تشير التقديرات الى ان الايرادات النفطية لدول الخليج العربي ستبلغ هذا العام 79 مليار دولار، وهو رقم يزيد بنسبة 7،5 في المئة عن العام الماضي. واستندت هذه التقديرات الى عنصرين مباشرين: الاول، استمرار الانتاج اليومي عند مستوى 600،13 مليون برميل يومياً، وهو المستوى المرتفع نفسه الذي تحقق العام الماضي بفعل ارتفاع انتاج كل من سلطنة عمان وقطر الى 840 و420 الف برميل على التوالي، الى جانب استقرار مستويات الانتاج في الدول الخليجية الاخرى. اما العنصر الثاني فهو توقع استمرار متوسط اسعار النفط عند مستوى 18 دولاراً للبرميل، في مقابل 16 دولاراً العام الماضي، علماً ان هذه الاسعار بلغت في الربع الاول من هذا العام 6،18 دولاراً في مقابل 8،16 دولاراً للفترة نفسها في العام 1995. ومع ذلك، فإن ثمة اجماعاً على الاعتقاد بأن تحسن ايرادات النفط لن يلغي، او حتى يعرقل، سياسة ترشيد الانفاق العام واصلاح الخلل المالي التي باشرت جميع دول الخليج اعتمادها في السنوات الاخيرة، ولو بصورة متفاوتة بين دولة وأخرى. وقد يكون الاعتقاد القائم بتوقع استمرار تقلب اسعار النفط في الاسواق العالمية السبب المباشر والرئيسي لاندفاع دول الخليج نحو التوسع في اجراءات التصحيح المالي وتقليص موازناتها العامة. وتشير أرقام الموازنات التي اعدتها دول الخليج لهذا العام الى استمرار التراجع في حجم الانفاق العام الذي من المقدر ان ينخفض في العام الحالي الى 69 مليار دولار، في مقابل 73 ملياراً في العام الماضي و86 ملياراً في العام 1992. وقد أدى تقليص الانفاق العام الى تراجع العجوزات المقدرة الى 5،10 مليار دولار هذا العام، بما يقل بنسبة 6 في المئة عن العام الماضي، عندما وصلت قيمة هذه العجوزات الى 5،11 مليار دولار. وبالمقارنة مع ما كانت عليه قيمة العجز المالي 8،57 مليار دولار في العام 1992، فإن الدول الخليجية تكون قد حققت نتائج قياسية في مجال معالجة اختلال موازناتها العامة. ومن المقدر الاّ تزيد نسبة العجز في العام الجاري عن 6،0 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في الامارات، و8،3 في المئة في السعودية و5،4 في سلطنة عمان، ما يعني ان متوسط العجز سيتراجع هذا العام الى 7،4 في المئة، بعدما كان بلغ 10 في المئة في العام 1992. ويقول خبراء اقتصاديون خليجيون، ان التوجهات المالية التي تعتمدها دول مجلس التعاون في مجال ترشيد الانفاق العام وزيادة الايرادات غير النفطية ستركز على البنود الآتية: تقليص الدعم الذي تقدمه لاسعار الخدمات التي توفرها، مثل اسعار الكهرباء والمياه والنقل والاتصالات، وكانت السعودية وسلطنة عمانوالامارات فرضت زيادات على اسعار المياه والكهرباء والنقل. ومن المقدر ان تفرض في خلال السنوات المقبلة، زيادات اضافية، علماً أن اسعار هذه الخدمات، لا زالت تقل كثيراً عن مستوى كلفتها بما يقل عن 50 في المئة من السعر الحقيقي للكلفة. ومن الواضح ان دولاً خليجية اخرى تتجه نحو اعتماد خيار التخصيص، لخفض اكلاف الانتاج من جهة، وتحرير الاسعار كهدف نهائي وان بصورة تدريجية من جهة أخرى، وهو ما يبدو ان دولاً مثل الكويت والبحرين والامارات وسلطنة عمان تتجه الى اعتماده، من خلال الافساح في المجال امام القطاع الخاص لتشغيل قطاعي الكهرباء والمياه. الى ذلك، وفي اطار السعي لخفض الانفاق العام، فإن ثمة اتجاها اكثر بروزاً نحو اعادة النظر بنظام الاعانات الذي تعتمده غالبية الدول الخليجية، وهو نظام يشتمل على تقديم قروض ميسرة لآجال طويلة، بفوائد رمزية. او حتى من دون فوائد لبعض القطاعات المصنفة انمائية واجتماعية، مثل قطاعات الزراعة والصناعة والاسكان. وتشير الارقام الرسمية الى أن الاعانات التي توفرها دول الخليج تمثل ما يتراوح بين 2 و3 في المئة من اجمالي الناتج المحلي. وحسب بعض التقديرات، فإن اعادة النظر في نظام الاعانات والمساعدات تركز في المرحلة الاولى على التشدد في شروط الاعانة وفق برنامج اولويات يتم تحديده على ضوء ظروف التنمية الاقتصادية والاجتماعية. اما على صعيد زيادة الايرادات العامة، فإن الاتجاه الحالي لدى غالبية دول مجلس التعاون، هو اعادة النظر بالرسوم الجمركية، واعتماد تعرفة متحركة تأخذ في الاعتبار فرض تعرفات اعلى على السلع المصنفة كمالية، وهو ما اعتمدته حالياً، ولو بصورة محدودة، دول مثل الكويت وسلطنة عمان. وكانت الحكومة العمانية لجأت الى فرض ضريبة على ارباح الشركات اعتباراً من مستوى 30 ألف ريال 67 الف دولار، فيما تخطط الكويت لفرض ضريبة مبيعات على السلع المصنفة محلياً، في حين يتوقع ان تتوسع الدول الخليجية في فرض الرسوم على استقدام العمالة الفائضة. ومع ان دول مجلس التعاون باشرت فتح الباب امام القطاع الخاص لادارة بعض الخدمات الاساسية، الاّ أن الاعتقاد القائم هو انها تتجه الى التوسع في برامج التخصيص لكي تشمل جميع القطاعات، باستثناء قطاعي النفط والغاز، علماً ان بعض الدول افسح المجال امام نوع معين من المشاركة في مشاريع انتاج النفط والغاز، على غرار ما يحصل في الامارات وسلطنة عمان وقطر. ووفق الخبراء الماليين، فإن المرحلة المقبلة ستشهد المزيد من الانفتاح في قوانين الاسواق المالية الخليجية، لتشجيع الرساميل الاجنبية على التوظيف فيها، في ظل الاعتقاد القائم بأن هذه الرساميل ستكون احد الشروط الاساسية لنجاح مشاريع التخصيص نظراً الى ضخامتها وحاجتها الى الخبرات المتقدمة.