هناك في الغرب انحلال إنساني وفكري وأخلاقي وعقائدي وسلوكي واجتماعي وسياسي وذوقي، وغير ذلك الكثير والكثير من الجوانب الحياتية المتعددة، هناك فقط كما نزعم تُولد وتُعشش وتنمو الفتن والمفاسد والانحرافات والأحقاد، بينما تنبت وتتأصل وتنتشر الفضيلة والسماحة واللباقة والصدق والذوق بين مرابعنا وأزقتنا وحاراتنا ومدننا نحن العرب ولا فخر، بل وبكل الفخر. هكذا ننظر"نحن"دائماً"للآخر"، ننظر للصورتين المختلفتين، وللمجتمعين المختلفين، وللثقافتين المختلفتين، ولكل مشهدين مختلفين، وكأن الاختلاف يُجسد ويؤطر كما قد نفهم مبدأ الفرقة والاغتراب والعزل والتشظي، لا إلى التنوع والثراء والتكامل. لا أود من تلك المقدمة"العصماء"أن أعيد اختراع العجلة، أو اكتشف قارة أميركا من جديد، أو أشرح الذي أشبع شرحاً وتفصيلاً، على رغم أننا معشر"الكتّاب"نقتات على ذلك، وتحلو لنا العودة بين الفينة والأخرى إلى التزود من ذلك"النبع"الذي لا ينضب، حتى وإن كان ذلك النبع لا يُسقي ظمأن ولا يُشفي غليلاً. كل ما في الأمر أنني توقفت قليلاً أو كثيراً لا فرق عند خبر صغير ورد في بعض وسائل الإعلام المختلفة خلال الأيام القليلة الماضية، مفاده إعلان قائمة الترشيحات لنيل جائزة"RAZZIES"أو"التوتة الذهبية"، وهي المقابل الساخر لجوائز الأوسكار، والذي يتم خلالها منح جوائز لأسوأ الأعمال السينمائية الأميركية، كجائزة أسوأ ممثل وممثلة، وأسوأ فيلم وأسوأ مخرج، وهكذا لباقي الجوانب الفنية الأخرى. ويتسلم الفائزون لاسيما الجريئين منهم جائزة"التوتة الذهبية"لأسوأ الأعمال السينمائية، وهي عبارة عن تمثال أصفر ذهبي على شكل توتة بحجم كرة الغولف موضوعة على شريط سينمائي، ولا تتجاوز قيمته 5 دولارات، وتقام الحفلة، التي بدأت منذ عام 1980، عادة قبل يوم واحد من حفلة توزيع جوائز الأوسكار. وللعلم فإن جائزة الأوسكار، أو الجائزة الأكاديمية في الفنون السينمائية تُعتبر من أرفع الجوائز السينمائية في الولاياتالمتحدة الأميركية، بل وأهم جائزة سينمائية في العالم. أما الجهة المانحة للجائزة فهي أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية الأميركية، وهي مؤسسة فخرية وليست رسمية، تأسست عام 1927، وتضم هذه المؤسسة أكثر من ستة آلاف ممثل وممثلة ومتخصص في الفنون السينمائية، يصوتون سنوياً لاختيار الفائزين بجوائز الأوسكار. أعود لجائزة"التوتة الذهبية"، التي تُعتبر مثالاً صارخاً لثقافة النقد بمختلف أنواعه ومستوياته، وكذلك تبرز بشكل واضح روح الدعابة والسخرية والتسلية لدى"أولئك"الغرب، بينما النقد لدينا نحن"العربان"مجرد شتم وسباب وحسد، أما دعابتنا وتسليتنا فتتركز غالباً في السخرية من معتقداتنا ومجتمعاتنا وأنسابنا وجنسياتنا وأعراقنا. حتى الشعر الذي يُعتبر متنفساً جديداً لشباب هذا الوطن لم يسلم من التسييس والمفاخرة الممجوجة والتناحر والتنابذ بين الأنساب والقبائل والأوطان، ولعل"شاعر المليون"وغيرها من المسابقات والفعاليات الشعرية التي بدأت تُعلن العصر الذهبي للشعر الشعبي خير دليل على ذلك. أقول ماذا لو أنشئت جائزة سنوية مشابهة لجائزة"التوتة الذهبية"لأسوأ الأعمال في مجتمعنا"المحافظ"، وهل نحن على استعداد أصلاً لتقبل مثل هذه الأفكار والأبجديات في حياتنا؟ هل نمتلك الجرأة للنظر لمثل هذه المرايا الصادقة التي تُرينا بكل صدق وأمانة وشفافية عيوبنا وأخطاءنا، أم أننا لا نريد إلا النظر لتلك المرايا الضاحكة التي تعكس كل عيوبنا وأخطائنا وآلامنا وانتكاساتنا وانكساراتنا وإخفاقاتنا، لنراها على العكس تماماً نجاحات وانتصارات وابتسامات. أحد الخبثاء"استرق"النظر لهذا المقال أثناء كتابته وعلّق ساخراً: دعنا أولاً ننشئ جائزة أو جوائز عدة حقيقية لتكريم أصحاب الأعمال الناجحة والانجازات المميزة على تراب هذا الوطن، ثم بعد ذلك نفكر في مثل هذه الجائزة السلبية! [email protected]