انشغل كبار المعلقين في إسرائيل أمس ب "اليوم التالي" لانتخاب زعيم جديد لحزب "كاديما" الحاكم المفترض أن يقف على رأس الحكومة الإسرائيلية في العامين المتبقيين على ولاية الكنيست الحالي. ولم يول المعلقون اهتماماً كبيراً للمواقف السياسية لكل من وزيرة الخارجية تسيبي ليفني ووزير النقل شاؤول موفاز اللذين يتبين صباح اليوم أيهما فاز بالانتخابات التي جرت أمس، إنما توقفوا عند شخصية كل منهما وقدرته على قيادة الدولة العبرية نحو التحديات التي تنتظرها وسط شبه إجماع بأن كليهما لا يستحق المنصب الأرفع في إسرائيل. ولم يتردد عدد من المعلقين في الإفصاح عن ميوله لرؤية ليفني رئيسة للحكومة المقبلة. وبرزت صحيفة"هآرتس"بين سائر وسائل الإعلام العبرية في الدعم العلني لليفني بداعي"نظافة اليدين ومواقفها السياسية المعتدلة"مقارنة بموفاز"الصقر الأمني"أو"النسخة المطابقة"لحزب"ليكود"اليميني. وكتبت المعلقة في الشؤون الحزبية في صحيفة"يديعوت أحرونوت"سيما كدمون، كأنها تندب حظ دولتها"التي سيقودها أحد شخصيتين باهتتين ومغمورتين". ورأت أن الخيار بين موفاز وليفني مثله مثل الخيار بين لونين رماديين،"لسنا بصدد شخصيات كاريزمية لديها رؤية أو قدرة على القيادة. في هذه الفترة المصيرية جداً لدولة إسرائيل، كنا نتمنى رؤية شخصية أخرى ليست بين المتنافسين الأربعة على زعامة كاديما وليست بين قادة الأحزاب الأخرى، وربما هذه هي مأساة الدولة في هذا الوقت، غياب شخصية كهذه". وتابعت أن ليفني"شخصية حكيمة ومتزنة ومسؤولة لا تنتهج العنترية، ومعها لن نفيق كل يوم على فضيحة فساد جديدة تحوم فوق رؤوسنا أو مغامرة عسكرية تهددنا. لكن هذه الصفات قد تكون نقطة ضعفها، أي قدرتها على اتخاذ قرارات صعبة تحت ضغط الظروف والزمن". غير أن المعلقة رأت أن الخبرة الأمنية الغنية لموفاز ليست الميزة الوحيدة المطلوبة من رئيس الحكومة،"وثمة سؤال حول مواهبه في سائر القضايا المطروحة على جدول الأعمال". وتوقف كبير المعلقين في الصحيفة ناحوم بارنياع عند الخلافات بين موفاز وليفني في القضايا السياسية. وكتب أن"موفاز لا يؤمن بالتسوية الدائمة مع الفلسطينيين أو مع سورية لكنه يؤيد المفاوضات... أما ليفني فتؤمن بأهمية إنجاز اتفاقات شرط عدم تضمينها حق عودة اللاجئين إلى تخوم إسرائيل. إنها مستعدة لدفع الثمن الجغرافي انسحاب لكنها ليست على عجل من أمرها". لكن المعلق السياسي في"هآرتس"ألوف بن قلل من شأن المواقف السياسية التي أعلنها المتنافسون على زعامة"كاديما"خلال المعركة الانتخابية. وكتب أنه يتعين على الفائز بزعامة الحزب وبرئاسة الحكومة"أن يواجه الواقع السياسي والمجتمع الدولي"، متوقعاً أن يقود منصب رئيس الحكومة صاحبه أياً كان، إلى تعديل مواقفه مثلما حصل مع عدد من رؤساء الحكومة السابقين. ولفت إلى حقيقة أن ليفني تحظى بدعم دولي كونها معروفة من خلال منصبها الذي تشغله منذ ثلاث سنوات وزيرة للخارجية، وهذا بعكس موفاز"الذي سيتطلب منه إبداء مرونة أكثر في مواقفه السياسية ليحظى بالقبول لدى قادة الدول العظمى". وتابع أن موفاز في حال انتخابه لن يكون قادراً على اعتبار مؤتمر أنابوليس خطأ أو أن يرفض توجهاً أميركياً بمواصلة المفاوضات مع الفلسطينيين في القضايا الجوهرية أو أن يتحدث فقط عن"سلام اقتصادي". وأضاف أن حقيقة أن ليفني مقبولة في العالم أكثر من موفاز يتيح لها أن تبدي صلابة في القضايا السياسية، لكن مشكلتها تكمن في أنه سيتعين عليها"أن تثبت أن في مقدورها أن تقود دولة قد تخوض حرباً، من دون أن تكون دمية في يد وزير الدفاع إيهود باراك". وكتب عوفر شيلح في"معاريف"أن أياً من المرشحين"لا يسلب الألباب"حتى لدى ناخبيهما، ويمكن لمس هذا الشعور"من خلال توسل جماعي بأن لا يكون الفائز أو الفائزة في الانتخابات في كاديما قائد الدولة في العامين المقبلين، إنما محطة انتقالية بين إيهود أولمرت وخلفه بنيامين نتانياهو بحسب استطلاعات الرأي. لماذا؟. لأن في تصريحاتهما موفاز وليفني لم نجد الرد الشافي على السؤال الحقيقي: من سيقف في وجه العواصف التي تنتظر إسرائيل؟". ورأى المعلق السياسي في الصحيفة ذاتها بن كسبيت أن المعركة بين ليفني وموفاز هي"معركة بين أضداد: ليفني هي الخيار الطبيعي لمن يريد شيئاً آخر مغايراً، متجددة ونظيفة، حديثة العهد حلقت عالياً بسرعة... إنها الأمل الأبيض والكبير والحالي للوسط الإسرائيلي، لكن من جهة ثانية ثمة مغامرة في انتخابها". وأضاف:"أما من لا يريد المجازفة ويفضل الخبرة الأمنية والعمل الأسود والصلابة والحذر فسيختار موفاز. هل يستحق ذلك؟ ثمة مؤشرات متناقضة. وهنا أيضاً مجازفة". وكان ليفني وموفاز توجها بنداء أخير إلى الناخبين للتصويت لهما. وجاء في مقال نشرته ليفني في"معاريف"و"يديعوت أحرونوت":"امنحوني الثقة لبلورة صورة إسرائيل. لتصحيح العيوب ووضع مصلحة الدولة ومواطنيها في مركز الاهتمامات. أثق بقدراتي على قيادة الدولة إلى مستقبل أفضل والقيام بمهماتي بمسؤولية وبرويّة وان استشرف المستقبل واتخذ القرارات الصعبة". من جهته، كتب موفاز في الصحيفتين أنه يعتز بجذوره الشرقية وبعائلته وبنظافة يديه في كل الوظائف الرسمية التي شغلها. وتباهى تحديداً بسجله العسكري الحافل ومشاركته في"عمليات عسكرية علنية وسرية". وقال إن خبرته الغنية في ساحات القتال وفي اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بحياة البشر"مثبتة"تؤهله لتسلم زمام الأمور في الدولة العبرية. وأضاف أن"الأمن القومي في سلم أولوياتي لكنه ليس كل شيء. التعليم والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وضمان مجتمع متكاتف ومتعاضد هي أساس المناعة القومية... هي الأفضلية النوعية". وزاد أن"وضع الأمن وتأمين حدود آمنة والحفاظ على القدس موحدة والدفاع عن المصالح الحيوية للدولة كقيمة عليا لا تعني إطلاقاً عدم بذل كل الجهود للتوصل إلى سلام، بل على العكس أعتزم كرئيس حكومة إجراء عملية سياسية جدية وأن نستقرئ بوعي تام كل فرصة عملية لاختراق طريق نحو السلام، لكن هذا السلام سيتحقق فقط من خلال القوة والردع".