بعد موجة حرارة عالية لم يشهد الأردن لها مثيلاً منذ عقود أدت الى تراجع وجمود الحوارات السياسية في العاصمة الأردنية، يبدو ان اعتدال الجو ايقظ السياسيين المحليين المعنيين على حقيقة ان هنالك ملفات ساخنة يجب ان يبت فيها رئيس الوزراء الجديد المهندس علي أبو الراغب، وبعضها قضايا قديمة لا زالت عالقة ورثها من حكومات سابقة وتتعلق تحديداً بقضايا قادة حركة "حماس"، وقانون الانتخاب والعلاقة مع العراق وقضايا المفاوضات الاسرائيلية - الفلسطينية ومخرجاتها. وبعد الاستقبال الشعبي والبرلماني اللافت لحكومة أبي الراغب نجحت الحكومة في ان تعطي انطباعاً بالتفاؤل، خصوصاً لدى القوى الحزبية المعارضة، وبالتحديد الحركة الاسلامية وأحزاب المعارضة، عندما فككت هذه القوى اشارات حكومية غير مباشرة أوحت لها بأن الحكومة بصدد ايجاد حل لثلاث قضايا محلية عالقة: 1- قانون الانتخاب لمجلس النواب. 2- الحصار على العراق. 3- قضية قادة "حماس". والآن وبعد ان ظهرت المواقف من هذه القضايا الثلاث، وبالتحديد على لسان رئيس الوزراء علي أبو الراغب، فإن التوقعات تشير الى قرب انتهاء موجة التفاؤل بالاجراءات الحكومية المقبلة وبالتالي انتهاء شهر العسل بين المعارضة والحكومة، كون حسابات الحكومة لم تأت حسب توقعات المعارضة. وكان رئيس الوزراء صريحاً في اجابته على أحزاب المعارضة في القضايا الثلاث. فحول قانون الانتخاب، اكد ابو الراغب ان الثابت الوحيد في قانون الانتخاب الحالي هو "مبدأ الصوت الواحد" الذي تعارضه الحركة الاسلامية وأحزاب المعارضة والنقابات بل انها قاطعت انتخابات العام 1997 احتجاجاً على هذا المبدأ، وأما قضية موقف الحكومة من كسر الحصار على العراق فقد أعلن أبو الراغب بكل وضوح الموقف من رفض الحصار والعمل مع الدول العربية لإزالته، لكنه اكد ان الأردن وحده لا يستطيع كسر الحصار وقال: "لا تطلبوا منا ما لا يطلبه العراقيون... نحن لسنا دولة عظمى حتى نتحدى الحظر الاميركي...". وفي قضية قادة "حماس" جدد أبو الراغب موقف الحكومة بأن لا حل يلوح في الأفق سوى ذلك الحل الذي عرضته الحكومة السابقة والقائم على مبدأ السماح لقادة "حماس" بالعودة الى البلاد كمواطنين عاديين من دون صفاتهم التنظيمية، فيما تصر حركة "حماس" على عودتهم كمواطنين مع صفاتهم التنظيمية شرط الا يمارسوا أعمالاً سياسية أو اعلامية لمصلحة "حماس" داخل الأراضي الأردنية. وقد استقبلت أحزاب المعارضة وبالتحديد الحركة الاسلامية موقف الحكومة باستهجان مجددة تأكيد مواقفها السابقة بالإبقاء على مقاطعتها للانتخابات النيابية المقبلة، ويبدو هنا ان الطرفين وقعا في الاحراج، فالحكومة تريد عودة الحركة الاسلامية واحزاب المعارضة الى عباءة مجلس النواب والمشاركة في القرار السياسي لكن الحركة الاسلامية وعلى رأسها جماعة "الاخوان المسلمين" لا تستطيع السكوت على تلك القضايا الساخنة. ويبقى الملف الأسخن لدى الحكومة هو المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين بعد فشل قمة كامب ديفيد، حيث يواجه الأردن موقفاً حساساً وحرجاً داخلياً وخارجياً يتطلب مهارة فائقة في ادارة حملته الاعلامية والسياسية، فالأردن يعلن بأن له مصالح في مفاوضات الحل النهائي، لكنه لن يكون شريكاً في الجلوس على طاولة المفاوضات، الا ان الموقف الأردني غير مفهوم من الناحية العملية، اذ كيف يمكن الحفاظ على المصالح الأردنية وبالتحديد حقوق نصف الشعب الأردني من أصل فلسطيني من دون الجلوس على طاولة المفاوضات أو على مقربة منها تسمح بمعرفة دقائق الأمور، لأن من الصعب تصحيح أي غبن يقع على المصالح الأردنية بعد اتفاق السلطة الوطنية الفلسطينية مع اسرائيل وتوقيع اتفاق سلام بينهما، لكن الموقف الأردني قد يكون مبرراً، لدى الحديث عن المخاوف من حجم التنازلات المطلوبة من الجانب الفلسطيني، لذا سعى الأردن خلال الشهر الماضي الى قيادة حملة اعلامية لتوضيح وجهة نظره حيال القضايا المطروحة، وبالتحديد اللاجئين والمقدسات والقدس، حيث أعلن العاهل الأردني أمام رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك الذي زار عمان مرتين ان الأردن يرفض السيادة الاسرائيلية على المقدسات ويعتبر ان القدسالشرقية أرض محتلة ينطبق عليها القرار الرقم 242. ويعتقد مسؤولون أردنيون بأن الموقف الأردني تعرض بعد كامب ديفيد للتشويه بشكل متعمد بقصد الضغط عليه، خصوصاً ما سربته الاذاعة الاسرائيلية وجريدة "هآرتس" حول "رسائل سرية وصلت الى تل ابيب من عمان تفيد بأن الأردن معني بعدم وجود خط حدود مشترك بينه وبين الدولة الفلسطينية المستقبلية". اضافة الى الاشاعات التي تحدثت عن ضغوط أردنية على الرئيس ياسر عرفات لتأجيل البحث في قضية القدس، وهو ما نفاه ل"الوسط" وزير الخارجية الأردني عبدالإله الخطيب الذي قال: "ليس صحيحاً ان جلالة الملك طلب من الرئيس عرفات تأجيل بحث قضية القدس، فالطلب كان التأجيل حتى الاتفاق على القضايا الأخرى مثل الأرض واللاجئين... ولم يطرح الأردن اطلاقاً اقتراحاً بتأجيل بحث قضية القدس الى ما بعد المفاوضات التي كانت جارية في كامب ديفيد". لذا اصبح الموقف الأردني حساساً وهو ما حدا برئيس الوزراء للقول ان الأردن لم يطرح أي اقتراح لحل مسألة القدس. وهذا التصريح جاء ليضع حداً للقائلين بأن زيارة باراك الأخيرة لعمان جاءت كمحاولة ضغط على عرفات. وتقع القيادة الأردنية بين نارين، فهي على تماس مباشر مع مخرجات اي اتفاق فلسطيني - اسرائيلي محتمل، لكنها في الوقت نفسه لا تريد التخلي عن دورها السياسي في المنطقة وبالتالي فإنها تحاول ان تلعب دوراً يساعد على تعزيز مكانتها في المنطقة بما لا يتعارض مع دورها القومي في دعم الفلسطينيين والسوريين، ونيل الدعم الاميركي، خصوصاً وان الأردن يسعى لأن يكون رابع دولة في العالم توقع على اتفاقية تجارة حرة مع الولاياتالمتحدة الاميركية