حجم محفظة "كفالة" 24 مليار ريال واجمالي التمويل 279 مليار ريال    موعد مباراة الهلال والطائي..والقنوات الناقلة    عرض سعودي يقرب ماكسيمان من الرحيل عن الأهلي    الشباب يتوصل لاتفاق مع لاعب بنفيكا رافا سيلفا    حرس الحدود يحبط تهريب 295 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    استمرار هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    القضاء على الفقر وليس القضاء على الفقراء    الولايات المتحدة الامريكية تقدم التعازي في وفاة الرئيس الإيراني    مصر.. القبض على فنان شهير بتهمة دهس امرأتين    مركز التطوع بوزارة الصحة يكرّم صحة عسير ممثلةً في إدارة التطوع الصحي    الأمير خالد بن سطام مساء اليوم يفتتح معرض صنع في عسير    مطار الرياض يفوز بجائزة أفضل مطار بالمملكة    رسميًا.. الاتحاد يعلن رحيل رومارينهو وغروهي    أبل تخطط لإضافة الذكاء الاصطناعي للإشعارات    6.7 مليار دولار مساعدات سعودية ل 99 دولة    الاتحاد بطلاً لهوكي الغربية    عودة الصور المحذوفة تصدم مستخدمي «آيفون» !    6.41 مليون برميل صادرات السعودية من النفط    أمير منطقة تبوك ونائبه يواسيان النبهاني في وفاة والدته    «الموارد»: دعم أكثر من 12 ألف مواطن ومواطنة بالشرقية    القوات المسلحة تواصل تمرين «الأسد المتأهب 2024»    أمير الجوف يعزّي أسرة الحموان    استقبال حافل ل «علماء المستقبل».. أبطال «ISEF»    5 فوائد للمشي اليومي    مجموعة الدكتور سليمان الحبيب تحصل على اعتماد برنامج زمالة جراحات السمنة    القيادة تعزي في وفاة رئيس إيران ومرافقيه    أسرة بن مخاشن تستقبل المواسين في مريم    معابر مغلقة ومجازر متواصلة    وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان يكرم البواني لرعايتها منتدى المشاريع المستقبلية    في الرياضة.. انتظار الحقائق والتطوير    المسألةُ اليهوديةُ مجدداً    واتساب يختبر ميزة تلوين فقاعات الدردشة    طموحنا عنان السماء    فراق زارعة الفرح    أمير القصيم يكرم «براعم» القرآن الكريم    10522 خريجًا وخريجة في مختلف التخصصات.. نائب أمير مكة المكرمة يشرف حفل التخرج بجامعة جدة    مكعّب روبيك.. الطفل العبقري    خادم الحرمين الشريفين يخضع لبرنامج علاجي    8 مواجهات في الجولة قبل الأخيرة لدوري" يلو".. " الخلود والعروبة والعربي والعدالة" للمحافظة على آمال الصعود    إجازة لمكافحة التعاسة    ابحث عن قيمتك الحقيقية    لجين تتألق شعراً    مواجهة الظلام    مبادرة الأديب العطوي    نائب أمير جازان يكرم متفوقي التعليم    ما الذي علينا فعله تجاه أنفسنا ؟!    زلة الحبيب    وقتك من ذهب    لا عذر لخائن    تسهيل وصول أمتعة الحجاج لمقار سكنهم    العجب    أنديتنا وبرنامج الاستقطاب    علاقة معقدة بين ارتفاع ضغط الدم والصحة النفسية    الحامل و الركود الصفراوي    أخصائية تغذية: وصايا لتجنب التسمم الغذائي في الحج    خرج من «البحر» وهو أصغر بعشر سنوات    أمير الرياض يرعى حفل تخرج طلبة الجامعة السعودية الإلكترونية    القيادة تعزّي دولة رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة السيد محمد مخبر في وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



4 مواد متفجرة في المشروع الفيديرالي سيناريوهات اكراد العراق لإطاحة صدام
نشر في الحياة يوم 02 - 12 - 2002

لم يسبق أبداً لحدائق سار شينار ومنزلقات جبل آزمار أن استقبلت مثل هذه الأعداد من الأسر الكردية التي انتهزت فرصة عطلة نهاية الأسبوع كي تهرب من حر السليمانية. وها هنَّ النساء الكرديات بثيابهن ذات الألوان الغامقة، يجلسن على الأرض أو حول طاولات المطاعم يشوين أسياخ اللحوم أو يفككن أسار صحون الطعام المطبوخ في المنازل. وها هن النساء يختلطن بالرجال المرتدين الثياب التقليدية بما في ذلك العمامات والسراويل المنتفخة والأحزمة الملفوفة بكثافة من حول الخصور، وهن يستمعن الى آخر شرائط مغني العواطف الكردي عمر ديزئي، أو يرتجلن معاً أغنية أكثر تقليدية يرددها وراءهن الحضور، فيما ألوف الأطفال يتراكضون هنا وهناك. انه الجمهور الكردي يستفيد الى أقصى الحدود من طراوة آخر الليل، غافل تماماً عما يمكن له أن يهدد لامبالاته أو سعادته.
خلال استقباله، في منتصف شهر أيلول سبتمبر الماضي، في السليمانية، قادة خمسة من الأحزاب الكردية الصغيرة المتحالفة مع الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه، رسم جلال طالباني صورة مطمئنة للزيارة التي كان قام بها الى واشنطن برفقة وفد من المعارضة العراقية، قائلاً ان كبار المسؤولين الأميركيين الذين التقوهم، باستثناء الرئيس جورج بوش، أكدوا لهم عزمهم على توطيد نظام ديموقراطي في العراق، وعدم ابدال ديكتاتور بديكتاتور آخر: "نحن لن نرسل فتياننا يقاتلون في العراق من أجل احلال ديكتاتور آخر محل صدام حسين"، قال ديك تشيني لأعضاء الوفد العراقي المعارض.
مسعود بارزاني، رئيس الحزب الديموقراطي الكردستاني، لم يزر واشنطن مع الوفد. وقيل في أوساطه ان الاستنكاف عن الزيارة نتج، نظرياً، عن عدم رغبة بارزاني في استخدام مروحية تركية كي توصله الى قاعدة انجرليك، حيث كانت تنتظره طائرة أميركية. أما الأكثر ترجيحاً فهو ان مسعود لم يكن يرغب في أن يوضع على قدم المساواة مع بعض قادة المعارضة الذين لا يرى فيهم أكثر من "كومبارس". ومهما كانت الأسباب الحقيقية التي وقفت خلف استنكافه، فبارزاني، الذي كان سبق للأميركيين أن غدروا به مرات عدة في العام 1975 وفي العام 1991 حرص على أن يمثله في واشنطن هوشيار زيباري مستشاره الديبلوماسي. بيد انه في الوقت نفسه أعلن أنه راض عن المحادثات التي دارت في واشنطن، وهو أكد لنا، خلال لقاء معه في مكتبه في سره راش ان "كل شيء يتم، هذه المرة، علناً. وحين يلتقي نائب الرئيس الأميركي المعارضة العراقية علناً، وحين يدلي بالتصريحات التي أدلى بها، وحين يتعهد التعهدات التي أبداها، كيف يمكننا ان نفكر للحظة أن الأمور ليست جدية؟".
"كردستان حرة"
والحال ان جلال طالباني يؤكد قائلاً إن "القادة الأميركيين لم يقولوا له كيف أو متى سيغيرون النظام: فهم حتى الآن لا يزالون يناقشون عدداً من الخيارات". وطالباني، خلال لقاء طويل أجريناه معه في مقره العام في قلعة شعلان، رغب في أن يذكرنا بأنه "ماركسي سابق"، وانه بهذه الصفة "أرى الأمور دائماً من وجهتيها، السلبية والايجابية: فنحن نعيش تحت تهديد النظام العراقي، ولكن من الناحية الايجابية، نحن نعرف أننا نتمتع بحماية الولايات المتحدة".
بالنسبة الى الأربعة ملايين كردي الذين يعيشون في "كردستان الحرة"، المستقلة، كأمر واقع، عن بغداد، والتي تديرها "حكومتان" كرديتان، الأولى في اربيل والثانية في السليمانية، من الواضح ان الحماية الأميركية التي يؤمنها الطيران الأميركي والبريطاني المتمركز في قاعدة انجرليك في تركيا، حماية حيوية للغاية. والأكراد جميعهم يعرفون أنه من دون هذه الحماية، تستطيع القوات العراقية، بدباباتها ومروحياتها، أن تغزو كردستان وتطرد أهلها لا سيما رجال البيشمركة، خلال ساعات، الى ما وراء الحدود التركية والايرانية مكررة فاجعة خروج العام 1991.
إن الأكراد يعرفون انهم الهدف الأكثر سهولة، والأقل تمتعاً بالدفاع، أمام ضروب انتقام يمكن ان يمارسها صدام حسين: والسيناريو الكارثي الذي يهجسون به هو ذاك الذي يتضمن قصفاً لمدن كردستان الكبرى، تستخدم خلاله قذائف وصواريخ محملة بالغازات الكيماوية والبيولوجية. وهم ازاء هذا، يتساءلون: ترى هل سيعمد صدام حسين، الذي يملك عدداً ولو محدوداً من هذه القذائف، الى اختيارات ذات اعتبارات استراتيجية، فيهاجم الكويت واسرائيل؟ أم انه سيستجيب، وبكل بساطة، لرغبته في الثأر فيهاجم الأكراد؟ وهل سيقدم على هذا قبل ان ينخرط الأكراد كلياً في شكل فعال الى جانب الأميركيين، في اطار عمليات احترازية؟ أو بعد ذلك؟
من هنا، فإن هذا كان أول سؤال طرحه الأكراد على الأميركيين، وحتى قبل أن يفكروا بالمشاركة في عملية ضد صدام حسين. ويقول برهم صالح، رئيس حكومة السليمانية الاتحاد الوطني الكردستاني، إن رسالة ناظر الخارجية الأميركية كولن باول التي جاءت لتطمئن الأكراد الى ان الولايات المتحدة "سترد بشكل أكيد وحازم" على أي هجوم عراقي، تعتبر ضمانة كافية. لكن صالح أشار، خلال ندوة في واشنطن، إلى انه ليس راضٍ تماماً عن جواب باول الذي أتى "غامضاً في ما يتعلق بطبيعة الرد، مكتفياً بالقول إن رد واشنطن سيكون في المكان والساعة اللذين تختارهما. ومن المؤكد ان جواباً من هذا النوع يبدو أقل دقة بكثير من أن يطمئن الأكراد... فالأكراد لا يرغبون في انتظار مقتل بضعة ألوف منهم قبل أن تتحرك واشنطن".
وفي المقابل، يعدد مستشار عسكري لمسعود بارزاني، السمات المتعددة التي يمكن ان ترتديها حماية أميركية حقيقية قائلاً: "لو كان الأميركيون جادين لكان جرى الحديث عن تزويدنا بأربعة ملايين قناع واق من الغاز، فالأميركيون زودوا، الاسرائيليين بسبعة ملايين قناع، ولكانوا ركزوا صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ، ولكانوا بعد ذلك، زودونا بصواريخ أرض - جو من نوع ستريلا أو غيره وبصواريخ مضادة للمدرعات من نوع تاو أو صقر يمكن ان يديرها جنود تابعون للقوات الخاصة الأميركية، ان كانت واشنطن غير راغبة في فقدان الرقابة عليها".
غير ان رجل الشارع الكردي لديه اهتمامات أكثر عملية وواقعية من هذه: "لا تنسوا، قال لنا زعيم قبيلة كردي، ان كردستان الحرة هي اليوم أشبه بمخيم لاجئين كبير، والناس يعتمدون لبقائهم على الحصص الغذائية التي توزع في اطار تطبيق القرار 986 الصادر عن الأمم المتحدة النفط مقابل الغداء". أما قلق الناس الأكبر فهو في التساؤل: ماذا سيكون حال حصصنا التموينية، ومن سيوزعه وكيف؟ وهو قلق يشاطرهم اياه عدد من قادة الحزب الديموقراطي الذي قال أحدهم: "يجب ان تكون هناك خطة إنسانية ملحة"، ان الناس سيجوعون، فمن سيغذيهم؟ ولنذكر هنا ان الصليب الأحمر، الواعي لخطورة الوضع، يدرس منذ فترة الأساليب الممكنة لاستقبال عشرات بل مئات الألوف من اللاجئين في البلدان المجاورة، بما فيها سورية.
الموقف من بغداد
إن كل القادة الأكراد مقتنعون بأن صدام حسين بطل لا يشق له غبار في فن البقاء سياسياً، وهو ما أكده، أخيراً، عبر دعوته مفتشي الأمم المتحدة، للعودة الى العراق. ويرى هؤلاء القادة انه قادر على اتخاذ مبادرة جديدة من شأنها ان تقسم صفوف الأكراد مرة أخرى، مبعداً اياهم عن الأميركيين، وهو، في هذا الاطار، يبدو قادراً على المبادرة عبر القبول بالتفاوض مع الأكراد على أساس وضعية فيديرالية، وهي الوضعية التي يحاول الأكراد جعل المعارضة العراقية. والأميركيين يقبلون بها "وسيكون هذا، بالنسبة الى صدام حسين طريقة لاختيار موقفنا: هل نحن حياديون يا ترى؟"، يلاحظ قائد من زعماء الحزب الديموقراطي الكردستاني مضيفاً: "إذا رفضنا الحوار سيكون في امكان صدام حسين ان يوقف امداد المنطقة الكردية بالوقود، ما يعني الفوضى والشلل التام خلال ثلاثة أيام...".
إنه أمر غالباً ما يُنسى في هذه الأيام، مع أنه واقع لا ينبغي نسيانه أبداً: ان "كردستان الحرة" المستقلة كأمر واقع، تقيم علاقات "تقنية" مثيرة للعجب مع الحكومة العراقية المركزية، وتعتمد كلياً على بغداد للحصول على ما يلزمها من البنزين والفيول حيث أن آبار كركوك النفطية لا تخضع لسيطرة الأكراد، وجزئياً للحصول على الطاقة الكهربائية. ولنذكر هنا انه حين أدلى طالباني، في واشنطن، بتصريحات صاخبة وافق فيها على عمليات انزال أميركي محتمل في كردستان، كان رد فعل بغداد سريعاً: أوقفت بعد ذلك بأربع ساعات شحنات الوقود، ولم تستأنفها إلا بعد أربع وعشرين ساعة، أي كان لديها ما يكفي من الوقت لاثارة الخوف في أوصال كردستان كلها "إذن، سيكون علينا ان نقول دائماً اننا لسنا أبداً ضد الحوار" يستنتج هذا القائد الكردي ويضيف: "ولكن قبل ذلك سيتوجب علينا ان نستشير أصدقاءنا وحلفاءنا".
منذ ذلك الحين، وإذ أصبح طالباني مدركاً للخطر الذي قد ينتج عن أي موقف استفزازي يتخذ، صار يبدي بعض الحذر في تصريحاته مكرراً: "ان علينا ان نكون حذرين" و"نحن لن نكون حصان طروادة"، لكنه في الوقت نفسه يقول: "يجب علينا، مع هذا، أن نسمح لأنفسنا بدرجة معينة من المجازفة" و"لن يكون في وسعنا ان نحرر بلادنا ونحن جالسون مرتاحين في مقاعدنا... يتوجب علينا ان نكون مستعدين لدفع الثمن: ولسنا خائفين". وهو لا يخفي في خضم هذا كله غيظه ازاء موقف فرنسا التي تقف منذ فترة طويلة عقبة كأداء في وجه مشاريع الرئيس بوش العسكرية.
المساهمة الكردية في تحرير العراق
ولكن أي دور عسكري يمكن للأكراد الاضطلاع به في الحرب المحتملة؟
يدرك الأكراد، جميع الأكراد، أنهم، حتى بمساعدة فعالة من القوى المعارضة الأخرى مجتمعة، لن يكون في وسعهم ان يفعلوا الشيء الكثير ضد نظام صدام حسين. وعن هذا يقول بارزاني دائماً: "ان المعارضة العراقية لا يمكنها ان تغير النظام".
وهذا العجز الواضح لدى المعارضة العراقية في وجه نظام صدام حسين، هو الذي يفسر السبب الذي يجعل العديد من القوى المكونة لها، ترحب برغبة الأميركيين في التخلص من نظام صدام، ويتفرد في موقفه هنا، الحزب الشيوعي المعارض للحرب، الذي يصرح أمينه العام حميد مجيد موسى، مع هذا، بقوله أن "ليس ثمة أية وسيلة أخرى للتخلص من صدام حسين، من دون الولايات المتحدة، حتى ولو كان هذا سيخلق مشاكل كثيرة لشعبنا". وكذلك يتفرد موقف حزب "الدعوة" الإسلامي الذي يعترف عضو مكتبه السياسي جواد المالكي بأن كل الجهود التي بذلت حتى اليوم لاسقاط صدام حسين أخفقت.
إذا كان أول السيناريوات التي يدرسها الأميركيون، ويقوم على عملية هجومية كثيفة بواسطة جيش من 250 ألف جندي، يستبعد أي دور للأكراد الذين يصفون مثل هذه العملية بأنها "غزو"، فإن السيناريوين الآخرين - عملية متوسطة بواسطة 60 ألف جندي، أو انقلاب عسكري، يتركان مكاناً لمساهمة كردية ما. وفي مثل هذه الحال ما الذي سيكونه هدف عشرات الألوف من رجال البيشمركة التابعين للحزب الديموقراطي وللاتحاد الوطني وبقية التنظيمات الكردية، كركوك وبترولها؟ الموصل، عاصمة الشمال الكبرى وثاني مدن العراق؟
في أوساط الاتحاد الوطني، كما في أوساط الحزب الديموقراطي، يتمسك بعض القادة بفكرة أخرى مثيرة، "ان لدينا روزنامة تطاول كل الامكانات" كما يؤكد كوسرت رسول، الرئيس السابق لحكومة السليمانية الاتحاد الوطني والذي يتمتع بمزايا عسكرية يعترف له بها الجميع: "اننا نريد ان نكون ذوي حضور في حكومة بغداد... فإذا تمتعنا بغطاء جوي أميركي، وبدعم من المدفعية، سيكون في امكاننا السيطرة على بغداد. والجغرافيا تقف هنا الى جانبنا، فانطلاقاً من كلار وكفري، نحن لا نبعد عن بغداد سوى ساعة ونصف ساعة أو ساعتين".
من الناحية التقنية، من المؤكد ان عملية هجومية على كركوك، لا يمكن اعتبارها صعبة على الأكراد الذين كان سبق لهم، خلال انتفاضة 1991، ان استولوا على تلك المدينة التي تعتبر عصب الانتاج البترولي العراقي، بواسطة نحو خمسة الآف من رجال البيشمركة. ومن هنا يقول خبير في الشؤون العسكرية تابع للحزب الديموقراطي: "سنكون قادرين على التدخل في كركوك، ما أن يتمكن الأميركيون من تدمير مراكز قيادة الطيران العراقي" ويضيف: "ان معرفتنا بأرض المعركة تشكل مسبقاً نصف انتصار لنا. وهكذا، قبل الهجوم، سنكون قادرين على ارسال فرق كوماندوس تابعة لقواتنا الخاصة، خلف الخطوط العراقية، لتقوم بعمليات تخريب في المدن ضد المراكز الاستراتيجية التابعة للجيش ولحزب البعث وأجهزة الاستخبارات. وسيتوجب بالطبع مضاعفة العمليات ضد كركوك والموصل غير اننا، سنركز تحركنا على كركوك".
المواقف التركية
حتى اليوم نجد ان مشروع الدستور الفيديرالي، الذي وافق عليه الحزب الديموقراطي والاتحاد الوطني، يعلن كركوك محافظة للمنطقة الكردية، ما أثار حفيظة الأتراك، لا سيما منهم وزير الدفاع السابق صبح الدين جاكما كوغلو. فالأتراك الذين بالكاد يمكنهم ان يقبلوا بوجود منطقة كردية عند حدودهم تتمتع بوضعية خاصة، يرفضون رفضاً قاطعاً ان يكون في امكان هذه المنطقة السيطرة على مصادر النفط في كركوك، لأن هذه السيطرة ستؤمن لهم، عملياً، استقلالاً تاماً... وضمن اطار هذا التفكير لم يفت صباح الدين جاكما كوغلو ان يهدد بإرسال القوات التركية لتحتل كركوك إذا ما استولى عليها الأكراد.
لكن رد مسعود بارزاني على هذا التهديد، جاء عبر "ايحائه" في افتتاحية نشرتها صحيفة "برياتي" تؤكد ان كردستان ستكون "مقبرة" للقوات التركية. أما هوشيار زيباري فاستخدم، يومها، كل ما لديه من ديبلوماسية كي يطفئ فتيل تلك الأزمة بين الحزب الديموقراطي وتركيا. ومع هذا كان للأزمة نتائجها البالغة الخطورة: اعترضت تركيا على كل الخطط الأميركية المتحدثة عن مساهمة الأكراد في أية عملية ضد صدام حسين، وخنقت حكومة بارزاني بالمعنى الحرفي للكلمة، حين أوقفت عمليات التبادل عند مركز الحدود المسمى ابراهيم الخليل، والذي يعتبر مصدر الدخل الرئيسي للحزب الديموقراطي. غير ان ذلك كله لم يخفف من حدة غضب بارزاني: "اننا لسنا على أي استعداد للقبول بوصاية أو بحماية أية قوة من قوى المنطقة"، قال لنا خلال لقاء معه في مكتبه في سره راش. ولكن من سوء حظ بارزاني ان هامش المناورة لديه محدود جداً: فلقد شاهدنا بأم أعيننا مطار بامرني، في منطقة بهدينان، غير بعيد عن دهوك وقد تحول الى قاعدة عسكرية للجيش التركي، حيث راحت عشرات المدرعات وغيرها من الآلات العسكرية تصول وتجول في مدرج المطار.
ما بعد صدام حسين
من سيتولى، يا ترى، رئاسة الحكومة الموقتة التي ستخلف صدام حسين في الحكم؟ ان هذا السؤال - الذي غالباً ما يأتي عليه سيل من الأجوبة - غالباً ما يثير الارتباك. لكن باستثناء أولئك الذين يوردون أسماء المرشحين لمنصب رئاسة الحكومة في الحكم الانتقالي، نادرون من يمكنهم ان يقولوا ان فلاناً أو فلاناً سيكون هو "حميد كارزاي" العراق.
والرد نفسه يأتي على لسان روج شاويس، عضو المكتب السياسي للحزب الديموقراطي رئيس برلمان اربيل الكردي، الذي يتساءل مبتسماً: "ان هذا يتطلب شخصاً نظيف الكف ديموقراطياً. فهل تعرفون شخصاً له هذه الصفات؟" ثم يقترح ثلاثياً ترويكا يتألف من 3 شخصيات، كردية وسنية وشيعية، تختار كل طائفة ممثلها.
بالنسبة الى هذا الموضوع لا يفوت طالباني ان يبدي قلقاً شديداً، يشاطره اياه معظم القادة، ويقول: "اننا واقعيون، فإذا غزا الأميركيون العراق واحتلوا بغداد، من المؤكد انهم سيختارون رجلهم بأنفسهم. وتقول بعض الاشاعات انهم قد يأتون بالأمير حسن من الأردن... والشريف علي يتحدث عنه، كما ان هناك من يتحدث عن جنرال".
"إن الحكومة الموقتة ستلعب دوراً في منتهى الأهمية، لذلك آمل أن يكون على رأسها قائد كردي"، يؤكد نو شيروان عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، المعروف عادة بصراحته، ويضيف: "ان على مثل هذا الزعيم ان ينادي بالمصالحة العامة ويحضر الانتخابات". من الناحية الرسمية نلاحظ ان كل زعماء الحزب الديموقراطي والاتحاد الوطني يتحدثون عن "الشام" وعن "المصالحة". ونور شيروان لا يرى انه ستكون هناك حرب أهلية، لكنه لا يستبعد مخاطر حدوث عمليات انتقام شخصية، ذلك انهم مسؤولون عن موت ما لا يقل عن ربع مليون شخص... العدد الحقيقي لن نعرفه على أية حال إلا بعد مقتل صدام حسين.
بعضهم، ومنهم حميد مجيد موسى الأمين العام للحزب الشيوعي العراقي، يتحدث عن خطر احتمال حدوث "حمام دم": "سينفجر الوضع في بغداد بشكل لن يمكن لأحد ان يوقفه"، يقول أحد القادة العسكريين في الحزب الديموقراطي، أما عبدالرزاق ميرزا وزير العون الانساني والتعاون في حكومة الاتحاد الوطني في السليمانية فيقول: "انا لن يمكنني أبداً بعد الآن ان أعيش في بغداد، حيث سأشعر دائماً بأنني محاط بمتواطئين في الجرائم مع صدام حسين" قبل أن يضيف: "كيف يمكن السيطرة على الوضع حيث يكون كل هذا العدد من الناس قد ارتكب كل هذا العدد من الجرائم؟". وفي الوقت نفسه يقول زعيم قبيلة كردية كبيرة: "يمكنني أن أؤكد لكم انه في تكريت، كما في بعض الأماكن الأخرى المطبوعة بسلطة صدام حسين، لن يبقى حجر على حجر بعد سقوط الطاغية".
فكيف سيكون مصير حزب البعث والجيش وأجهزة الاستخبارات؟
"لقد وضعنا لائحة بأسماء المسؤولين الذين سنحاكمهم، يذكّر عبدالرزاق ميرزا الذي اشتغل مع منظمة "اندايت" قبل ان يصبح وزيراً في حكومة برهم صالح في السليمانية. "والحقيقة اننا وضعنا لائحتين: اللائحة "أ" التي تضم اسماء 12 قائداً عراقياً مرتبطين مباشرة بصدام حسين: ابناه عدي وقصي، اخوانه وطبان وسبعاوي وبرزان، حمزة الزبيدي، علي حسين المجيد، عزت الدوري، طه ياسين رمضان، طارق عزيز، وعزيز صالح النعمان. أما اللائحة "ب" فتضم دزينتين من الأسماء. غير انه ليس في وسعنا ان نحول العراق الى مسلخ. علينا ان نسامح أكثرية الناس، ما عدا أولئك الذين ارتكبوا جرائم ضد الانسانية".
لكن ما الذي سيكون عليه مصير ضباط كبار سابقين، مثل نزار الخزرجي الرئيس السابق لأركان الحرب واللاجئ حالياً في الدنمارك، ووفيق السامرائي الرئيس السابق للأمن العسكري، وهم أناس يعلنون براءتهم ويطرحون انفسهم قادة معارضين؟
"لدينا قناعة بأنهم لا يقولون الحقيقة كلها" يجيب عبدالرزاق ميرزا ويضيف: "لكننا في الوقت نفسه نريد تشجيع أكبر عدد من الضباط للتخلي عن النظام... ولسوف نرى أمرهم لاحقاً..." والحقيقة ان هذا الموقف الذي لا يخلو من انتهازية يبدو غير مفهوم تماماً من قبل ضحايا هؤلاء المتعاونين السابقين مع صدام.
عراق الغد - دولة فيديرالية؟
بيد ان المحك الأساسي بالنسبة الى الأكراد، انما هو موقفهم من عراق الغد. وهنا يحصل اجماع تام، فجميع الاحزاب السياسية الكردية لا ترى أي حل خارج الفيديرالية. "اننا اليوم مستقلون ونطالب بأن يعاد توحيدنا، لكن الحل الوحيد هو الفيديرالية" يؤكد برهم صالح، رئيس حكومة السليمانية.
أما الحزب الديموقراطي، فلا يريد، كما يقول بارزاني، أن يترك القطار يسبقه في مسيرته، لذلك يفضل "قبل التغيير" أن يعرض "تصوره لعراق الغد... وما الذي سيحصل عليه الأكراد" وذلك عبر تصوره لمشروع دستور للعراق، وآخر للمنطقة الكردية، صاغهما خبراء أكراد في الحق الدستوري. ومن مزايا هذه الوثيقة المؤلفة من 15 صفحة أنها توضح بشكل شديد الدقة تصوراً للعلاقات بين المنطقة الكردية والسلطة المركزية.
هذا المشروع الذي وافق عليه برلمان اربيل الكردي، يتوجب الآن عرضه على بقية أحزاب المعارضة العراقية. وبعض هذه الأحزاب سبق له أن وافق عليه. لكن المشكلة الأساسية ستبدأ حين سيُطالب الشعب العراقي نفسه بالموافقة على المشروع، إما عن طريق البرلمان الذي سينتخب بعد زوال نظام صدام حسين، وإما مباشرة عن طريق الشعب نفسه عبر استفتاء عام. ومن الواضح الآن ان عدداً كبيراً من الزعماء الأكراد لم يفكروا بعد بمثل هذا الاحتمال، فبالنسبة اليهم، كان يكفي ان يعرض مشروع الدستور الفيديرالي وتوافق عليه المعارضة العراقية التي يفترض ان تجتمع في مكان ما في أوروبا، وان توافق عليه، كذلك، واشنطن التي تعتبر سلطة وصاية هنا. ومن هنا فإنهم يبدون قدراً من الارتباك حين تؤكد لهم أن مشروعاً دستورياً من هذا النوع لا يمكن اعتباره ساري المفعول إلا بفعل تصويت شعبي عليه.
ويفكر بعض المسؤولين الأكراد بأن هذا المشروع سينال موافقة الشعب العراقي. ويرى روج شاويس، بشكل خاص، ان الشيعة يوافقون على مشروع الدستور الفيديرالي. بيد ان غالبية القادة الأكراد تبدو على قناعة بأن غالبية السكان العرب في العراق، إذ تترك نفسها تحت اغراء الأفكار القومية، سترفض مشروع الدستور الفيديرالي "ان العرب العراقيين شوفينيون الى حد كبير"، يقول أحد هؤلاء الزعماء، بينما يؤكد زيباري انه "لن يكون من المنطقي عرض مشروعنا على مجلس تمثيلي عراقي، لأنه سيخنقه"، وهذا الرأي نفسه هو رأي الاتحاد الوطني الكردستاني، حيث يؤكد نو شيروان، صارماً: "أنا لن أعرض أبداً قضية الفيديرالية على العرب. صحيح ان الشيعة يساندوننا حتى الآن، لكنهم حين يستولون على السلطة، لن أعرف كيف سيكون الطريق".
وإذ يبدو واعياً لهذا كله، يستخلص شاويس ان الأكراد في نهاية الأمر لن يكون في وسعهم ان يتركوا للشعب العراقي نفسه مسؤولية التحول الى نظام ديموقراطي وإلى الفيديرالية "وهذا شرط مطلق من قبلنا" يقول، مضيفاً: "ومن هنا فإن المشروع يجب ان يكرس قبل إقامة أي نظام انتقالي، ومع ضمانات دولية".
فبالنسبة الى الأكراد، واضح ان للفيديرالية المقام الأول في مشاريعهم. ومع هذا فإن الأيام المقبلة تبدو غير واضحة على الاطلاق
مشروع الدستور الفيديرالي
تنص المادة الأولى من "مبادئ عامة لإقامة فيديرالية في العراق" على ان العراق دولة فيديرالية، ديموقراطية، برلمانية، ترتكز على التعددية السياسية. والجمهورية الفيديرالية العراقية تتألف من منطقتين: المنطقة العربية، ومنطقة كردستان العراقية. أما الحدود الجغرافية لهذه المنطقة فسوف ينص عليها في الدستور الفيديرالي.
وينص المشروع الدستوري على ان الجمهورية الفيديرالية سيكون لها رئيسها، وسلطتها القضائية، وسلطتها التشريعية المؤلفة من مجلسين: مجلس وطني فيديرالي ينتخب بالاقتراع النسبي، ومجلس مناطق يتألف بالتساوي من أعضاء مجلسين مناطقيين، وللجمهورية أيضاً مجلسها الوزاري وله رئيس وزراء ووزراء يمثلون المنطقتين نسبياً. وكل منطقة سيكون لها مجلس تشريعي، ورئيس اقليمي، ومجلس وزراء اقليمي، وسلطة قضائية اقليمية.
والملاحظ هنا ان ثمة اربع مواد "انفجارية" في هذا المشروع: فالمادة 14 التي تنص على انه "اذا كان رئيس الجمهورية الفيديرالية المنتخب أصيل واحدة من المنطقتين، فإن رئيس الحكومة الاتحادية يجب ان يكون أصيل المنطقة الثانية. بمعنى انه اذا كان رئيس الجمهورية الفيديرالية عربياً، فإن رئيس الحكومة يجب ان يكون، تلقائياً، كردياً. وهكذا فإن الأكراد، بعدما ظلوا طوال عقود يرفضون لعب دور سياسي في بغداد، ها هم أخيراً يدركون ان عليهم ان يمارسوا السلطة في بغداد نفسها ان هم أرادوا ممارستها في منطقتهم.
والمادة 7 تشير الى ان أعضاء الحكومة يجب ان يعينوا نسبياً، تبعاً لوزن السكان الأكراد والعرب في الجمهورية الفيديرالية، ما يعني ان الأكراد سيشكلون ربع أعضاء الحكومة. ويعلق أحد قادة الاتحاد الوطني على هذا بقوله انه من الواضح ان الأكراد يجب ان يكون لهم إحدى الوزارات الكبرى الثلاث: الدفاع، الداخلية او المال.
وتنص المادة الخامسة من مشروع الدستور الاقليمي على ان "كركوك ستكون عاصمة منطقة او اقليم كردستان". وهذه المادة أثارت بالفعل ردود فعل عنيفة من تركيا التي ترفض ان يسيطر الأكراد على منابع النفط في كركوك.
والمادة 75 تنص على ان "هيكلية جمهورية العراق الفيديرالية لن يكون في الإمكان تبديلها من دون رضى المجلس الاقليمي في كردستان، وكل ما يناقض هذا المبدأ سيكون من شأنه ان يسمح لشعب منطقة كردستان بممارسة حقه في تقرير المصير". ومعنى هذا، بالملموس، انه في حال صراع بين السلطة المركزية والسلطة الاقليمية يكون من حق الأكراد اعلان استقلالهم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.