في الوقت الذي بلغت فيه المعاهدات والبيانات الحقوقية الدولية أكثر من 80 معاهدة وبياناً، حقق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان معها"قوّة وإلزامية"بمصادقة الدول الأعضاء في الجمعية العامة بالأممالمتحدة عليه، وكذلك من خلال التصديق على معاهدات حقوق الإنسان الدولية"إذ تتعهد الدول بوضع التدابير والتنظيمات المحلية التي تتسق مع التزاماتها الدولية من دُون إخلال بدساتيرها. في المقابل، وفّر النظام القانوني السعودي الحماية القانونية الأساسية لحقوق الإنسان المكفولة في إطار القانون الدولي، وراعت المملكة في أنظمتها الداخلية مثل هذه المعاهدات والبيانات الدولية"إذ أكّدت في المادة ال81 من النظام الأساسي للحكم أنه"لا يخل تطبيق النظام الأساسي للحكم بما ارتبطت به المملكة العربية السعودية مع الدول والهيئات والمنظمات الدولية من معاهدات واتفاقات". وتُعدّ هذه المادة امتداداً لبقية مواد النظام الأساسي للحكم بأن المملكة العربية السعودية"دولة عربية إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم". كذلك ما جاء في المادة السابعة من النظام ذاته أن"سلطة الحكم في المملكة العربية السعودية تستمد من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله، وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة". وأيضاً ما جاء في المادة ال55 من النظام ذاته أن"الملك يقوم بسياسة الأمة سياسة شرعية طبقاً لأحكام الإسلام، ويشرف على تطبيق الشريعة الإسلامية، والأنظمة، والسياسة العامة للدولة، وحماية البلاد والدفاع عنها". وتأتي وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مؤلفة من 30 مادة تعكس فيها رؤية الأممالمتحدة في شأن حقوق الإنسان المكفولة لجميع الناس، وهذا أكسبها قوّة تأثير جعلتها أساساً للقانون الدولي لحقوق الإنسان"ما جعلها مصدر إلهام لكثير من الاتفاقات والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ونواة خصبة للبحث والتطوير في مجال حقوق الإنسان على صعيد العالم بأسره. كما أن الإعلان يعدّ اعترافاً دولياً بأن الحقوق الأساسية والحريات أصيلة لدى البشر كافة، وهي تنطبق على الجميع في إطار من المساواة، وأن كلاً منا ولد وهو حر، ويتساوى مع بقيّة البشر من حيث الكرامة الإنسانية والحقوق من دُون تفرقة على أساس الجنس أو المنشأ أو العرق أو اللون أو الدين أو اللغة أو أي حالة أخرى. بمرور الأعوام، تحول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى بيئة خصبة للبحث الأكاديمي وإيجاد عدد من المعاهدات والقوانين الدولية المتعلقة بالتعبير عن حقوق الإنسان وضمانها، وأفضى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى إلهام ما يزيد على 80 معاهدة وبياناً يرتبط بحقوق الإنسان الدولية. وبمرور الوقت أصبحت معاهدات حقوق الإنسان الدولية أكثر تركيزاً وتخصصاً، سواء في شأن القضايا قيد النظر أم الفئات الاجتماعية التي تتوخى حاجتها إلى الحماية، وهي مستمرة في التزايد والنمو وإبراز الحقوق والحريات الأساسية الواردة في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، من ذلك حالات التمييز العنصري، والتعذيب، وحالات الاختفاء القسري، وأمور الإعاقة، وحقوق النساء والأطفال والمهاجرين والأقليات والشعوب الأصلية. إلى ذلك، جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ردّ فعل لما شهده العالم من دمار وتشرّد بعد الحرب العالمية الثانية، إذ اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الإعلان يوم الجمعة 10 كانون الأول ديسمبر عام 1948. وتعاهد المجتمع الدولي وقتها على الحيلولة دون وقوع كوارث وانتهاكات حقوقية للجنس البشري مرّة أخرى كما حدث إبان الحرب، وذلك بإيجاد وثيقة دولية تضمن الحقوق الأساسية للأفراد حول العالم في أي مكان أو زمان. "الإعلان العالمي" استغرق أقل من عامين! استغرقت مدّة العمل على النص الكامل للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإنجازه فترة تقل عن عامين، وفي وقت كانت الدول منقسمة إلى كُتل متفرقة، ما يعني أن الوصول إلى صيغة مشتركة بين هذه الدول وهو جوهر الوثيقة يعد مهمّة معقدة وبالغة الصعوبة. وجاء في نص ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:"لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم. ولما أفضى تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة. ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم. ولما كان من الجوهري تعزيز تنمية العلاقات الودية بين الدول، ولما كانت شعوب الأممالمتحدة أكدت في الميثاق من جديد إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية، وحزمت أمرها على أن تدفع بالرقي الاجتماعي قدماً، وأن ترفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح. ولما كانت الدول الأعضاء تعهدت بالتعاون مع الأممالمتحدة على ضمان اطراد مراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترامها. ولما كان للإدراك العام لهذه الحقوق والحريات الأهمية الكبرى للوفاء التام بهذا التعهد. فإن الجمعية العامة تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه الشعوب والأمم كافة، حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع، واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية واتخاذ إجراءات مطردة، قومية وعالمية، لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة عالمية فعالة بين الدول الأعضاء ذاتها وشعوب البقاع الخاضعة لسلطانها".