هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية تصدر تقرير إنترنت السعودية 2024    سمو ولي العهد يستقبل سمو وزير الرياضة ورئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم ورئيس وأعضاء مجلس إدارة النادي الأهلي والجهازين الفني والإداري ولاعبي فريق كرة القدم بمناسبة تحقيقهم بطولة دوري أبطال آسيا للنخبة 2025    ٦٠ مراقبا ومراقبه في ورشة عمل مشتركة بين الأمانة وهيئة الغذاء    حفل ختام وحدة الثقافة والفنون بكلية الآداب في جامعة الإمام عبدالرحمن    المطلقة غير صالحة للزواج    ضبط مواطنًا لارتكابه مخالفة التخييم في محمية الملك عبدالعزيز الملكية    محافظ الطائف يكرّم الجهات المشاركة في برامج وفعاليات أسبوع المرور    المدينة في عيون الأدباء: أمسية أدبية تحتفي بجمال المدينة المنورة    "مبادرة طريق مكة".. تأصيل للمفهوم الحقيقي لخدمة ضيوف الرحمن    الصندوق الكشفي العالمي يثمّن تمديد دعم المملكة لمبادرة "رسل السلام"    المعرض السعودي للدهانات Saudi Arabia Coatings Show يفتتح أبوابه غداً في الدمام    ولي العهد يعلن إطلاق شركة "هيوماين" كرائد عالمي في مجال الذكاء الاصطناعي    الدكتور عبدالعزيز الهلالي يحصد الميدالية الفضية في معرض جنيف الدولي للاختراعات 2025    تخصصي تبوك يحتفل باليوم العالمي للتمريض    مجموعة فقيه للرعاية الصحية تحقق صافي ربح قدره 67.4 مليون ريال في الربع الأول من 2025 بنمو 11%    أمانة الشرقية تكثف الاجتماعات مع البلديات لتحقيق الاستدامة المالية وتحسين جودة الحياة    القصيم: انتاج طائر الكرك الاكحل المهاجر    ورشة "قرح الفراش" ترفع الوعي وتعزّز جودة الرعاية في منازل مستفيدي القصيم الصحي    جدة تشهد بطولتي العالم للبلياردو والماسترز للسنوكر يوليو وأغسطس 2025    وداعًا يا أمير التنمية والإزدهار    انخفاض الذهب بعد محادثات إيجابية بين الصين وأمريكا    "الأرصاد": أمطار غزيرة ورياح شديدة على منطقة الباحة    إنقاذ مريضة تسعينية من بتر الطرف السفلي    الجيش الهندي يعلن عن "أول ليلة هادئة" في كشمير    الناصر: أرامكو أثبتت قوة أدائها وأرباحها ر    اليوم..القمر يظهر بحجم أصغر في سماء السعودية لتزامنه مع نقطة الأوج    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى    رياح نشطة على عدة مناطق بالمملكة وأمطار على الجنوب    استشهاد 16 فلسطينيًا    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة ينهي تحضيراته ل "آيسف 2025"    حاجة ماليزية تعبر عن سعادتها بالقدوم لأداء فريضة الحج    40 مليون عملية إلكترونية لمنصة "أبشر" في أبريل 2025    عبدالعزيز بن سعود يرعى حفل تخريج 1935 طالبًا من كلية الملك فهد الأمنية    في الجولة 33 بدوري يلو.. 9 مواجهات في توقيت واحد.. النجمة للصعود رسمياً ل"روشن".. والعين لتجنب الهبوط    سورلوث مهاجم أتلتيكو يتفوق على ميسي ورونالدو    تحضيرًا لجولتي الحسم في تصفيات مونديال2026.. الشرقية تجهز الأخضر لمواجهتي البحرين وأستراليا    ديوانية الأطباء تكرم البحرينية بثينة عجلان    عودة «عصابة حمادة وتوتو» بعد 43 عامًا    أمريكية وابنها يحصلان على الماجستير في اليوم نفسه    الهروب إلى الخيال..    السعودية تقود المشهد من حافة الحرب إلى طاولة التهدئة    "اعتدال" و"تليجرام" يزيلان 16 مليون مادة متطرفة في 3 أشهر    بعد 50 عامًا في المدار… سقوط مركبة سوفيتية فاشلة    بتنظيم من وزارة الشؤون الإسلامية.. اختتام تصفيات أكبر مسابقة قرآنية دولية في البلقان    انطلق بمشاركة 100 كادر عربي وأوربي.. أمين الرياض: «منتدى المدن» يعزز جودة الحياة ويقدم حلولاً مشتركة للتحديات    أسرة الجهني تحتفي بزواج عمّار    91 % نسبة رضا المستفيدين عن أداء الموظفين بديوان المظالم    المملكة تواصل ريادتها الطبية والإنسانية    نادي القادسية يتوّج بكأس وزارة الرياضة لكرة الماء    القادسية يحسم لقب الدوري الممتاز لكرة القدم تحت 17 عامًا    لوران بلان: الاتحاد لا يخشى أحدًا!    جراحة روبوتية لإنقاذ طفل مصاب بفشل كبدي بالرياض    الأمير سعود بن نهار يطلع على الخدمات المقدمة للحجاج في مطار الطائف    الحصار الإسرائيلي يحرم مستشفيات غزة من توفير الغذاء للمرضى    أمير منطقة تبوك يرعى بعد غد حفل تخريج متدربي ومتدربات المنشات التدريبية    السعودية تقود جهود السلام كأول دولة ترسل مبعوثا إلى الهند وباكستان    الأمير ناصر بن محمد يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه نائبًا لأمير منطقة جازان بالمرتبة الممتازة    تخريج الدفعة ال 19 من طلاب جامعة تبوك الأربعاء المقبل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية أميركا للحدود ... واللاجئين : من هنري كيسنجر الى جورج دبليو بوش
نشر في الحياة يوم 26 - 04 - 2004

هل صحيح ان التعهدات التي قدّمها الرئيس الأميركي جورج بوش باسم بلاده الى رئيس وزراء اسرائيل شارون تعتبر بمثابة انقلاب في الموقف الأميركي؟
وهل صحيح انها أشبه بموقف تأسيسي أميركي لمقاربة المسألة الفلسطينية، وتحديداً في مسألتي الحدود واللاجئين، ولذا اعتبرت "وعداً" جديداً يشابه وعد بلفور عام 1917؟ بمعنى آخر: هل ان رسالة بوش الى شارون شكّلت موقفاً أميركياً جديداً ام انها مجرد "تتويج" للموقف الأميركي في مراحله التاريخية المختلفة من موضوع اللاجئين وموضوع الحدود؟
إن الضجة والصيحات التي شهدها العالم العربي ولا يزال تشير الى أمرين خطيرين: دراما الذاكرة السياسية العربية وحمى مرض التكرار! وبالفعل فإن قصر الذاكرة العربية وقصورها والترداد "الببغائي" لكلمات وقرارات ونصوص خارج معانيها، بل بما يخالف هذه المعاني، هي مؤشرات كافية لإدانة الوعي التاريخي العربي في مقاربته للمسألة الفلسطينية.
هذه الدراسة، مع ادانتها الواضحة للموقف الأميركي الأخير، تود ان تظهر بالمعنى التاريخي، ان هذا الموقف ليس أمراً جديداً بل هو مجرد "تظهير" جديد لموقف أميركي قديم يمتد لنصف قرن في موضوع اللاجئين، ولثلث قرن في موضوع الحدود بعد حرب 1967 والقرار 242.
أولاً: أسماء لها تاريخ
1- كان الرئيس الأميركي ويلسون معروفاً بسعيه الى تعميم الديموقراطية في العالم بعد الحرب العالمية الأولى ومن هنا اهتمامه بحق تقرير المصير للشعوب، ومنها شعوب الشرق الأدنى. وعندما أرسل في العام 1919 لجنة الى المنطقة لجنة كينغ - كرين كي تسأل الناس رأيهم، لم تطابق حسابات الحقل حسابات البيدر فلم يُفتِ بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم تحت عاملين: الضغوط الصهيونية عليه وفي مؤتمر فرساي، وتأييد الانتداب البريطاني على فلسطين، وكلاهما يؤديان الى نتيجة واحدة وهي القبول بفكرة الوطن القومي اليهودي في فلسطين بحسب وعد بلفور.
2- من زمن روزفلت الى زمن ايزنهاور في الخمسينات، "تجمّّدت" الرؤية الأميركية حول موضوع المسألة الفلسطينية من انها مسألة "لاجئين" وان حلها يكمن في توطين هؤلاء اللاجئين، أي انها مجرد مسألة اقتصادية، في حين كان المفكر اللبناني ميشال شيحا يسفّه هذه الرؤية ويقول: "انها مئة مرة سياسية". والدليل ان الرئيس روزفلت أرسل مبعوثه جونستون في موضوع مياه نهر الأردن كي تسهم قسمة النهر في ازدهار وادي الأردن وتوطين اللاجئين فيه.
3- سعى الرئيس جون كينيدي الى مقاربة سياسية لموضوع اللاجئين على أساس ان "يعاد الذين يريدون باخلاص العيش مع جيرانهم والقبول بالدولة الاسرائيلية، أما الآخرون فيجرى توطينهم في البلدان العربية". لكن ديفيد بن غوريون كان قاطعاً في هذا الأمر فاتخذت الكنيست قرارين عامي 1961 و1962 برفض مبدأ العودة رداً على بعثة جونستون لحل قضية اللاجئين، ثم جرى التفاهم بين كينيدي وبن غوريون على توطين معظم اللاجئين في الأقطار العربية، وتوطين القسم الآخر في أقطار العالم والقسم الثالث والقليل يعود فقط الى اسرائيل "لجمع شمل العائلات". وتبعاً لذلك أدخل الحزب الديموقراطي الأميركي مبدأ توطين اللاجئين في برنامجه الانتخابي للعام 1964.
4- بتاريخ 19/6/1967، أعلن الرئيس الأميركي ليندون جونسون "ضرورة قيام تسوية شاملة وسلام دائم لإسرائيل وانما لقاء تعديل حدود 1967". وكان هذا أول موقف أميركي رسمي وعلني "يشرعن" من منظور أميركي حق اسرائيل في التوسع خارج خط الهدنة لعام 1949. وانسجاماً مع هذا التوجه قدمت الولايات المتحدة مشروعها الى مجلس الأمن في 9/11/1967 وأكدت فيه أمرين:
الأول، ان السلام الدائم والعادل في الشرق الأوسط يشمل سحب القوات المسلحة من أراضٍ احتلتها.
الثاني، ضرورة الوصول الى حل عادل لمشكلة اللاجئين.
وعندما قدّم المندوب البريطاني لورد كارادون مشروعه الى مجلس الأمن بعد ذلك بأسبوعين 22/11/1967 وهو المعروف بالقرار الرقم 242، استعمل التعبير الأميركي ذاته حول "أراضٍ" وليس الأراضي، و"مشكلة اللاجئين" مما اضطر معظم أعضاء مجلس الأمن خلال مداخلاتهم الى اعتبار لفظة "أراضٍ" تدل على غير معناها: فهم يصوّتون على معنى شمولها جميع الأراضي وهي بخلفية أميركية - بريطانية تعني بعض الأراضي وليس كلها، ما جعل مندوب أميركا السابق في الأمم المتحدة غولدبرغ يقول: "ان الغموض الذي يشوب القرار 242 لم يحدث سهواً بل كان مقصوداً". أما هنري كيسنجر، الذي أصبح في العام 1969 مستشاراً للأمن القومي لدى نيكسون، فطالما سخر من القرار 242 مردداً: "ما الذي يدعوكم للتمسك بهذا القرار الذي ليس فيه سوى مجموعة عبارات كل واحدة منها تتعارض مع الأخرى... وهذه عبقرية الانكليز في الصياغات. لم تعد لديهم القوة لصنع حلول للأزمات فاستعاضوا عن الحلول بلعبة الصياغات التي تصور لكل طرف انه حصل على شيء، وفي الحقيقة فإن أحداً من الأطراف لم يحصل على شيء".
5- ولكي لا يبقى الغموض قائماً حول الكلمات في القرار الرقم 242، عمدت الادارة الاميركية بوحي من كيسنجر وربما بنصّّه الى اعطاء أول تفسير علني ورسمي أميركي للقرار 242، وفي شكل محدد في موضوعي الحدود واللاجئين. ففي ورقة العمل الأميركية التي قدمت للدول الأربع الكبرى في مجلس الأمن آذار/ مارس 1969 كمشروع أميركي لحل أزمة الشرق الأوسط جاء ما يأتي:
- "ترى الولايات المتحدة ان من غير الممكن الرجوع الى حدود او خطوط الهدنة التي كانت موجودة قبل الحرب العربية - الاسرائيلية في حزيران عام 1967 وتقترح الولايات المتحدة بدلاً منها تحديد حدود آمنة معترف بها من جميع دول الشرق الأوسط".
- "ترى الولايات المتحدة ان توضيح الردود يعتبر تفسيراً صحيحاً لقرار مجلس الأمن، ولا تعتقد الولايات المتحدة ان هذا القرار يستلزم انسحاب اسرائيل من جميع الأراضي المحتلة من دون استثناء".
- "... يجب على جميع اللاجئين العرب الذين غادروا أماكن اقامتهم بعد حرب حزيران عام 1967 العودة الى أماكنهم، أما بقية اللاجئين الفلسطينيين فيجب ان يعاد توطينهم في البلاد العربية". والمقصود جميع لاجئي العام 1948.
... وربما هذا ما جعل اسحق رابين يقول في مذكراته: "ان اسهام كيسنجر في مساعدة اسرائيل هو قصة ستروى في المستقبل. وهو اسهام أكثر من المساعدات الاقتصادية والعسكرية بكثير". لأن اسحق رابين كان سفيراً لاسرائيل في واشنطن آنذاك.
6- ليس موضوع "أراضٍ" و"الأراضي" هو الالتباس الوحيد في القرار 242، فلقد أشرنا في كتابنا "قراءة جديدة للشرعية الدولية في موضوع النزاع العربي - الاسرائيلي ومدى تطبيقها في مشروع الرئيس كلينتون" الى أمور عدة في الأهمية ذاتها، منها القول ب"حدود آمنة ومعترف بها"، ما يعني ان الحدود القائمة قبل 5 حزيران 1967 ليست آمنة ومعترفاً بها، وبالتالي لا بد من ترسيم حدود جديدة بين الدولة العبرية والدول العربية في المفهوم الأميركي. وبناء عليه دعا الرئيس جيمي كارتر الى مؤتمر جنيف على أساس "اعادة معظم وليس كل الأراضي المحتلة الى الدول العربية المعنية".
وهكذا فعلت ادارة ريغان عندما أصرّت على أن لا اعتراف ولا تفاوض مع منظمة التحرير طالما لم تعترف بوجود اسرائيل وبالقرارين 242 و338 طبعاً "بالتفسير الصحيح" الأميركي، ثم أضافت اليهما شرطاً ثالثاً: نبذ الارهاب. ووصل الأمر بالرئيس رونالد ريغان الى حد التصريح بأمرين:
- ان أميركا تؤيد طلب اسرائيل اجراء تعديلات على حدود 1967 بصورة تضمن أمنها.
- ان المستوطنات في الأراضي المحتلة بعضها على الأقل تكتسب صفة "الشرعية".
وهكذا فإن الولايات المتحدة عارضت في شكل عام النشاط الاستيطاني في المناطق المحتلة عام 1967 باعتباره "عقبة في طريق السلام"، لكنها لم تعارض واقع الاستيطان في نقاط محددة مواقع جغرافية تعتبرها ضرورية لأمن اسرائيل. من هنا دعوتها الى اجراء تعديلات على حدود 1967 انطلاقاً من القرار 242 ما يؤمن لاسرائيل ما "تستحقه من حدود آمنة وقابلة للدفاع والتي يجب ان يتفق عليها في مفاوضات مباشرة بحيث تكون مقبولة من جيرانها".
7- في مؤتمر مدريد شدّد الرئيس جورج بوش الأب في افتتاحه المؤتمر على ان تحقيق السلام في المنطقة يتم "بالحلول الوسط والتنازلات المتبادلة". وقال: "لا أشير الى خريطة توضح أين هي الحدود النهائية بين اسرائيل والدول العربية ولكن الحل الوسط بالنسبة الى الأراضي أمر أساسي للسلام، ويجب ان تعكس الحدود نوعية الأمن ونقبل بكل ما يلبي المعيار المزدوج: العدل والأمن". واختصر الموقف الأميركي وربّما المشاعر الأميركية تجاه اسرائيل بهذه الكلمات: "الأمن لها والقبول بها. فالشعب الاسرائيلي يعيش في خوف منذ زمن بعيد وهو محاصر بعالم عربي لا يقبله. والآن حانت اللحظة المثالية كي يظهر العالم العربي ان مواقفه تغيّرت وانه مستعد للعيش في سلام مع اسرائيل والتسليم بحاجتها المعقولة الى الأمن".
8- وفي رسائل التطمينات التي أرسلها للمشاركين في مؤتمر مدريد إما شخصياً واما مع الرئيس غورباتشوف أكد على ما يأتي:
- ان المفاوضات بين اسرائيل والدول العربية تدور على أساس القرارين 242 و338 ولا وجود لإشارة الى القرار 194 المتعلق بموضوع اللاجئين وهذه مسألة أساسية.
- ان لإسرائيل الحق في تفسير قراري مجلس الأمن 242 و338 كما تريد.
- "ان الولايات المتحدة لم تبلور حتى الآن موقفاً نهائياً من مسألة الحدود، وعندما ستضطر الى ذلك فإنها ستولي وزناً كبيراً لموقف اسرائيل".
- انها ستضمن الحدود التي يتفق عليها مع كل الأطراف.
- انها لا تؤيد قيام دولة فلسطينية مستقلة.
- تحتفظ الولايات المتحدة لنفسها بالحق في اعلان مواقفها عند الحاجة.
9- الرئيس كلينتون كان أول الرؤساء الأميركيين وربما آخرهم الذي التزم إيجاد حل مفصّل ومتوازن للنزاع العربي - الاسرائيلي يتناول قضايا الحدود الأرض والأمن والقدس واللاجئين، مستفيداً من علاقاته الجيدة بالرئيس ياسر عرفات وبرئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك:
- انطلق من مبدأ قيام دولتين في فلسطين التاريخية: الدولة اليهودية، ودولة فلسطين وللتسميتين معنى مهم.
- يبنى هذا المبدأ على أساس الشرعية الدولية التي لا تقتصر على ما ورد في القرارات الدولية بالتباساتها ونقاشاتها بل على ما يتفق عليه الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي.
- يتم تعديل في حدود أو خطوط الهدنة لعام 1949 بضم تجمعات استيطانية كبرى الى اسرائيل في الضفة وذلك ضمن نسبة 3 في المئة فقط من مساحة الضفة. في المقابل يتم ضم أراض من اسرائيل الى القطاع منطقة حلوتساه بما يعادل هذه المساحة ويتم ذلك ضمن مبدأ تبادل الأراضي وليس الاستيلاء على الأراضي بالحرب بين اسرائيل والفلسطينيين!
- من المهم التذكير، ان مشروع كلينتون، او معادلة كلينتون، قصرت تبادل الأراضي على الحدود بين اسرائيل والضفة حول القدس شمالاً وجنوباً وليس في عمق الضفة كما سيقترح شارون وفي حدود دنيا من المساحة الجغرافية وهي المسماة في الأدب السياسي والديبلوماسي الغربي "تعديلات طفيفة على الحدود".
10- في موضوع اللاجئين تمسّك كلينتون بالصيغة القائلة ان دولة اسرائيل هي وطن للشعب اليهودي ودولة فلسطين هي وطن للشعب الفلسطيني. وكي تكون هاتان الدولتان قابلتين للحياة يجب منع اسرائيل من استعمال قدرتها الاقتصادية لخنق الدولة الفلسطينية كما يجب منع الدولة الفلسطينية من استعمال قدرتها الديموغرافية لخنق الدولة اليهودية. لكن المفاجأة الكبرى التي فجّرها مستشارو كلينتون، وشكّلت ادانة للفكر السياسي العربي طوال خمسين عاماً، وللفكر الفلسطيني تحديداً هي ان قرار الجمعية العامة الرقم 194 لا ينص على "حق العودة" في فقرته 11 بل ينص على "السماح بالعودة". وهو ما سميناه في مطلع هذه الدراسة "حمّى مرض التكرار" الذي لا يزال متفشياً. فالمطلوب، ليس نبذ حق العودة بل التوقف عن ارجاعه الى القرار 194 كشرعية دولية وهو ليس موجوداً فيه!
في ضوء ذلك تناول مشروع كلينتون مصير اللاجئين بتوطينهم في خمسة مواطن:
- دولة فلسطين الجديدة.
- الأراضي التي ستنقل من اسرائيل الى دولة فلسطين مقابل المستوطنات.
- قسم في بعض الدول المضيفة.
- قسم رابع في دول ثالثة مستعدة لقبول هجرتهم اليها.
- قسم أخير وقليل الى الدولة اليهودية لمّ شمل العائلات.
مع استعداد الولايات المتحدة لبذل جهد دولي ومالي واقتصادي لتحقيق هذا الهدف.
ثانياً: ملاحظات أساسية حول رسالة بوش الى شارون.
أ - تشدد الرسالة على رؤية بوش التي عرضها في 24 حزيران 2002 وتتضمن قيام دولتين تعيشان جنباً الى جنب في سلام كمدخل الى "خريطة الطريق".
ب - تؤكد ضرورة وقف الارهاب وان تقوم قيادة منظمة التحرير والمؤسسات الفلسطينية بذلك كمرحلة أولى، واجراء "اصلاح سياسي شامل وجذري يتضمن ديموقراطية برلمانية قوية ورئيس وزراء بصلاحيات واسعة".
ج - كما يؤكد الالتزام الراسخ والتاريخي بأمن اسرائيل في حدود آمنة يمكن الدفاع عنها وتقوية قدراتها الردعية.
د - شرعنة الاجراءات الاسرائيلية ضد المنظمات الارهابية.
ه - توطين اللاجئين في دولة فلسطين وليس في اسرائيل.
و - بخصوص الحدود: ان تحصل اسرائيل على حدود آمنة ومعترف بها دولياً طبقاً للقرارين 242 و338 أخذاً في الاعتبار "الوقائع على الأرض ومن ضمن ذلك المراكز السكانية الاسرائيلية الرئيسية القائمة"، ما يعني عدم "العودة الكاملة والشاملة الى خطوط هدنة 1949"، وهي النتيجة التي توصلت اليها كل الجهود السابقة للتفاوض على حل الدولتين، "ولا وصول الى اتفاق على الوضع النهائي الا على أساس تغييرات متبادلة متفق عليها تعكس هذه الوقائع".
ز - ان الجدار الفاصل هو خط أمني وليس سياسياً وهو موقت وليس دائماً.
ح - مع دولة فلسطينية قادرة على البقاء ومتواصلة جغرافياً وسيدة ومستقلة تحكمها مؤسسات ديموقراطية.
ط - قاعدة التسوية بين الفلسطينيين والاسرائيليين هي قاعدة تفاوضية قائمة على أربعة أعمدة تحقق السلام: بناء المؤسسات ومحاربة الارهاب، وقطع المساعدات عن الارهابيين وتطبيع العلاقات مع اسرائيل.
من الواضح أن كلينتون سبق بوش إلى طرح مبدأ الدولتين في فلسطين التاريخية والى أمور كثيرة وردت في الرسالة الى حد جعل الوزير الاسرائيلي السابق شلومو بن عامي يقول: "لقد سرقوا براءة الاختراع منا". وهو يقصد ان ما فعله بوش ليس سوى تطبيق وتظهير مشروع كلينتون والذين ساهموا فيه وقبلوه في زمن باراك، ومنهم شلومو بن عامي نفسه. ومع ذلك هناك فارق في الدقة بخصوص الدولتين. فمشروع كلينتون يتحدث عن "دولة فلسطين" وليس عن "الدولة الفلسطينية" كما ورد في رسالة بوش. والذين يجيدون الخلفيات اللغوية والتاريخية يفهمون بدقة الفارق المقصود بين التعبيرين.
ويبدو واضحاً من الرسالة ان المطلوب هو تحجيم دور عرفات على الساحة الفلسطينية من خلال المؤسسات الرسمية بعد ان استحال على أميركا ازاحته بأساليب أخرى.
أما النظرة الأميركية الى حدود اسرائيل العرب فمرت بأربع مراحل:
- ضرورة تعديل خطوط الهدنة لعام 1949 "بأراضٍ محتلة".
- ضرورة ان يتم هذا التعديل عبر المفاوضات: الحل الوسط والتنازل.
- ضرورة التفاوض والتبادل للأراضي.
- ضرورة الاعتراف بالأمر الواقع اي التجمعات السكانية الاستيطانية كجزء من الدولة العبرية.
كان كلينتون في مشروعه قد فاوض الجانبين على خمس مستوطنات واقعة كلها على مناطق الحدود بين الجانبين: غوش اتسيدن ومعالي ادوميم وجيفات زائيف وآرييل واللطرون. لكن شارون أضاف كريات أربع وثانية داخل مدينة الخليل واعتبر اللطرون تحصيل حاصل. وبهذا نقل موقع الاستيطان والضم من الحدود بين الدولتين الى داخل الدولة الفلسطينية في الخليل وجوارها. كما ان المساحة المقتطعة لم تحدد لا في رسالة شارون ولا في الجواب الأميركي عليها. وفي كل ذلك كان موضوع التفاوض بمثابة طربوش لشرعنة التغيير وكان ترداد تعبير "خريطة الطريق" بمثابة جرعة للرأي العام.
لقد حصر بوش عودة اللاجئين بالدولة الفلسطينية فقط وليس بخمسة مواطن كما حددها كلينتون، وأعطت الرسالة شرعية لاستمرار بناء الجدار ضمن الموقت والأمني مع الأخذ في الاعتبار معطيات انسانية واخلاقية تتعلق بالفلسطينيين.
يبقى سؤال مشروع، وهو: لماذا أقدم الرئيس بوش على تظهير الموقف الأميركي بهذا الوضوح في مسألتي الحدود واللاجئين؟
هناك من يقول انها أحداث 11 أيلول التي فرضت هذه الحدة في الموقف الأميركي. وهناك من يراهن على معركة الانتخابات الرئاسية في أميركا التي شاء بوش ان يستغل اللوبي الصهيوني فيها. ومع صحة هذين الطرحين، هناك سبب ثالث لعله أهمها، وهو فشل محادثات طابا في عهد الرئيس كلينتون. فهذا الفشل أدخل في روع الاسرائيليين والأميركيين: ان لا مفاوض جاداً على الجانب الفلسطيني، وان الفلسطينيين يرفضون اسقاط عرفات، وان عرفات لم يقبل بما عرض عليه آنذاك. وهو ما يصفه روبرت مالي، مستشار كلينتون، بالقول: "لقد ارتكبت القيادة الفلسطينية أخطاء استراتيجية كثيرة وكارثية" ساعدت شارون والاسرائيليين والأميركيين على الوصول الى شبه قناعة خطيرة جداً، ومكلفة جداً وهي ان هدف الفلسطينيين النهائي والحقيقي هو تدمير اسرائيل. وقبل سقوط باراك "نصح الأميركيون الفلسطينيين بعقد صفقة سريعاً والا سيواجهون حكومة من الليكود". وازاء هذه القناعة لدى الأميركيين انتقلوا من موقع الوسيط الى موقع الشريك الكامل، وكشفوا علانية ما كانوا يضمرونه منذ ثلث قرن وأكثر.
في الخلاصة، ان ما حصل هو مسار طبيعي في السياسة الأميركية. فبوش مجرد مترجم لكلينتون، وشارون هو مجرد مترجم لباراك حتى ولو كان كلينتون ديموقراطياً وباراك عمالياً. فشارون كاستراتيجي وتكتيكي ناجح عسكرياً، استفاد من المناسبة للحصول على التزام أميركي تجاه اسرائيل غير مسبوق وإن لم يكن جديداً او مستغرباً. فأميركا لم تقل يوماً انها مع الخط الأخضر او خط الهدنة لعام 1949 او خط الرابع من حزيران او حدود 1967. لقد طرحت دائماً مبدأ الحدود الآمنة والمعترف بها لإسرائيل على قاعدة التفاوض ثم على قاعدة التبادل ثم على قاعدة التحديد مع بوش دونما اهمال لمبدأ التفاوض بين الجانبين، وهو ما يضعف الموقف العربي حين يصبح "الوسيط النزيه" محسوباً على أحد جانبي الصراع. على ان خطورة طرح بوش تكمن أكثر في تعميم الطروحات من دون ان يحدّد بالأرقام والنسب مساحة ونسبة هذه المراكز السكانية الاسرائيلية الرئيسية المقامة، كما فعل كلينتون حدود 3 في المئة. والأخطر من ذلك، حتى بوجود "تغييرات متبادلة متفق عليها" كما يقول بوش مشيراً بذلك الى تبادل الأراضي، فإن القبول بمستوطنتي كريات أربع والخليل يضع حدود اسرائيل في قلب الجنوب لدولة فلسطين وليس على حدودها. وهذا يفتح الباب أمام صراعات مكشوفة.
... ويبقي على الجغرافيا الحاكم الأبرز للتاريخ!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.