شراكة عالمية لجمع 500 مليون دولار لمبادراتٍ في مجال التعليم    سمو محافظ الخرج يدشن فعاليات أسبوع البيئة 2024    اتفاقية لإنشاء "مركز مستقبل الفضاء" بالمملكة    أرباح الراجحي 4.4 مليار.. والأهلي 5 مليار    وزير الخارجية ونظيره العماني يستعرضان العلاقات الثنائية    تطور جديد في ملف انضمام صلاح ل"روشن"    نصف نهائي "أغلى الكؤوس".. ظروف متباينة وطموح واحد    «سلمان العالمي» يُطلق أوَّلَ مركز ذكاء اصطناعي لمعالجة اللغة العربية    نائب رئيس غرفة أبها يدشن معرض عسير للعقار والبناء والمنتجات التمويلية    أمير المدينة يستقبل سفير إندونيسيا لدى المملكة    أمير الرياض يعتمد ترقية 238 موظفاً من منسوبي الإمارة    حرب غزة تهيمن على حوارات منتدى الرياض    النيابة العامة: التستر وغسل الأموال يطيح بوافد و3 مواطنين لإخفائهم 200 مليون ريال    أمير المدينة يدشن مهرجان الثقافات والشعوب بالجامعة الإسلامية    القبض على 8 أشخاص لقيامهم بالسرقة وسلب المارة تحت تهديد السلاح    "جائزة الأميرة صيتة" تُعلن أسماء الفائزين بجائزة المواطنة المسؤولة    سياسيان ل«عكاظ»: السعودية تطوع علاقاتها السياسية لخدمة القضية الفلسطينية    رصد 54 مخالفة في منشآت التدريب الأهلية في شهر مارس    افتتاح الملتقى السنوي الثاني للأطباء السعوديين في إيرلندا    أمطار مصحوبة بعدد من الظواهر الجوية على جميع مناطق المملكة    «مطار الملك خالد»: انحراف طائرة قادمة من الدوحة عن المدرج الرئيسي أثناء هبوطها    وزيرا الإعلام والعمل الأرميني يبحثان التعاون المشترك    فيصل بن فرحان: الوضع في غزة كارثي    لتحديد الأولويات وصقل الرؤى.. انطلاق ملتقى مستقبل السياحة الصحية    رابطة العالم الإسلامي تُعرِب عن بالغ قلقها جرّاء تصاعد التوترات العسكرية في شمال دارفور    اللجنة الوزارية العربية تبحث تنفيذ حل الدولتين    " ميلانو" تعتزم حظر البيتزا بعد منتصف الليل    نائب أمير مكة يطلع على تمويلات التنمية الاجتماعية    اللواء الزهراني يحتفل بزفاف نجله صلاح الدين    استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    منصور يحتفل بزواجه في الدمام    فيصل بن بندر يؤدي الصلاة على عبدالرحمن بن معمر ويستقبل مجلس جمعية كبار السن    دولة ملهمة    الفيحاء يتوّج بدوري الدرجة الأولى للشباب    الأهلي بطلاً لكأس بطولة الغطس للأندية    ديوانية الراجحي الثقافيه تستعرض التراث العريق للمملكة    النقد وعصبية المسؤول    مهنة مستباحة    فئران ذكية مثل البشر    إستشاري يدعو للتفاعل مع حملة «التطعيم التنفسي»    تتويج طائرة الهلال بلقب الدوري    ميتروفيتش ومالكوم يشاركان في التدريبات    جامعة «نورة» تفتتح منافسات الدورة الرياضية لطالبات الجامعات الخليجية    منجزات البلدية خلال الربع الأول بحاضرة الدمام    اكتمال جاهزية كانتي.. وبنزيما انتظار    المصاعد تقصر العمر والسلالم بديلا أفضل    سعود بن بندر يستقبل أعضاء الجمعية التعاونية الاستهلاكية    صحن طائر بسماء نيويورك    أول صورة للحطام الفضائي في العالم    ذكاء اصطناعي يتنبأ بخصائص النبات    تطبيق علمي لعبارة أنا وأنت واحد    أمير تبوك يواسي أبناء أحمد الغبان في وفاة والدهم    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة (82) حربية    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    المسلسل    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرئيس "المؤمن" يعالج مشاكل أميركا بواسطة الدين الأصولية المسيحية حصان بوش الى البيت الابيض
نشر في الحياة يوم 12 - 07 - 2004

"بالتأكيد سأقترع لبوش! إنه مؤمن صادق ويطبق تعاليم الانجيل". قالها إيدي، رجل الأعمال الأميركي من ولاية نيفادا، بثقة كاملة ومن دون تردد لدى سؤاله عن مرشحه في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة.
عدد الأميركيين الذين يشاركون إيدي قناعته المطلقة بعمق إيمان الرئيس الأميركي واعتبار هذا الإيمان سبباً كافياً لإعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية ليس قليلاً. فقد أظهرت الاستطلاعات الأخيرة أن الأميركيين الذين يعتبرون أنفسهم "متدينين جداً" وأولئك الذين يقصدون الكنائس مرة واحدة في الأسبوع على الأقل يدعمون بوش بنسبة عالية 59 في المئة. أما أولئك الذين لا يعتبرون أنفسهم متدينين كثيراً ولا يقصدون الكنائس بانتظام فهم رجحوا كفة المرشح الديموقراطي جون كيري 69 في المئة.
إن التقاطع بين الإيمان والعلمانية من جهة والسياسة من جهة أخرى في الولايات المتحدة أمر يستحق المتابعة والاهتمام، خصوصاً هذه السنة. إذ يرى العديد من المعنيين بالانتخابات، أن الهوة التي تفصل بين الناخبين المؤمنين والناخبين العلمانيين أوسع من أي وقت مضى، وبالتالي فإن الإيمان أو عدمه هما السبيل الأمثل لتحديد الجمهوريين من الديموقراطيين. "أرني شخصاً حائزاً على شهادة الدكتوراه ولا يذهب إلى الكنيسة فأريك ديموقراطياً". ببساطة قالها فرانك نيوبورت من معهد غالوب للدراسات، الذي يعتبر أن الانقسام حول الولاء الديني سيكون العامل الحاسم على الأرجح في تحديد أهواء الناخبين وبالتالي توجهاتهم السياسية.
وحقيقة خلط طبقة من السياسيين الأميركيين خصوصاً المحافظين قضايا الولاء الوطني بالإيمان بالله ليس أمراً مستجداً في الولايات المتحدة. لقد ربح رونالد ريغان ومستشاروه السياسيون السباق الى البيت الأبيض من خلال إثارة قلق الديموقراطيين الجنوبيين والمحافظين المسيحيين من الثورة الجنسية وحقوق المثليين وتشريع الإجهاض. وبحسب خبراء في معهد غالوب، فإن ريغان خلق بعضاً من هذه الازدواجية بين الله والوطن. أما اليوم فيسعى مستشارو بوش إلى تعميق هذا الميل من خلال محاولة جذب البروتستانت المتدينين وتوسيع قاعدتهم التي يرتكز عليها بوش في تكريس شعبيته كمسيحي محافظ.
وفي السباق الرئاسي هذا العام يسعى السناتور الديموقراطي كيري لأن يصبح ثاني رئيس كاثوليكي يصل إلى البيت الأبيض بعد جون كينيدي، لكن دعمه لحق الإجهاض دفع ببعض رجال الدين الكاثوليك إلى الدعوة إلى حرمان كيري من حق تناول القربان في القداس في الكنيسة. في المقابل عاد الرئيس بوش لإحياء مبادرته الإيمانية والوقوف مع الكنيسة ضد الإجهاض وضد الاستنساخ البشري، لكنه خاض الحرب على العراق على رغم معارضة الفاتيكان لها.
لقد استعمل بوش لغة دينية خاصة به على نحو لم يفعله أي رئيس أميركي قبله، وهذا الأمر عالق في ذهن الأميركيين. وحديث بوش عن الدين بانفتاح ليس حكراً عليه وحده، فالرؤساء الذين سبقوه تحدثوا عن الدين وعبروا عن إيمانهم وقناعاتهم بأن أميركا يمكن أن تكون أفضل مع إيمان أقوى. مع ذلك فإنه من النادر أن حاول أحد الرؤساء أن يمزج بين الدين والسياسة بالشكل القوي والمباشر الذي يفعله بوش. وتركيز الرئيس الجمهوري على الدين لم يخلق جدلاً وطنيا فحسب، بل خلق ثقافة يمكن أن تحدث تحولاً في السياسة الاجتماعية الأميركية إذا نجح بوش في الحصول على ولاية رئاسية ثانية.
قبل الاربعين
حين يصبح شخص ما رئيساً للولايات المتحدة فمن الغالب أن يتم تصنيف حياته السابقة على انها مسار طبيعي لوصوله إلى هذا المنصب. كان جورج بوش الإبن الأكبر لرئيس الجمهورية، غنياً، حسن المظهر وحائزاً على شهادات من أهم جامعتين في العالم. مع ذلك فحين بلغ بوش الأربعين من عمره، لم يكن بالنسبة إلى كثيرين حوله سوى شخص فاشل. ففي حينها لم يكن قد حقق شيئاً يذكر مقارنة بإنجازات والده حين كان في عمره. لقد عاش بوش الإبن حياة بلا هدف وفشل تقريباً في معظم المشاريع التي خاضها وكان مدمناً على الكحول. لكن بعد اثني عشر عاماً بات بوش المرشح الجمهوري الأول لمنصب رئيس الولايات المتحدة!
ويصف المقربون من بوش رحلته الإيمانية بأنها رحلة عاصفة تراوحت بين النشوء على تقاليد بروتستانتية راسخة وبين تقلبات ونكسات شهدتها بداياته. ويستذكر هؤلاء المقربون رحلة لبوش على شاطئ بحر ماين مع المبشر المعروف بيلي غراهام والذي لقب بأنه "بابا البروتستانت" في أميركا. فقد سأل غراهام بوش إن كان قريباً من الله، وبحسب الروايات المتداولة فإن بوش لم يكن مدركاً لحاجاته الروحية، لكن الوقت الذي أمضاه مع غراهام ولاحقاً الدروس الانجيلية التي انتظم في تلقيها جعلته يدرك ما يعتبره طريقه ويتخلص من إدمانه على الكحول. نجح بوش في أن يعيد تركيز حياته في رؤية متجانسة بشكل يتماثل مع عقلية المحافظين الانجيليين في بلاده، وكان لزوجته لورا دور في دعم ذلك المسار.
وحين قرر حاكم ولاية تكساس بوش الإبن الترشح للانتخابات الرئاسية وصف قراره بالترشح بأنه "استدعاء"، ومن الواضح أنه قصد أن الله استدعاه أو أوحى إليه لأن يكون رئيساً. وعبارة الاستدعاء هذه لقيت صدى واسعاً لدى الانجيليين. واستمر مساره هذا، فقد نصحه مساعده الاستراتيجي كارل روف أن يتحدث عن إيمانه ببساطة. ففيما كان المرشحون الآخرون يناقشون أموراً جدلية في حملاتهم الانتخابية، ركز بوش في حملته على خصاله كمسيحي يسكن المسيح قلبه. وفعلاً حين سأل صحافي بوش خلال حملته الانتخابية من هو فيلسوفه المفضل، أجاب بوش: "المسيح. لأنه غيّر قلبي".
نجح بوش الابن، ودعا في اليوم الأول من رئاسته إلى تكريس هذا اليوم للصلاة. وتمكن الأميركيون من التعرف على التحولات في حياة رئيسهم، من الضياع وإدمان الكحول إلى الإيمان، ولم تشهد أي إدارة أميركية سابقة لقاءات للصلاة بالشكل الذي يحدث في الإدارة الحالية، كما لم يكن القادة الروحيون موضع ترحيب كما هم اليوم. فبوش حاول استخدام الإيمان والمؤسسات الدينية لحل مشاكل الامة بطريقة جديدة على الوعي الأميركي، إذ لديه قناعة راسخة بتكامل الإيمان مع السياسات العامة.
في اليوم الذي أعقب هجمات 11 أيلول سبتمبر أعلن الرئيس موقفه وحافظ عليه، "سيكون هذا صراعاً بارزاً بين الخير والشر لكن الخير سيبقى وينتصر". ولاحقاً عرَّف بوش أعدائه ب"محور الشر"، وهو تعبير يزخر بالمعاني الأخلاقية الدينية. وفي ظل البراءة المطلقة التي آمن بها بوش، أطلق "الرئيس المؤمن" تفسيراً واحداً لحقد الإرهابيين على أمته: "هناك أناس يكرهون الحرية، وبكلمة أخرى هم شريرون إلى درجة أنهم يمقتون الخير لأنه خير".
في السنة التي أعقبت هجمات سبتمبر أكد بوش أن "التاريخ نادى أميركا وحلفاءها للتحرك"، ولاحقاً عام 2003 أعلن "إن نداءنا كأمة مباركة هو أن نجعل العالم أفضل". وخلال تحضيرات الحرب على العراق أعلن بوش "هذه الأمة وأصدقاؤها هم كل ما يقف بين عالم مسالم وعالم فوضوي. مرة أخرى لقد دعينا للدفاع عن أمن شعبنا وآمال الانسانية".
لا يبدو بوش متردداً في مقاربة الله بمشروعه الخاص، وصوره وهو يصلي خاشعاً منتشرة وشائعة بشكل لم يعهده رئيس قبله. في مؤتمر صحافي له بث مباشرة على الهواء في أوقات الذروة وقبل دقائق من توجيهه المهلة النهائية للرئيس العراقي صدام حسين لتسليم أسلحة الدمار الشامل، طلب بوش من مستشاريه أن يتركوه وحيداً لعشر دقائق. كانت رمزية هذا الطلب واضحة فقد أراد الرئيس أن يتواصل مع ربه قبيل اتخاذه موقفاً حاسماً في تاريخ بلاده.
المبادرة الإيمانية
مع استطلاعات رأي تظهر تراجع المؤيدين لسياسته في الاقتصاد وفي العراق إلى حدود باتت دون ال50 في المئة، لجأ الرئيس بوش إلى تقنيات انتخابية كانت ساهمت في اكتسابه أصوات الناخبين في العام 2000، ففي محاولة منه لدفع مبادرته الإيمانية التي أطلقها في بداية ولايته جدد بوش الشهر الماضي دعوته إلى أن مبدأ الفصل بين الكنيسة والدولة لا يجب أن يمنع الجمعيات الدينية من التنافس للحصول على أموال الدولة لمساعدة المحتاجين. وكرر مواقفه في سلسلة لقاءات في عدد من الولايات الأميركية بهدف إحياء الاهتمام بمبادرته الإيمانية العالقة في أروقة الكونغرس الذي خذله ولم يوافق على عدد من بنود هذه المبادرة. لكن بوش وضع المشرعين جانباً وأصدر سلسلة قرارات تنفيذية بإعطاء الجمعيات الدينية أرضية مساوية لباقي المؤسسات الاجتماعية وبالتالي إمكانية التنافس للحصول على عقود ومنح مالية فيديرالية. وبحسب البيت الأبيض، فإن الهدف من المبادرة الإيمانية هو إزالة الحواجز البيروقراطية أمام الجمعيات والمؤسسات الدينية ومساعدة هذه المنظمات التي تخدم الشباب والمجتمع. وقد وقَّع بوش قرارات بإنشاء مكاتب مخصصة لمساعدة الجمعيات الدينية في عشر وكالات فيدرالية. وفي مؤتمر صحافي في البيت الأبيض قال بوش: "أنا أقول لأميركا نحن لا نحتاج لأن نميز ضد الجمعيات الدينية. نحن نحتاج لأن نرحب بهم كي يصبح مجتمعنا أكثر توحداً وأكثر ترحيباً وأكثر أملاً لكل مواطن".
خلال زيارة له إلى ولاية سينسيناتي الشهر الماضي أنحى بوش جانباً قضايا جدلية يروج لها مثل حظر زواج المثليين جنسياً وركز على أهمية الزواج كمؤسسة وهو أمر اعتبر بمثابة رسالة تلقى صدى إيجابياً لدى المحافظين، وهو بالضبط ما يحتاجه بوش في يوم الانتخابات. فمنطقة سينسناتي هي معقل للجمهوريين وقضية الزواج تلقى شعبية لدى المجموعات المحلية. ففي اقتراح بوش يمكن للمؤسسات الدينية أن تتنافس على الأموال الفيديرالية لتقدم خدمات تثقيفية للمجتمع حول الزواج، أي تثقيف الخاطبين والمرتبطين بكيفية الاستماع إلى الطرف الآخر وحل المشاكل وتبادل الاحترام. ويرى الموالون للخطوة أن المبادرة هذه ستكون عاملاً مساعداً في حل المشاكل المرتبطة بتربية الأطفال في المناطق الفقيرة أو لدى أم أو أب وحيد. لكن المعارضين يرون أن لا شأن للحكومة في الزواج الذي يجب أن يكون شأناً خاصاً، فمثل هذه المبادرات، حسب رأيهم، تمارس ضغطاً على النساء اللواتي يتعرضن لسوء المعاملة بأن عليهن البحث عن زوج عوضاً عن التطلع إلى الاكتفاء الذاتي والاستقلالية.
إعادة تركيز بوش على المبادرة الإيمانية والاهتمام بالزواج وإعادة تأهيل السجناء ومدمني الكحول والمخدرات، قدمت للرئيس فرصة في تحويل الأنظار في حملته الانتخابية عن الاقتصاد والأمن القومي والسياسة الخارجية وتسليطها على الأجندة المحافظة والمتعاطفة في قضايا مثل تسهيل تقديم الأموال الفيديرالية للخدمات الاجتماعية وللجمعيات الدينية. ففي العام 2003 وحده تبرع الأميركيون بحوالي 245 بليون دولار للجمعيات الخيرية، أي ما يمثل 2.2 في المئة من الدخل الوطني. وأبرز الجمعيات المستفيدة من هذه التبرعات هي جمعيات دينية وصلت حصتها من هذه الأموال إلى نسبة 35 في المئة تليها الجمعيات التربوية والصحية والثقافية.
بوش وفي خطاب ألقاه في البيت الأبيض حول مبادرته الإيمانية قال: "هناك المزيد من الأموال المتوافرة للبرامج الدينية. والفكرة هي أن المبادرة تعلمكم كيفية الوصول إلى ذلك المال وكيف تتأكدون من أن مسار الحصول على المنحة هو مسار مفهوم وتتأكدون من أن الناس في مجتمعاتكم لا يخافون أن تحول البيروقراطية دون مهمتكم".
لكن واقع دعم بوش للمبادرة الإيمانية يلاقي معارضة قوية، خصوصاً في صفوف الديموقراطيين والعلمانيين، الذين أطلقوا مخاوف في بداية إطلاق بوش لمبادرته من أن الحكومة ستصبح ممولة للدين وأن دعم الجمعيات الدينية قد يدفع لأن تحدث تعيينات أو إقالات بناء على قناعات دينية. وقد تقدمت مؤسسة The Freedom from Religion Foundation في شهر حزيران يونيو الماضي بدعوى فيديرالية ضد بوش في مدينة ويسكنسن في ولاية ماديسن. فبحسب هذه المؤسسة فإن إدارة بوش وبشكل غير شرعي تفضل المجموعات الدينية للحصول على أموال فيديرالية من خلال المبادرة الإيمانية. وبحسب القضية فإن أموال الضرائب التي يدفعها الأميركيون تستخدم لمساعدة مجموعات دينية تتقدم بطلبات للحصول على عقود ومنح فيدرالية لتقديم مجموعة من الخدمات وهو أمر يستدعي تفضيل الجمعيات الدينية على الجمعيات العلمانية الأمر الذي يخرق البند الأول من الدستور. وتطالب الدعوى بوقف استعمال أموال دافعي الضرائب على المبادرة الإيمانية وبسن قانون جديد يضمن حقيقة أن المخصصات المستقبلية لا تمول خدمات اجتماعية تتضمن الدين كعنصر متمم لهذه الخدمات. وتقول آني لوري غايلور من المؤسسة صاحبة الدعوى ضد بوش، "إنهم لا يساوون بين المتنافسين، إنهم يفعلون العكس فهم يداهنون ويتملقون الجمعيات الدينية ليأتوا لهم ويقولوا لهم كيف يملأون طلبات الحصول على المنح ويعطونهم الأموال. إننا نعتقد بأن الأمر هو ترويج للدين". لكن البيت الأبيض يقول إن المبادرة الإيمانية لا تمول الدين لكنها تجعل مسار تقدم الجمعيات الدينية للحصول على أموال فيديرالية أمراً أكثر سهولة. مدير مكتب البيت الأبيض لشؤون المبادرة الإيمانية جيم توي يقول: "إن الأمر لا يتعلق بتمويل الدين ولكن بتمويل النتائج وردع من يحول دون الفقراء، وهذه البرامج والمسار الذي يخوضه الرئيس في جهود مبادرته الإيمانية هي لنشر التعاطف في بلدنا والتأكد من أن البرامج الفعالة يتم تمويلها".
لا شك في أن مبادرة بوش تلقى شعبية لدى الناخبين المحافظين في السنة الانتخابية. فقد عاد بوش ليكرر رواية قصص عن أناس تغيرت حياتهم بسبب الجمعيات الدينية مؤكداً أن على الحكومة أن تشكرهم على إنجازاتهم معتبراً أن جهود هذه الجمعيات "ستغير أمتنا نحو الأفضل". وفي موقعه على الانترنت يصف البيت الأبيض المبادرة الإيمانية للرئيس بوش بأنها بداية ومقاربة جديدة لدور الحكومة في مساعدة المحتاجين. وفي هذا الموقع يوضح بوش وجهة نظره بأن الحكومة يمكنها أن تقود جيشاً لكن لا يمكنها أن تضع الأمل في القلوب، وأن على الحكومة مسؤولية تلبية حاجات الفقراء لكنها لا تحتكر التعاطف. وفيما لا يبدو أن معركة بوش لكسب الصوت المسيحي ستلاقي أصداء في نيويورك وسان فرانسيسكو ومعاقل أخرى لليبراليين لكن يبدو أنه وفي كثير من الولايات ستستمر التراتيل والابتهالات لله وللوطن والعظات التي تركز على الصواب والخطأ في إيجاد آذان صاغية!
حكايات المقربين
يثير توهج المسيحية في شخصية رئيس أقوى بلد في العالم فضول واهتمام الكثيرين، وصدرت مقالات وكتب كثيرة حول تجذر القناعات الدينية في وقت تتحمس فيه إدارة بوش لتصوير حربها على الإرهاب بأنها حرب غير دينية. من الكتب البارزة حول انفتاح بوش على الدين كتاب كريستيان مانسفيلد "إيمان جورج بوش". فهذا الكتاب يورد أمثلة عدة على كيفية رسوخ الدين في عمق تفكير الرئيس الأميركي. من بين كشوفات مانسفيلد في كتابه أن بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير صليا معاً في لقاء خاص جمعهما في كامب ديفيد، وهو ما كان نفاه بلير، لكن مانسفيلد تحقق من الأمر ودوَّن روايات لشهود على الحادثة. كما يظهر الكتاب أن بوش، وفي بداية إعلانه ترشحة لمنصب الرئاسة، قال لكاهن إنجيلي من تكساس إن لديه حسّاً داخلياً بأن كارثة وطنية ستحدث هجمات نيويورك وقعت بعد عام تقريباً. فقد قال بوش لجايمس روبنسون: "أنا أشعر أن الله يريدني أن أترشح للرئاسة. لا أستطيع أن أشرح ذلك لكنني أشعر أن وطني يحتاجني وأن شيئاً ما سيحدث. أعلم أنه لن يكون سهلاً علي أو على عائلتي، لكن الله يريدني أن أفعل ذلك".
في حادثة أخرى يستذكر مانسفيلد أن بوش كان عائداً من رحلة إلى السلفادور وبدا أنه سيتأخر على القداس وهو ما يكره أن يفوته، فأقيم القداس على الطائرة وترأسته مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس، فيما ألقت العظة مساعدة بوش المقربة كارين هيوغس. كما يؤكد المؤلف تفاصيل ووقائع كان بوش أكد أنها كاذبة. فإشاعة صلاة الرئيس الأميركي مع جندي شاب فقد يده في العراق اعتبرت أسطورة، لكن مانسفيلد تتبع الشاهد والكاهن الذي زار المستشفى حيث كان الجندي الشاب يعالج. فأكد الكاهن أن بوش صلى مع الجندي وأنهى صلاته بطبع قبلة على جبين الشاب، مؤكداً له أنه يحبه. يقول مانسفيلد: "هذا الحادث يختصر معتقدات بوش. إنه يؤمن حقيقة أن الله يسكن قلبه وروحه".
مأزق كيري
فيما يتحدث الرئيس بوش بانفتاح عن تدينه، يبدي منافسه كيري تحفظاً في الحديث عن معتقداته الدينية. فكيري يقول إنه لا يزال يؤمن بفصل الدين عن الدولة لكنه أيضاً مؤمن بدينه: "أنا أؤمن وأمارس كاثوليكيتي ومتزوج من مؤمنة وممارسة للكاثوليكية". فكيري الكاثوليكي الإيرلندي الأصل تحدث في أكثر من مناسبة عن إيمانه لكنه وقف موقفاً حاسماً في دعم حق الإجهاض وزواج المثليين جنسياً، الأمر الذي دفع بعض الأساقفة الكاثوليك إلى الدعوة لحرمانه من تناول القربان خلال القداس، إلا أن الاستطلاعات أظهرت أن 73 في المئة من الأميركيين لا يوافقون الأساقفة على ذلك. وإدراك كيري لتأثير بوش القوي على المتدينين الأميركيين دفعه إلى درس احتمال وضع قسم خاص بالدين على موقعه على الانترنت. لكن صحيفة "واشنطن تايمز" نقلت أخيراً أن قرار كيري هذا تأجل لأن مستشاريه منقسمون حول طريقة تقديم الدين والإيمان في حملته. فبعضهم حذَّر من مغبة أن يعتمد كيري على الدين كثيراً فيفقد صدقيته كرجل دولة ديموقراطي علماني، فيما رأى آخرون أن عليه أن يركز على البعد الديني بشكل أكثر صراحة ليتمكن من الوصول إلى الناخبين. وأصحاب هذا الرأي يستندون إلى استطلاع لمجلة "تايمز" أظهر أن 7 في المئة فقط من الأميركيين يشعرون أن كيري يملك إيماناً قوياً.
لكن من بين المجموعات الدينية في الولايات المتحدة يلاقي كيري دعماً أكبر بين اليهود وصل إلى 75 في المئة حسب استطلاع "تايمز". وتقول ماري سيغيرز الباحثة في جامعة روتغرز: "اليهود يهمهم الفصل بين الكنيسة والدولة، والعديد منهم غير مرتاحين لمبادرة بوش الإيمانية". أما ما هو غير واضح فهو مدى دعم المسلمين لكيري، خصوصاً في ولايات مثل ميتشيغان. ففي العام 2000 ربح الجمهوريون في استقطاب الصوت المسلم، لكن الأمر اليوم غير أكيد خصوصاً في مرحلة ما بعد الحرب على العراق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.