يعرف ارييل شارون أنه غير قادر على اقناع الفلسطينيين. فالحد الأدنى الضروري لاقناعهم يتجاوز بكثير ما هو على استعداد لتقديمه. ويعرف في الوقت نفسه ان العودة الى طاولة المفاوضات ستشكل امتحاناً قاسياً له ولتماسك حكومته وللعلاقات الأميركية - الاسرائيلية أيضاً. ولعل شارون يدرك أن ما لا يستطيع ياسر عرفات قبوله وتحمل تبعاته لن يجرؤ أي فلسطيني آخر على قبوله. وهو يدرك بالتأكيد ان اسرائيل عاجزة عن ايجاد بديل فلسطيني يفرط بثوابت النضال الذي قادته منظمة التحرير على مدار عقود. مثل هذه الرهانات ولّى الى غير رجعة. لهذا يبدو شارون في صورة من يراهن على دفع الفلسطينيين الى اليأس. اليأس من قدرتهم على إرغام اسرائيل على القبول بسلام معقول. واليأس من رهانهم على دور أميركي يلزم اسرائيل بتقديم التنازلات الضرورية للوصول الى صيغة سلام يستطيع الجانب الفلسطيني قبولها. واليأس من أي دور محتمل للأمم المتحدة والمجموعة الأوروبية في المساعدة في توفير المناخات الضرورية للتقدم نحو سلام يقترب من المواصفات المتضمنة في قرارات الشرعية الدولية. انه ارتباك الصورة الناجم عن غياب قرار فعلي بإبرام السلام والرفض الواضح لاتخاذ القرارات المؤلمة التي لا بد منها. قرارات تحتم التنازل عن أراض وتفكيك مستوطنات وتفكيك أوهام. صحيح ان شارون سيغتبط غداً لو غاب ما يسميه "العنف". أي لو اتخذ عرفات قراراً بوقف الانتفاضة أو سعى بشكل ميداني حاسم في هذا الاتجاه. وسيكون باستطاعة شارون في مثل هذه الحال ان يقول للاسرائيليين انه وفى بوعده بضمان أمنهم. لكن هذا الهدوء سرعان ما سيبدو محملا بالألغام. فالهدوء يعني العودة الى المفاوضات سواء من النقطة التي توقفت عندها أو من التفاهمات التي سبقتها. وهذه العودة قد تكون أشد وطأة على شارون من التفجيرات. ربما لهذا السبب بالذات يراهن رئيس الوزراء الاسرائيلي على الورقة التي تم التلويح بها بأشكال مختلفة، ورقة توجيه "ضربة قاصمة" الى السلطة الفلسطينية. فعبر شطب وجود السلطة وفاعليتها يراهن صقور السياسة والأمن في اسرائيل على تغييب المفاوض الفلسطيني الذي يتمتع بشرعية دولية. وربما لهذا السبب يجري الحديث عن تغييب ياسر عرفات. فالرئيس الفلسطيني، وعلى رغم الانتقادات التي توجه الى أدائه في السلطة، هو الرجل الذي نجح في قيادة معركة طويلة الأمد هي معركة إبقاء القضية الفلسطينية حية ومطروحة ومتحركة. وليس أدل على ذلك من أن عرفات الذي أرغم على الخروج من بيروت تحت وطأة حصار شارون في 1982، يقيم اليوم على أرض فلسطينية، وهو قادر ليس فقط على تهديد المستوطنات والمستوطنين بل أيضاً أمن العمق الاسرائيلي. وعلى الجانب الفلسطيني لا تبدو الخيارات بسيطة أو سهلة. فعرفات يعرف ما يعرفه شارون وهو أن تقرير ميتشل ليس حلاً سحرياً أو كافياً. كما يعرف عرفات ان الاستمرار في الانتفاضة من دون القدرة على توفير ضغط أميركي ودولي يلجم شارون هو عمل مفتوح على مخاطر جدية. ويعرف أيضاً ان وقف العنف، أي انهاء الانتفاضة أو تعليقها، من دون أمل بتقدم في المفاوضات هو أيضاً عمل مفتوح على المخاطر. هكذا يبدو المأزق عميقاً وخطيراً في منطقة لا تعوزها أصلاً مشاعر القلق والاحباط. وهكذا يبدو أيضاً ان الولاياتالمتحدة هي الطرف الوحيد القادر على محاولة لجم الانزلاق الى الانهيار الكامل لحسابات التفاوض والسلام. وانطلاقاً من حجم الدور الأميركي في العالم وخصوصية العلاقة الأميركية - الاسرائيلية - يمكن القول ان اسرائيل شنت هجوماً ديبلوماسياً واسعاً لتعطيل أي توجه لدى إدارة جورج بوش للتدخل الفعلي في المنطقة أو للتوجه نحو موقف متوازن أو أقل انحيازاً الى اسرائيل. واضح ان الادارة الأميركية الحالية لا تريد احراق اصابعها في الملف الفلسطيني - الاسرائيلي ولا تريد تكرار تجربة ادارة الرئيس بيل كلينتون. لكن الواضح أيضاً هو أن غياب الدور الأميركي النشط سيسهل الانزلاق نحو انهيار واسع يلحق الضرر بمصالح الولاياتالمتحدة ويجعل نار النزاع تتخطى مسرحها الحالي. لا مفر من دور اميركي يعيد توزيع الضمانات ويرمم آمال التفاوض على حل معقول ومقبول وهو دور يحتم قدراً من الصدام مع شارون وبرنامجه. وهذا الدور يبدأ بقرار منع الانهيار.