انتشار ظاهرة العنوسة في المجتمعات يؤدي إلى أضرار خطيرة وعواقب وخيمة على الأمة، وتشمل هذه الظاهرة في السعودية ثلث عدد الفتيات اللاتي بلغن سن الزواج، إذ يصل عددهن إلى نحو المليون ونصف المليون فتاة. ولم تقتصر العنوسة على السعوديات فقط بل طاولت الوافدات. وانتشرت العنوسة بين الوافدات نظراً لطول فترة اغترابهن، وتصل نسبتها في أوساطهن إلى نحو 5.8 في المئة من مجموع الوافدات البالغ عددهن 1.7 مليون فتاة تقريباً، وذلك للظروف الاجتماعية التي تحول دون معرفتهن، أو الاستفادة من العائد المادي الذي يجلبنه. ويشير آخر إحصاء لوزارة التخطيط السعودية، إلى أن عدد الفتيات الوافدات اللاتي تجاوزن سن الزواج بلغ 39 ألفاً. مبررات العنوسة وفي هذا السياق التقت "الحياة" ن.س الفتاة الأردنية من أصل فلسطيني في سن 37 عاماً، التي تشغل وظيفة مرموقة، حيث رفضت كثراً ممن تقدموا للزواج بها، بحجة أنها ترغب في الاقتران بشاب فلسطيني، وعلى رغم حصولها على مؤهلات علمية عالية، إلا أنها شارفت على سن الأربعين ولا تزال تمتنع عن الزواج إلا من أبناء وطنها. في المقابل، رفضت السودانية ت.ع 38عاماً كل من تقدم إلى خطبتها عندما كانت في العشرينات من عمرها، بدافع إكمال دراستها الجامعية، وتكرر رفضها حتى الآن، وتعلل ذلك بأنها تعول عائلتها، بعدما تقاعد والدها عن العمل، و تعتبر زواجها بمثابة الأنانية ونكران المعروف. النت هو الحل وتقول الفلسطينية ن. الجبالي 50 عاماً إنها مرت بمشروع خطبة فاشلة، عندما كانت في سن الثانية والعشرين، بسبب رفض عائلة المتقدم الاقتران بها، مشيرة إلى أن هذه التجربة الفاشلة ولّدت لديها قناعة بتأجيل فكرة الزواج، خصوصاً بعد وفاة والديها، وتكفلها برعاية أشقائها، إذ دأبت على مساعدتهم ورعايتهم حتى إتمام دراستهم وزواجهم. ورفضت في الفترة الأخيرة عرضاً للزواج قبل عقد القران بساعة، معللة ذلك بأنها لم تعد في سن مناسبة للزواج. وتقول المصرية ن.م 38 عاماً التي تعمل في إحدى المستشفيات، إنها لجأت إلى مواقع الزواج عبر الانترنت، لأنها تجد حرجاً في أن تطلب عريساً، واقترنت أخيراً بشاب من جنسيتها يكبرها بعامين، وتم التعارف بينهما من خلال محادثة تلفونية. حفلات تعارف للزواج وللاختصاصية الاجتماعية بدرية الصعيب رأي في ارتفاع نسبة العنوسة بين الوافدات في السعودية، إذ تُرجع ذلك إلى رغبة أسرهن - خصوصاً ذوي العادات القريبة من السعودية - في تزويجهن من شباب سعوديين أو خليجيين. وترى الصعيب أن اختلاف المستوى الثقافي والاجتماعي بين الفتاة والشاب، من حيث انخفاض المستوى التعليمي عند بعض الوافدين، وأيضا رغبة بعض الأسر في الاستفادة من عائد الفتاة المادي، يؤدي إلى رفض زواجها في سن مبكرة، كما أن الظروف المعيشية والأمنية في بعض البلدان التي تنتمي إليها بعض الأسر، تعيق سفر الفتاة إلى موطنها فتتقلص فرصة تعرفها على شاب للزواج، إضافة إلى حمل بعضهن وثائق سفر للاجئين الفلسطينيين الذين يحملون وثائق مصرية أو سورية أو لبنانية، ما يقلل فرص تنقلهن مع أزواجهن إلى بلد الزوج، أو أي بلد آخر، فضلاً عن عوامل أخرى تتعلق بالشباب ورفضه الزواج وتكاليفه وتحمل المسؤولية الناجمة عنه. وأشارت الصعيب إلى إقامة بعض العائلات الوافدة حفلات تزويج فتياتهم اللاتي يخشون عنوستهن، وذلك من خلال توجيه الدعوة إلى بعض الأسر التي لديها شباب في سن الزواج للحضور، إضافة إلى أن بعض الفتيات يشتركن في مواقع للزواج على الإنترنت بهدف الحصول على الشريك المناسب، مع تزويد تلك المواقع بالصور، والمعلومات الخاصة بالوضع الاجتماعي، أو اللجوء إلى الخاطبات. ندوة لمناقشة الظاهرة وفي ندوة علمية اجتماعية عقدت في جامعة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة، لبحث "ظاهرة الطلاق أسبابها وآثارها والعلاج"، طالبت الجهات المعنية في الدول العربية بتشجيع تعدد الزوجات"للتغلب على العنوسة المتزايدة، عطفاً على عزوف الشباب عن الزواج من جهة، وزيادة أعداد الفتيات عن الذكور من جهة أخرى. وشددت توصيات الندوة على دور الأسرة المسلمة، وأهميته في الحد من حالات الطلاق، وذلك بإنشاء البيت المسلم، الذي تقوم ركائزه على أساس من معرفة الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين، وتعزيز مكانة الأسرة وحمايتها من محاولات التخريب والتغريب. وطالبت بزيادة الوعي الديني بين أفراد المجتمع عموماً، وعند الراغبين في الزواج خصوصاً، من خلال وسائل الإعلام كافة، وذلك عن طريق توضيح بعض المفاهيم المتعلقة بحقيقة الطاعة الزوجية وقوامة الرجل والحقوق المناطة بكل من الزوجين، والعمل على وقف المسلسلات والبرامج والمقالات التي تنفث السموم في عقول أبناء الأمة وتدعو بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى تمرد النساء على الرجال، والأبناء على الآباء تحت شعارات مزيفة. كما دعت الندوة القائمين على وسائل الإعلام، إلى إعادة النظر في ما يقدمونه من برامج وخصوصاً في الجانب الاجتماعي، وما يتعلق منها بالمشكلات الأسرية والعلاقات الزوجية، وأن تكون البرامج مستوحاة من ديننا الحنيف، وشددت على ضرورة تفعيل دور المساجد في حماية الأسر من التصدع والانهيار. خاطبات ... واقتران مرن اوضحت الخاطبة أم عيسى، أن زواج العوانس عادة ما يتم من متزوج، أو رجل طاعن في السن، وتقل فرصهن في الزواج من الشباب الذين يفضلون الاقتران بفتيات أصغر منهم لاعتبارات عدة. في المقابل، الخاطبة أم عبد العزيز استغربت الشروط التي تضعها بعض الفتيات اللاتي أصبحن في عمر الزواج، معتبرة أن ذلك أسهم في تخطيهن سن الزواج وانضمامهن إلى قائمة العوانس، ما يجبرهن على التنازل عن كل الشروط عندما يتقدمن في العمر. وذكرت حال فتاة فلسطينية تعمل في إحدى المستشفيات تجاوز سنها 40 عاماً، وكانت قد أحضرت لها عريساً من جنسيتها، حين كانت في العشرين، لكنها رفضته رغبة منها في الزواج من شاب خليجي غير متزوج، وتبدي الآن استعدادها للزواج من أي رجل من دون النظر إلى عمره أو حاله الاجتماعية أو جنسيته. ويقول الخاطب محمد.ن إن غالبية الوافدات اللواتي تجاوزن سن 30 عاماً، ولم يسبق لهن الزواج يلجأن للخاطبة بحثاً عن زوج، من دون اعتبار ما إذا كان المتقدم متزوجاً أو أعزب، سواء أكان زواج مسيار أم في السر. ويؤكد أنه من خلال مهنته كخاطب لا يجد صعوبة في الحصول على العريس المناسب.