هاتفني مواطن يراجع إدارة تعنى بصرف الهوية الوطنية في العاصمة المقدسة طالباً مساعدته لقبول أوراقه المكتملة، بحسب قوله، والتي تخص منح زوجته الوافدة الجنسية السعودية. طلبت منه أن يزودني بهاتف المسؤول أو أن يوصلني إليه طالما انه متواجد في الإدارة للاستنارة برأيه، ولكنه لم يتمكن لرفض المسؤول الرد على أي شخص، فوعدته بأنني سأوافيه حالاً في الإدارة، خصوصاً أن الإدارة طلبت منه إحضار مشهد زواج من وزارة الداخلية، ولذلك فإن عليه السفر إلى الرياض لإحضاره، وفي ذلك مشقة عليه. قابلت مدير الإدارة وطلبت منه مساعدة ذلك الشخص، خصوصاً أن الرجل زواجه ثابت بالعقد الموثوق الذي يحمله، كما أن زوجته لم تمنح الإقامة إلا بموافقة، ورجوته في حال إصراره على إحضار المشهد أن يتم توجيه خطاب من الإدارة إلى الجهة المعنية لتزويدهم بالمطلوب رسمياً، لا سيما أن تكليف الزوج بإحضار الورقة يعني سفره إلى الرياض وتجشمه معاناة ومصاريف لا يستطيع تحملها فهو رجل فقير ويعول ثلاث شقيقات معوقات. أصر المسؤول على موقفه، بحجة أن التعليمات تمنع ذلك، وطلب مني إن أردت مساعدة ذلك الشخص أن أكلف احد أصدقائي بالمراجعة نيابة عنه لإحضار المطلوب. من دون مبالغة، أقول إن هذا المواطن ليس وحيداً في معاناته، وهذا المسؤول ومن هو دونه في الدرجة ليسوا حالات نادرة، بل إن مختلف إداراتنا الخدمية التي لها علاقة بالجمهور تعج بهم وهم ينسون أنهم وكلاء عن المجتمع في السهر على حمايته وحفظ حقوقه وأن الواحد منهم أجير عند المواطن يفترض فيه الوفاء بحقوقه وخدمته وتخفيف معاناته وتيسير أموره انطلاقاً من قيم الدين ومثله وتوجيهات ولاة الأمر أيدهم الله. وإلا فما معنى أن لا يقبل ما لديه من وثائق معتمدة ويصر على أن يحضر ورقة كان بإمكانه مخاطبة الجهة المالكة لها بمختلف وسائل الاتصال المتوفرة لديه، لو انه أدرك حجم المعاناة التي سيتكبدها هذا المواطن وما سينشأ عنها من سلبيات يتجه العالم كله للتقليل من أثارها؟ ثم لماذا لا يكون صاحب مبادرة، بحيث إن كان توفير هذه الوثيقة وأمثالها أمراً لا بد منه أن يبادر في الرفع والتنسيق لتزويد المواطن بها عند الموافقة له على الزواج أو أن تفتح نافذة لتوفيرها من خلالهم لهذا المواطن، الذي ما أقدم على الزواج من الخارج إلا لظروفه وذلك وفاءً بحقه في التيسير، خصوصاً أنه يأخذ أجره من المال العام. يبدوا أن المسألة ليست تعليمات بقدر ماهي تعقيدات ألفها هذا الموظف وأمثاله، حتى أصبح الواحد منهم يتفنن في ابتكار كل ما يهين المواطن ويذله بدليل أن البعض يرفض الرد على الهاتف للإجابة على استفسار ممن لا يعرف. أما من يعرف وله مصلحة معه فإنه بالتأكيد سيكون صاحب المبادرة في الاتصال به. * لواء متقاعد، مدير شرطة العاصمة المقدسة سابقاً.