لا تزال الصين بعيدة. هذا ما لمحه من حضر افتتاح مهرجان الفنون الصينية في دمشق، مساء امس. ووفقاً لما تم الاعلان عنه مسبقاً، دخل الحضور صالة دار الاوبرا وهم ينتظرون متابعة المسرحية الراقصة"لحن دونهوانغ"قدم في عرضين أمس وأول أمس، من دون ان يستعدوا للمنبر الخطابي الذي كان عليهم الاصغاء لكلماته لأكثر من نصف ساعة. فوجئوا به، كما فوجئوا بالحضور الرسمي من قبل مسؤولين رفيعين في الحزب الشيوعي الصيني، وحزب البعث السوري. الكلمات امتدحت تطور العلاقات العربية - الصينية وعمقها التاريخي. هذا فحوى ما قاله وزير الثقافة السوري الدكتور رياض نعسان آغا. ولأن الصين بعيدة، لم تستطع شهرة عمران ممثلة امين عام جامعة الدول العربية، التي ترعى المهرجان ايضاً، ان تكبح ابتساماتها فيما تستغرب نظراتها بخفة ما تنقله المترجمة الصينية بجوارها الى لغتها الأم! لكن لغة ممثلة الجامعة، بدورها، أثارت استغراب الحضور العربي، بسبب اللكنة واللفظ المكسور. وجاء كلام السفير الصيني، لي هو شيم، في دمشق ليكمل المفارقة. فعندما صعد ليلقي كلمته، لم يكن احد بجواره للترجمة. صفق الحضور الصيني لشيء لم يفهمه نظيره العربي. لكن تصفيق ناطقي العربية جاء اقوى، عندما باغتهم الحضور القوي للغة الضاد في فم السفير الصيني، وجعلت فخامة نطقه الامر ملتبساً في البداية، فظن البعض ان الترجمة تأتي من الكواليس! هذه المفارقة رطّبت جفاف الخطاب والانتظار. بعدها أُزيح ستار المسرح عن كرنفالات من الألوان. ألوان الديكور الذي جاء عبارة عن مساحات واسعة من الأوراق والأغصان، على شكل الرواق، مقنطرة على الخشبة، وخلفها رسوم كبيرة تتبدل. استلهمت فرقة اوبرا مقاطعة"قانسو"الصينية رقصاتها من قصص النقوش والنحت الحجري في كهوف"موقار"في"دونهاونغ"الصينية. كهوف يعود تاريخها الى 1700 عام.نزلت الأساطير والحكايات من اللوحات الجدارية على الخشبة. بعضها كان في الاساس رقصات منقوشة في الكهوف. وفي بداية كل رقصة يحضر راقص يجسد من نقش تلك الصور ليحييها في لوحات تتتالى. وفي غمرة هذا الاحياء تأتي مغنية بصوتها الدافئ الذي يستحضر قصة الملاك"في اتيان"، واسطورته التي ترمز للحظ والسعادة. والأمر ذاته يحدث مع تقديم رقصة عن الطائر السحري الذي صورته النقوش آتياً من أسرة ملكية غابرة، نصف جسمه انسان ونصفه الآخر طائر. رقصات تنقل بعناية أدق تفاصيل الحكاية. فالملاك الراقص ليس اقل من صورته ورمزيتها، والطائر كأنه من صلب قوس قزح، ورقصة الحوريات بجانب العينة السحرية لا تستقيم إلا اذا ترشرش على الخشبة ماء ذلك النبع وساحرته الشفافة. كما ان رقصة زهرة اللوتس لا تحضر إلا اذا غرق المسرح براقصات طافيات، يتموجن لابسات تلك الزهرة. هذه الملامح في التصميم والرقص هي تقاليد راسخة في المدرسة الصينية التي تركز على الامتاع البصري. وهي دأبت على نقلها دار مقاطعة"قانسو"التي تأسست عام 1939، وقدمت اكثر من 200 اوبر، في فرنسا وهولندا وبلجيكا وهونغ كونغ وغيرها. ومن روح الاحتفال بالتبادل الثقافي، قدمت الفرقة لوحة عن طريق الحرير، ومن ضمنها اغنية"جرس القوافل في طريق الحرير"، تصور التاجر العربي الزائر لبلاد الحرير، اذا يحضر بالكوفية والعقال، وعندما يتحول جميع الراقصين الى كورس يردد الاغنية، يبقى هو الوحيد الذي لا يغني، بل يكتفي بهز رأسه والانصات... فالعربي لا يغني بالصينية حتى لو لعب دوره راقص صيني، والتقاليد الصينية صارمة هنا.