ما أن انتهت قمة كامب ديفيد إلى الفشل الذي "يمكن البناء عليه" حسب تصريحات العديد من الافرقاء حتى تحول كل من الفريقين الفلسطيني والإسرائيلي إلى سباق لكسب تأييد الأطراف المؤثرة في نقاط الخلاف، وفي مقدمها قضية القضايا: القدس. وقام الرئيس ياسر عرفات بجولة حول العالم ، لجس نبض الدول حول مواقفها من إمكانية إعلان الدولة الفلسطينية في 13 أيلول سبتمبر المقبل، وتأكيد حق الفلسطينيين باسترجاع الأراضي المحتلة حسب قرارات الأممالمتحدة، وفي مقدمها القدس. وفي المقابل خططت السلطات الإسرائيلية لحملة قامت بها مجموعة من المقربين من رئيس الحكومة: يوسف بيلين توجه إلى الولاياتالمتحدة وخطط للقاء العديد من المسؤولين الأوروبيين. بينما قام وزير الخارجية الجديد بن عامي شلومو بجولة غطت تركيا وإسبانيا والفاتيكان. وتحدث بعض الأوساط عن جولة سرية قام بها داني ياتوم على دول عربية جمّدت علاقاتها الفاترة أصلاً مع اسرائيل منذ تعثر المفاوضات في شقيها الفلسطيني والسوري قبل ذلك. وعلى رغم زخم هذا التحرك الديبلوماسي الإسرائيلي، فإن ما لفت الانتباه كان نوعية الدول التي توجهت إليها الوفود الإسرائيلية، خصوصاً الزيارة التي قام بها شيمون بيريز إلى أندونيسيا مباشرة بعد مغادرة عرفات العاصمة جاكرتا. وإذا كان من الممكن تفهم زيارات عرفات لوضع المعنيين بقضية القدس أمام مسؤوليتهم، فإن طبيعة الاتجاه الذي سلكته الديبلوماسية الإسرائيلية طرح أكثر من سؤال. ويلاحظ أولاً الطبيعة الدينية للدول التي شملتها الزيارات الإسرائيلية فمنها الإسلامية: تركياوأندونيسيا. ومنها الكاثوليكية: الفاتيكانإيطاليا واسبانيا. وتشير هذه المفارقة إلى أن قضية القدس هي في لب محاولات كسب التأييد الذي تبحث عنه إسرائيل. ولكن إقحام أندونيسيا في معركة كسب التأييد هذه، أثار الدهشة، خصوصاً أن أندونيسيا منذ غياب أحمد سوكارنو ابتعدت عن التدخل في القضايا الدولية عامة، وفي الشرق الأوسط خاصة. وبحكم أن أندونيسيا أكبر دولة إسلامية في العالم توجه عرفات إليها للتشاور في شأن القدس، وكان يمكن أن تتم الزيارة تحت هذا البند، لولا مسارعة بيريز إلى زيارة جاكرتا والتصريح المثير للرئيس الأندونيسي عبدالرحمن وحيد في اليوم التالي حول القدس، طالب "بإبقاء القدس تحت السيادة "الإدارية" لإسرائيل" على أن تكون السيادة السياسية "تحت إشراف ست دول من المنطقة: إسرائيل والأردن وفلسطين ولبنان وسورية ومصر". ومن دون الدخول في مهاترات التوضيح عن ماهية "السيادة الإدارية" ارتفعت الأصوات في صفوف مؤيدي الرئيس الأندونيسي قبل معارضيه تشجب تصريحاته "المؤيدة لإسرائيل"، والتي تؤكد تصريحات سابقة فور وصوله إلى سدة الحكم. ويقول أحد العاملين في الأممالمتحدة ان تصريحات وحيد مأخوذة من ملفات تيمور الشرقية القديمة، والتي طرح خلالها الإبقاء على السيادة الإدارية لإندونيسيا في المقاطعة التي سُلخت عنها. ولكن السؤال هو لماذا هذا الاندفاع الأندونيسي في اتجاه المحافل الشرق أوسطية، خصوصاً أنه أثار عاصفة بتصريحه برغبته زيارة بغداد. ويجيب أحد الديبلوماسيين بأن هذا الاندفاع يعود أولاً إلى رغبة الرئيس وحيد نظراً إلى اعتبارات عدة منها المتعلقة بالسياسة الداخلية، ومنها الشخصية على اعتبار أنه درس في بغداد ويجيد اللغة العربية جيداً. من المؤكد أن لهذه الاعتبارات وزناً في قرارات الرئيس الأندونيسي، خصوصاً بعد التملل الداخلي من سياسته، وقراره تسليم الشأن اليومي إلى نائبة الرئيس ميغواتي، غير ان ما يتخوف منه الفلسطينيون هو التوجه الإسرائيلي نحو "البعد الإسلامي فقط" للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، مما ينزع عنه البعد القومي العربي، ويخفف من وزن الدعم العربي للمفاوض الفلسطيني في قضايا أخرى توازي قضايا عاصمة الدولة المقبلة والسيادة على القدسالشرقية مثل قضية حق العودة والتعويضات والاعتراف بدور إسرائيل بتشريد الشعب الفلسطيني. ويضيف هؤلاء ان التوجه السياسي نحو الوزن الديموغرافي الإسلامي لدول بعيدة عن الصراع العربي الإسرائيلي أندونيسياوتركيا مثلاً يؤطر الصراع على القدس في نطاق ضيق تحده الأديان الثلاثة ويفتح الأبواب أمام حلول دولية يمكن أن لا يكون للمفاوض الفلسطيني في الفترة الحالية القدرة على مواجهتها. ولا يستغرب بعضهم أن يكون تحرك الرئيس وحيد في هذه الفترة من نتائج الضغط الأميركي على الأطراف المعنيين بقضية القدس في محاولة لسحب بساط العامل الإسلامي من تحت أقدام الرئيس الفلسطيني الذي يحاول الاعتماد عليه في غياب قمة عربية تدعمه قومياً. ويحاول الرئيس الأندونيسي في مواقفه هذه، حلّ الأزمات التي ما فتئت تتفتح في مقاطعاته الغنية والتي يمكن أن تؤدي إلى انسلاخ مقاطعات أخرى عن الدولة الأندونيسية، وذلك عبر كسب تأييد الولاياتالمتحدة لإنهاء الصراع في مقاطعة إيريانا جايا الغنية التي تطالب بالاستقلال تحت اسم ببوازي الغربية. ومن المعروف أن أكبر المستثمرين الأجانب في المقاطعة هي شركة المناجم الأميركية "فري بورت" التي تعتبر رب العمل الأول في المنطقة الغنية بالذهب والفضة والنحاس