تم الكشف اخيراً عن وثيقة سرية لوزارة الدفاع الاميركية تتضمن 7 سيناريوهات لحروب ممكنة في عدد مناطق من التفجير في العالم، كالشرق الاوسط ومناطق في آسيا واوروبا. وقال روبرت غيتس مدير وكالة المخابرات المركزية الاميركية ان اوضاع الشرق الاوسط ستظل لها الاولوية في اهتمامات الولاياتالمتحدة، وان احتمال تدخل الولاياتالمتحدة، في المنطقة، مرة اخرى، سيظل قائماً. واعترف الجنرال كولين باول رئيس الاركان المشتركة لقوات المسلحة الاميركية بوجود هذه السيناريوهات، وأكد ان الولاياتالمتحدة هي "الدولة الوحيدة التي يقود العالم الحر، وقد وضعها التاريخ في هذه الصدارة بعد النصر في حرب الخليج والانتصار في الحرب الباردة، ولن تتراجع واشنطن عن هذه المسؤولية او تفكر في التخلص منها". كل ذلك يبين مدى اهتمام الولاياتالمتحدة بمنطقة الشرق الاوسط ومستقبلاً، كما كان هذا الاهتمام بها زائداً في الماضي، ومن هنا يقع على عاتق الدول الكبرى ودول منطقة الشرق الاوسط - والعالم العربي في قلبها - مسؤولية العمل على تفادي اية اضطرابات أو حروب في المنطقة. وفي سبيل ذلك علينا - نحن العرب - تقدير الموقف بدقة وتوقع ما يمكن ان يحدث في المنطقة في الوقت الحاضر وخلال السنوات العشر المقبلة من احداث مهمة يترتب عليها نزاع اقليمي او حرب اقليمية، ووضع التخطيط اللازم والمناسب لمواجهة هذه الاحداث. ومنذ البداية لنا ان نتساءل اذا كانت الولاياتالمتحدة اصبحت الدولة الوحيدة التي تقود العالم في الوقت الحاضر، وستظل في مركز القيادة والصدارة مستقبلاً. والحقيقة التي نراها الآن هي ان الولاياتالمتحدة تلعب الدور الرئيسي في السياسة الدولية نتيجة لنصر في حرب الخليج، وهو نصر تم تحقيقه بجهد رئيسي سياسي وعسكري من الولاياتالمتحدة، بالتعاون مع دول التحالف العربي والدولي وعددها اكثر من 25 دولة من القارات الخمس. ومن دون هذا التحالف ما كان يمكن ان يتحقق هذا النصر بالصورة التي تم بها والنتائج الباهرة التي حصلت في هذه الحرب، وما كان يمكن للولايات المتحدة ان تنجز مهامها في تلك الحرب في وقت كانت مدينة لاصدقائها في الحرب، اضافة إلى عجز في موازنتها وصل إلى 400 بليون دولار. اما مقولة ان العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة اصبح خاضعاً لقيادة اميركا كقوة عظمى واحدة ووحيدة، فالحقيقة ان الولاياتالمتحدة ترشح نفسها لزعامة العالم بينما هي ليست في افضل اوضاعها وقدراتها، وانما تحاول انتهاز فرصة غياب الاتحاد السوفياتي كقوة عظمى ثانية لتملأ الفراغ في صدارة العالم. والصحيح، كما يقول غورباتشوف، ان العالم تخلى عن حالة ثنائية القبطين ولا نقول انه اصبح احادي القطب على رغم ان البعض قد تخامره مثل هذه الفكرة عن امكانية انفراده بقيادة العالم. والرأي عندي ان المرحلة الحالية التي يمر بها العالم هي مرحلة انتقالية للوصول إلى "نظام عالمي جديد". واتوقع ان يكون هذا النظام في اوائل القرن الواحد والعشرين "متعدد الاقطاب". واتصور ان اوروبا الموحدة اقتصادياً، بجهد رئيسي من المانيا، واليابان ذات اقدرة الاتصادية العالمية، والصين التي تمسكت بالعقيدة الشيوعية، وروسيا التي لا يمكن تجاهل موقفها في السياسة الدولية، ستلعب الدور الرئيسي في قيادة العالم إلى جانب الولاياتالمتحدة، وان يكون هيئة الامم ومجلس الامن دور اقوى مما هو عليه الآن في تحيق الامن والسلام الدولتين. وعلى رغم ان العالم يتجه حالياً إلى تكوين نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب، الا ان الولاياتالمتحدة تعمل بكل جهد كي تكون الدولة الوحيدة التي تقود العالم. هذا يذكرنا بما قاله الرئيس جورج بوش يوم 24 كانون الثاني يناير 1990 عندما وقف على منصة الكونغرس لالقاء الخطاب التقليدي الذي يقدمه رئيس الدولة في بداية كل عام تحت اسم "حالة الاتحاد"، قال بوش: "ان الولاياتالمتحدة تقف على ابواب القرن الواحد والعشرين ولا بد ان يكون هذا القرن الجديد اميركياً بقدر ما كان القرن الذي سبقه - وهو القرن العشرين - قرناً اميركياً". ولكي يكون القرن الواحد والعشرون اميركياً، يجب ان تعمل اميركا على تحقيق امن واستقرار المنطقة العربية ذات الاهمية البترولية والاستراتيجية، وهي السياسة الاميركية المقررة منذ عهد روزفلت إلى عهد ريغان، كما يجب ان تحافظ اميركا والدول الكبرى على المكاسب التي حققتها نتيجة لانهيار الاتحاد السوفياتي وتعميق الخسائر الدولية. سياسة العصا الغليظة وفي تصوري ان الولاياتالمتحدة تواجه مشاكل رئيسية مهمة ليكون لها وجود ثابت وكبير في العالم العربي، اولها حل الصراع العربي - الاسرائيلي والقضية الفلسطينية، بحيث يمكن القضاء على البؤرة الرئيسية للنزاع بين العرب واسرائيل. ومن هنا تدور المحادثات العربية - الاسرائيلية التي بدأت ثنائية بين طرفي النزاع وتتحول إلى محادثات دولية متعددة الاطراف برعاية كل من الولاياتالمتحدة وروسيا. واعتقد ان الولاياتالمتحدة ستلجأ إلى سياسة "العصا الاميركية الغليظة" لانهاء هذا النزاع الذي دام اكثر من اربعين عاماً، وأعني بذلك اتباع سياسة الضغط السياسي والاقتصادي على طرفي النزاع، وهو ما يجري حالياً. ثم اتباع سياسة الضغط العسكري والسياسي والاقتصادي فيما بعد لفرض التسوية على اطراف النزاع، بحيث تحقق هذه التسوية يجب ان تضمن الامن لاسرائيل بوصفها الحليف الاستراتيجي المضمون للولايات المتحدة. ولعلنا نتفق على ان فرض هذه التسوية لن يتم في العام الحالي لأنه عام الانتخابات في كل من اسرائيل والولاياتالمتحدة، ومن المتصور ان يشهد العام المقبل 1993 تقدما ونجاحاً في المفاوضات العربية - الاسرائيلية، ويكون ذلك نجاحاً لسياسة اميركا في العالم العربي والشرق الاوسط. وتنفيذاً للسياسة التي وضعتها اميركا لنفسها حتى يكون القرن الواحد والعشرون قرناً اميركيا، سوف تجد واشنطن نفسها مضطرة لاتباع سياسة العصا الغليظة ضد الدول التي تقف عائقاً امامها، ومن هنا بدأت الولاياتالمتحدة في اتباع هذه السياسة - سياسياً واقتصادياً وعسكرياً - ضد العراق بعد احتلاله الكويت وامكن حل ازمة الخليج وارغام القوات العراقية - بمساعدة قوات التحالف - على الانسحاب من الكويت. وجاء الدور على ليبيا باثارة موضوع اتهام اثنين من الليبيين بنسف طائرة اميركية مدينة فوق لوكربي عام 1988 وطلب محاكمتهما في اميركا او بريطانيا. ومن الواضح ان الولاياتالمتحدةوبريطانيا تعترفان باتخاذ هذا الموضوع سبباً لتقليص دور ليبيا في سياسة الشرق الاوسط والعالم العربي بحيث يكون دورها هامشياً لا تأثير له. واعتقد ان الخطوة الاولى الجاري تنفيذها حالياً بقرار من مجلس الامن الحصار الجوي والتسليحي وتخفيض عدد الديبلوماسيين سوف تتلوها خطوات اخرى لتصعيد المشكلة وتعقيد الموقف امام النظام الليبي بفرض حصار اقتصادي وبحري على ليبيا. وتكون الخطوة الاخيرة القيام بعمل عسكري اميركي - بريطاني - ضد ليبيا لهزيمة النظام الليبي. هذا الدور الذي تلعبه اميركا وبريطانيا ضد ليبيا يمكن ان تلعباه او تلعبه اميركا وحدها ضد اي دولة اخرى في العالم العربي والشرق الاوسط، ولا شك ان هذا السلوك الاميركي في المنطقة العربية قد يحدث رد فعل عكسياً يوسع من نطاق الحساسية والرفض للسياسة الاميركية في المنطقة. وفي النهاية اقول نواجه عالماً جديداً، ويبدو واضحاً ان القرن الواحد والعشرين سوف يختلف عن القرن الحالي اختلافاً جذرياً، وفي تقديري ان سياسة العصا الاميركية الغليظة ستكون هي السياسة المقرر تنفيذها خلال السنوات العشر المقبلة في العالم العربي والشرق الاوسط. ومن هنا يجب علينا في الوطن العربي ان نضع السياسة والاستراتيجية العربية اللتين تحافظان على حقوقنا وتدافعان عن مصالحنا. * وزير الدفاع المصري الأسبق.