يؤكد اغلاق الحدود الباكستانية - الأفغانية الذي لجأت اليه السلطات الباكستانية في نقطة "طورخم" الحدودية ضيق السلطات في اسلام اباد بوجود المهاجرين الأفغان على رغم انها تتمتع بعلاقات جيدة ووطيدة مع حركة "طالبان" الحاكمة في كابول. غير أن ظروفها وأوضاعها الاقتصادية المتردية لم تحل دون المضي قدماً في قرارها الذي قد يأتي بمتاعب خارجية وداخلية، وهو ما أقرت به مصادر باكستانية، إذ حالما اتخذ القرار صبت المنظمات الدولية جام غضبها عليه واعتبرته غير انساني، كما دعت حركة "طالبان" باكستان الى إعادة فتح الحدود. ويبدي المواطنون الباكستانيون تبرماً وامتعاضاً لوجود المهاجرين الأفغان بعدما امتدت أسباب هذه الهجرة من الحرب الى الجفاف والبطالة، الأمر الذي يزيد من متاعب الباكستانيين الاقتصادية الموجودة أصلاً، فقد زاحم المهاجرون الأفغان الباكستانيين في أكثر الأعمال والمهن، وعلى رأسها اشغال المطاعم والمخابز والمواصلات. ويعترف المهاجرون الأفغان الجدد بأن سبب الهجرة الحالية عائد الى الجفاف والبطالة. وقال القادمون حديثاً من الشمال الأفغاني ل"الوسط"، في مخيم "شمشتو" حيث حط بهم الرحال: "لم نعد نتحمل البقاء في أرض مقفرة جرداء بسبب القحط والجفاف الذي سبب البطالة، اضافة الى استمرار الحرب التي أتت على الأخضر واليابس". وأكد المسؤولون الباكستانيون المعنيون بملف المهاجرين الأفغان ل"الوسط" ان النسبة العظمى من المهاجرين الأفغان التي تتدفق على باكستان بمعدل 28 ألف مهاجر شهرياً تعود أسباب هجرتها الى البطالة والقحط والجفاف، ولا علاقة للهجرة باستمرار الحرب. وكان برنامج الغذاء العالمي ناشد الدول المانحة توفير 54 مليون دولار على جناح السرعة من أجل انقاذ أكثر من مليون أفغاني مهددين بالموت جوعاً بسبب الجفاف الذي لم تشهد افغانستان مثيلاً له. وسألنا أحد المسؤولين الباكستانيين عن موعد عودة المهاجرين الأفغان، فرد قائلاً: "اتفقت المفوضية العليا للاجئين مع باكستان و"طالبان" على عودة 100 ألف أفغاني سنوياً، وهذا يعني ان مسألة عودة 1.5 مليون مهاجر أفغاني ستستغرق 20 سنة"! السلطات الباكستانية لا تخفي خوفها من ان يكون بين المهاجرين الجدد أتباع لزعيم المعارضة الأفغانية أحمد شاه مسعود، العدو الأول لباكستان الذي درج على اتهامها بدعم "طالبان" لبسط سيطرتها على كامل التراب الأفغاني. وتخشى الأوساط الأمنية الباكستانية ان تلجأ هذه العناصر الى القيام بأعمال تخريبية انتقاماً لما تصفه بالدعم الباكستاني ل"طالبان". ولاحظت "الوسط" في زيارتها لمخيم "شمشتو" ان عدداً من المهاجرين أصيبوا بمشاكل عقلية ونفسية، فهم لا يعرفون مصيرهم ولا مصير أبنائهم في مخيم يفتقد الى أبسط الخدمات الانسانية. وعلى رغم ان عدداً من المنظمات الدولية والاسلامية تقوم بتهيئة المناخ لإعادة توطين المهاجرين الأفغان، إلا أن القحط الذي ضرب البلاد خلال السنوات الماضية أعاق تلك المساعي. وقال المدير العام لهيئة الاغاثة الاسلامية العالمية عدنان خليل باشا ل"الوسط" ان الهيئة تقوم بتهيئة الأوضاع الملائمة للعودة، ولذا قامت ببناء جامعة للعلوم والتقنية، ومستوصفات ودور للأيتام لتسهيل استيعاب المهاجرين. وشدد على أن الخدمات التي تقدمها الهيئة تقتصر على الحاجات الطارئة باعتبار أنها تؤمن بحتمية عودتهم الى بلادهم. ولا يخفي كثير من الباكستانيين قلقهم إزاء وجود المهاجرين الأفغان الذين يتحدرون من العرقية البشتونية، الأمر الذي قد يخل بالميزان الديموغرافي على حساب العرقيات الأخرى البنجابية والسندية، لا سيما أن البشتون الأفغان والباكستانيين يقتسمون حدوداً واحدة، ولا يؤمنون بالحدود التي رسمتها بريطانيا في 1893. وحين يُسأل المهاجرون الأفغان عن سبب عدم العودة، يقولون: "كيف نعود بلا خدمات صحية ولا تعليمية، فعلى المجتمع الدولي قبل أن يطالبنا بالعودة أن يوفر مثل تلك الحاجات". ومن الأسباب الأخرى لعدم العودة انه، وفقاً للاحصاءات، يوجد 3-5 ملايين لغم أرضي في افغانستان. ويرى مراقبون سياسيون ان على المجتمع الدولي، خصوصاً الولاياتالمتحدة التي كانت أول المستفيدين من انهيار الاتحاد السوفياتي بعد انسحابه من افغانستان، مسؤولية أخلاقية في حل مشكلات الشعب الأفغاني