من في السعودية لا يعرف فيلم «مونوبولي» وقد وصل عدد مشاهديه إلى 800 ألف مشاهد حتى ساعة كتابة المقال؟! لا يمكن أن يكون الدافع الأكبر للمشاهدة لكل هؤلاء هو مجرد الفضول وحب الاستطلاع، كما أن معرفة الدافع هذا لا يحتاج إلى دراسات أو كبير تأمل واستقراء؛ لأن أظهر ما في هذا الفيلم الدرامي الوثائقي الرائع هو ملامسته هموم أكبر شريحة في المجتمع وهم الشباب، فزيادة على ما يعانيه كثير منهم في الحاضر من مشكلة البطالة وبطء عجلة الإصلاح وكثرة الفساد في جانبيه المالي والإداري إلا أنهم وإن تجاوزوا هذه الهموم والمشكلات الحاضرة يرتقبون مستقبلاً غير واعد له إرهاصاته المخيفة، فالآمال على درجاته تتحطم، والآلام بدخول بابه تتفاقم. وفي كثرة عدد مشاهدي الفيلم مؤشر ينبغي أن يُلحظ، وهو أن أزمة السكن المؤرقة تجاوزت حد الأرق إلى الاحتقان، وأن عجلة الإصلاح فيها يجب أن تتسارع أكثر مما هي عليه الآن، وأن الحل ليس هو أن توفر للناس مساكن ولو في ضواحٍ قصيّةٍ من مدينتهم التي فيها وظائفهم ومصالحهم، فهذا قد يكون من شأنه توليد مشكلات أخرى ليست بأقل ثقلاً على نفوسهم من أزمة السكن نفسه، فجزء من الحل أراه مهماً أن يصادر احتكار الأراضي البيضاء داخل النطاق السكاني إلى الأبد، وإلا فسيظل بقاء هذه الأراضي محبوسة إلى أجل غير مسمى موغراً لصدور الناس على الدولة نفسها، إذا سكتت عن معاقبة هؤلاء وقطع الطريق على هذا الاحتكار الخطر. لفتة ثانية: بعد أن تشاهد هذا العمل الدرامي المعبر، وبعد أن تمر على عالم شبكات التواصل الاجتماعي تشعر بشيء من الإعجاب والرضا عن شريحة واسعة من شباب الوطن، فقد أثبت هذا الجيل الواعد خطأ تلك الصورة النمطية عنهم، وأوجب على كل مطلع أن يصحح في ذهنه تلك الصورة القاتمة التي غلا فيها التعميم وجنى بنظرته السوداوية، وحين يعبر الشباب عن معاناته ومشكلاته في عمل دراميٍ هادف مؤثر تدرك مدى نضج تفكيره، وأن قصده الإصلاح ما استطاع ولولا ذلك ما اختطّ طريق النقد السلمي الهادف الواضح، فالعمل لا يحتمل تهمة التهييج أو الاستفزاز كما هي التهمة المعلبة التي يُقذف بها كل نقد في صوره التقليدية. لفتة ثالثة: قال بعضهم: في هذا العمل الدرامي مبالغة كبيرة تغالط الواقع، ومثل هذا لا يمكن قبوله، وهذه سقطة فنية منهجية، ونقول لهم: قد كنا نقول قولكم هذا عن بعض البرامج الرمضانية التي يكثر فيها نقد المتدينين والخطاب الديني والمؤسسات الشرعية، فكنتم تقولون: هذه هي طبيعة الأعمال الفنية الدرامية، لا تخلو من مبالغات، بل هذا هو نَفَسُها، والمقصود هو فكرة الحلقة - موضوع النقد - وما زاد من مبالغات فمن طبيعة العمل الفني، فبجوابكم هذا نجيبكم عمّا تنتقدونه على هذا العمل الرائع، ثم كيف تسع صدوركم مبالغات وسخريات لها مساس بالدين في بعض صورها، ثم تضيق عن قبول شيء من المبالغة بما يلامس معاناة المواطنين، ولا يمس الدين من قريب ولا بعيد؟ * أكاديمي في الشريعة. [email protected]