أكثر من أي وقت مضى يبدو آرييل شارون في صورة من لا يملك حلاً. صحيح ان الجيش الاسرائيلي هو الأقوى في المنطقة، لكن الصحيح ايضاً هو ان هذه الآلة العسكرية الضاربة غير قادرة على حسم الصراع المفتوح. كانت الصورة مختلفة بالتأكيد لو كان على شارون ان يواجه نزاعاً حدودياً. في مثل هذا النزاع مع دولة مجاورة يملك الجيش الاسرائيلي القدرة على توجيه الضربات القاصمة وحسم مصير الحرب، لكن ما تواجهه اسرائيل يختلف تماماً عن الحروب العربية - الاسرائيلية السابقة. انه صراع يومي مفتوح مع كل قرية وعند كل منعطف وعلى حدود كل مستوطنة وعند الخط الأخضر وداخل الأراضي المحتلة عام 1948. لو كانت قوة الانتفاضة الفلسطينية ناجمة عن دعم خارجي لتمكن شارون من قطع خطوط الإمداد والدعم. مشكلة اسرائيل هي انها تخوض مواجهة مع شعب كامل. مع شعب يتداخل انتشاره السكاني مع "مدنها وقراها" فضلاً عن المستوطنات التي زرعتها على أرض ذلك الشعب. ومشكلتها ان الانتحاريين الفلسطينيين ومنفذي العمليات الاستشهادية ليسوا مجرد حفنة يمكن شطبها أو تطويقها. فمشاعر اليأس تراكمت الى حد جعل الفلسطينيين يملكون نهراً من الانتحاريين. وأمام وضع من هذا النوع لا يملك الجنرالات حلاً. تستطيع الطائرات الاسرائيلية قصف أي مكان في الضفة وغزة. تستطيع تدمير كل المقرات التابعة للسلطة الفلسطينية. وتستطيع ايضاً محاصرة الرئيس ياسر عرفات. لكن اسرائيل لا تستطيع منع فلسطينيين من الانتحار. المسألة اليوم تتخطى فشل شارون في إعادة فرض الأمن كما وعد ناخبيه. فالانتفاضة تكاد تنجح للمرة الأولى في هز الكيان الاسرائيلي نفسه. هز ثقة الجيش الاسرائيلي في قدرته على العودة منتصراً دائماً من أي مواجهة. وهزّ ثقة الاسرائيليين بجيشهم وبكبار الجنرالات المقيمين في قيادة الأركان أو في المقاعد الحكومية. وهزّ ثقة المستوطنين بما اعتبروه قلاعاً لا يستطيع الفلسطينيون اختراقها. وهزّ ثقة الاسرائيلي العادي داخل أراضي 1948 بأنه بمنأى عن المواجهة اليومية مع الانتفاضة. هكذا تجد اسرائيل نفسها أمام خيارات صعبة. لم يعد سراً ان الضغط على الرئيس الفلسطيني لا يكفي لوقف الانتفاضة سواء جاء الضغط عسكرياً من اسرائيل أم ديبلوماسياً من الولاياتالمتحدة. ولم يعد سراً ان السبيل الوحيد لإنهاء الانتفاضة هو انهاء الاحتلال وتقديم تنازلات أكثر إيلاماً من "التنازلات المؤلمة" التي يشير اليها المسؤولون الاسرائيليون في اطار الحديث عن السلام والصعوبات والثمن. ارييل شارون ليس بالتأكيد الشريك المناسب للبحث في السلام. فهذا الجنرال الذي بنى رصيده على القمع الوحشي للفلسطينيين ليس بالتأكيد الشخص المناسب لاتخاذ قرار الانسحاب وتفكيك المستوطنات خصوصاً في الضفة. شارون عكس ذلك تماماً. انه ممثل أخطر محاولة لمنع الوصول الى "التنازلات المؤلمة". وهنا يكمن المأزق الحالي. ويزيد من المأزق ان حزب العمل لا يبدو موحداً أو قادراً على الرجوع فائزاً من أي انتخابات قريبة. وكل ما يحمله الوضع الحالي اشارات الى ان بنيامين نتانياهو هو البديل المحتمل اذا تخلى الناخبون عن شارون. ولا شيء يشير الى ان اقامة نتانياهو خارج رئاسة الحكومة غيرت قناعاته أو نهجه. في ظل هذه المعطيات تبدو المواجهة الفلسطينية - الاسرائيلية مفتوحة على مزيد من الفصول الدامية التي لا يمكن وقفها بمجرد حصول تدخل اميركي. ربما لهذا السبب وفي ضوء الاخطار المحدقة بالشعب الفلسطيني يتعين على القمة العربية في بيروت اتخاذ موقف يساعد على ايقاظ الدور الاميركي والتدخل الدولي وتوفير مناخ يلجم آلة الحرب الاسرائيلية. ولعل ملامح الموقف الممكن آخذة في التبلور بعدما كشف ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ملامح الخطاب الذي كان ينوي إلقاءه في القمة العربية وجمده بسبب تصعيد شارون. وجوهر الخطاب يقوم على استعداد العرب لدفع ثمن أي سلام حقيقي يتضمن انسحاباً كاملاًَ يشمل القدس. وأغلب الظن ان موقفاً عربياً من هذا النوع يشكل أفضل هجوم ديبلوماسي لوقف التدهور وتمكين الشعب الفلسطيني من قطف ثمار الانتفاضة حتى ولو كان الثمن تطبيع العلاقات العربية - الاسرائيلية في اطار سلام يستحق التسمية