أمير جازان ونائبه يتفقدان عددًا من المشروعات التنموية والسياحية بمحافظة فيفاء    برئاسة وزير الاستثمار.. وفد سعودي رفيع المستوى سيتوجه إلى دمشق    الأهلي يشارك رسمياً في كأس السوبر السعودي 2025-2026    أنمار الحائلي يعلن ترشحه لرئاسة الاتحاد مرة أخرى    الأهلي يتعاقد مع المدافع "الخيبري" لمدة 3 مواسم    الأخضر الأولمبي يخسر أمام أوزبكستان بثلاثية في افتتاح الدورة الدولية    القبض على مصري في جدة لترويجه مادة الحشيش المخدر    الجامعة العربية تدعو المجتمع الدولي لكسر حصار غزة    شراكة بين الطرق والبلديات لتنفيذ المشاريع التنموية    ليلة بنكهة الإحساس في موسم جدة    المنتخبات السعودية الجامعية تواصل مشاركتها في الألعاب العالمية بألمانيا    أمريكا تستهدف الحوثيين بعقوبات جديدة    وزير الخارجية الإيراني: لن نتخلى عن تخصيب اليورانيوم    ضبط صيني لممارسته الصيد البحري دون تصريح واستخدامه أدوات محظورة    فوز قائمة بدر الغنام برئاسة نادي التعاون    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل رئيس ووكلاء جامعة جازان    عملية نادرة في مستشفى الملك سلمان تعيد النور لمريضة تجاوزت 111 عامًا    أمير حائل يستقبل استشاري تبرع بجزء من كبده لطفلة مريضة    أمير القصيم يدشّن مشاريع بلدية بمحافظة البكيرية ب 140 مليون ريالا    فيصل بن مشعل يرعى توقيع اتفاقية دعم "أهالي البكيرية الوقفية" لبرنامج المدينة الصحية    جامعة الأمير محمد بن فهد تُنجز المرحلة الأولى من مشروع الطاقة الشمسية    الخارجية الفلسطينية تُطالب المجتمع الدولي بإجراءات فورية لوقف حرب الإبادة في غزة    البيئة تعلن تمديد مهلة الحصول على رخص استخدام مياه الآبار لمدة عام    السعودية ترحب بمطالبة دولية لإنهاء حرب غزة    أكثر من 7 آلاف طفلٍ استفادوا من مركز ضيافة الأطفال في المسجد النبوي    الشؤون الإسلامية في جازان تشارك في اليوم العالمي للعلاقات العامة 2025 م    'الحياة الفطرية' توضح حقيقة ظهور قرود البابون في الرياض    جامعة جازان تُطلق برامج جامعية قصيرة ضمن مبادرات برنامج تنمية القدرات البشرية        المسرح ورهانات المستقبل".. أمسية ثقافية بجمعية الثقافة والفنون بجدة    حرارة مرتفعة في الرياض والشرقية و رياح على معظم المناطق    أمير نجران يثمّن جهود الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر    الجمعية للثقافة والفنون بالشمالية تنظم مسرحية 'الراعي' بعرعر يوم الأربعاء    أمير القصيم يزور مقصورة السويلم التراثية في البكيرية    أمير القصيم يدشن مشروعين خيريين في البكيرية بتكلفة 10.5 ملايين ريال    تقنية تحسن عمى الألوان    الوحدة ليست وباء بل تجربة إنسانية    أكدت أن أمانات المناطق ترصد المخالفات.. "البلديات والإسكان": 200 ألف ريال غرامة تقسيم الوحدات السكنية ل»الاستثمار»    بدء التقديم على مقاعد دراسة التمريض في البحرين    حذر من مفترق طرق خطير.. المبعوث الأمريكي ينتقد تدخل إسرائيل في سوريا    الأمير عبدالعزيز بن سعود يلتقي وزير الدولة لشؤون الأمن بوزارة الداخلية البريطانية ويزور ثكنات ويلينجتون العسكرية    النصر يقلد الهلال    دعوا لوقف فوري للحرب.. 25 دولة تستنكر قتل المدنيين الفلسطينيين    أكاديمية الإعلام السعودية تقيم اللقاء الافتتاحي لمسار "قادة الإعلام"    10 ملايين زائر للمواقع والفعاليات الثقافية في 2024    فيلم «الشاطر» يتجاوز ال 15 مليون جنيه خلال 4 أيام    موجز    اتفاقيات مع مؤسسات سنغافورية.. "روشن" تسرع التحول الرقمي العقاري    المفتي يطلع على أعمال جمعية البر    رئيس باكستان يمنح رئيس أركان القوات البحرية وسام "نيشان الامتياز" العسكري    "واتساب" يدخل الإعلانات لحسابات المستخدمين    محامية تعتدي على زملائها ب" الأسنان"    مليون ريال غرامات بحق 8 صيدليات مخالفة    أكد رفع التنفس الاصطناعي خلال 4 أيام.. الربيعة: استقرار حالة التوأم "يارا ولارا" بعد عملية الفصل    «تطوير المدينة» تُنفّذ 16 مبادرة لخدمة ضيوف الرحمن    "السينما.. فن المكان" شعار مؤتمر النقد السينمائي الثالث..    1.9 مليون مصلٍ في روضة المسجد النبوي    أمير جازان يستقبل مدير فرع إدارة المجاهدين بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشرق الأوسط يدخل العصر التركي
نشر في الحياة يوم 29 - 10 - 2009

قامت تركيا بسلسلة خطوات متلاحقة خلال شهر تشرين الأول أكتوبر الحالي، شملت إلغاء القيود على الحدود مع سورية، وتوقيع عدد كبير من الاتفاقات مع العراق، كما جهرت بالدفاع عن إيران.
كل هذه التطورات جرت بعد أن انتقد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان إسرائيل خلال حرب غزة، وعمد إلى استبعادها من المناورات العسكرية التركية - الأطلسية. كما ان التطورات هذه تتساوق مع تحرّك حكومة حزب"العدالة والتنمية"التركي الحاكم لتعزيز نفوذها في الشرق الإسلامي، تاركة بالتالي بصمات على كل أنماط القوة في هذه المنطقة.
نتذكّر أولاً أنه طيلة معظم القرن العشرين، كانت إسرائيل وتركيا وإيران في الزورق نفسه، بصفتها حليفة للغرب ومُوازِنة للدول الرئيسة في العالم العربي. لكن إيران غيّرت موقعها في عام 1979، كما بدا أن تركيا تُعدّل موقفها وإن بأناة. ثم يجب أن نتذكّر أيضاً أنه قبل بضع سنوات فقط كانت أنقرة تعتبر سورية عدواً وعراق صدام حسين جاراً خطراً، في حين أن الأكراد كانوا في حالة تمرّد مفتوح. لكن سورية باتت اليوم صديقاً وحليفاً، والعراق جاراً مُحتاجاً، والعلاقات الكردية - التركية انتقلت من المجابهة إلى التعاون.
بيد أن التحوّل في السياسة التركية لا يقتصر على الأمن بل تُحاذيه أيضاً مضامين سياسية وأيديولوجية. فعلى عكس أنصار كمال اتاتورك الراديكاليين في الحقبات السابقة، الذين رفضوا الماضي العثماني والإسلامي، يستقي حزب"العدالة والتنمية"قسماً من قوّته من الهوية الإسلامية لتركيا، وله إطلالة ترطن بحنين إلى الماضي العثماني المشترك مع جيران بلاده في الجنوب والشرق. وعلى رغم أن أنقرة لم تتخلَّ عن مسعاها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أنها تتمخّض للانتقال من كونها الطفل المنبوذ في الأسرة الأوروبية إلى أن تصبح الأب المُحتمل في الأسرة الإسلامية.
والواقع أن تركيا مؤهّلة تماماً للسعي إلى تسنّم دور قيادي بارز داخل العالمين العربي والإسلامي. صحيح أن مصر في ظل عبدالناصر حدّدت معايير هذه القيادة، إلا أن دورها ذوى بعد ذلك. كما أن إيران حقّقت تقدماً، لكن ما حدّ منه كان هويتها المذهبية في عالم عربي وإسلامي غالبيته من السنّة، وأيضاً نموذج الحكم الثيوقراطي ? أي حكم رجال الدين - غير الجذّاب والذي يُواجه حتى في الداخل الإيراني معارضة متصاعدة.
في المقابل، تركيا هي البلد الوحيد في الشرق الأوسط برمّته الذي اندمج بالحداثة. فهي تحوز الآن على نظام سياسي ديموقراطي وفعّال، واقتصاد مُنتج، كما أنها اكتشفت توازنات ناجعة بين الدين والعلمانية، وبين الإيمان والعلم، والهوية الفردية والجماعية، والقومية وحكم القانون... إلخ. والحال أن أياً من دول المنطقة، من المغرب إلى باكستان، لم ينجح مثلها على هذا النحو.
إيران ومصر ودول عربية اخرى ليست المستقبل. لكن تركيا قد تكون. فهي بوصفها دولة سنيّة كبرى لها جذور تاريخية عميقة في المنطقة، مؤهّلة لتشكيل ما يمكن أن يكون قرن تركيا في الشرق الأوسط.
الاقتصاد دافع رئيس آخر لانفتاح تركيا على الشرق. فهذه الدولة التي باتت تحوز على اقتصاد متنامٍ يقترب سريعاً من رقم تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي، لها حاجات مُلحّة. إذ يتعيّن عليها توفير أسواق قريبة لصادراتها المتنامية، وكذلك الطاقة اللازمة لنموّها. وهي أدركت، بحكم احتكاكها المباشر بالتجربة الأوروبية، أن المصلحة القومية ترتبط بعمق بالاستقرار وبالأسواق الإقليمية الكبرى. وهكذا، فإن سياستها الخارجية في غضون العقد الماضي سعت بدأب إلى تحقيق الاستقرار والتعاون في كل الاتجاهات، فهي واصلت محادثات الانضمام والاندماج مع أوروبا، وحافظت على عضويتها في الحلف الأطلسي وعلى تحالفها مع الولايات المتحدة، فيما كانت تقيم علاقات ممتازة مع روسيا وتسعى إلى تحقيق الاستقرار في مناطق البلقان والقوقاز والبحر الأسود. علاوة على ذلك، كانت تركيا تحثّ إيران وسورية على الاعتدال، وتساعد العراق على تجنّب الانهيار التام، وتتوسّط بين سورية وإسرائيل. وكما هو معروف، لتركيا مصالح طاقة ضخمة في إيران والعراق، تحتاج إليها لاستهلاكها الداخلي ولتوفير المعابر لها إلى أوروبا، فيما تعتبر سورية بالنسبة إليها سوقاً متنامية. وعبر علاقات وثيقة مع إيران والعراق وسورية، تكسب تركيا أيضاً معبراً إلى منطقة الخليج الفائقة الأهمية.
إن جزءاً من تصاعد نجم الدور التركي يعود إلى فراغ القوة الذي يخلقه انحسار القوة الأميركية والتوترات التي ينتجها غياب المبادرات لحل النزاع العربي - الإسرائيلي. وبالنسبة إلى سورية بالتحديد، فإن عدم قدرة، أو عدم استعداد، إدارة أوباما لتحقيق أي تقدّم جدّي في التصدي للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والجولان، قد جعلا الولايات المتحدة أقل أهمية، ما شجّع على بروز تحالفات إقليمية أقوى.
أما بالنسبة إلى إسرائيل، فإن التحوّل التركي يتركها خالية الوفاض من أي تحالفات إقليمية للمرة الأولى منذ تأسيسها. ثم إن الموت السريري التام على ما يبدو للعملية السلمية يضع الدول التي وقّعت معها معاهدات سلام، أي مصر والأردن، بين براثن ظروف صعبة للغاية. فهاتان الدولتان اللتان غامرتا بالاعتقاد بأن عملية السلام هي موجة المستقبل ستجدان نفسيهما - بعد أن أقفلت إسرائيل ملف العملية السلمية وتبنّت عقلية القلعة للحفاظ على ديمومة احتلالها ومستوطناتها - على الجانب الخطأ للتاريخ. والآن، ومع التحوّل في الموقف التركي، سيكون من الصعب أن تصمد هاتان الدولتان طويلاً في موقفهما الراهن.
بالطبع، التحوّل التركي في حد ذاته حدث إيجابي. إذ من الجيّد أن تلعب دولة ديموقراطية وبراغماتية وناجحة كتركيا دوراً أكبر في العالمين العربي والإسلامي. لكن، إذا لم يتم إحراز تقدّم في عملية السلام العربية ? الإسرائيلية، فإن هذا التحوّل يمكن أن يترافق مع بداية جولة جديدة من المواجهات. والأحداث الأخيرة في المسجد الأقصى تدلّل على مدى التوترات الدينية الخطرة التي يمكن أن تُجلجل في كل أنحاء المنطقة.
* كاتب لبناني - مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط - بيروت
نشر في العدد: 17009 ت.م: 2009-10-29 ص: 11 ط: الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.