أمير تبوك يستقبل معالي رئيس هيئة حقوق الإنسان    غرفة الشرقية تنظم معرض التطبيقات الالكترونية مطلع يونيو القادم    زراعة الشرقية تطلق مبادرة إنتاج عسل المانجروف للموسم الرابع 2024م    لوم إيراني لأمريكا:عقوباتكم حطمت طائرة الرئيس    وزير الخارجية يعزي نظيره الإيراني بوفاة رئيس إيران ومرافقيه    مصادر «عكاظ»: لؤي ناظر يترشح لرئاسة العميد «يونيو القادم»    محمد بن عبدالعزيز يكرم المتفوقين    أمير تبوك يرعى تخريج أكثر من 2300 متدرب ومتدربة بالمنطقة    الجنائية تتحرك لاعتقال قادة من حماس وإسرائيل    الربيعة يلتقي كبار المتبرعين لمركز الملك سلمان للإغاثة    رئيس "إيكاو": للمملكة دور قيادي في صناعة مستقبل الطيران بالعالم    الأمير سعود بن نهار يستقبل مدير مطار الطائف الدولي    "تعليم جدة" يصدر نتائج حركة النقل الداخلي    "العامري" بين استعراض المنجزات، لثانويات مكتب تعليم حلي    13 كفيفة تأهلت لbrail note    اختيار الرياض مقرا لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    التهاب البول عند الأطفال الذكور    معرض الرياض للسفر ينطلق في العاصمة .. 27 مايو الحالي    وزير الخارجية يجري اتصالاً هاتفياً بوزير الخارجية الإيراني المكلف    خلاف بين الهلال وجيسوس بخصوص أحد بنود العقد الجديد    وزارة الإعلام تنظّم النسخة السابعة من "واحة الإعلام"    منتدى كايسيد للحوار العالمي: تجديد جهود الحوار وإنشاء منصات مستدامة وشاملة وآمنة وحيوية ضرورة عالمية    كوادر وطنية لخدمة الحجاج في بنجلاديش    د. العيسى يتسلَّم مفتاح محافظة الإسكندرية أعلى وسام في المدينة    ارتفاع شهداء غزة إلى 35562    الاجتماع الثاني للجنة الأمنية والعسكرية المنبثقة عن مجلس التنسيق السعودي القطري    قدوم 267657 حاجا عبر المنافذ الدولية حتى نهاية أمس    وول ستريت تفتح على استقرار مع ترقب نتائج إنفيديا    من هو الرئيس المؤقت لإيران؟    أمير الرياض يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية المتقاعدين بالمنطقة    بلديةالبكيرية تنفذ 2754 جولة رقابية في شهر أبريل الماضي    تايكوندو الشباب يهيمن على بطولتي البراعم والناشئين والحريق يزاحم الكبار    بعد مصرع عبد اللهيان.. «كني» يتقلد حقيبة الخارجية الإيرانية    وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي والوفد المرافق له في حادث تحطم الطائرة المروحية    وصول أبطال آيسف 2024 إلى جدة بعد تحقيق 27 جائزة للوطن    «التعليم» تحدد أنصبة التشكيلات المدرسية في مدارس التعليم العام    أوتافيو يتجاوز الجمعان ويسجل الهدف الأسرع في «الديربي»    البنيان: تفوق طلابنا يبرهن الدعم الذي يحظى به التعليم في المملكة    1.8 % معدل انتشار الإعاقة من إجمالي السكان    السعودية.. يدٌ واحدةٌ لخدمة ضيوف الرحمن    متحدث «الداخلية»: «مبادرة طريق مكة» توظف الذكاء الاصطناعي    خادم الحرمين يستكمل الفحوصات الطبية في العيادات الملكية    مرضى جازان للتجمع الصحي: ارتقوا بالخدمات الطبية    السعودية من أبرز 10 دول في العالم في علم «الجينوم البشري»    5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والسمنة    ولي العهد يبحث مع سوليفان صيغة شبه نهائية لاتفاقيات استراتيجية    وزارة الحج والعمرة تنفذ برنامج ترحاب    نائب أمير منطقة مكة يُشرّف حفل تخريج الدفعة التاسعة من طلاب وطالبات جامعة جدة    جائزة الصالح نور على نور    القادسية بطلاً لكأس الاتحاد السعودي للبلياردو والسنوكر    الشيخ محمد بن صالح بن سلطان «حياة مليئة بالوفاء والعطاء تدرس للأجيال»    ثقافة سعودية    بكاء الأطلال على باب الأسرة    كراسي تتناول القهوة    الملاكم الأوكراني أوسيك يتوج بطلاً للعالم للوزن الثقيل بلا منازع    الانتخابات بين النزاهة والفساد    أمير القصيم يرعى حفل تكريم الفائزين بمسابقة براعم القرآن الكريم    ارتباط بين مواقع التواصل و«السجائر الإلكترونية»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دلالة الجواب عن تساؤل الملائكة في مبدأ الخلق
نشر في الحياة يوم 12 - 07 - 2008

لم يكن ذكر القرآن لتساؤل الملائكة عن خلق الإنسان من قبيل مجرد السرد القصصي أو الإخبار التاريخي، إنما يحمل دلالة مهمة وأساسية في شأن مستقبل الإنسان على هذه الأرض، وقد مر معظم المفسرين على هذه الآيات من دون البحث والتعمق في دلالة تساؤل الملائكة والإجابة الإلهية عليه، لا سيما أن التساؤل ورد من عالم الملائكة غير المكلفين والذين سبقوا الإنسان في الوجود، ووظيفتهم التسبيح والتقديس لله، وقد حاورهم الله في خلق الإنسان ليكون خليفة في الأرض فكان جوابهم التساؤل عن نتيجة متوقعة لديهم هي الإفساد في الأرض وسفك الدماء وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ البقرة :30، وهذا يعني أن لدى الملائكة معرفة مسبقة عن الإنسان والإفساد في الأرض، ولا يمكن فهم هذا التصور إلا في ضوء أحد احتمالين: أن يكون قد سبق للملائكة علم بوجود كائن سابق كانت هذه صفاته، أو أن علماً إلهياً كان لدى الملائكة بأن الأرض سيكون فيها الفساد وسفك الدماء، لكن الله ربط الأمر بعلمه باعتبار أن علم الملائكة لا يطال الغيب وأبطل تساؤلهم بتعليم آدم الأسماء الذي يمثل معطى جديداً جهله الملائكة.
دلالة الإفساد في الأرض وسفك الدماء
إن المعنى، الذي يشتمل عليه تعبير الفساد في القرآن الكريم، أعم من عدم الالتزام بالأحكام الشرعية والسلوك المستقيم، كما هو متبادر في أذهان الناس. فيغلب على استعمال مفردة الفساد اقترانها بالأرض، ما يدل على عموم وشمول ظاهرة الفساد، وأنها قضية إنسانية عامة وليست قضية فردية. والحديث عن الأرض يعني الحديث عن نظام يعيش فيه الإنسان المستخلف. فالفساد عدوان على نظام الحياة وبراءتها وأصل خلقتها وقوانين سيرها. والعدوان على البيئة إفساد في الأرض والتدخل في تغيير قوانين الأشياء ومعاكسة طبيعتها هو فساد أيضاً. وكل ما هو معاكس للنظام الذي خلقه الله للأشياء مادياً كان أو معنوياً إنما هو فساد في الأرض يمكن أن يحصل من الإنسان. وأما سفك الدماء فدلالته واضحة على أنه قمة العدوان على نظام القيم الذي يحكم الإنسان في عالم التكليف. فمن يرتكب عدواناً على حق الإنسان في الحياة والبقاء يرتكب ما هو أدنى من ذلك من عدوان على حقوق الإنسان، وبالتالي يخلّ بأهم قيمة هي قيمة العدل. فالتعبير بسفك الدماء هو رمز ونموذج لما هو أعم وهو العدوان على منظومة القيم في حياة الإنسان. فإذا لاحظنا أن الفساد عبث بالبيئة والنظام الطبيعي، وسفك الدماء عبث بحقوق الإنسان والنظام القيمي، علمنا خطورتهما من بين المنكرات حتى قدمتا على الكفر وجعلتا مقابل التسبيح لله وتقديسه.
دلالة ذكر تساؤل الملائكة
إن تساؤل الملائكة هو استغراب من كفاءة مخلوق مستعد لأن يعتدي على نظام الطبيعة والقيم ثم يصلح لأن يكون خليفة في الأرض، وهذا يعني أن أهم عناصر فشل الإنسان في خلافة الأرض وتحمل الأمانة، هو الفساد وسفك الدماء، وبالتالي فإن ما يعصم الإنسان منهما هو مفتاح النجاح في عمران الأرض واستمرارها. ولئن كان الجواب الإلهي للملائكة يتضمن إقراراً غير مباشر باحتمال حصول ذلك من الإنسان، فإن الجواب بيَّن معطى جهلته الملائكة وهو تعليم الأسماء.
فالأسماء التي عُلِّمها آدم كانت الجواب الإلهي عن تساؤل الملائكة المبني على أن خلافة الإنسان في الأرض مدعاة للفساد وسفك الدماء. لكن ما ورد من تفاسير في معاني الأسماء لا يجلِّي هذا الجانب من معنى تعلم الأسماء. فقد تعاملت معظم التفاسير في تحديد معنى الأسماء على أنها الاسم بمعناه اللغوي أعني العلامة على الشيء التي تميزه عن غيره، وضمن هذا الإطار جاء تحديد تلك الأسماء متفاوتاً بين قولين: الأول: أنه علمه كل الأسماء أي أسماء جميع الأشياء كلها جليلها وحقيرها، والثاني: أنه علمه أسماء معدودة لمسميات مخصوصة وقد اختلف في تحديدها أسماء الملائكة، أسماء الأجناس من دون أنواعها، أسماء ما خلق من الأرض، أسماء ذريته. لكن السؤال المحور حول كون تعلم الأسماء عاصماً من الإفساد في الأرض وسفك الدماء وضامناً لنجاح استخلاف الإنسان في الأرض لم تجب عنه تأويلات المفسرين. فعلم آدم بكل ما ينطبق عليه من أسماء أياً كان مضمونها. مما ذكروه لا يدل منطقياً على كونه مورد عصمة لآدم والإنسان عموماً من سفك الدماء والإفساد في الأرض إلا أن يكون ذلك بتأويل رمزي لم يشر إليه أحد من المفسرين الذين رجعنا إليهم، بل لم نجد ربطاً بين مضمون الأسماء وكون تعلمها جواباً على استشكال الملائكة.
العاصم من الفساد وسفك الدماء
إن أول ما يثير انتباه المتأمل في استشكال الملائكة قولهم:"وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ"، فكان الجواب بتعليم آدم الأسماء، وبتتبع ذكر الاسم في القرآن نجده يقترن بتكليف الإنسان بالتسبيح وأن هذا التسبيح يكون باسم الله، مما يعني أن الأسماء هي وسيلة الكائن الجديد لتسبيح الله وتقديسه. وهذا يربط بين الأسماء التي تعلمها آدم واسم الله وأسمائه الحسنى، فهي تدل على معنى يربط الكائن الإنساني بالقيمة المعرفية، والتي من خلالها يستطيع تسبيح الله والقيام بمهمة الاستخلاف في الأرض. فاسم الله هو علمه الذي يسعى إليه الإنسان، والذي علمه آدم، وهو علة الاستخلاف في الرد الإلهي على اعتراض الملائكة.
فالأسماء هنا ليست مجرد ألفاظ تحيل على المسميات، فهي ليست أعلاماً كما بسطها البعض، بل وليست علامات على الأشياء، إنما هي معانيها ومعرفتها وملكة إدراكها، لذا فهي كلمة دالة على قيم معينة تعلمها آدم، فالأسماء بما هي مُعَلَّمة من قبل الله ومتقبلة من قبل الإنسان هي الوسيط بين الإلهي والإنساني في إدراك الكون واستخلاف الإنسان فيه، ولعل معنى الرفعة والسمو كأصل لغوي للاسم يدل على اختيار هذا اللفظ للإشارة إلى القيمة المعرفية التي تميز بها الإنسان، فبها يرتفع عن غيره من المخلوقات ويسمو ويرتقي بها إلى الله، وكذلك باعتبار الاشتقاق الثاني من السمة والعلامة، فالقيمة المعرفية هي التي تميز الإنسان عن غيره وتجعله كائناً متميزاً.
فبتعلم الأسماء يدرك الإنسان الأشياء ووظائفها وكيفية التعامل معها، وبعبارة أخرى يمتلك مفتاح التعامل مع الكون والتعرف عليه. وهو بذلك يباشر مسؤوليته كمكلف من دون أن ينفصل عن الإلهي في تعامله مع الكائنات. فمصدرية الأسماء الإلهية جعلت منه إنساناً مسلماً لله بفطرته، ومكلفاً في الآن نفسه باستخدام ملكة علم الأسماء في إعمار الأرض مسترشداً بهدي الله، لذلك جاء التكليف الإلهي الأول بالقراءة مقروناً بكونها باسم الله، فهي قراءة مزدوجة لا يستقل فيها وعي الإنسان وامتلاكه للقيمة المعرفية في التعامل مع الأشياء عن الصلة بخالقها، فعلم الأسماء لا يتأتى إلا من الله، فهو المختص بها فله الأسماء الحسنى، ومن ادعى الأسماء من غيره فلا قيمة لتسميته إذ لا سلطان من الله فيها، لذلك استنكر الرسل على قومهم ادعاء الأسماء للأصنام وطلبوا منهم بيان تجلي تلك الأسماء. فإدراك الإنسان لما يحيط به من الأشياء من خلال ملكة المعرفة التي أوتيها بتعلم الأسماء تجعله قادراً على معرفة الله أكثر وبالتالي تسبيحه وتقديسه وتنزيهه. وكذلك سيكون قادراً على اكتشاف قيم الوجود وتلقي رسالة الله عبر رسله مما يجعله قادراً على منع الإفساد في الأرض وسفك الدماء. وبما أن الله جعل علم الأسماء ملكة في الإنسان فقد أناط به مسؤولية العمران والخلافة في الأرض تكليفاً لا تكويناً. وما دام التكليف منوطاً بالحرية التي متَّع الله بها الإنسان، كانت استجابته للتكليف متفاوتة، فقد يصل الإنسان إلى درجات جهلتها الملائكة عندما اعترضت على خلافة آدم في الأرض، وقد ينحط إلى ما خشيته الملائكة من إفساد وسفك للدماء.
أخيراً. إن الآيات القرآنية إذ أوردت تساؤل الملائكة عن أهلية الإنسان ليكون خليفة في الأرض والجواب الإلهي عليه، إنما كانت تشير إلى أسس نجاح الإنسان في عمران الأرض منذ بدء الخلق. فالملائكة تشير إلى سنّة إلهية هي أن العمران والخلافة في الأرض لا يستقيمان مع الفساد وسفك الدماء. والجواب الإلهي كان أن الإنسان بما هو مكلف قد أوتي من علم الأسماء ما يعصمه من الفساد وسفك الدماء وبالتالي النجاح في الاستخلاف، فقد آتاه الله ملكة المعرفة واكتشاف قوانين الأشياء، والتعرف على خالقها، وبالتالي ربط الكون به. وإذا تعرف الإنسان على قوانين الأشياء وسننها والتزم بها فلا فساد في الأرض، وإذا تعرف على الخالق ورسالاته وعرف منظومة القيم التي تحكم حياة الإنسان والتزم بها فلا سفك للدماء، أما إن اغتر بما أوتي من معرفة فتألَّه بعلمه وسمى الأشياء من عنده ولم يربطها بالله فقد استبد ولن تكون المعرفة عاصماً له من الفساد أو سفك الدماء. فالمعرفة العاصمة علم الأسماء هي التي تقود إلى تسبيح الله وتقديسه، وبالتالي ضبط النفس عن استخدام المعرفة للإفساد أو سفك الدماء. فإذا حصل ذلك فاق الملائكة قدراً وشرفاً وإلا انحط إلى ما حذرت منه الملائكة.
إن أزمة الإنسان العالمية اليوم ولدى جميع الأمم أنها تعيش انتهاكاً صارخاً دولياً ومحلياً، فردياً وجماعياً للنظام الطبيعي الإفساد في الأرض وللنظام القيمي سفك الدماء، فقضية القضايا التي لا تختلف فيها فِطر الناس هي استنكار العدوان على البيئة والعدوان على حقوق الإنسان، وكلاهما يحول دون أداء الإنسان ما لأجله أوجد في هذه الأرض وهو العمارة: ]وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا[ هود:60، والعبادة: ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ[ الذاريات:56، والخلافة: ]وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ[ الأعراف:129.
* كاتب وجامعي سوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.