ضبط مقيم ووافد بتأشيرة زيارة لترويجهما حملات حج وهمية ومضللة بتوفير سكن ونقل للحجاج    خبير استراتيجي: "القضية الفلسطينية" مرتكز عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط و"الدولتين" هو الحل    الأمن العام يطلق خدمة الإبلاغ عن عمليات الاحتيال المالي على البطاقات المصرفية (مدى) عبر منصة "أبشر"    القيادة تهنئ الجنرال محمد إدريس ديبي إتنو بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية في تشاد    كلوب يدعم إلغاء العمل بتقنية «فار» بشكله الحالي    تدشين أول مهرجان "للماعز الدهم" في المملكة بمنطقة عسير    ولي العهد في المنطقة الشرقية.. تلاحم بين القيادة والشعب    السالم يلتقي رواد صناعة إعادة التدوير في العالم    «هيئة النقل» تعلن رفع مستوى الجاهزية لخدمات نقل الحجاج بالحافلات    «تعليم جدة» يتوج الطلبة الفائزين والفائزات في مسابقة المهارات الثقافية    مفتي المملكة يشيد بالجهود العلمية داخل الحرمين الشريفين    استكمال جرعات التطعيمات لرفع مناعة الحجاج ضد الأمراض المعدية.    المملكة تتسلم رئاسة المؤتمر العام لمنظمة الألكسو حتى 2026    خادم الحرمين الشريفين يصدر أمرًا ملكيًا بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    أمطار وسيول على أجزاء من 7 مناطق    تشكيل الهلال المتوقع أمام النصر    كاسترو وجيسوس.. مواجهة بالرقم "13"    9 جوائز خاصة لطلاب المملكة ب"آيسف"    النفط يرتفع والذهب يلمع بنهاية الأسبوع    الإعلام الخارجي يشيد بمبادرة طريق مكة    ‫ وزير الشؤون الإسلامية يفتتح جامعين في عرعر    جوزيه مارتينيز حكماً لديربي النصر والهلال    قرضان سعوديان ب150 مليون دولار للمالديف.. لتطوير مطار فيلانا.. والقطاع الصحي    بوتين: هدفنا إقامة «منطقة عازلة» في خاركيف    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    رئيس الوزراء الإيطالي السابق: ولي العهد السعودي يعزز السلام العالمي    تراحم الباحة " تنظم مبادة حياة بمناسبة اليوم العالمي للأسرة    محافظ الزلفي يلتقي مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف بالرياض    حرس الحدود يحبط تهريب 360 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    «عكاظ» تكشف تفاصيل تمكين المرأة السعودية في التحول الوطني    تشافي: برشلونة يمتلك فريقاً محترفاً وملتزماً للغاية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    العيسى والحسني يحتفلان بزواج أدهم    السعودية والأمريكية    5 مخاطر صحية لمكملات البروتين    فتياتنا من ذهب    تضخم البروستات.. من أهم أسباب كثرة التبول    بريد القراء    الرائد يتغلب على الوحدة في الوقت القاتل ويبتعد عن شبح الهبوط    الشريك الأدبي وتعزيز الهوية    صالح بن غصون.. العِلم والتواضع        الدراسة في زمن الحرب    76 مليون نازح في نهاية 2023    فصّل ملابسك وأنت في بيتك    WhatsApp يحصل على مظهر مشرق    ابنة الأحساء.. حولت الرفض إلى فرص عالمية    الاستشارة النفسية عن بعد لا تناسب جميع الحالات    حراك شامل    رئيس موريتانيا يزور المسجد النبوي    فوائد صحية للفلفل الأسود    ايش هذه «اللكاعه» ؟!    كلنا مستهدفون    العام والخاص.. ذَنْبَك على جنبك    حق الدول في استخدام الفضاء الخارجي    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    أمير تبوك يطلع على نسب إنجاز مبنى مجلس المنطقة    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"أصحاب الشرور الثلاثة" وحقهم في تقرير مصيرهم . الويغور أو أهالي تركستان الشرقية ... ثورات متواصلةضد سيطرة الصين 1 من 2
نشر في الحياة يوم 21 - 08 - 2008

اختارت الصين هذا التاريخ المميز 8/8/2008، وبالتحديد الساعة الثامنة وثماني دقائق من مساء اليوم الثامن من الشهر الثامن من السنة الثامنة من الألفية الجديدة، لانطلاقة الألعاب الأولمبية التي تحتضنها بكين عاصمة الدولة الوطنية الصينية. وهذا الحدث - التاريخ يحتاج الى وقفة بذاته، سواء بالقياس إلى تنظيم الألعاب الأولمبية في الصين، أو بتوافق المناسبة مع الرقم 8، الذي يرتبط في المعتقد الثقافي الصيني بأكثر من مدلول تفاؤلي. فهو رقم الحظ، ومنطوقه الصوتي في اللغة الصينية"فا"يعني الاغتناء، أو الوصول بالمسعى إلى أهدافه. ويسعى الصينيون الى أن تتوافق مواعيدهم الأهم كالزواج أو الاتفاقيات أو العقود التجارية وما إلى ذلك مع الشهر الثامن من السنة، وبالأخص اليوم الثامن منه. وهم يتنافسون على وجود هذا الرقم على سياراتهم أو هواتفهم وإن كلفهم ذلك أموالاً باهظة. أما الطابق الثامن من أي مبنى فأسعار الشقق فيه، سواء للشراء أو للإيجار، تقفز إلى أرقام تتجاوز الوصف. وأرادت الصين من الاستناد إلى هذا الرقم"الفأل"لانطلاقة الألعاب، التماسة ما ورائية بذاتها - من دون أن يرتقي هذا التصور عندهم إلى المعنى الميتافيزيقي/ الديني للكلمة - تأمل عبرها بتحقيق مكاسب تفوق اللحظة الأولمبية عدداً وعدة. وذلك على رغم أن المعتقد الصيني نفسه يحمل في طياته تخوفاً من وقع الضد الآخر، فتنعكس الأمور حين يحمل الرقم 8 ذاته وجهاً سلبي التأثير في صيرورة الأحداث بالنسبة إليهم، قد يأتي في شكل كوارث صعبة/ أو مفاجئة تصاحب الفرح وتزعجه. لذلك تعلقت أفئدة الصينيين بهذا اليوم"التاريخي"، نحو آفاق لا متناهية من"الأمل"، والتفاؤل... وفي الوقت نفسه وضعوا أيديهم على قلوبهم تخوفاً مما قد يخبئه القدر. وفق هذا المعنى كان لصدى الحادث"الإرهابي"، أو النضالي، من إي زاوية أردنا النظر للأمر، الذي نفذته جماعة من الويغور، والذي أسفر عن مقتل 16 شرطياً على الأقل، في هجوم استهدف مركزاً للشرطة في ويغورستان، وقع الإجابة الحزينة والعاصفة لهذا الخوف الساكن في قلوب أهل الصين عشية الحدث الأولمبي التاريخي.
على أن الحدث ذاته، إي تنظيم الألعاب الأولمبية بكل أبعادها الإنسانية المفترضة على أرض الصين، وبما يسمح لها بالاحتفال بالمناسبة وفق شروطها الثقافية والسياسية، أحتاج من هذه الدولة العظمى الى الكثير من التجذيف ضد تيارات عنيفة مضادة، اعترضت بقوة على ترشيح بكين لاحتضان الدورة. وكانت ورقة عدم احترام الصين مبادئ حقوق الإنسان، وتنكيلها بالأقليات الإثنية المتعددة على أراضيها، واحدة من أهم الأوراق التي وظفتها الجهات المعارضة. إذ تبتعد الصين، بالقياس إلى ما ذكرنا، عن روح الألعاب الأولمبية التي تستند إلى الإخاء والسلام واحترام البشر.
غير أن ما كان لافتاً بمرارة في هذا السياق، حتى لجوء بعض المتطرفين الويغور إلى سلاح الإرهاب، هو اقتصار الاهتمام بالصين على قضيتي التيبت وحقوق الإنسان، من بين قضايا 55 أقلية من غير"الخان" معترف بها رسمياً في إطار الدولة الوطنية الصينية، التي تتهدد هوياتها القومية عواصف التمييز الذي تمارسه السلطة في بكين.
التصفية العرقية"الثقافية"تمارسها الصين تجاه الأعراق والشعوب التي فرضت قبضتها عليها، وأدمجتها عنوة في إطار الدولة الوطنية الصينية، تتجاوز مليونين ونصف المليون من التيبت يشكلون عاشر قومية في الصين من حيث العدد. فثمة شعوب أخرى يكاد يختفي ذكرها في زحمة التقسيم التعسفي النهائي الذي لا يعترف في تركيبة الدولة الوطنية الصينية بأكثر من 56 قومية مصنفة رسمياً كذلك. منها عشر قوميات مسلمة، يأتي الويغور في مقدمها، بعد"الخوي"وهم الصينيون المسلمون. وليس الويغور صينيين بل هم مسلمون من أصول تركية يعتمدون المذهب الحنفي، وهم يتحدثون، ويكتبون حتى اليوم باللغة الويغورية، وهي من أرومة اللغة التركية ويستخدمون الحروف العربية في الكتابة.
في التقسيم القومي تشكل قومية"الخان"، وهم العرق الصيني الذي يتمتع بالسيادة الرقمية والسياسية اليوم، نسبة 90 في المئة من سكان الصين. وباستثناء"الخوي"الذين لا يختلفون عن"الخان"في شيء إلا في انتمائهم الى الإسلام، فأن بقية القوميات الأربع والخمسين ليست صينية إلا بحكم فرض القبضة الصينية عليها عنوة، وهو"عدوان"ما فتئت هذه الأعراق والشعوب تقاومه في شكل سلمي كما نرى في التيبت، أو في شكل أكثر عصفاً لدى شعب الويغور.
في هذا السياق تأتي العملية العسكرية الويغورية على مركز الشرطة الصينية، التي نقلت أخبارها وكالات الأنباء، ولسنا هنا في مجال تبرير الإرهاب، بمقدار ما نوضح أن هذه الأحداث لم تنشأ من فراغ. والجديد في الأمر هو حضور الإعلام العالمي في الصين في هذه المناسبة وتناقل أخبارها بسرعة الى عواصم العالم. وليس الأمر"مواجهات"ضد الصين، أو تصادماً بين"مسلمي"تركستان الشرقية ويغورستان مع الدولة الوطنية الصينية، بمقدار ما هو"عملية"مواجهة من شعب الويغور الذي تعرض لألوان الاضطهاد الصينية، بغض النظر عن كونه مسلماً أو غير مسلم.
تقدم الصين مناطق التيبت، كما مناطق الويغور باعتبارها أراضي صينية أو امتداداً طبيعياً لجغرافية الدولة الوطنية الصينية وتاريخها، إلا أن هذه الشعوب تملك نظرة أخرى الى المسألة نحاول أن نتتبعها، على الأقل في ما يتعلق بالويغور. فلقد تعودت الصين على ربط انتفاضات الويغور، أو مطالبهم بالاستقلال، بپ"الإرهاب الإسلامي". والترويج لفكرة أن انتماء هؤلاء للإسلام، أو تشبثهم بعقيدتهم، هو الذي يحرك رفضهم للهيمنة السياسية الصينية. حتى أن الوصف الرسمي الذي تطلقه الصين على الويغور الساعة هو"أصحاب الشرور الثلاثة"، والمقصود"الانفصالي والتطرف الديني والإرهاب."
أمدت أحداث 11 أيلول سبتمبر الصين بمشروعية غير منتظرة لضرب الأقليات المسلمة التي تطالب بالاستقلال عن الصين، وعلى رأسها الويغور، بأسم الحرب على الإرهاب. على أن المقارنة الممكنة بين"الصينيين المسلمين"، وپ"المسلمين في الصين"من القوميات التي ترفض الهيمنة الصينية تحمل أهمية خاصة في هذا السياق. ذلك أن أكبر جماعة مسلمة في الصين كما أشرنا هي"الخوي"، وهم الصينيون المسلمون الذين لا يختلفون عن"الخان"إلا في معتقدهم الديني. والواقع إن"الخوي"هم من يصر على التميز عن"الخان"الذين ينتمون إلى معتقد أخلاقي آخر وليس بالضرورة ميتافيزيقياً، هو الكونفوشيوسية، التي تنحو إلى تنظيم السلوك الإنساني على الأرض، وتقنين سبل تناغمه مع الطبيعية،. وتستمد مشروعيتها من صيرورة التاريخ الصيني ذاته، من دون أن تعطي للماوراء مكانة في سياقها."الخوي"المسلمون، الذين تذهب الدراسات الصينية الى وصفهم بپ"الصينيين المسلمين"تمييزاً لهم عن"المسلمين في الصين"من غير الصينيين، يعيشون في بلدهم الأم الصين بانسجام كامل مع إخوانهم"الخان"غير المسلمين، وهم يجعلون من مقولة"حب الوطن من الأيمان"جزءاً أساسياً من معتقدهم الديني، بحيث لا يرى المسلم"الخوي"في الصين إلا وطنه الأم، الذي يأمره دينه بالإخلاص له والذود عنه أمام إي تهديد. وعرف تاريخ الصين الكثير من القادة والساسة من"الخوي"الذين خدموا الصين كما يخدم كل مواطن شريف وطنه. هؤلاء اليوم لا يبحثون لا من قريب ولا من بعيد عن الانفصال عن الصين، بل أن الفكرة ذاتها تبدو مستحيلة وعبثية بالقياس إلى توزعهم على مناطق الصين كلها، وعلى رقعة الجغرافيا والتاريخ الصيني كأي جزء من هذا الجسد المتكامل الذي هو الصين الأم.
غير أن الوضع مع الويغور يختلف كلياً، فهم على أرضهم الأم التي جاءت الدولة الصينية وضمتها عنوة، وهو ما لم يقبله هؤلاء. وعلى رغم أن تفاصيل الضم السياسي التعسفي لويغورستان إلى الصين يحتاج الى وقفة بذاته، ومراجعة واسعة لطبيعة الصيرورة التاريخية التي عرفتها المنطقة، إلا أن ما يمكن تأكيده أن ضم المنطقة للصين، ما كان ليعطي للسلطات الصينية حق طمس الهوية الوطنية لأهل البلد، ولا تحويل تلك الواحات الويغورية الوارفة إلى مدن صينية لا نرى فيها إي ملمح لثقافة الويغور أصحاب الأرض الأصليين. وهو الجينوسيد الذي مارسته بكين عبر سياسة تعسفية من القمع والإرهاب والتهجير والتحويل الديموغرافي المستند إلى إستراتجية مدروسة، بحسب الوثائق، وباعتراف خوياوبانغ سكرتير الحزب الشيوعي السابق لعموم الصين نفسه في حديث الى التلفزيون الرسمي، تهدف الى توطين مئتي مليون صيني على أرض الويغور.
كانت ويغورستان، قبل العصف الديموغرافي الاستيطاني الصيني المنظم الذي بلغ أوجه خلال السنوات الأخيرة من القرن الماضي بالذات، تضم غير الويغور الذين كانوا يشكلون الأكثرية الساحقة من السكان، بعضاً من الأعراق المسلمة الأخرى من الأوزبك والقازاك والتتار أو القرغيز، كانوا يعيشون في انسجام بحكم انتمائهم جميعاً إلى تاريخ مشترك، وعقيدة مشتركة، ولغة أو لغات متقاربة تعود بجذورها إلى اللغة التركية القديمة. هذا الانتماء لا يشمل فقط الأعراق المسلمة التي تعيش في ويغورستان، ولكن أيضاً بقية أعراق أسيا الوسطى في الطرف الآخر من تركستان الشرقية. إي في المنطقة التي عرفت تاريخياً بأسم تركستان الغربية، وتضم جمهوريات قرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان، إضافة إلى طاجيكستان حيث تغلب اللغة الفارسية. وهذه الحلقة الوسط بين مختلف دول أسيا الوسطى والصين، هي ارتكازة نوعية لرهان جيوبوليتكي معقد، تنافست في شأنه أهم قوتين شيوعيتين في المنطقة، وفي العالم، وهما الاتحاد السوفياتي والصين الشعبية. وانعكست صيرورة الأحداث والخلافات التي ربطت أو قسمت العلائق بين العملاقين، سلباً على صيرورة التحولات التاريخية أو الديموغرافية عند الويغور. إذ كان نشوء دولة إسلامية مستقلة على أرض ويغورستان يشكل تهديداً مزدوجاً للصين وللاتحاد السوفياتي. وارتأت الصين التي وجدت نفسها رهينة لجملة من الحركات الانفصالية، تايوان على الساحل الشرقي، التيبيت في الوسط، منغوليا في الشمال، وسينكيانغ أو ويغورستان في أقصى الغرب، بأن أي تنازل على أي جبهة انفصالية، سيسبب تداعيات سريعة قد تفتت الدولة الوطنية بكاملها. أما الاتحاد السوفياتي فكان بدوره يخشى اشتعال فتيل المطالب الوطنية وتفشى المطالبة بالاستقلال في جمهوريات الاتحاد السوفياتي في أسيا الوسطى المتاخمة.
ولما سقط الاتحاد السوفياتي وحصلت جمهورياته المسلمة على استقلالها في الطرف الآخر من ويغورستان، ازداد موقف الصين تصلباً في شأن مطالب الويغور. ومارست تصعيداً في مستوى الردع إلى الدرجة الأمنية القصوى، خصوصاً من خلال العملية القمعية التي عرفت بعملية"أضرب بقوة"وما زالت سارية المفعول حتى اليوم.
في المقابل واجه الويغور هذا التصعيد، بتصعيد مماثل للمقاومة، وحولوا مطالبهم السلمية إلى حركة نضالية مسلحة غابت أخبارها عن الأعلام العالمي بسبب التعتيم الصيني، تبعاً لذلك يبدو من غير المنصف اعتبار المقاومة الويغورية مجرد حركة إرهابية، أو إرهاب إسلامي ضد الصين كما يذهب بعض التحليلات.
ولا يستقيم الحديث عن مقاومة"الويغور"، وهي سلمية في معظمها، على أنها حركة إسلامية تواجه الكونفوشيوسية، من موقع العداء. العكس هو الصحيح، إذ احتل الإسلام في سياق الدولة الصينية مكانة خاصة، لأنه جاء مكملاً ومؤيداً للمبادئ والأخلاق التي تدعو إليها الكونفوشيوسية، وحظيت كتب المسلمين الأوائل، مثل الكتاب الجوهري لفيلسوف الإسلام الكبير في الصين ليوتشي عن فلسفة الإسلام، بتقديم الإمبراطور نفسه الذي قال:"إن الكتاب الذي يشرح عقيدة الإسلام، كأنه جاء ليضيء مبادئ كونفوشيوس فيلسوف الصين العظيم". وهذا دليل مكانة الفكر الإسلامي الصيني في بلده ولدى السلطات الصينية. هكذا فإن انتفاضات"الويغور"لا تأتي من مسلمين يحاربون الكونفوشيوسيين أو البوذيين من أبناء شعبهم، لكنها كرد فعل على استعمار سياسي، وهيمنة ثقافية شوفينية صينية على ثقافتهم الخاصة، وهويتهم الإسلامية، وثوابتها التاريخية. وذلك عبر جينوسيد ثقافي واسع لطمس معالمها. وخير دليل على ذلك أن"الخوي"الصينيين المسلمين الذين اصطحبهم"الخان"في العمليات الأولى للتبديل الديموغرافي لكي يذرّوا الرماد في العيون، باعتبارهم مسلمين مثلهم، قابلهم"الويغور"بالرفض بالعنف المسلح، واعتبروهم كغيرهم من الپ"خان"غزاة يستبيحون الأرض الويغورية.
وما حدث عشية الأولمبياد، وخلاله ليس أمراً جديداً، بل إن انتفاضات الويغور لم تهدأ على الإطلاق. يشرح السيد أولرش دليوس الناطق بأسم"الجمعية العالمية للدفاع عن الشعوب المهددة" هذا المعنى مؤكداً:"لا توجد في جمهورية الصين الشعبية مجموعة عرقية مضطهدة ومحرومة مثل الويغور". ويكفي أن نعرف أن السلطات الصينية نفذّت خلال عام 1997 فقط ما يزيد على 500 حكم إعدام في المنطقة. مقابل إعدام شخصين في منطقة التيبيت في الفترة نفسها.
ويغورستان أو تركستان الشرقية
قبل أن تطلق الصين مع نهايات القرن التاسع عشر، وفق مرسوم الإمبراطور المانشوري زاي تين في 11 تشرين الثاني نوفمبر عام 1884 بضم تركستان الشرقية للصين، على هذه الأراضي الصحراوية الشاسعة أسم سينكيانغ، والذي يعني في اللغة الصينية الأرض المضمومة حديثاً، أو الأراضي التي تشكل الحدود الجديدة للصين، كانت المنطقة، ولا زالت، تُعرف باسم ويغورستان، إي أرض الويغور. بينما كان الصينيون أنفسهم يسمونها خوي جيانغ أي بلاد المسلمين.
وكانت خطوة، دمج أرض الويغور بالصين، داعبت من قبل أباطرة الصين على اختلافهم، وكانوا يسعون الى وضع اليد عليها إلا أن ضراوة مقاومة المسلمين منعتهم، حتى أن الإمبراطور الصيني الشاب تونغ جيه كتب لوالدته الإمبراطورة دواغرهيسا جين التي كانت وصية على الحكم في 10 آذار مارس 1875:"أن تركستان محاطة بروسيا من الشمال وبعدد من الدول الإسلامية مثل تركيا والعرب وإيران في الغرب، وهي متاخمة لحدود الهند البريطانية في الجنوب، لذلك أقترح على جلالتك أن تأمري ببقاء القوات حيث هي على الحدود الغربية بدلاً من التقدم... وإذا حدث أن تم الغزو وعدنا إلى تركستان فلا ضمان بأن ثورة المسلمين لن تتجدد وتهدد المناطق حول جيايكوان".
هذه الشهادة"الإمبراطورية"بحق المقاومة الوطنية الويغورية، تترجم مثلاً شائعاً في الصين يقول:"ينتفض الويغور مرة كل خمس عشرة سنة، ويقومون بثورة عارمة مرة كل ثلاثين سنة". وقد سجل التاريخ الصيني 17 ثورة ويغورية كبرى عارمة، قبل أن يتمكن هذا الشعب عام 1863 من دحر الحكم الصيني عن أرضه، وتأسيس مملكة ويغورية مستقلة في القرن التاسع عشر تحت قيادة يعقوب بك، وهي المملكة التي نالت اعتراف معظم الدول الكبرى، وعلى رأسها بريطانيا وروسيا، التي كانت قد دخلت معها في تحالفات إستراتيجية واسعة.
غير ان جملة من التحالفات الإستراتيجية المواجهة سرعان ما ستقفز للسطح، وتقرر مصيراً مغايراً للمنطقة ولشعوبها المسلمة. فعلى أثر الاتفاقية السوفياتية ? الصينية في 15 أيار مايو 1872، رأت القوتان ضرورة أن تشدد الصين قبضتها على ويغورستان، نظراً إلى ما تمثل من موقع جيوإستراتجي حاسم لروسيا، كدولة فاصلة بين الهند البريطانية وآسيا الوسطى الروسية. والتخلص بذلك من يعقوب بك ومشروع الدولة التركية الكبرى التي تدعو إليها اسطنبول في المنطقة، بما يهدد بانفصال جمهوريات الاتحاد السوفياتي التركية، وتشكيل قوة عالمية جديدة.
وأنتج هذا التحالف عودة الصين للمنطقة، ودخول جيش الإمبراطورية المنشورية ويغورستان بعد مقتل يعقوب بك عام 1878. وعلى رغم إن المانشو حكموا تركستان الشرقية في تاريخ سابق حكماً عسكرياً على أنها مستعمرة خارج حدود الصين، باعتبار أن شعب الويغور يختلف عن الصينيين ويحتاج الى إدارة مستقلة، فألحقت شؤونهم مباشرة بالقصر المنشوري، ولكن الصين هذه المرة، وأمام إصرار الويغور على الاستقلال، فضلت دمجهم كلياً في الصين وأطلقت على بلادهم اسم سينكيانغ وفق مرسوم الامبراطور المنشوري المشار إليه. مع ذلك لم تنطفئ انتفاضات المسلمين في ويغورستان، وكلما لاح تهديد جدي لحريتهم أو لأرضهم أو لهويتهم الدينية كانوا يشعلون النار في وجه الصين. وسجل لهم التاريخ الصيني مئات الثورات، حتى تم تحرير بلادهم وتشكيل جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية في 12 تشرين الثاني نوفمبر 1933.
* باحثة ليبية في شؤون الإسلام في الصين. مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون - باريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.