمير تبوك يهنئ نادي الهلال بمناسبة تحقيق كأس خادم الحرمين الشريفين    «الشؤون الإسلامية» بالمدينة تفعّل خدمة «فعيل» للاتصال المرئي للإفتاء بجامع الميقات    غرامات وسجن وترحيل.. بدء تطبيق عقوبة «الحج بلا تصريح»    المملكة تستضيف بطولة العالم للراليات 2025    الهلال.. ثلاثية تاريخية في موسم استثنائي    المملكة تدعم جهود الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار    آرسنال يقطع الطريق على أندية روشن    الإسباني" هييرو" مديراً رياضياً للنصر    فرنسا تستعد لاحتفالات إنزال النورماندي    التصميم وتجربة المستخدم    مقاطع ريلز التجريبية أحدث ميزات «إنستغرام»    الدفاع المدني يواصل الإشراف الوقائي في المسجد النبوي    إحباط تهريب 6,5 ملايين حبة كبتاغون في إرسالية "إطارات كبيرة"    «المدينة المنورة» صديقة للتوحد    لهو الحيتان يهدد السفن في المحيط الأطلسي أرجعت دراسة ل "اللجنة الدولية لصيد الحيتان"، سبب    صندوق الاستثمارات يتصدر العلامات التجارية الأعلى قيمة    «تراث معماري»    بعضها أغلق أبوابه.. وأخرى تقاوم.. تكاليف التشغيل تشل حركة الصوالين الفنية    اطلاق النسخة الثالثة من برنامج "أيام الفيلم الوثائقي"    البرامج    قصة القرن 21 بلغات العالم    قيصرية الكتاب: قلب الرياض ينبض بالثقافة    تكريم «السعودي الأول» بجائزة «الممارسات البيئية والحوكمة»    تعزيز العلاقات الاقتصادية مع ايطاليا    "أسبلة المؤسس" شهود عصر على إطفاء ظمأ قوافل الحجيج منذ 83 عاماً    توزيع 31 ألف كتيب لإرشاد الحجاج بمنفذ البطحاء    روبوتات تلعب كرة القدم!    تركيا: تكاثر ضحايا هجمات الكلاب الشاردة    إصدار 99 مليون وصفة طبية إلكترونية    ورشة عن سلامة المختبرات الطبية في الحج    توصيات شوريَّة للإعلان عن مجالات بحوث تعزيز الصحة النفسية    شرطة الرياض تقبض على مقيمَين لترويجهما «الشبو»    بلد آمن ورب كريم    ثروتنا الحيوانية والنباتية    وزير الداخلية يلتقي أهالي عسير وقيادات مكافحة المخدرات ويدشن مشروعات جديدة    مشروع الطاقة الشمسية في المركز الميداني التوعوي بالأبواء    ترحيل 13 ألف مخالف و37 ألفاً تحت "الإجراءات"    مدينة الحجاج بحالة عمار تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    وزير الداخلية للقيادات الأمنية بجازان: جهودكم عززت الأمن في المنطقة    الأمير فهد بن سلطان: حضوري حفل التخرُّج من أعظم اللحظات في حياتي العملية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤتمر "وايز" العالمي بالدوحة - عبدالله آل ثاني: الحرية الأكاديمية واستقلالية الجامعة ضرورة ملحة في عالم متغير
نشر في الحياة يوم 01 - 11 - 2011

خصّ الدكتور عبدالله آل ثاني، رئيس مؤتمر «وايز» ورئيس جامعة حمد آل ثاني الفائز هذا العام بلقب «قائد عالمي شاب»، «الحياة» بمقابلة خاصة تناول فيها مجمل القضايا المتعلقة بالتعليم وصوغ المناهج الحديثة التي تتواءم مع متطلبات سوق العمل، والتحديات المطروحة على المدينة الجامعية في قطر إضافة إلى هدف إقامة مؤتمر «عالمي» في الدوحة في ظل متغيرات سياسية يشهدها العالم العربي لها انعكاسات كثيرة على الحياة الأكاديمية. هنا نص الحوار:
في الطريق إلى هنا، تبدو «مؤسسة قطر» كأنها مدينة داخل المدينة وليست مجرد «مؤسسة» كما يدل اسمها. بداية، لماذا «قطر فاوندايشن» وما الهدف منها؟
- بدأت فكرة «قطر فاوندايشن» في 1995 بمبادرة من صاحبة السمو وكان الهدف منها أن تشكل قفزة نوعية في التعليم. وفي الوقت نفسه بدأت إعادة هيكلة النظام التعليمي في قطر وكنا بحاجة إلى قفزة نوعية، فبدأت مع الجامعات الغربية والمدارس الدولية الموجودة في المدينة التعليمية.
وفي الوقت الذي تقرر هذا المشروع، كانت بدأت عملية إصلاح جامعة قطر فكان الهدف الجامع هو تلك القفزة النوعية لإعطاء الطلاب مزيداً من الخيارات التعليمية إلى جانب الجامعة الوطنية.
ولكن لإحداث تلك «القفزة النوعية»، كان من الصعب البدء ببرامج تعليمية من الصفر. فكان بناء المدينة التعليمية الذي يهدف إلى بناء شراكات أيضاً. وهذه الشراكات الموجودة حالياً قوامها 6 جامعات أميركية وجامعة بريطانية (UCL) وجامعة فرنسية عالمية، وكلها تقدم برامج محددة بتخصصات معينة وليست جامعة كاملة بمناهج دراسية كاملة. هذا يسمح بتخريج الطلاب من مستوى عالٍ جداً سواء من الطلاب المحليين أم من المنطقة، لأنها كانت تقوم على نظام التعليم المشترك «co-education» وأعطى ذلك فرصة خاصة للفتيات لأن بعضهن يريد إكمال تعليمه لكنه لا يحبذ فكرة السفر إلى الخارج. لذا، نلاحظ أن النسبة العالية من المنتسبين للمدينة التعليمية هي للبنات.
الإنجاز الذي أراه مهماً جداً، هو أننا تمكنا من استقطاب الطلاب من جميع أنحاء المنطقة والعالم، وبات لدينا اليوم طلاب من أكثر من 75 جنسية. والهدف من استقطابهم هو أن بعد تخرجهم يمكن أن نجد لهم عملاً هنا في قطر وبطريقة ما، نحن نجذبهم تعليمياً ونشجعهم على البقاء. وهذه نقطة مهمة جداً.
وأود أن أشير إلى نقطة مهمة جداً أيضاً هي أن وجود هذه الجامعات في المدينة التعليمية حفز المؤسسات الأخرى على رفع جودة تعليمها مثل جامعة قطر مثلاً.
يعني أنه أنشأ نوعاً من التنافسية؟
- ليس فقط التنافسية وإنما تبادل الخبرات والاعتماد على بعض أعضاء الهيئة التدريسية الموجودين في المدينة التعليمية، كذلك الاستفادة مثلاً من بعض المرافق كالمستشفى. وبالتالي نشأ نوع من الترابط بين بيئة الجامعات والمجتمع المحلي لأنه لم يكن هناك أي صلة في البداية وكنا نحن متخوفين من هذه العزلة. لكننا تغلبنا عليها ببناء تلك الروابط.
مع قناة «الجزيرة» تكرّست قطر قطباً إعلامياً، ثم في السنوات القليلة الماضية لعبت أدوار وساطة وتكرّست قطباً سياسياً، هل تسعى قطر اليوم إلى تكريس نفسها أيضاً قطباً تعليمياً وثقافياً عبر هذه المدينة الضخمة؟
- هذا طموحنا، لأن الأمور مرتبط ببعضها ببعض ولا يمكن فصلها أو عزلها. فإذا كنا نريد أن يأتي الناس إلى قطر للدراسة أو كجزء من الهيئات التدريسية، يجب أن نوفر لهم ظروف حياة مساعدة ليتأقلموا ويعيشوا في قطر. أي أن يجب إنشاء ثقافة جامعة، وحيز ثقافي واسع. وهناك حملة كبيرة تجرى في هذا المجال تقودها سعادة الشيخة مياسة، لإنشاء المتاحف في الحي الثقافي في قطر. ثم إن هناك الرياضة، فقطر تعمل أيضاً على استقطاب البطولات العالمية. فعلاً كله مكمل بعضه بعضاً. فإذا أردت استقطاب الناس يجب أن تخلق حياة غنية وممتعة لهم. وبالعودة إلى التعليم، فهو مهم جداً بالنسبة إلينا وندرك أن الاستثمار فيه يعطي ثماره على المدى البعيد. وكما قلت في البداية، نحن نشجع الخريجين على البقاء في قطر وبالتالي نكوّن مخزوناً بشرياً نحتاجه للمستقبل. في الوقت نفسه نبني علاقات كثيرة بفضل الجنسيات التي لدينا ما يجعل الطلاب سفراء لنا في بلدانهم وأنحاء العالم بعد تخرجهم.
من الانتقادات التي وجهت للمدينة الجامعية أن القدرة المالية سمحت بافتتاح فروع لجامعات عالمية راقية، لكن يبقى أن جودة التعليم في الفروع ليست كما في المركز، وتساءل كثيرون لماذا قد يأتي طالب إلى كورنيل قطر مثلاً ولا يذهب مباشرة إلى كورنيل «الأصلية»؟
- نعم، فعلاً. لكن القيمة المضافة أننا جعلنا نظام القبول معياره الكفاءة وليس القدرة المالية. بمعنى أنه بصرف النظر عن ظروف الطالب المالية، بمجرد قبوله في المدينة الجامعية نحن ندعمه مادياً لإكمال دراسته وهو ما ليس موجوداً في الجامعات الأم. فمن يريد الدراسة في تلك الجامعات يجب أن يدفع أقساطاً أو يحصل على منحة دراسية جزئية. أما هنا، فبمجرد الحصول على قبول، يدخل الطالب من دون رسوم مسبقة ويمنح سلفة مالية بغير فائدة، يسدّدها عندما يعمل بعد التخرج ويصبح الأمر أسهل إذا عمل في قطر. وإذا كان متفوقاً يعفى كلياً من الأقساط. مع العلم أن هذه الميزات تمنح لغير القطريين ما شجع كثيرين على القدوم. الطالب في كورنيل مثلاً يدفع ما بين 50 و60 ألف دولار في السنة، بينما هنا، نقوم بتحويل رسومه الجامعية إلى الشركة التي يعمل فيها، فتجتزأ من راتبه نسبة معينة لسداد الأقساط المتراكمة.
إذا كانت تلك المغريات المالية تشجع الطلاب، فما الذي شجع الجامعات؟
- صحيح، سؤال مطروح والإجابة ببساطة أنه لم يترتب على تلك الجامعات أي مخاطرة أو أعباء مالية. وكان مهماً بالنسبة إليها أن يكون لها وجود في الخارج. وجاء من يقول لها سنؤمن تلك الفرصة من دون تكاليف، فشكل هذا بحد ذاته إغراء. يضاف إلى ذلك أن الجامعات المرتبطة باختصاصات معينة كالبترول مثلاً، ترى من وجودها في قطر قيمة إضافية وأذكر منها جامعة هندسة البترول أو مركز الغاز للأبحاث أو حتى العلاقات الدولية في جورج تاون التي تفتح لها المنطقة أبواباً كثيرة. لكن العمود الفقري لذلك كله يبقى أنه لا مخاطر مادية أو مسؤوليات مالية تقع على برامجهم التعليمية.
ألا توجد مخاطر من نوع آخر كجودة التعليم نفسه أو قدرات الهيئة التدريسية خصوصاً أن تلك الجامعات مصنفة عالمياً وفق نوعية مناهجها؟
- المخاطر موجودة وكان هذا الجانب من أهم النقاط التي تناقشنا فيها خلال عقد الشراكات. وعدنا بضمان «الحرية الأكاديمية» (academic freedom)، وهذا بالنسبة إليهم مهم جداً. وكنا وضعنا شروطاً لتعيين هيئات التدريس من قبل اللجان نفسها التي تقرر ذلك في الحرم الجامعي الرئيسي، كان هدفنا أن تتم العملية باستقلالية تامة لنضمن النوعية وطلبنا في المقابل بأن تصدر الشهادات من دون ذكر المصدر الجغرافي، أي قطر. لذا، يتوجب عليهم الحفاظ على هذا المستوى لأنه لا يمكن تمييز المتخرج في قطر أو في الحرم الرئيسي في أميركا. أيضاً أسّسنا لجنة استشارية مشتركة (joint advisory board) لتقويم العمل في الكليات وكل سنتين نقوم بمراجعة عامة، ليس على يد لجنة من مؤسسة قطر أو من الجامعات بل تنفذها لجنة مستقلة تقوم بمقارنات بين أداء الطلاب في مادة معينة بين فرعين من الجامعة نفسها. وجاءت النتائج متقاربة جداً. وفي برامج التبادل ذهب الطلاب من عندنا إلى الحرم الرئيسي ولم يواجهوا أية صعوبات تعليمية أو مشكلات تذكر. على العكس، هناك بعض المواد التي يظهر طلابنا فيها تفوقاً على الطلاب في الولايات المتحدة مثل الرياضيات مثلاً.
أما النقطة التي تحدثت عنها لجهة الهيئات التدريسية، فهذا جانب أيضاً جعلنا نبدأ بعدد قليل من الطلاب لئلا نقبل طلاباً ولا تكون هناك هيئة تعليمية كافية. الدفعة الأولى في جورج تاون كانت 25 طالباً واليوم لدينا نحو 200، وكان لدى هؤلاء أكثر من 15 عضواً متفرغاً من الهيئة التدريسية، ما عدا الإدارة وكل ذلك بهدف الحفاظ على مستوى الجودة. هناك طبعاً تحديات في بعض البرامج ونحن نحاول إيجاد حلول لها. مثلاً كلية الطب في كورنيل لم تكن قادرة على التوسع في شكل كافٍ لأنهم في البداية اعتمدوا على المحاضرات عبر «الفيديو» (video conference) ولم يكن ذلك يرضي الطلاب في شكل كامل فقللنا عدد المحاضرات عن بعد وأحضرنا أعضاء من هيئات التدريس. وعندما نفتتح مستشفى جامعياً قريباً إن شالله، سيشجع ذلك كبار الأساتذة للقدوم وملء الفراغ. ولكن نعم بالفعل، ضمان الجودة هو تحدٍّ فعلي بالنسبة إلينا.
ما هي مراحل التعليم العالي التي توفرها المدينة الجامعية؟
- حتى الآن مرحلة الماجستير وهي رافقت صعود الطلاب من مرحلة الإجازة. ونبحث في برامج للدكتوراه لكنها ستقتصر على بعض الاختصاصات التي نستطيع تأمين هيئة تدريسية لها. ولكننا أيضاً بصدد إبرام شراكات من أجل شهادة الدكتوراه، سواء عبر برامج مشتركة أم إشراف مشترك.
يعني البنية التحتية موجودة لهذه المرحلة الأكاديمية؟
- نعم، الأرضية موجودة خصوصاً أن كليات كثيرة تخصص جزءاً مهماً للأبحاث. لذا، في بداية كل برنامج نقوم بدراسة جدوى لتقويم الحاجات والطلب عليها وكيفية تلبيتها لأننا لا نريد افتتاح فروع لا يوجد طلب عليها.
قلت إن المدينة تضم طلاباً من 75 جنسية كيف تتوجهون إليهم؟ هل عبر سفاراتهم؟
- لا، لا، نحن نقوم بحملة إعلامية فنسافر إلى تلك البلدان، سافرنا إلى كل دول الخليج إضافة إلى مصر ولبنان وسورية والهند وغيرها إضافة إلى الجامعات الشريكة في أميركا التي تعتبر وسيلة لتقديم الطلبات. وخاضت «مؤسسة قطر» حملة ضخمة عبر برنامج «ابتكر وفكر» لعرض كل برامجها وهذا بحدّ ذاته شجّع كثيرين على الانضمام إلى المدينة التعليمية. وهناك الكثير من جامعات دول الخليج التي ترتبط أيضاً معنا بشراكات. لكنني أعتقد أن السمعة التي نبنيها ببرامجنا التعليمية هي أفضل وسيلة للجذب. مثلاً الجامعة الأميركية في بيروت بنت سمعة قديمة وما عادت بحاجة للإعلان أو الترويج وهذا ما نسعى إلى تحقيقه.
ماذا أنجزت «وايز» في السنتين الماضيتين وماذا ستنجز؟
- بداية «وايز» بدأت من ضرورة الاهتمام بالتعليم. هناك مؤتمرات كثيرة تعقد لكن القليل منها يولي أهمية للتعليم وهناك قصور في هذا المجال. ومع قرار الإصلاح كان لا بد من القيام بخطوة على مستوى عالمي وليس فقط محلي فجاءت وايز لتكون منبراً مشتركاً لتواصل أصحاب الخبرات والتشبيك في ما بينهم. طبعاً كثيرون تحفظوا عن إمكان النجاح أو حتى الاستمرارية وكنا نعرف أن لنعقد مؤتمراً بهذا الحجم في قطر كان لا بد من أن نجعله على مستوى عالٍ، فكان يجب اختيار الحضور من مستوى رفيع، والمواضيع مختارة بعناية لجذب أكبر عدد ممكن، وأنشأنا حلقات تطبيقية وتفاعلية وأطلقنا الجوائز لتكريم المشاريع التي أحدثت تغييراً في مجال التعليم. في السنة الأولى خصصنا استثماراً كبيراً جداً لندعو المشاركين ونرغبهم في الحضور. في السنة الثانية، صار عندنا إقبال، والآن في السنة الثالثة هناك البعض ممن يدفعون مقابل مشاركتهم. وإذا استمررنا على هذا النحو أنا متأكد من أن «وايز» ستكون سمعة متينة. وألفت إلى أن في السنة الأولى لجوائز «وايز» بلغ عدد المتقدمين نحو 400 أما اليوم فقاربنا الألف. وهذا مصدر سعادة لنا، وإن كان الحفاظ على ما يتحقق أصعب أحياناً. لذا، أقمنا شراكات مع 6 منظمات لمراقبة أجندة المؤتمرات الأخرى لنكون تنافسيين ونقدم الجديد في المواضيع المختارة، ونستقطب صناع القرار وواضعي السياسات التعليمية وكبار الأكاديميين.
ألا تخشون أن يصبح المؤتمر نخبوياً ومنقطعاً عن هموم التعليم اليومية؟
- هو مؤتمر مفتوح للجميع، يمكن أي شخص أن يحضره، كذلك هو مفتوح لكل القطاعات والبلدان من أجل توفير مجال للتشبيك وبناء العلاقات. ربما يكون نخبوياً من ناحية اختيار المواضيع والأشخاص الذين يتحدثون فيها لأن لا بد من وجود قياديين وصناع قرار. في الوقت نفسه أنشأنا موقعاً إلكترونياً تفاعلياً وهذا العام أشركنا الطلاب عبر استضافة نحو 30 «متعلماً» من أنحاء العالم لإجراء لقاءات مع تلك القيادات وإبداء الرأي وتفعيل الموقع عبر تدويناتهم، وجعلناهم يشاركون في ورش العمل. فنحن نتحدث عن التعليم والطلاب لكن هل هم راضون عما نقوله ونقرره؟ هذه فرصة لنسمع آراءهم.
على أي أساس يتم اختيار «المتعلمين»؟
- الاختيار تم من طريق عمداء الكليات الذين يرشحون لنا من يرونه مناسباً ويمكن مشاركته أن تكون فعالة. لم نتدخل في اختيار الطلاب. ما فعلناه بعد الترشيح هو أننا أجرينا معهم مقابلات. ومن المعايير الموقع الجغرافي لضمان مشاركة من كل دول العالم، والمرحلة الدراسية أي أن يكونوا تجاوزوا مرحلة معينة أو من الخريجين الجدد المنضمين حديثاً إلى سوق العمل، وطبعاً في سن معينة تسمح لهم بالتنقل من دون راعٍ، والخصال الشخصية كحب المشاركة والتفاعل.
والجوائز؟ على أي أسس تمنح ومن هم المعنيون فيها؟
- الجوائز تأتي عبر الترشيحات. يمكن الشخص نفسه أن يتقدم أو من قبل أشخاص عدة أو جهة. يجب أن يكون المشروع ابتكارياً يستفيد منه أكبر عدد من الأشخاص ويغير في حياتهم التعليمية ويجب أن يكون قابلاً للتطبيق في مناطق أخرى من العالم. هذا في شكل عام. عندما تستوفى هذه الشروط الأولية تصل الترشيحات إلى مرحلة ما قبل لجنة التحكيم. ثم يتم اختيار 20 أو 30 مشروعاً ترفع للجنة التحكيمية العليا. في العام الأول، وبكل أمانة كان هناك ضعف في مشاريع منطقة ال «مينا» (حوض المتوسط وشمال أفريقيا) فحاولنا التركيز أكثر على تشجيع المشاركات واليوم لدينا فائز من هذه المنطقة وأنا سعيد بذلك، علماً أن ذلك لم يكن شرطاً مسبقاً أو مقرراً.
التعليم في العالم العربي في غالبيته موجه. فإلى أي درجة يمكن دعم «الابتكار» والتفكير النقدي بالمسلمات في أنظمة تعليم كهذه؟
- (يضحك) تغيرت الأمور قليلاً. والابتكار الذي يأتي من الخارج غالباً يتم عبر منظمات غير حكومية، أو أفراد أو برامج مستقلة. لكن أوافق تماماً على أن في ظل أنظمة متصلبة لا يوجد ابتكار، لكن الأمور تتغير... هناك دول كثيرة لا تزال تعين رؤساء الجامعات. هذه أمور يجب أن تتغير. الآن في مصر عدد من رؤساء الجامعات مضطرون إلى الاستقالة لأن المستقبل غامض. فهل سيأتي الجيل الجديد بتغيير؟ هل سيضمن استقلالية الجامعات؟ هذه مسألة مهمة جداً. أعطي مثلاً الجامعة الأميركية في بيروت التي تغلبت على ظروف قاهرة مرّ بها لبنان، بفضل هذه الاستقلالية وحتى الاستقلالية المالية. فلو كانت مرتبطة بالحكومات لتضررت كثيراً. إنها دعوة لتحويل التعليم من موجه إلى مستقل.
قد لا يكون لبنان مقياساً لأن ضعف القطاع العام هو الذي أفسح المجال لنمو القطاع الخاص...
- نعم، لكن الظروف التي مرّ بها لبنان هي الأصعب والأقسى ربما في المنطقة، وعلى رغم ذلك هناك مؤسسات تعليم جامعي حافظت على مستواها وجودة تعليمها بفضل استقلاليتها. أما في مصر مثلاً فهي مشكلة حقيقية أن يتم تعيين العمداء والرؤساء.
«وايز» تقدم نفسها كمبادرة عالمية، أليس الأجدى البدء بالقضايا الإقليمية مع العلم أن هناك حاجة ملحة؟
- في السنة الأولى كانت هناك مشاركات من المنطقة وكان هناك انتقاد لأن العدد قليل. طبعاً رفعنا العدد وخصصنا حلقات خاصة لمهمات معينة. وهذه السنة نركز على مواضيع مثل التعليم في مناطق النزاع، أو التعليم لذوي الحاجات الخاصة وشكلنا فرق عمل لمتابعة هذه النشاطات. مثلاً بعد زلزال هايتي شكلنا قوة تدخل سريع وشجعنا على عقد مؤتمر ضمن فاعليات «وايز» لتبادل الخبرات. والسنة الماضية أعلنت صاحبة السمو العمل وفق أهداف الألفية للتنمية. العناوين العريضة قد تبدو عامة، لكن الورش والندوات والجلسات الخاصة كلها تعنى بقضايا محددة ينصب كثير منها على شؤون المنطقة. وفي الواقع لا يمكننا إجراء تحديث في العملية التعليمية إقليمياً من دون التعرض لخبرات عالمية وتجارب رائدة في هذا المجال.
ما هي التحديات التي يطرحها «الربيع العربي» على المناهج الدراسية من تغيير وتحديث وهل وايز معنية بهذا الجانب؟
- أولاً يجب أن نبدأ بفكرة أن مفهوم التعليم الحر والمستقل ليس قيمة غربية. لدينا عقدة كبيرة في هذا المجال ونردد أن التفكير النقدي وحل النزاعات وغيرها قيم غربية دخيلة علينا. طبعاً لا أحد ينكر إنجاز الغرب في هذا المجال إضافة إلى التسامح وتقبل الآخر وغيرها من المفاهيم، لكنها أيضاً مسائل مهمة بالنسبة إلينا. وأنا أعتقد أن الدليل على ذلك هو الإقبال على المدارس الغربية والخاصة في بلداننا التي ترسخ تلك المفاهيم منذ الصغر. وهذا جعل المدارس الحكومية نفسها تبدأ بتغيير بعض المفاهيم لديها. وهكذا تصبح المرحلة الجامعية، امتداداً لتلك الثقافة. فنحن ندرس العلوم ولا نعرف الأخلاقيات التي خلفها، أو حتى في مجال الفنون! مثلاً تعليم الفنون الحرة (Liberal Arts) يكاد يكون غائباً كلياً من المناهج بحجة أنها مفهوم غربي. وقد يكون ذلك جزئياً صحيحاً، لكن لا شك أنه يمكن الاستفادة منه في بعض الجوانب. أعتقد أن ذلك كله تلخصه الحرية الأكاديمية وعدم تقييد الأكاديميين بأي حدود. وهذا سيتغير مع الوقت في المنطقة. وفي الوقت نفسه لا بد من النظر إلى مواءمة التعليم نفسه مع سوق العمل. فسواء كان التعليم سيئاً أم جيداً وغير مترافق مع نمو اقتصادي يسمح بالاستفادة منه تأتي النتيجة واحدة. لكن في المحصلة إذا نظرنا إلى الشارع العربي اليوم، نرى أن المطالب كلها حملت شعار «حرية حرية»، لذا لا بد من إعطاء مزيد من الحرية للحياة الأكاديمية أيضاً.
هل يعني هذا أنه يجب خصخصة التعليم في شكل مطلق لفصله عن السياسة في هذه البلدان؟
- لا، أبداً! فإذا كان النظام السياسي يرغب ويطمح إلى تحسين التعليم والاستفادة منه فليكن. المهم ألا يستخدمه ضد الأكاديميين. أعطي دائماً مثل الولايات المتحدة حيث لرؤساء الجامعات قوة سياسية مثل النواب أو أعضاء مجلس الشيوخ وهم فعلاً صانعو قرار ورأي. الفكرة هي في المشاركة في اتخاذ القرارت وليس فرضها من جهة سياسية على أخرى أكاديمية.
سميت واحداً من «القادة العالميين الشباب» لعام 2011 ما هي الإضافة التي يمنحها هذا اللقب وما هي التحديات؟
- طبعاً أنا فخور لأنه اعتراف بالجهود، كما أنه جمعني بشبكة من القادة الذين يشاركونني أفكار التغيير للأفضل. لكنني أراه عملاً إضافياً... فهذا العام تقرر أن يكون القادة رعاة لغيرهم وأنا الآن مرشد ل 3 شباب بينهم فتاة يسمون «shapers» وهم ناشطون في المجتمع المدني ويجب أن أجتمع معهم دورياً وسيشاركون أيضاً في «القمة الاقتصادية العالمية» (التي عقدت الأسبوع الماضي في البحر الميت) وهم سعيدون جداً لهذه الفرصة. وأنا سعيد بدوري لأن ذلك يعيدني إلى سنوات تدريسي في الجامعة والاختلاط بالطلاب... فذلك يمنحني النشاط ويشعرني بشبابي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.