تفاءل الفلسطينيون بإعادة تشغيل معابر قطاع غزة بعد أن سلّط "كسر الحدود" مع مصر ضوءاً ساطعاً على المشاكل التي يعانيها أهالي القطاع جراء إغلاق هذه المعابر منذ سيطرة حركة"حماس"بالقوة المسلحة على القطاع في حزيران يونيو الماضي. لكن هذه الآمال سرعان ما تبددت بعد ظهور مواقف متعارضة، يصعب الجمع بينها، للجهات الست المؤثرة في فتح هذه المعابر، خصوصاً معبر رفح الحدودي مع مصر، وهي إسرائيل وأميركا والاتحاد الأوروبي ومصر والسلطة الفلسطينية و"حماس". وكانت"حماس"فتحت بالقوة المسلحة حدود غزة مع مصر لمدة اسبوعين نهاية الشهر الماضي، مدعومة بتحرك شعبي واسع من أهالي القطاع الذين تحولت حياتهم بفعل إغلاق المعابر إلى معاناة يومية قل نظيرها. ولكن عندما بدأت الاطراف المؤثرة والمتأثرة بقطاع غزة في البحث عن حل لإعادة المعبر الحدودي مع مصر اصطدمت بعقبات يصعب تخطيها. الشروط الإسرائيلية فإسرائيل وضعت شروطاً لإعادة فتح المعابر لم تقبلها"حماس"الحاكمة في غزة، في مقدمها إعادة العمل بموجب الاتفاق الذي توصلت إليه مع السلطة الفلسطينية عقب انسحابها من القطاع نهاية العام 2005، ونص على تولي مراقبين أوروبيين الرقابة المباشرة على الحركة عبر معبر رفح، فيما يتولى مراقبون إسرائيليون وأوروبيون وفلسطينيون القيام برقابة غير مباشرة على المعبر. ولتمكين إسرائيل من ممارسة الرقابة غير المباشرة، نص الاتفاق على تثبيت كاميرات على المعبر تبث صوراً لكل ما يجري فيه إلى غرفة رقابة ثلاثية في معبر"كرم أبو سالم"الحدودي الواقع تحت السيطرة الإسرائيلية. ونص الاتفاق أيضاً على منع نقل الأسلحة والمتفجرات والمخدرات عبر المعبر، كما نص على منع من لا يحمل هوية فلسطينية صادرة من السجل المدني الفلسطيني الذي تسيطر عليه إسرائيل من زيارة القطاع عبر المعبر. ونصت على دخول الزوار الأجانب إلى القطاع، بمن فيهم الفلسطينيون من حملة الجنسيات الأخرى عبر المعبر الإسرائيلي كرم أبو سالم. "حماس"واتفاق ثنائي أما"حماس"، فترفض إعادة تشغيل المعبر وفق الآلية القديمة، وطالبت بتعديل الاتفاق بحيث تضمن إبعاد إسرائيل عن قول الكلمة النهائية في شأن تشغيله أو وقفه عن العمل. ويقول مسؤولون في"حماس"إن التجربة أظهرت تحكماً إسرائيلياً كاملاً في المعبر، بحيث كان يفتح ويغلق وفق أوامر إسرائيلية، ما يجعل الحركة متمسكة بمطلب تعديل الاتفاق. وتطالب"حماس"بأن يقيم المراقبون الأوروبيون في مصر أو في الجانب الفلسطيني، وليس في اسرائيل، بهدف إبعاد التأثير الإسرائيلي عنهم. وهي تضع قيوداً على وجود ممثلي السلطة الفلسطينية في إدارة المعبر. وقال مسؤول كبير في الحركة:"لا نريد عودة رجال الفساد من جديد لإدارة المعبر". لكن"حماس"تقبل عودة الموظفين المدنيين السابقين على المعبر"للاستفادة من خبرتهم". رفض"الانقلابيين" وتطالب السلطة بإبعاد"الانقلابيين"من"حماس"كلياً عن المعبر، وإعادة تشغيله وفق الاتفاق القديم. وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه:"نحن مع تعديل الاتفاق، وإذا نجحت حماس في تعديله، فإننا سنصفق لها، لكن السؤال هل هذا ممكن؟". وأضاف أن"ما يهمنا في هذه المرحلة هو إعادة تشغيل المعبر من أجل رفع الحصار عن أهالي القطاع، وبعد ذلك سنطالب بتعديل الاتفاق أو تحسينه، لكننا لا نقبل بأن يظل المعبر مغلقاً بحجة المطالبة بتعديل الاتفاق". وتحمّل السلطة"حماس"مسؤولية عدم إعادة فتح المعبر بسبب رفضها إعادة تشغيله وفق الشروط القديمة. سلامة المراقبين والجهة الرابعة صاحبة الكلمة المؤثرة في إعادة تشغيل المعبر هي الاتحاد الأوروبي. ويقول ممثلو البعثة الأوروبية في الأراضي الفلسطينية إنهم يقبلون إعادة المراقبين الأوروبيين لتشغيل المعبر في حال موافقة مختلف الأطراف على ذلك. ويطالب الاتحاد حركة"حماس"بعدم التعرض للمراقبين وعدم التدخل في شؤونهم في حال عودتهم إلى المعبر. مصر ترفض التعديل والجهة الخامسة صاحبة التأثير في إعادة تشغيل المعبر هي مصر التي ترفض طلب"حماس"التوصل إلى اتفاق ثنائي لإعادة تشغيل المعبر من دون مشاركة بقية الأطراف. وتصر مصر في هذه المرحلة على عودة السلطة الفلسطينية لإدارة المعبر وفق الاتفاق المقبول من مختلف الاطراف. وفي اللقاءات الاخيرة مع قادة"حماس"في القاهرة، رفضت مصر أي تعديل للاتفاق. وحسب مصادر ديبلوماسية مصرية، فإن القاهرة وجهت تهديدات مباشرة لقادة"حماس"من مغبة القيام بأي انتهاكات جديدة للحدود. لكن مصر أبدت تفهماً للواقع الجديد في غزة التي تسيطر عليها"حماس". وعرضت"مراعاة مصالح"الحركة في تشغيل المعبر، بما في ذلك فتح قناة اتصال دائمة معها في كل ما يتصل بالحركة على المعبر. أميركا وحصار"حماس" وترفض الإدارة الأميركية، وهي الجهة الوسيطة في التوصل إلى اتفاق تشغيل المعبر في العام 2005 وصاحبة التأثير الأكبر على مختلف الأطراف، أي تعديل للاتفاق أو أي دور لحركة"حماس"في إدارة المعبر وتشغيله. وتشدد واشنطن التي تفرض حصاراً مالياً على"حماس"، على رفضها السماح بنقل الأموال للحركة عبر المعبر. وأمام تعارض وتناقض مواقف مختلف الأطراف المؤثرة في فتح معبر رفح، فإن التوقعات بإعادة تشغيله تبدو ضئيلة. وتجري السلطة الفلسطينية منذ نحو شهرين اتصالات مع مختلف الاطراف لإعادة تشغيل المعبر، لكن السؤال المقلق للسلطة هو: ماذا لو وافق مختلف الاطراف ورفضت"حماس"؟