انتهت مادونا أخيراً من تسجيل الأغاني الخاصة بفيلم "ايفيتا" حيث تجسد شخصية إيفا بيرون، المرأة التي لعبت دوراً مهماً في حياة الارجنتين الحديثة. وعلى عادتها، أثار فيلم النجمة الأميركية ضجة واسعة، خصوصاً في الارجنتين التي تظاهر في شوارعها أنصار الحزب البيروني استنكاراً لتقمص مادونا شخصية بطلتهم القومية. وفيما هتف هؤلاء بحياة ايفا بيرون، طالبوا ب "طرد مادونا" بحجة أنها تجرأت على لعب دور المرأة الفذة لأنها تشبهها في لون البشرة والشعر والقامة. ممثلتان فاشلتان لكن غاب عن بال المنددين وجود صفات مشتركة أخرى بين السيدتين لا يمكن تجاهلها مع أنها على درجة محدودة من الأهمية. وفي طليعة هذه السمات يأتي فشل ايفا بيرون ومادونا في انجاز شريط سينمائي جيد، فهما تفتقران الى الموهبة التمثيلية. ومع أن كلاً منهما بذلت جهداً حثيثاً لتحقيق نجاح سينمائي فقد بقيت هذه الغاية صعبة المنال. ولئن كان المستقبل لا يزال مفتوحاً أمام نجمة الروك العالمية، فلا شك ان "المكتوب يقرأ من عنوانه" والأفلام التي ساهمت فيها حتى الآن تدل الى أن النجاح السينمائي سيراوغها زمناً طويلاً، على الأقل. وكما عاشت مادونا مرارة الفقر المدقع في أميركا قبل أن تبدأ الملايين بالتدفق عليها، ذاقت ايفا بيرون أيضاً طعم البؤس في مطلع حياتها. فهي هربت في سن السادسة عشرة من الفقر الذي خيم بظلاله السوداء على مسقط رأسها في الريف البعيد، وأتت العاصمة بوينس ايريس العام 1935 حاملة معها أحلام السعادة. غير أنها اضطرت الى العيش على "كسرة الخبز" التي حصلت عليها لقاء أدائها أدواراً بسيطة. وهي رضيت أحياناً بكوب شاي أو فنجان قهوة كأجر سعت الصبية الفقيرة اليه طويلاً. بيد أن الحظ لم يلبث أن ابتسم لها بعد نحو 9 سنوات على بداية رحلتها الفنية، اذ التقت العام 1944 خوان دومينيغو بيرون الذي شغل منصب وزير العمل في الحكومة العسكرية. وسرعان ما "علقت السنارة" فطلب الشاب المتيم يدها بعد قصة حافلة استغرقت حوالي سنة وتتوجت بزواجهما اثر تسلم بيرون رئاسة البلاد. وبقيت الحسناء الرقيقة سيدة للارجنتين وأميرة على قلوب ابنائها طوال 8 سنوات قطنت فيها القصر الرئاسي. غير أن السرطان قضم حياة الصبية الفاتنة، اذ تسلل الى رحمها فتوفيت العام 1952 عن عمر ناهز 32 سنة. وعلى عادة العظام الذين يكتبون عناوينهم فوق جبين التاريخ، لم يغيّب الموت ايفا بيرون. فهي لا تزال تستأثر بالقلوب وتحرك الأهواء في بلاد عصفت بها رياح السياسة ولوى عنقها العسكر غير مرة. ولعل الاستنكار الذي قوبلت به مادونا وصحبها، خير دليل على أن جذوة الحب الشعبي للراحلة الكبيرة لم تنطفئ بعد، خصوصاً بين أنصار "الحزب البيروني". وفيما يقول معلقون إن الغالبية العظمى بين المتظاهرين كانت من أعضاء الجناح اليميني المتطرف في ذلك الحزب، هناك اجماع بين المراقبين على مكانة ايفا لدى الارجنتينيين جميعاً. وهل يُعقل ان ينسى الفقراء تلك الشابة التي ظلت وفية لهم ولأحيائهم الواطئة التي خرجت منها الى القصر الرئاسي؟ وبفضل عفويتها واحساسها بالفقير والمعذب، اضافة الى جمالها الغض سطع نجم ايفا وكادت تسرق الشهرة والاعجاب من زوجها "الديكتاتور" المحبوب. كيف اذن اختار المخرج اوليفر ستون مطربة "فضائحية" لأداء دور السيدة الكبيرة في شريطه الغنائي؟ والانكى أنها ممثلة من الدرجة الثالثة تعجز عن توظيف مواهبها في التمثيل بسبب "تفرغها" لاشعال نار الفضائح! والنجمة "الجريئة" لم تأبه لتظاهرات الاحتجاج الارجنتينية بل شرعت بتنفيذ العقد الباهظ الذي نص أحد بنوده على استضافتها في جناح فاره في فندق "حياة ريجنسي" يبلغ سعره 1700 جنيه استرليني عن الليلة الواحدة. وهي تخرج الى "العمل" ضمن موكب من الحراس الشخصيين الذين اضطرت الى الاستعانة بهم بعد حوادث عدة مع "معجبين" قدم أحدهم أخيراً الى المحاكمة في أميركا بتهمة التربص بالنجمة ومحاولة الاعتداء عليها. وعلى رغم الاستنكار الواسع، تجد مادونا من يلوح لها تعبيراً عن اعجابه بغنائها. أما الحكومة فهي تحاول الوقوف على الحياد، اذ لا يستطيع الرئيس كارلوس منعم وهو البيروني العتيد أن يرحب بفنانة يتهمها ارجنتينيون ب "تدنيس" زعيمتهم الاسطورية. وفي الوقت ذاته يقدر الرئيس قيمة المنافع الاقتصادية التي يعود بها الفيلم على البلاد وفي مقدمتها 5000 وظيفة موقتة يفيد منها الشباب العاطلون عن العمل. لكن، بعيداً عن صخب المستنكرين وهدوء المحايدين، ماذا تقول النجمة التي وافقت على اقتسام بطولة الفيلم مع الممثل الاسباني انطونيو بانديراس الذي اعترفت سابقاً انها تكن له مشاعر "حميمة"؟ قالت مادونا... الأرجح ان الفنانة الشهيرة قد ملت نمط حياتها المعتاد، وربما وجدت في الفيلم الجديد فرصة ذهبية للتخلي عن الفضائح التي كانت بمثابة قوتها اليومي، في فترات عدة. فهي رضيت بلعب الدور حالما عرضه عليها المخرج أوليفر ستون لأنها لا تريد أن تمضي عمرها وهي "تقتات على الفضيحة". وتأمل النجمة أن يشكل فيلم "ايفيتا" نقطة التحول في مشوارها السينمائي. ومع أنها تغني في الفيلم، فهي تؤدي دوراً مأسوياً يعتمد أولاً على موهبتها الدرامية بينما تأتي الناحية الاستعراضية لتكمل الحبكة وليس العكس مثلما يحدث في كثير من الأحيان. ولا يفوتها أن تؤكد اعجابها بايفا بيرون، وأملها أن يطهّرها دور السيدة العظيمة مما علق بها من "شوائب" كثيرة. وان اصرت مادونا على امتلاكها موهبة تمثيلية فهي لا تنكر أنها تسلقت سلم الفضيحة الى عالم الشهرة، سواء حين أدت استعراضات على درجة لا بأس بها من الخلاعة أو عندما أطلقت تصريحات جريئة تتصل بحياتها الخاصة وتسلط الضوء على شذوذها وميلها الى "الاختلاط" بنساء منهن الممثلة روزي بيريز والعارضة ناومي كامبل. ويذكر ان كتابها الجريء الذي صدر العام 1992 ضم صوراً اباحية لها مع العارضة الشهيرة كامبل! ولم تقتصر الاعترافات على "المغامرات الخاصة" بل تعدتها الى حياة مادونا العائلية، اذ قالت ان زوجها السابق الممثل والمخرج شين بين، كان في حالة من السكر الدائم منعته من الاهتمام بما كانت تفعله هي وبالتالي بمحاولة اعادتها الى "الطريق الصحيح" وانقاذ زواجهما. وأضافت: "كان شين يغار عليّ من الصحافيين ويضربهم كلما حاولوا سؤالي عن شيء، أو التقاط صورة لي في مكان عام. لكني لم أخنه أبداً مع صحافي". وقضت بطلة "ايفيتا" شهرين في لندن من أجل تسجيل أغنيات الفيلم، فاكتشفت الى "أي مدى يميل الشعب البريطاني للاهتمام بالعائلة المالكة على رغم ان أفرادها يعيشون حياة "مثيرة للجدل"! وأضافت ان هذا الميل يدل الى "حقيقة أخلاق الفرد البريطاني الذي يتظاهر دائماً بالأدب والحشمة". ورداً على سؤال عن أنطونيو بانديراس زميلها في الفيلم قالت: "كنت أحبه منذ أربع سنوات، لكنه لم يُبد اهتماماً لائقاً بي وظل مخلصاً لزوجته. غير أن اخلاصه ذاب مثل السكر في فنجان الشاي بمجرد أن غمزته ميلاني غريفيث. أنا أهنئها فهي أقوى مني، على الأقل مع بانديراس". وكأن هذا كله لم يكف بطلة "ايفيتا"، فها هي تستعد لترويج نفسها واستقطاب الاهتمام الاعلامي والشعبي عن طريق لعب ورقة جديدة. وهي الادلاء بتصريحات ساخنة حول اغتصابها في سن المراهقة، وكيف أدت هذه الحادثة فيما بعد الى بلورة نظرتها الى الرجل والحياة عامة. هكذا تنوي مادونا اعتزال الفضيحة والاكتفاء بسرد حكايات "حقيقية"، حسب تعبيرها، عن تفاصيل حياتها الفنية والخاصة. فهي تعتبر نفسها مدينة الى جمهورها بالحقيقة، حتى اذا كانت اجهزة الاعلام عاجزة عن التفرقة بين هذا الامر والرغبة في إثارة الفضيحة. وتقول مادونا في شيء من الأسى ان الصحافة "سوف تعترف بموهبتي وانجازاتي بعد رحيلي عن الدنيا" مثلما اعترفت بتميز الكثيرين من "العباقرة" اثر غيابهم، ولا سيما فان غوخ!