ينتمي موسى برهومة إلى سلالة من الشعراء، مهددة بالانقراض، تحت وطأة الكتابة اللاهثة التي تملأ الفضاء، مخلّفةً وراءها لغة عقيمة تصادر الشعر وترميه في هاوية بلا قرار. وقدر هؤلاء الشعراء أن يصارعوا ضدّ الكلام الزائد، وأن يتمسّكوا بالشعر كملاذ أخير في عالم مفرّغ من المعنى، مجرّد من الروح. وربما كانت الخشية أو التوجس وراء امتناع الكاتب الأردني عن تعريف نصوص كتابه الأول الصادر حديثاً عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" في بيروت، تحت عنوان "هذا كتابي". فعبارة "قصائد" أو "شعر" على غلاف كتاب، أصبحت مضللة لا تعبر بالضرورة عن مكنون الكتاب. لكن نصوص موسى تنتمي حتماً إلى الشعر. إنّها شعر عذب في زمن يفتقر إلى العذوبة. يبتعد برهومة عن قصيدة التفعيلة، مع أن الغنائيّة منتشرة في كلماته وجمله. ويختار قصيدة النثر وهي الخيار الصعب، تاركاً الصورة تنهض بالقصيدة، والصورة هنا ليست هي المألوفة في الواقع، حيث ينحصر دور الشاعر في اختيار زاوية الرؤية، بل انها أقرب إلى لوحة صاغها الحلم وفق منطق يصل بالغرابة إلى حدودها القصوى. وتتأرجح قصائد المجموعة بين لغة صوفية، تحلّق في دلالاتها بعيداً، من دون أن تتجاوز ضفاف الوجد... وبين لغة حسيّة تلامس السطح حيناً وتلج إلى الكامن حيناً آخر، إنّما أيضاً، من دون أن تفقد لحظة الادهاش. وبين هاتين اللغتين يعدو الشعر بقيثارته كطفل يكتشف العالم لأول مرة. ونستطيع أن نحيل تلاعب الشاعر مع اللغة، إلى مصادر مختلفة ليس صعباً اكتشافها. فثمة عبارات مستوحاة من اللغة الدينية، مبثوثة هنا وهناك. وثمة تصاريف لغوية مشتقة من المرجع نفسه. ومن بعيد نلمح ظلالاً لمحمود درويش، لكنّ ذلك لا يعني أن الشاعر الأردني ينقل أو يتأثر بصورة سلبيّة، أو يمسخ اللغة الدرويشيّة، ويعيد انتاج صيغها: "العاشق مات، هذا كتابه هذي وصيته الأخيرة". "هذا كتابي" مجموعة نصوص، ذات نفس شعري حتماً، تتكئ على مخزون لغوي يمتد إلى شعر المعلقات من دون أن يفقد علاقته باللحظة اليومية.