الفرح شعور جميل يمنح الانسان طاقة إيجابية، ويبعث في المجتمع روح الألفة والطمأنينة، وهو حق مشروع للجميع، غير أن جمال هذه المشاعر لا يكتمل إلا إذا تم التعبير عنها بأسلوب راق يحترم الآخرين، ويحافظ على صورة المجتمع المتحضر، بعيدًا عن المبالغة التي تصل إلى الإضرار بالغير وتشويه المكان. وهذا مع الأسف ما نلاحظه في بعض الاحتفالات، ومنها الاحتفال باليوم الوطني، حيث تظهر من بعض المحتفلين ممارسات سلبية تسيء للذوق العام، مثل القيادة المتهورة، وإغلاق الطرق، والضوضاء المفرطة، ورمي النفايات في الأماكن العامة. وهذه السلوكيات لا تعكس روح الانتماء، بل تسيء لصورة الاحتفال وتضعف قيمته، حقيقة أن التعبير الراقي عن الفرح يتجلى في مظاهر حضارية، توضح تطور الفرد وحرصه أن ينقل للعالم بهجته بوطنه بما يليق بمكانته، وبما يترك أثرًا جميلا في النفوس. نعلم أن الجميع ينتظر هذا اليوم بشوق، ولكن الفرح في جوهره لا يحتاج إلى ضجيج، ولا فوضى، ويكفي أن نبتسم، أن نتبادل التهاني والدعاء، أن نشارك في احتفال منظم يليق بنا وبوطننا، ويعمق روح الانتماء والاعتزاز بهذه المناسبة الغالية علينا. وحقيقة إن هناك جهودًا تبذل لإظهار المناسبة بما يليق بها، وبما يسمح للمواطن بالتعبير عن مشاعره من خلال الفعاليات المختلفة، والتي تقام في جميع المناطق، كذلك المسيرات التي تضم المواطنين إلى جانب الجهات الحكومية، وتعكس صورة التلاحم الرائعة بين المواطنين والمسؤولين، ولو أن الجميع تقيد بالتعليمات التي وضعت لتسير هذه الاحتفالات بشكل منظم، لما شهدنا تلك الصور المزعجة، والتي خلفت وراءها بعض العبث. ونأمل مستقبلا أن يتم إعادة النظر في عملية السماح للمسيرات داخل المدن لما تسببه من تعطيل للمصالح، ومن زحام، وحوادث قد يذهب ضحية لها مواطن أو مواطنه فترة عمله تصادف وقت المسيرة، أو حالة إسعاف لمريض لا سمح الله، أو حتى رب أسرة اضطر أن يخرج من منزله لجلب مستلزمات ضرورية تحتاجها أسرته. من الأنسب أن تخصص للمسيرات داخل المدن أماكن على الأطراف أو أماكن مغلقة، كالملاعب الرياضية، ويكون للمسيرات تنظيم معين، بحيث تخرج عن سلوك الصخب والضجيج والحفلات التنكرية لدى البعض، وهم يرتدون أقنعة تثير الرعب بدل الفرح، ولا أدري ما الهدف من ذلك؟!. هناك من المشاهد ما يثير استغرابك، منها عبثية ومنها سلوكيات غير منضبطة تدفع بعضهم إلى أعمال مستهجنة وغير مقبولة، هو يظن أنه يستطيع أن يفعل أي شيء في هذا اليوم تحت مفهوم الاحتفال والابتهاج. وللأمانة هناك مشاهدات وتصرفات تصدم لمشاهدتها، وكيف لشباب يفترض فيهم العقلانية والوعي أن يرتكبوا تلك الأفعال؟. ما يجب أن نعيه أن الفرح ليس لحظة بهجة نضيفها إلى يومنا فحسب، بل أعمق من ذلك، فبها نرسم ملامح تحفر في ذاكرة الآخرين، لا ينسى الناس كيف عبرنا عن مشاعرنا خلال المناسبة، لذلك فإن الفرح مسؤولية مثلما هو شعور، وما أجمل أن نترك عقب أي احتفالية شارعًا نظيفًا يبتسم للمارة أو مقعدًا في حديقة عامة ظل مرتبًا كأنه لم يمس، ما أجمل أن تكون أصواتنا، أهازيجنا، أناشيد تدخل البهجة في القلوب لا ضجيج وصراخ تؤذي الاسماع. الوطن لا يطلب منا كثيرًا في لحظات فرحنا به، فقط أن نحتفل بوعي، وأن نظهر للعالم قدرتنا على الجمع بين البهجة والرقي، فدعونا نجعل من كل مناسبة وطنية فرصة لإظهار أجمل قيمنا الأصيلة النابعة من صدق الولاء للوطن وقيادته والمعتزة بحاضرها وماضيها.