خبير استراتيجي: "القضية الفلسطينية" مرتكز عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط و"الدولتين" هو الحل    القبض على مقيم ووافد لترويجهما حملات حج وهمية بغرض النصب في مكة المكرمة    الأمن العام يطلق خدمة الإبلاغ عن عمليات الاحتيال المالي على البطاقات المصرفية (مدى) عبر منصة "أبشر"    جامعة الملك سعود تكرّم الطلاب والطالبات المتميزين في السنة الأولى المشتركة    كلوب يدعم إلغاء العمل بتقنية «فار» بشكله الحالي    تدشين أول مهرجان "للماعز الدهم" في المملكة بمنطقة عسير    ولي العهد في المنطقة الشرقية.. تلاحم بين القيادة والشعب    القيادة تهنئ الجنرال محمد إدريس ديبي إتنو بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية في تشاد    «هيئة النقل» تعلن رفع مستوى الجاهزية لخدمات نقل الحجاج بالحافلات    السالم يلتقي رواد صناعة إعادة التدوير في العالم    «تعليم جدة» يتوج الطلبة الفائزين والفائزات في مسابقة المهارات الثقافية    مفتي المملكة يشيد بالجهود العلمية داخل الحرمين الشريفين    استكمال جرعات التطعيمات لرفع مناعة الحجاج ضد الأمراض المعدية.    المملكة تتسلم رئاسة المؤتمر العام لمنظمة الألكسو حتى 2026    خادم الحرمين الشريفين يصدر أمرًا ملكيًا بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    أمطار وسيول على أجزاء من 7 مناطق    كاسترو وجيسوس.. مواجهة بالرقم "13"    النفط يرتفع والذهب يلمع بنهاية الأسبوع    9 جوائز خاصة لطلاب المملكة ب"آيسف"    جوزيه مارتينيز حكماً لديربي النصر والهلال    الإعلام الخارجي يشيد بمبادرة طريق مكة    ‫ وزير الشؤون الإسلامية يفتتح جامعين في عرعر    تشكيل الهلال المتوقع أمام النصر    قرضان سعوديان ب150 مليون دولار للمالديف.. لتطوير مطار فيلانا.. والقطاع الصحي    بوتين: هدفنا إقامة «منطقة عازلة» في خاركيف    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    رئيس الوزراء الإيطالي السابق: ولي العهد السعودي يعزز السلام العالمي    تراحم الباحة " تنظم مبادة حياة بمناسبة اليوم العالمي للأسرة    محافظ الزلفي يلتقي مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف بالرياض    حرس الحدود يحبط تهريب 360 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    تشافي: برشلونة يمتلك فريقاً محترفاً وملتزماً للغاية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    العيسى والحسني يحتفلان بزواج أدهم    السعودية والأمريكية    5 مخاطر صحية لمكملات البروتين    فتياتنا من ذهب    تضخم البروستات.. من أهم أسباب كثرة التبول    بريد القراء    الرائد يتغلب على الوحدة في الوقت القاتل ويبتعد عن شبح الهبوط    الشريك الأدبي وتعزيز الهوية    صالح بن غصون.. العِلم والتواضع        الدراسة في زمن الحرب    76 مليون نازح في نهاية 2023    فصّل ملابسك وأنت في بيتك    WhatsApp يحصل على مظهر مشرق    ابنة الأحساء.. حولت الرفض إلى فرص عالمية    الاستشارة النفسية عن بعد لا تناسب جميع الحالات    حراك شامل    رئيس موريتانيا يزور المسجد النبوي    فوائد صحية للفلفل الأسود    ايش هذه «اللكاعه» ؟!    كلنا مستهدفون    العام والخاص.. ذَنْبَك على جنبك    حق الدول في استخدام الفضاء الخارجي    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    أمير تبوك يطلع على نسب إنجاز مبنى مجلس المنطقة    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخليج العربي مقبرة ناقلات النفط وكائناته البحرية في احتضار أخير
نشر في الحياة يوم 20 - 08 - 2001

لا يخفى على أحد ممن يقطنون منطقة الخليج أن مستوى التلوث في مياهه وصل حدا لا يطاق، وأن هذه البحيرة شبه المغلقة والضحلة أصبحت مجرد معبر مائي يؤمن إنتقال النفط ومشتقاته إلى العالم أكثر منها بحرا أنتج أفضل أنواع اللؤلؤ في العالم قديما، ومن أكثر البحار تنوعا على مستوى الثروة السمكية.
يتناول سكان الخليج اليوم أسماكا تأتيهم من بحر العرب والمحيط الهندي ويشترون الروبيان جراد البحر من الهند وباكستان وإيران وماليزيا وأندونيسيا ونيوزيلندا ومن أماكن أخرى في العالم، لأن الروبيان إنقرض في شواطئهم بعد موت حقول المرجان التي تؤمن غذاءه.
ويتحدث الغواصون المحترفون عن مشاهدات مرعبة لقاع تحول إلى مقبرة لناقلات النفط تتسرب حمولتها ببطء لتملأ الشعاب البحرية سمّا بطيئا. أكثر من 200 قطعة غارقة تبعا لمسح أجرته المنظمة البحرية العالمية، ولكن الصيادين البحريين في المنطقة وبخبرتهم التاريخية في هذا المجال، خصوصا من أبناء دول مجلس التعاون الخليجي، يدركون جيدا حجم المشكلة ويواجهون بصبر الأذى اللاحق بمصادر رزقهم لان المسألة أكبر من أن يتصدوا لها بأنفسهم.
منذ أكثر من سبعة أعوام وأسراب أسماك الكنعد الخباط، وهو نوع من أسماك التونا، تتقلص أعدادها وتنقص أوزانها في رحلتها السنوية من مياه شط العرب جنوب العراق إلى أعماق المحيط الهندي. وقصة أسماك الكنعد مرتبطة بنشأة الخليج كحيز مائي والتقاء مياه نهري دجلة والفرات العذبة بمياه الخليج الشديدة الملوحة. ولا أحد يعرف حتى اليوم سبب إختيار هذه الأسماك لهذا الموقع لتضع فيه بيوضها، وتبدأ بعدها الأسماك الوليدة رحلة العمر الوحيدة بمحاذاة الشاطئ الغربي من الخليج عابرة مضيق هرمز بإتجاه أعماق المحيط الهندي والبحار الواسعة المتصلة به رحلة اقرب إلى ما تفعله اسماك السلمون في المحيط الأطلسي. وتعود الأسماك البالغة منها إلى حيث نشأتها بعد أن يكبر حجمها وتبلغ سن الإباضة مخترقة اعماق البحر المر نحو دلتا شط العرب هذه الظاهرة لم ترصد جيدا من المهتمين بعلم البحار وإن كان عالم الاحياء البحرية الفرنسي الشهير أيف كوستو حاول ذلك مرة. المهم في الأمر أن هذه الأسماك تكون باحجام كبيرة عندما تصل إلى بوابة الخليج فينصب الصيادون لها شباكا ضخمة في توقيت محدد من السنة يحصدون عشرات الالاف منها للتمليح والتصدير، وتشكل مورد رزق لأكثر من خمسة الآف عائلة من الإمارات ومثلها من سلطنة عمان، ولا تبقى هذه الاسماك في مياه الخليج بعد نموها الى الحد الذي يمكنها من العيش في المحيط إلا اياما معدودة. وقد تضاءلت أعدادها واوزانها إلى درجة لافتة ولم تحظ بالإهتمام الكافي من الباحثين، في حين نجحت مراكز الأحياء البحرية الخليجية في إنتاج ملايين اليرقات من أسماك الهامور والشعري تلقيها سنويا في مياه الشواطىء، خصوصا في الأخوار، للتعويض عن الكميات الهائلة التي يستخرجها قطاع الصيد البحري للإستهلاك المحلي والتصدير في عمليات صيد معظمها غير شرعي وغير منتظم. وقد لجأت الإمارات لحماية ثروتها السمكية الى "توطين" مهنة الصيد اي جعلها حكرا على المواطنين، ولكنها لم تنجح حتى الآن في التوفيق بين متطلبات السوق وعدد العاملين وباتت المهنة في طريقها الى الاندثار.
شركات النفط ومسؤولية الحماية
يقول الدكتور محمود يوسف عبد الرحيم المنسق العام للشؤون الفنية والإدارية في المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية: "هناك نظام قديم متفق عليه بين شركات النفط العاملة في الخليج بحيث تحتفظ كل منها بكميات معقولة من المعدات والمواد اللازمة لمكافحة التلوث وتتعاون في ما بينها عند ظهور أي طارئ. ولهذه الشركات منظمة خاصة بها تحمل إسم "GAOCMO" مقرها البحرين، وكذلك مركز للمساعدات المتبادلة ومقره البحرين أيضا. ويؤكد عبد الرحيم أن هذه الجهات لم تستطع ردع ناقلات النفط عن إلقاء مياه التوازن اي المياه التي تملأ بها خزاناتها لحفظ توازنها اثناء الابحار قبل ان تستبدل بها النفط في مياه الخليج مخالفة شروط إتفاقية "ماربول" الموقعة منتصف السبعينات والتي تلزم جميع الدول المصدرة للنفط في المنطقة انشاء مرافق خاصة لإستقبال الزيوت التالفة في موانئها، ولكنها لم تفعل. ولأن موانىء المنطقة قريبة من بعضها فقد ارتأت المجموعة إقامة منطقتين أو ثلاثا على الأكثر لتجميع هذه النفايات، ومرة أخرى تعثرت خطوات التنفيذ لكن سلطنة عمان ابدت موافقتها على إقامة مثل هذا المشروع بإعتبارها بوابة العبور إلى الخليج ولوقوع موانئها على المحيط الهندي.
تأسست المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية عام 1979 في الكويت وأودعت وثائق التصديق عليها من كل من البحرين وايران والعراق والكويت وسلطنة عمان وقطر والسعودية والإمارات، وأشرف على أعمالها برنامج الأمم المتحدة للبيئة منذ العام 1982. لكن مستوى التلوث في الخليج فاق مستواه في أي بحر مشابه في العالم بمعدل 47 ضعفا بعدما ازداد عدد السفن والناقلات التي تستخدمه إلى أكثر من 30 ألفا سنويا. ولأن مياه الخليج هي المصدر الرئيسي لتزويد السكان بمياه الشرب عن طريق محطات التحلية 80 في المئة من حجم الإستهلاك فإن تكلفة إنتاجها فاقت كل تصور.
لكن الأخطر من هذا كله ما يحدث بعد حرب الخليج الثانية، فالعراق يبيع ما يعادل نصف إنتاجه النفطي في السوق السوداء والمتعاطفون معه تحت حجة الحصار كثر في دول الخليج لدرجة سماحهم بنقل هذا النفط في حاويات ودوبات غير مخصصة لهذا النوع من الحمولة، خصوصا زيت البترول والديزل، وهي المادة الأخطر في حوادث التلوث، فقد تبين أن طنا واحدا من البترول الخام يغطي مساحة تصل إلى 12 كيلومترا مربعا من سطح المياه وبسماكة سنتميترين فتمنع الأوكسجين عن كائنات البحر وتلقي بالاف الأطنان من الأسماك النافقة يوميا على الشواطىء.
العقيد عبد الرحمن شلواح قائد حرس الحدود الإماراتي أقر للصحافة المحلية في بلاده بضعف عمليات مراقبة السفن ورصد المخالف منها لأن معظم المخالفات ترتكب في الليل، وطالب بتعاون طواقم السفن التجارية الشحن وطرادات الصيد مع حرس الحدود وابلاغه بمشاهداتهم.
لكن ادارة ميناء الفجيرة الذي أصبح الآن "جنة" النفط العراقي وغير العراقي المهرب، والسوق السوداء الخاصة به، أكدت أنه لا يستقبل في مياهه أي ناقلة غير مسجلة رسميا، وأن مصدر كميات النفط التي تعلق بشواطىء الإمارة بين وقت وآخر مجهولة، في حين رأى القبطان محمد شاكر المسؤول في ميناء صقر في إمارة رأس الخيمة أن تصوير سفن وناقلات النفط بالفيديو منذ دخولها الخليج وحتى رسوها في الموانئ قد يفيد في مراقبتها!
لم ينفع التصوير الجوي لحادث غرق الناقلة زينب في ردع مهربي النفط العراقي، وتتناقل وكالات الأنباء أخبار غرق أو إغراق ناقلة نفطية كل اسبوع تقريبا. وتحجم جماعات انصار البيئة عن التعليق، بينما تتهرب الجهات الحكومية والهيئات من الرد على اسئلة وسائل الإعلام حول هذه الظاهرة. إمارة أبو ظبي وحدها تحاول عبر هيئة ابحاث البيئة والحياة الفطرية إيرودا الوقوف بوجه مافيا النفط العراقي المهرب.
ويستدعي آخر الحوادث وما تبعه من إجراءات عملية الإهتمام. فقد أعلن أن السلطات الإتحادية رفضت دخول سفن شحن أجنبية تحمل نفطا مهربا إلى مياه الامارات الإقليمية، وآخرها كانت الناقلة "منى" وتحمل 28 الف طن حاصرتها قوات التحالف البحرية على بعد 50 ميلا من الإمارات وأنقذتها من الغرق، وقررت السلطات بيع النفط الموجود فيها وتخصيص ريعه لحساب خاص بعمليات الإنقاذ ومكافحة التلوث في مياه الامارات الإقليمية.
وفي بيان شديد اللهجة نشرته صحيفة "الإتحاد" في صفحتها الأولى بدا واضحا أن مواجهة قاسية تتم في الكواليس بين المستفيدين من سماسرة النفط المهرب في الإمارات الشمالية الأقل ثراء وبين أبو ظبي التي تخصص موازنة ضخمة كل عام لتحسين ظروف البيئة والمشاريع الخاصة بها.
ولأن المسألة لم تعد مجرد تعاطف مع العراق وتقديم خدمات له بل أصبحت تشكل خطراً يهدد أهل البلاد في رزقهم وصحتهم وتكاليف متراكمة لإعادة تأهيل البيئة البحرية، فإن وزارة المواصلات بدأت تطبيق قرار مجلس الوزراء الخاص بإغلاق جميع شركات تسجيل السفن الأجنبية التي لا تحمل شهادة تصنيف سفن الصيد البحري تم تعديل هيكلها بتحويل بطنها إلى خزانات لا تراعي إعتبارات السلامة، ويبدو أن إمارة دبي التي تحتضن معظم هذه الشركات قررت درء هذه المخاطر بطريقة أخرى، إذ تعكف على صيانة السفن المعدلة في محطات خاصة على بعد 20 كلم من دبي المدينة.
وقد حاولت "الوسط" عبثا الحصول على تعليق من الدكتور سالم الظاهري، مدير عام الهيئة الإتحادية للبيئة في الأمارات، وهي الجهة الحكومية المخولة تطبيق اللوائح القانونية الخاصة بالحماية. ولا تزال خطة الطوارىء الوطنية التي انتهت الى صيغتها النهائية تتنقل بين الوزارات والجهات المحلية والأتحادية على رغم تسارع حوادث النفط المهدور في مياه الخليج.
قصة عرائس البحر
وصفت عروس البحر للمرة الاولى في الملحمة الشعرية اليونانية "الإلياذة" لهوميروس، في حين ذكرها كريستوف كولومبوس في مذكراته عندما شاهدها في البحر الكاريبي، ورصدها البحارة البرتغاليون عام 560 بالقرب من سريلانكا واصطادوا بعضها وحملوها إلى الهند حيث فحصها طبيب الملك، وأعتبرت من إكتشافات فاسكو دي غاما. ولأن أنثى بقر البحر أو عرائس البحر لها أثداء ظاهرة ترضع منها صغارها فقد إختلط الأمر على البحارة فاعتقدوا بأنها مخلوق نصف آدمي ونصف بحري. أما أول من شخّص أحوال هذا النوع من الحيوان فهو العالم الإلماني مولر عام 1776 وأطلق عليها لقب "dugong" في حين أطلق عليه العرب اسم الطوطم، وهو أقرب إلى الفيل يرعى أعشاب البحر ويعيش في المياه الضحلة التي تخترقها أشعة الشمس فتسمح بنمو الأعشاب البحرية على أنواعها. يتجول الطوطم ضمن قطعان ضخمة لا تغادر مواقع معيشتها إلا نادرا وبعد بلوغها الخامسة عشرة من العمر. تضع صغيرا واحدا كل ست سنوات على الأكثر، وبسبب كثرة صيدها للحمها وجلدها فهي تتصدر لأئحة الأنواع المهددة عالميا.
الإهتمام بأبقار البحر الخليجية مرده إلى حادث نفطي وقع في حقل نيروز الإيراني عام 1983 عندما نفق قطيع من هذا النوع ليتضح بعدها ان مياه الخليج هي الموطن الثاني عالميا بعد اوستراليا لهذا الحيوان وان عددها بلغ 7310 رؤوس حسب مصلحة الأرصاد وحماية البيئة في المملكة العربية السعودية، وأن العدد الأكبر منها يعيش بين رأس تنورة في المملكة وإمارة أبو ظبي. وقد عثر على كم هائل من عظام هذا الحيوان في موقع تنقيب اثري في جزيرة ام النار أبو ظبي يفوق حجمه ما دونه من بقايا الإبل وأنواع أخرى. أما آخر مشاهدة مسجلة لهذا النوع فكانت عام 1992 على هيئة قطيع كبير غربي سواحل أبو ظبي المحاذية للحدود القطرية. ويبدو أن إتساع أعمال مجمعات الصناعات البترولية في سواحل الخليج العربية مثل صناعة البتروكيماويات يهدد حياة هذه القطعان فعليا، كذلك ساهمت عمليات الردم في البحر لإنشاء كواسر الأمواج ودعم الشواطئ الرملية الهشة لإقامة المشاريع السياحية والبناء على أنواعه في تغيير مكونات بيئاتها. وتأتي في المقام الاخير طرق الصيد المخيفة مثل استخدام شباك الجرف القاعي التي تسد عليها طرق المراعي في قاع المياه.
نشرت الصحافة المحلية في الإمارات في شباط فبراير العام الماضي صورة لحوت نافق قيل أنه من النوع الأزرق الضخم وقد قذفت به الأمواج إلى الشاطئ بعد تعرضه لهجوم شرس من حيوان بحري آخر سرعان ما إكتشف المختصون انه من نوع الحوت القاتل أوركا لتبدأ بعدها حملة البحث عن هذا المعتدي. وبالفعل تم رصده قرب جزيرة ميرز إحدى جزر أبو ظبي أثناء الإعداد للأطلس البحري الخاص بالإمارة، ويقال أنه لم يسبق وجود هذا النوع في مياه الخليج لكنه يرافق عادة ناقلات النفط العملاقة التي تعبر المحيطات وحاملات الطائرات والمدمرات التي تلقي بكميات هائلة من نفاياتها على طول خط سيرها فتتلقاها الحيتان واسماك القرش والدلافين بطيب خاطر، وأنه ربما ضل طريقه عند مضيق هرمز ودخل مياه الخليج أثناء لحاقه بإحدى القطع البحرية الضخمة التابعة لقوات التحالف.
السلاحف البحرية
في 14 ايلول سبتمبر 1990 أعلنت لجنة البحوث البيئية في الإمارات عن مشروع كبير لإكثار السلاحف البحرية الخاصة بالمنطقة مثل سلحفاة "منقار الصقر" و"السلحفاة الخضراء،" وذلك بإطلاق 80 منها في مياه جزيرة السمالية الواقعة على بعد 20 كيلومترا من جزيرة أبو ظبي. وتلقت اللجنة هذه السلاحف هدية من هيئة أبحاث البيئة والحياة الفطرية في الإمارات التي اقامت مفاقس وحاضنات لهذا النوع في مركز أبحاث متخصص بغية تعويض أضرار طالتها نتيجة الصيد العشوائي للسلاحف البالغة منها وملاحقة أعشاش بيوضها وسرقتها بعد انتشار أحاديث عن فاعليتها في زيادة الطاقة الجنسية للرجال وضمها إلى لائحة المغذيات الخاصة بالإبل.
تجدر الإشارة إلى أن جزيرة السمالية جزيرة خاصة محظور على العامة الصيد في مياهها أو الدخول إليها بدون تصريح مسبق، ولأن أرض الجزيرة عبارة عن سبخات مالحة ورطبة معظم الوقت فقد جرى إنشاء شاطىء رملي خاص بها ومما قاله المهندس عبد المنعم بن درويش رئيس لجنة البحوث في الجزيرة والمشرف المباشر على مثل هذه المشاريع ان البروفسور انتوني برين خبير دراسات ابغار البحر ورئيس قسم علوم البحار بجامعة جيمس كوك في اوستراليا يقوم بجهود إستثنائية في هذا المجال لمعرفة مدى أهلية شواطىء ابو ظبي لتامين معيشة الأنواع النادرة. وإتضح مع الوقت وفي أقل من عامين ان الحشائش البحرية قليلة الى درجة مفزعة، وقد اقر الجميع بان التلوث النفطي المتكرر هو السبب في إنحسار المراعي البحرية. ولم يكن هناك مفر من الاعلان عن نفوق اعداد كبيرة من سلاحف البحر وكائنات اخرى بحلول العاشر من اب اغسطس الحالي بسبب الجوع والصدمة الحرارية.
ويقوم فريق علمي الأن بدرس اسباب نفوق هذه الأنواع لكنه أقر كنتيجة اولية بان عدم توافر بيئة مناسبة لتغذيتها سبّب موتها، بالاضافة الى ارتفاع درجات الحرارة الى مستويات قياسية هذا العام. لكن الملاحظة التي تستدعي الاهتمام هنا هي ظهور السلاحف النافقة وقد غطت قشرتها الغضروفية القشريات الى درجة نخرها تماما. ويبدو ان قلة المراعي البحرية وقلة الغذاء في مياهه قد عرضت السلاحف لجوع شديد منعها من الحركة والنشاط للبحث عن طعامها واستقرارها في المياه، ما سهل تعلق القشريات بها وامتصاص ما تبقى من حيويتها.
ويرى ناشط بيئي انه ربما اصبح ضروريا إستيراد كميات كبيرة من نبات الكروم الخضري البحري لأنقاذ ما تبقى او إقامة مزارع بتكلفة عالية للإكثار منها وتربيتها بعيدا عن البحر ولكن دون ضمانات كافية بانتاج اجيال قادرة على التكاثر نظراً الى حساسية الظروف الطبيعية التي تعيش فيها. ويكفي القول انها لاتتحمل حرارة تزيد عن 32 درجة مئوية
وقائع
في أوائل آذار مارس 1991 قام جان غوبير، رئيس أبحاث الشعاب المرجانية في المركز الأوروبي لعلوم البحار، بزيارة إلى منطقة الخليج وقام بالغطس فيه، ووضع تقريرا مفاده أن ملايين الأطنان من النفط المتسرب إلى مياه الخليج غاصت إلى قعره الذي أصبح أرضا قحطا تحولت فيها غابات الشعاب المرجانية إلى اللون الأبيض دليلا على موتها، وشدد على أن مستوى ثاني أوكسيد الكربون في الهواء قد اختل في المنطقة لدرجة لا تقل أهمية عن إنحسار مساحة الغابات المطيرة في الحزام الإستوائي من العالم.
وفي الثامن عشر من الشهر نفسه أختيرت شركة "كبراولي ماريتايم" الأميركية مقاولا رئيسيا في مكافحة التلوث النفطي في حين ذكر مصدر بيئي مسؤول في البحرين أنه عثر على عشرات الدلافين نافقة على سواحل الجزيرة وأبدى قلقه على قطعان بقر البحر المهددة بالإنقراض أصلا في العالم وهناك قانون دولي يمنع صيدها.
في 28مايو أيار من العام نفسه تمكنت المنظمة الدولية للملاحة البحرية من إزالة القطران العالق في المناطق الساحلية الغربية لجزيرة قرن شمال شرقي الجبيل السعودية وهي منطقة عيش وتكاثر للسلاحف البحرية، وذلك بمساعدة شركة "البا" الإسكوتلندية. ونجحت كذلك في تنظيف حقول الأعشاب البحرية في منطقتي السفانية والمسلمية ونقل كميات هائلة من هذه الأعشاب إلى أماكن أخرى للمحافظة عليها.
تولت شركة "تي سي أي" الهولندية تنظيم غابات المانغروف القريبة من ميناء الجبيل السعودي وذلك بغسل الأشجار بمياه مالحة وببطء شديد كذلك غسل 175 طائرا من طيور البحر.
في حزيران يونيو من العام 1991 قال ويليام إيلي، مدير الوكالة الأميركية لحماية البيئة، في ختام زيارة للكويت انه ترسب ما يعادل المليوني برميل على هيئة كتل قار في قاع الخليج وعرض توفير معدات لمراقبة البيئة وأجهزة مخبرية وفريق مكون من ستة علماء وفنيين يقيمون بشكل دائم في الكويت للمراقبة ومواجهة المشاكل. وقال أن هناك وكالات أميركية أخرى بدأت بدراسة التلوث البيئي في الخليج مثل وكالة الفضاء الأميركية ناسا ووزارة الدفاع والمركز القومي لأبحاث الغلاف الجوي والمركز القومي للسيطرة على الأمراض.
في 14 تموز يوليو 1991 قال فرانسوا دومنغ مدير متحف موناكو للأحياء المرجانية أن الدخان الكثيف الذي تصاعد من حريق آبار النفط الكويتية حجب ضوء الشمس لفترة عن مساحات كبيرة من الخليج، وأقترح تنظيم جسر جوي ضخم لنقل أكبر قدر ممكن من الشعاب المرجانية الخليجية وزرعها في أماكن من البحر الأحمر وخليج عمان بحر العرب ضمن خزانات مائية ضخمة في هذه المواقع بالإضافة إلى نقل بعضها جوا إلى موناكو وإيطاليا لإجراء أبحاث عليها.
في السابع من تشرين الثاني نوفمبر 1990، حذر العاهل الأردني الراحل الملك حسين من تأثيرات خطيرة على المناخ العالمي ستنتج عن الحرب البيئية في منطقة الخليج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.