الدفاع المدني ينبه من هطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    مستقبلا.. البشر قد يدخلون في علاقات "عميقة" مع الروبوتات    العلماء يعثرون على الكوكب "المحروق"    الصين تستعرض جيش "الكلاب الآلية" القاتلة    ولي العهد يستقبل الأمراء وجمعاً من المواطنين في المنطقة الشرقية    ضمك يتعادل مع الفيحاء في" روشن"    الأمير سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    «الدفاع المدني» محذراً: ابتعدوا عن أماكن تجمُّع السيول والمستنقعات المائية والأودية    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يحصد 27 جائزة في «آيسف 2024»    طريقة عمل زبدة القريدس بالأعشاب    طريقة عمل وربات البقلاوة بحشو الكريمة    طريقة عمل الأرز الآسيوي المقلي بصلصة الصويا صوص    تأكيد مصري وأممي على ضرورة توفير الظروف الآمنة لدخول المساعدات الإنسانية من معبر رفح إلى غزة    القبض على مقيم ووافد لترويجهما حملات حج وهمية بغرض النصب في مكة المكرمة    الأمن العام يطلق خدمة الإبلاغ عن عمليات الاحتيال المالي على البطاقات المصرفية (مدى) عبر منصة "أبشر"    كلوب يدعم إلغاء العمل بتقنية «فار» بشكله الحالي    ولي العهد في المنطقة الشرقية.. تلاحم بين القيادة والشعب    تدشين أول مهرجان "للماعز الدهم" في المملكة بمنطقة عسير    السالم يلتقي رواد صناعة إعادة التدوير في العالم    «هيئة النقل» تعلن رفع مستوى الجاهزية لخدمات نقل الحجاج بالحافلات    مفتي المملكة يشيد بالجهود العلمية داخل الحرمين الشريفين    «تعليم جدة» يتوج الطلبة الفائزين والفائزات في مسابقة المهارات الثقافية    استكمال جرعات التطعيمات لرفع مناعة الحجاج ضد الأمراض المعدية.    المملكة تتسلم رئاسة المؤتمر العام لمنظمة الألكسو حتى 2026    كاسترو وجيسوس.. مواجهة بالرقم "13"    الإعلام الخارجي يشيد بمبادرة طريق مكة    ‫ وزير الشؤون الإسلامية يفتتح جامعين في عرعر    خادم الحرمين الشريفين يصدر أمرًا ملكيًا بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    النفط يرتفع والذهب يلمع بنهاية الأسبوع    جوزيه مارتينيز حكماً لديربي النصر والهلال    تشكيل الهلال المتوقع أمام النصر    قرضان سعوديان ب150 مليون دولار للمالديف.. لتطوير مطار فيلانا.. والقطاع الصحي    بوتين: هدفنا إقامة «منطقة عازلة» في خاركيف    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    رئيس الوزراء الإيطالي السابق: ولي العهد السعودي يعزز السلام العالمي    تراحم الباحة " تنظم مبادة حياة بمناسبة اليوم العالمي للأسرة    محافظ الزلفي يلتقي مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف بالرياض    حرس الحدود يحبط تهريب 360 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    تشافي: برشلونة يمتلك فريقاً محترفاً وملتزماً للغاية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    الكليجا والتمر تجذب زوار "آيسف 2024"    السعودية والأمريكية    فتياتنا من ذهب        مدير عام مكتب سمو أمير منطقة عسير ينال الدكتوراة    رئيس موريتانيا يزور المسجد النبوي    ابنة الأحساء.. حولت الرفض إلى فرص عالمية    الاستشارة النفسية عن بعد لا تناسب جميع الحالات    حراك شامل    الدراسة في زمن الحرب    الشريك الأدبي وتعزيز الهوية    صالح بن غصون.. العِلم والتواضع    فوائد صحية للفلفل الأسود    العام والخاص.. ذَنْبَك على جنبك    حق الدول في استخدام الفضاء الخارجي    كلنا مستهدفون    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تتساءل : هل سقط في فخ التناقض والتعميم والاختزال؟ . فاليري كينيدي : قراءة نقدية لمواقف إدوار سعيد المتأرجحة
نشر في الحياة يوم 01 - 01 - 2001

لا يذكر اسم المفكّر الفلسطيني أدوارد سعيد، ألا ويذكر معه كتاب "الاستشراق" الذي ما إن صدرت طبعته الأولى العام 1978 حتى أثار سجالاً واسعاً حول العلاقة المعقدة والحساسة بين الغرب والشرق. هذا الكتاب الذي اصبح عملا مرجعياً في منهجه واستنتاجاته، فتح باباً جديداً للنظر إلى الأبعاد المعرفية والأيديولوجية لتلك العلاقة في ماضيها وحاضرها. كما ترك أثراً واضحاً على دراسات الأدب الإنكليزي والمقارن في اتجاه قراءة النصوص في مضامينها السياسية والتاريخية، ورسّخ مكانة مؤلفه الأستاذ الأكاديمي المختص في الراوية الأوروبية، كواحد من أبرز الأصوات النقدية في العالم.
وبوحي من أطروحة "الاستشراق" الذي اعتبره سعيد نمط تفكير ينطلق من وجود اختلافات جذرية بين الشرق والغرب، ويرتبط بمؤسسات وإجراءات الهيمنة الغربية على الشرق والعالم، تأسس حقل خصب لدراسة الأبعاد والدلالات الثقافية للظاهرة الاستعمارية وما بعد الاستعمارية في سياق مركزها الأوروبي الغربي، وأطرافها الآسيوية والأفريقية. وبرزت في هذا الحقل أسماء لامعة كهومي بابا وكاياتاري سبيفاك، اقتفت خطى سعيد في النقد الثقافي وخالفته في المنهج والقصد، فاستلهمت المنهج التفكيكي لإظهار التناقضات الداخلية للنصوص، أو ركزت على قضايا الحقوق النسوية ومطالب الهوية والاختلاف.
إلى جانب اهتمامه الرئيسي بتعرية المسلمات السائدة في الكتابات الإستشراقية، كتب أدوارد سعيد بحماس وإسهاب عن القضية الفلسطينية، وطرح تأملات عميقة عن دور المثقف المعاصر ومسؤوليته. وهذه المحاور الثلاثة تشكل مادة كتاب فاليري كينيدي، "أدوارد سعيد - مقدمة نقدية" الذي صدر بالانكليزيّة. تعزو المؤلفة أهمية المساهمة الفكرية لسعيد إلى جمعه بين المحاور المتمايزة المذكورة التي يتقاطع فيها الاهتمام النظري بالموقف السياسي، والعمل الأكاديمي بحساسية المثقف الباحث عن دور في الحياة العامة، والساعي إلى رصد خطابات الهيمنة أو مقاومتها بالمخيلة الأدبية والفنية. تجسدت المحاور الثلاثة في سيرة أدوارد سعيد وتجربته كمفكر وجد نفسه مقيماً في عالم وسطي بين عالمي الشرق والغرب المتداخلين، والمتعارضين تاريخياً وثقافياً، وانعكست في خياره كمثقف ترجم حالته الخاصة في الاقتلاع من المكان إلى ذاكرة جماعية ومنظور إنساني عابر لحدود الجغرافيا وخرائط الأوطان.
وفي ضوء التداخل بين المشروع النقدي لسعيد وبين تجربته الشخصية، يمكن للمرء أن يقرأ موقفه من الاستشراق كدفاع عن معرفته الضمنية بالشرق الفعلي المشحون بالتنوع والتناقض والتحول والصراع. وعلى رغم أن سعيداً لم يدرس الشرق بذاته، إلا أنه تخيل حقيقته الفعلية، أو حدس بها، عبر معارضة الصورة السطحية والسلبية التي قدمها عنه الدارسون والرحالة والسياسيون الغربيون. كما يمكن تأويل أفكاره عن استقلالية المثقف، ضمن إطار تجربته مع القضية الفلسطينية التي لم يمنعه انتماؤه إليها من انتقاد مؤسساتها ورموزها وسياساتها قبل اتفاق أوسلو وبعده.
وإزاء السياسة الرسمية الفلسطينية اختبر سعيد الفكرة التي بلورها في كتابه "تمثيلات المثقف"، وفحواها أن النقد يسبق التضامن. ويمكننا أخيراً أن نتخيل تأملاته عن المنفى، كرجع لمصير ألزمه بشروطه الوجودية قبل أن يعثر فيه على امتياز الترحال بين تخوم الداخل والخارج، وبين حدود الانغمار والتجرد.
وعلى رغم ما يقدّمه كتاب فاليري كينيدي من عرض تفصيلي لكتابات سعيد، إلا أنه اهتم أساساً بمناقشة أفكاره المطروحة في كتابيه "الاستشراق" و"الثقافة والإمبريالية". تلاحظ الكاتبة أن مواقف سعيد إجمالاً اتصفت بالتناقض الظاهري والتأرجح بين أكثر من منظور ومرجع. فهو، تارة، يشخص الاستشراق ضمن سياقه التاريخي الذي يتزامن مع بروز الظاهرة الاستعمارية، وتارة أخرى، يجرّده من أي سياق ملموس. ويرد الاستشراق عنده في ثلاثة معان : أولاً كتقليد أكاديمي لدراسة الشرق، ثانياً كأسلوب تفكير يفترض وجود تمايز جوهري بين الشرق والغرب، وثالثاً كأسلوب للتعامل مع الشرق من موقع الهيمنة والتسلط.
وينطوي المعنيان الأولان على مضمون مجرد وسائب تاريخياً، في حين يغطي ثالثهما مرحلة تاريخية محددة صاحبت بروز الظاهرة الاستعمارية في بداية القرن الثامن عشر. هذه المعاني الثلاثة يعارضها سعيد جذرياً منوهاً بأن الشرق ليس فكرة ثابتة ونهائية بل واقع حقيقي متشعب ومتغير، وبأن فكرة الشرق أنتجتها الهيمنة الاستعمارية الغربية، وبأن صورة الشرق لم تنبع من المخيلة الغربية الفانتازية فقط، وإنما من نظريات ومؤسسات وممارسات استراتيجية. النقطتان الأخيرتان، كما تلاحظ الكاتبة، يرجحان الاعتقاد بأن سعيداً غير معني ببحث علاقة التطابق بين الخطاب الاستشراقي وموضوعه، ذلك أن اهتمامه انصب على مسألة التماسك الداخلي لهذا الخطاب. وهذه المسألة تربط المعرفة بالسلطة أو بإرادة القوة، وتسحب من المعرفة إدعاء تمثيل حقيقة موضوعية متعالية على الذات والتاريخ. لهذا بدل الحكم على صحة أو زيف خطاب الاستشراق بالرجوع إلى الحقيقة أو الواقع، يقتصر الأمر على تشخيصه كقناع للقوة والهيمنة الإمبريالية.
ونظرة سعيد في هذا الصدد تقارن بنظرة ميشال فوكو التي صورت المعرفة كحامل لعلاقات القوة المبثوثة في جميع مجالات الفضاء الاجتماعي، وكذلك بنظرة فريدريك نيتشه التي عرّت جذور الأخلاق الغربيّة لتكشف خلف واجهتها المتسامية روح العبودية والاستسلام. ولأن سعيداً الذي لا يريد لنظرته النقدية أن تنحصر في إطار نسبي ناتج عن الاعتراف بتعدد مراكز القوى وبتباين المنظورات، فقد بحث لها عن مرتكز آخر يتيح ربط النظرية بالممارسة، ويعارض السلبية السياسية للتفكير النسبي بعاملي الإرادة والفعل. من هذا المرتكز نشأ مفهومه عن المثقف المعارض ذي النظرة العلمانية والإنسانية التي تقاوم مختلف أشكال الهيمنة والادعاء بالنقاء الثقافي أو اللغوي أو الديني.
تناقش الكاتبة أيضاً ما تعتبره ارتباكاً في موقف سعيد الذي يذهب إلى أن الخطابات والتمثيلات هي التي تشكّل الواقع وتنتجه بهيئة أو بأخرى، ثم يتولى، في المقابل، الطعن بصدقيّة الخطابات المهيمنة بالاحتكام إلى الواقع كمعيار أخير. وموقف سعيد يبدو، في هذه الحالة، متناقضاً لأنه إذ يستبعد وجود معرفة موضوعية تعلو على التمثيلات المحكومة بأبعاد ذاتية وحدود جزئية وصور زائفة، لا يكف عن التذكير بإمكان بلوغ تمثيلات وتصورات أكثر قرباً من الحقيقة.
هذا الرهان المزدوج يتجسد في قضيتي الاستشراق وحق الشعب الفلسطيني. فهو يقيم حجّته ضد الاستشراق على أساس إنه حقل من حقول المعرفة الغربية، المشحونة بدوافع استعمارية واستعلائية. ويرمي جميع المستشرقين بتهمة التحيز، وتزييف واقع الشرق، وإسقاط أحكام غير تاريخية عليه. لكنه، في المقابل، يستدرك تعميمه هذا معترفاً بوجود تمايز وتفاوت في درجة الموضوعية بين مستشرق وآخر. ولعل معارضته الشديدة لغالبية استنتاجات الاستشراق دفعت بعضهم إلى تفسيرها على أنه دفاع ضمني عن خطابات الخصوصية التي لا تعترف بإمكان معرفة مجتمع ما باللجوء إلى مناهج ونظريات صادرة عن مجتمع آخر. لذلك وُصِف سعيد أحياناً بأنه سقط في ثنائية مجردة بين الشرق والغرب... وكان هذا رأي صادق جلال العظم الذي عبر عنه في مقال مبكر بعنوان "الاستشراق والاستشراق معكوساً" 1981. ويتكرر الازدواج نفسه في سرده للقضية الفلسطينية الذي يتداخل فيه البعدان الذاتي والجماعي، إذ يتصدى سعيد للرواية الصهيونية للتاريخ التي تنفي وجود الشعب الفلسطيني وحقوقه، ثم يقدّم رواية بديلة هي الصحيحة لأنها رواية الضحية. والمسألة هنا لا تكمن في شرعية المفاضلة بين رواية وأخرى، بل في الأرضية التي تبررها. فهي تتطلب معياراً أو مرجعاً أعمق وأشمل من الخطابات والتمثيلات الثقافية المتصارعة، وهذا تحديداً ما يرفضه سعيد بسبب موقفه المتشكك بجميع النماذج النظرية ذات المنحى التعميمي والإدعاء الموضوعي.
وتشخص الكاتبة في "الثقافة والأمبريالية"، الكتاب الثاني المهم لسعيد، أعراض تناقض متشابهة. فهناك، برأيها، التباس بين نزوع سعيد الجذري لربط الأدب والثقافة بالسياسة وبين ذوقه الأدبي المحافظ الذي تجلى في اختياره لنصوص كلاسيكية من الأدب الغربي. فبينما يهتم الكتاب بتحليل الثقافة الأمبريالية وأشكال مقاومتها، عكست اختياراته للنصوص تأثيرات المركزية الأوروبية التي قادته إلى التركيز على أعمال روائيين مثل جين أوستن وكيبلينغ وكامو، أو نقاد مثل كارلايل وميل وروسكين عرفوا بتواطئهم مع النظرات الاستعمارية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.