الكابتن علي ربيع ينضم للطاقم الفني لفريق الهلال تحت 16 عاماً    استقرار معدل التضخم في المملكة عند 2.1%    حظر لعبة «روبلوكس» في قطر    الصين تطلق إلى الفضاء مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية للإنترنت    في إنجاز علمي بحثي.. خرائط جينية جديدة تُعزز دقة التشخيص والعلاج للأمراض الوراثية    الدولار يتراجع لأدنى مستوياته    امطار على الحنوب ورياح نشطة على مختلف مناطق المملكة    أمطار غزيرة تشل عاصمة كوريا الجنوبية ومحيطها    19 % نمواً.. وإنجازات متعاظمة للاستدامة.. 3424 مليار ريال أصول تحت إدارة صندوق الاستثمارات    موجز    رئيس الوزراء النيوزيلندي: نتنياهو فقد صوابه وضم غزة أمر مروع.. «الاحتلال» يصادق على الهجوم .. وتحرك دبلوماسي للتهدئة    الشيباني: نواجه تدخلات خارجية هدفها الفتنة.. أنقرة تتهم تل أبيل بإشعال الفوضى في سوريا    واشنطن تشرع في تصنيف الإخوان منظمة إرهابية    أكد إطلاق برنامج «ابتعاث الإعلام» قريباً.. الدوسري: طموحات الرؤية تؤمن بإمكانات الإنسان والمكان    ولي العهد ورئيس كوريا يبحثان فرص التعاون    نائب وزير الخارجية وسفير الدومينيكان يبحثان تعزيز التعاون    بطولة لكرة المناورة ضمن فعاليات كأس العالم للرياضات الإلكترونية    أسعار العقار ترتفع شمالا وتتراجع جنوبا    تمكين المدرسة من خلال تقليص المستويات الإدارية.. البنيان: 50 مليار ريال حجم الفرص الاستثمارية بقطاع التعليم    الشريف يحتفي بزفاف تركي    بحضور الأمير سعود بن مشعل .. العتيبي يحتفل بزواج إبنيه فايز وفواز    اطلع على أعمال قيادة القوات الخاصة للأمن البيئي.. وزير الداخلية يتابع سير العمل في وكالة الأحوال المدنية    انطلاق ملتقى النقد السينمائي في 21 أغسطس    «البصرية» تطلق «جسور الفن» في 4 دول    رابطةُ العالم الإسلامي تُدين تصريحات رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي بشأن "رؤية إسرائيل الكبرى"    تنظيم محدث للّوحات الدعائية والإعلانية    نائب أمير منطقة جازان يقدّم التعازي لأسرة معافا    بيئة جازان تنظم ورشة عمل حول الإستفادة من الموارد الزراعية الطبيعية    المملكة تدين ما يسمى «رؤية إسرائيل الكبرى»    وطن يقوده الشغف    إزالة الحواجز الخرسانية بالرياض    سان جيرمان «يجحفل» توتنهام ويحقق كأس السوبر الأوروبي    الصاعدي رئيساً لأحد    البارالمبية الآسيوية تكرّم الأمير فهد بن جلوي بوسام آسيا 2025    ارتفاع مبيعات الإسمنت يعكس مواصلة نمو قطاع البناء والتشييد    متحدثون.. لا يتحدثون    الأمن يحث زوار المسجد الحرام على عدم الجلوس في الممرات    (ولا تتبدلوا الخبيثَ بالطَّيب)    نجاح زراعة 10 كلى تبادلية خلال 48 ساعة في التخصصي    ناصر بن محمد: شباب الوطن المستقبل الواعد والحاضر المجيد    سعود بن نايف يطلع على مستجدات أعمال "تطوير الشرقية"    فهد بن سلطان يكرم الفائزين بمسابقة إمارة تبوك للابتكار 2025    ولي العهد ورئيس كوريا يبحثان العلاقات الثنائية وسبل دعمها    نجاح عملية دقيقة لأول مرة بجازان    "الكشافة السعودية" تُنظم ورشة عن فنون كتابة القصة القصيرة الملهمة    أمير تبوك يكرم الفائزين بمسابقة إماره المنطقة للابتكار 2025    بدء الدراسة المتقدمة للشارة الخشبية في الباحر بمنطقة جازان    وزير التعليم: آلية جديدة لاختيار المعلمين العام المقبل    تنظيم المملكة للمسابقات القرآنية احترافي يجسد مكانتها في قلوب المسلمين    إنجاز سعودي.. أول زراعة قوقعة ذكية بالشرق الأوسط وأفريقيا    استخراج هاتف من معدة مريض    «الغذاء» تسجيل مستحضر «الريكسيفيو» لعلاج الورم النقوي    أدبي الطائف تصدر الأعمال المسرحية الكاملة للدكتور سامي الجمعان    أمير جازان يعزي في وفاة معافا    وكيل إمارة جازان يلتقي "محافظي" المنطقة    الإدارة الروحية لمسلمي روسيا تحدد شروط تعدد الزوجات    المفتي يستعرض أعمال «الصاعقة» في إدارة الأزمات    مباهاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عشرة شهور حاسمة في المشهد السياسي العراقي ... منظومة "الأعداء والأصدقاء" تتغير بسرعة وخيارات مفتوحة للتحالف والتصادم . المالكي ... "رجل المرحلة" في مواجهة استحقاقات التوافق السياسي الإجباري
نشر في الحياة يوم 19 - 12 - 2008

لم يعد سراً أن أطرافاً سياسية عراقية مختلفة تشكل الحلقات الأساسية في الحكومة وفي العملية السياسية العراقية برمتها تخوض منذ اشهر صراع كسر عظم مع رئيس الوزراء نوري المالكي الذي يخرج تدريجاً من منظومة الاعتماد الكلي على"شرعية"التوافق السياسي"المحاصصي"إلى استثمار زخم الأحداث الكبيرة في عام 2008 لتأسيس شرعية جديدة تستند في شكل أساسي إلى فرضية"رجل المرحلة"الذي تلتقي عنده تناقضات الوضع العراقي، ويستمد قوته من إحساس الشارع بالحاجة إليه.
لكن حسابات خندق المالكي، الذي يتسع ليشمل عراقيين من اتجاهات طائفية وعرقية متنوعة، تختلف تماماً عن حسابات الخندق المقابل الذي تتسع تناقضاته لكنها تلتقي في المحصلة في جبهة لا ترغب كثيراً باستمرار احتكار المالكي للسلطات وتضم الحزبين الكرديين والحزب الإسلامي السني والمجلس الأعلى الإسلامي.
وتلك الجبهة تجمعها اليوم المخاوف من منعطف نفسي وأمني واجتماعي عراقي يسمح ببروز"كاريزما"سياسية جديدة تتضاءل معها فرص تداول الحكم أو الحفاظ على المكاسب أو ضمان الدور المؤثر وكذلك إنهاء فرضية التوافق السياسي التي تأسس بموجبها شكل الحكم في العراق باعتباره ناتج لقاء ممثليات كردية وسنية وشيعية.
طروحات عزل المالكي
وعلى رغم أن محاولات عزل المالكي تكررت اكثر من مرة خلال السنوات الثلاث الماضية ودعمتها جبهة التوافق السنية حيناً وكتلة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر حيناً آخر وأيضاً جبهة رئيس الوزراء الأسبق اياد علاوي والسابق إبراهيم الجعفري إلا أن تماسك الأكراد والمجلس الأعلى في دعم رئيس الوزراء جعل نجاح تلك المحاولات أمراً عسيراً.
في المقابل كان انتقال الأكراد إلى صف المؤيدين ضمناً لتغيير المالكي لافتاً لكنه ليس حاسماً في النهاية لاعتبارات لا تقف عند حدود التداعيات المتوقعة لمثل هذا الحدث وإنما تتعداها إلى صعوبة أحداث طلاق جديد بين حزب"الدعوة"والمجلس الأعلى لضمان الشرعية الشيعية ولقاء تحالفي بين الأخير والحزب الإسلامي لضمان الشرعية السنية.
وعلى رغم أن تسريبات من قيادات سياسية مختلفة أكدت طرح موضوع سحب الثقة من الحكومة وتشكيل أخرى بديلة في اجتماعات ضمت الأطراف الثلاثة أخيراً، لكن الأطراف نفسها كما يبدو مقتنعة أيضاً أن المعادلة العراقية اكثر تعقيداً من أحداث تغيير جديد فيها حتى لو كان تحت مظلة الدستور والبرلمان.
وينص الدستور العراقي على أن"لمجلس الرئاسة حق تقديم طلب إلى مجلس النواب بسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء ولمجلس النواب وبناءً على طلب خُمس أعضائه طرح سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء اثر استجواب موجه إليه"على ان"يقرر مجلس النواب سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، بالأكثرية المطلقة لعدد أعضائه".
وعلى رغم أن جمع نحو 139 نائباً برلمانياً من بين 275 نائباً ليست مهمة مستحيلة حالياً لكن حساباتها السياسية والأمنية بعيدة المدى تكاد تقترب من هذا الافتراض.
استراتيجية المواجهة
وسواء كان ذلك خياراً أم اضطراراً فإن المالكي اختبر منذ بداية عام 2008 سياسة المواجهة باعتبارها استراتيجية جديدة وانتقل سريعاً من التحالف مع تيار الصدر إلى استخدام الآلة العسكرية والأمنية لضربه وتجريده من نفوذه سياسياً وجغرافياً ودعائياً.
ولم يكن خافياً أن مواجهة تيار الصدر كانت تحتاج في الأساس إلى واجهة شيعية في مقابل واجهة مجالس"الصحوة"السنية التي حجمت دور تنظيم"القاعدة"والمجموعات المسلحة الأخرى، لكنها كانت تحتاج أيضاً إلى مغامرة سياسية واسعة النطاق والى حصول توافق أميركي - إيراني ضمني نادر على القبول بنتائجها.
والمالكي الذي عكس طبيعة متحفظة لا تميل إلى إظهار الانفعالات ولا تنخرط في استعراض الميول الطائفية أو العرقية نجح في تحقيق التغيير في المستوى الأمني في شكل سريع وغير متوقع مدعوماً بتأييد حلفائه في الحكومة وحتى منافسيه ومعارضيه خارجها وقبل ذلك بقناعة أميركية وإيرانية، ما سمح له بنقل استراتيجية المواجهة سريعاً إلى خندق حلفائه أنفسهم.
وفي خضم المواجهة مع الإدارة الأميركية لانتزاع تنازلات معلنة حول الاتفاق الأمني والانسحاب والصلاحيات كانت الجبهات تفتح تباعاً مع الأكراد حول صلاحيات المركز والإقليم وكركوك والموازنة وتسليح البيشمركة وعقود النفط، ومع المجلس الأعلى حول مجالس الإسناد ومخططات السيطرة على نتائج الانتخابات المحلية والعامة خلال عام 2009 وأيضاً مع السنة عبر حملات اعتقال شمل بعضها مقربين من جبهة التوافق.
ومواجهات المالكي التي دفعت حزب"الدعوة"بقوة إلى تصدر الواجهة السياسية وإدارة التحالفات جمعت مؤيدين بدرجات مختلفة داخل الطيف السياسي شملت أطرافاً سياسية سنية وأخرى شيعية من داخل كتلة الائتلاف، إضافة إلى مؤيدين في الوسط السياسي العلماني، واتسعت خارجياً لتشمل عشائر وأحزاب وقوات أمن شيعية في الجنوب وسنية في الغرب وأيضاً عشائر كردية اتهمتها حكومة إقليم كردستان ب"الخيانة"لسعيها إلى تشكيل"مجالس إسناد"على تخوم الإقليم.
وعلى رغم خطورة الموقف السياسي الذي فرضته جبهات الصراع تلك إلا أن خطوط اختراق عميقة حفرتها سياسة المالكي لمنع تحول الانتقاد العلني لسياساته إلى جبهة تحالف قادرة على إزاحته من منصبه.
حسابات متداخلة
وإضافة إلى ان توقيع الاتفاق الأمني مع الولايات المتحدة وضرورة ضمان تطبيقه ونجاحه في استفتاء تموز يوليو 2009 اصبح أولوية أميركية تستدعي عدم أحداث زلازل سياسية والضغط على الأطراف الأخرى للحفاظ على الوضع القائم وضمان عدم تفاقم الخلافات إلى صراع علني، فإن السنّة وهم الطرف الأساسي في شرعنة أي انقلاب دستوري يفضلون ضمنا ممارسة الضغوط لانتزاع التنازلات من المالكي على غرار وثيقة الإصلاح السياسي بديلاً عن خوض مغامرة قلب الطاولة السياسية الحالية غير محمودة العواقب.
المجلس الإسلامي الأعلى الذي كان أكد قبل فض تحالفه مع تيار الصدر انه قادر على حسم المعارك الانتخابية الصالحة باعتباره القوة السياسية الأكثر خبرة في توجيه الرأي العام الشيعي وقيادة محافظات جنوب العراق لم يكن هو الآخر بمعزل عن تداعيات صعود المالكي الذي سحب بالضرورة حزبه إلى الواجهة على رغم انه لم ينل في تحالف الأحزاب الشيعية خلال انتخابات عام 2005 أكثر من نصف وزن المجلس الذي كان يسيطر واقعياً على أكثر من 50 في المئة من مقاعد كتلة الائتلاف الشيعية.
ومتغيرات عام 2008 وضعت المجلس الأعلى في حيز يجد فيه أن تدعيم سلطة الحكومة بقيادة المالكي وشبكة معاونيه من حزب الدعوة لن تستثني النيل من شاطئه المجلس الذي تعرض أخيراً إلى هزات غير منظورة.
فجمع محصلة القوة لدى الحكومة المركزية اضعف في شكل تدريجي مشروع"إقليم الوسط والجنوب"الذي يشكل أحد شعارات المجلس الرئيسة حتى انه اضطر في النهاية إلى التغاضي عن رفع هذا الشعار خلال الدعاية الانتخابية لمجالس المحافظات.
كما ان منظومة التعبئة الشيعية التي انفرد المجلس بقيادتها في موازاة تيار الصدر تغيرت هي الأخرى لتسمح ببروز حزب"الدعوة"الذي كان حتى عام 2007 يعد شيعياً من الأحزاب النخبوية غير القادرة على أحداث التعبئة الجماهيرية.
وآليات التنظيم العشائري التي أسسها المجلس منذ بداية عام 2003 في مدن الجنوب كتجمعات عشائرية توالي سياسات المجلس اضطر أخيراً إلى التخلي عنها بعد إقدام المالكي على تأسيس مجالس الإسناد في الجنوب ما أثار أزمة بين الطرفين خرجت خلالها اتهامات للمالكي بمحاولة جعل مجالس الإسناد واجهة دعائية وتعبوية لحزبه.
وحتى شكل الحل لتلك الأزمة لم يكن هو الآخر لمصلحة المجلس تماماً بعد أن قرر المالكي إلغاء جميع مجالس الإسناد غير التابعة للدولة ما يعني ضمناً فقدان عنصر تأثير أساسي في الجنوب.
المجلس الأعلى في رسالة انتقادية مطولة لسياسات المالكي في شأن مجالس الإسناد كان أشار ضمناً إلى امتعاضه من احتكار المالكي للإنجاز الأمني لمصلحته وقال الأكراد في رسالة مطولة مشابهة ان النجاح الأمني لم يكن ليتحقق لولا دعم حلفاء الحكومة وهو ليس انجازاً يسجل لسياسات المالكي الذي اتهمته أيضاً بمحاولة إعادة إنتاج"الديكتاتورية"في العراق.
لكن المجلس الأعلى على عكس الأطراف الكردية يتخندق في موقع حساس يفترض انه خيط ربط بين خلافات المالكي والأكراد ويدرك بالمقابل ان إثارة الخلاف الشيعي - الشيعي على نطاق واسع، خصوصاً بين طرفين يمثلان واجهة الأحزاب الإسلامية لا يخدم أياً منهما بمقدار ما يخلق مناخاً موائماً لانطلاق الحركات الوطنية والعلمانية وحتى الإسلامية المناوئة التي ترتكز في دعاياتها الانتخابية اليوم على محاولة إثبات فشل الأحزاب الدينية التقليدية في إدارة العراق.
وفي هذه الأجواء المتشنجة عكفت الأطراف السنية على الاقتراب من المواقف الناقدة لسياسات رئيس الحكومة في محاولة لإبقائه تحت الضغط ومنع تحوله إلى ظاهرة سياسية دائمة.
واللافت في الموقف السنّي انه يجمع تناقضات المرحلة، فمن جهة يدعم السنة تركز الصلاحيات لدى السلطة المركزية في مواجهة الأقاليم"للحفاظ على وحدة العراق"ويدركون ان مزاجاً جماهيرياً سنّياً ما زال غير مقتنع بمفهوم المحاصصة أشار إليه طارق الهاشمي أخيراً بعرضه التخلي عن السلطة مقابل إنهاء المحاصصة ويرفض بشدة شكل الحل الكردي لقضية كركوك ومن جهة أخرى لا يخدم تعاظم سلطة المالكي مطالبهم بتوسيع نطاق"التوازن الطائفي"في مؤسسات الدولة، خصوصاً الأمنية منها وتدعيم صلاحيات مجلس الرئاسة أمام صلاحيات رئيس الوزراء وتنشيط مشاركتهم في صنع القرار السياسي ما يستدعي تعميق مفهوم التوافق السياسي بدلاً من إلغائه لمصلحة رئيس الحكومة.
ووفق زوايا النظر المتداخلة إلى المشهد العراقي الملتبس اليوم تبرز فرضيتين أساسيتين:
الأولى تمثل وجهة نظر خندق المالكي الذي سيمضي قدماً في استثمار المتغيرات الأمنية والسياسية عبر دعاية انتخابية واسعة النطاق تقلب هرم المنظومة الحزبية التقليدية لتسندها"كاريزما"المالكي على الأرض، ويتوسع في تخفيف حدة التمثيل الديني الشيعي لحزب الدعوة قبل تحويل الخندق برمته إلى ممثل لشكل الدولة على غرار اختيار تسمية"تجمع دولة القانون"لخوض انتخابات المحافظات على أن يعكف على الحفاظ على التحالف مع المجلس الأعلى والأكراد والسنة وفق توازنات جديدة.
والثانية تمثل مرتكزات الأحزاب الحكومية الأخرى التي لن تقبل التخلي عن شكل منظومة الحكم الحالية باعتبارها تقوم على مبدأ التوافق الإجباري الذي يسعى إلى أن يحد من نطاق نفوذ طائفة على حساب الأخرى ويقلص حراك المالكي أو أي رئيس وزراء قادم داخلياً وخارجياً لكنها تخشى تمكن المالكي خلال الأشهر العشرة المقبلة من تأسيس قاعدة صلبة لتجديد ولايته باستثمار الإمكانات الحكومية ما يستدعي أحداث متغيرات جديدة قد تكتفي بسياسة الضغط الموجه الحالية أو تتجاوزها إلى تحويل مشروع"طرح الثقة"إلى أمر واقع.
لكن حسابات أخرى تذهب إلى أن طرح الثقة بحكومة المالكي في عام يشهد عمليتين انتخابيتين في غاية الأهمية يتخللهما استفتاء شعبي على الاتفاق الأمني واستفتاءات متوقعة على إعلان عدد من الأقاليم على غرار مشروع"إقليم البصرة"يصاحبه تراخٍ أمني قد يؤثر كثيراً في النتائج الانتخابية نهاية العام المقبل.
والمحصلة أن الأزمة العراقية المتنقلة بملفاتها المؤجلة وحساباتها غير المحسومة ستسمح خلال الأشهر المقبلة بإيجاد حيز واسع للتحالفات والصراعات بالاستناد إلى معطيات خلاف وتلاق جديدة ربما تختلف نسبياً عن تلك التي أنتجت الحكومة الحالية.
عبد العزيز الحكيم ا ب
المالكي ا ف ب
طالباني ا ف ب
عشرة شهور حاسمة في المشهد السياسي العراقي... منظومة"الأعداء والأصدقاء"تتغير بسرعة وخيارات مفتوحة للتحالف والتصادم
المالكي..."رجل المرحلة"في مواجهة استحقاقات التوافق السياسي الإجباري
{ بغداد - مشرق عباس
لم يعد سراً أن أطرافاً سياسية عراقية مختلفة تشكل الحلقات الأساسية في الحكومة وفي العملية السياسية العراقية برمتها تخوض منذ اشهر صراع كسر عظم مع رئيس الوزراء نوري المالكي الذي يخرج تدريجاً من منظومة الاعتماد الكلي على"شرعية"التوافق السياسي"المحاصصي"إلى استثمار زخم الأحداث الكبيرة في عام 2008 لتأسيس شرعية جديدة تستند في شكل أساسي إلى فرضية"رجل المرحلة"الذي تلتقي عنده تناقضات الوضع العراقي، ويستمد قوته من إحساس الشارع بالحاجة إليه.
لكن حسابات خندق المالكي، الذي يتسع ليشمل عراقيين من اتجاهات طائفية وعرقية متنوعة، تختلف تماماً عن حسابات الخندق المقابل الذي تتسع تناقضاته لكنها تلتقي في المحصلة في جبهة لا ترغب كثيراً باستمرار احتكار المالكي للسلطات وتضم الحزبين الكرديين والحزب الإسلامي السني والمجلس الأعلى الإسلامي.
وتلك الجبهة تجمعها اليوم المخاوف من منعطف نفسي وأمني واجتماعي عراقي يسمح ببروز"كاريزما"سياسية جديدة تتضاءل معها فرص تداول الحكم أو الحفاظ على المكاسب أو ضمان الدور المؤثر وكذلك إنهاء فرضية التوافق السياسي التي تأسس بموجبها شكل الحكم في العراق باعتباره ناتج لقاء ممثليات كردية وسنية وشيعية.
طروحات عزل المالكي
وعلى رغم أن محاولات عزل المالكي تكررت اكثر من مرة خلال السنوات الثلاث الماضية ودعمتها جبهة التوافق السنية حيناً وكتلة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر حيناً آخر وأيضاً جبهة رئيس الوزراء الأسبق اياد علاوي والسابق إبراهيم الجعفري إلا أن تماسك الأكراد والمجلس الأعلى في دعم رئيس الوزراء جعل نجاح تلك المحاولات أمراً عسيراً.
في المقابل كان انتقال الأكراد إلى صف المؤيدين ضمناً لتغيير المالكي لافتاً لكنه ليس حاسماً في النهاية لاعتبارات لا تقف عند حدود التداعيات المتوقعة لمثل هذا الحدث وإنما تتعداها إلى صعوبة أحداث طلاق جديد بين حزب"الدعوة"والمجلس الأعلى لضمان الشرعية الشيعية ولقاء تحالفي بين الأخير والحزب الإسلامي لضمان الشرعية السنية.
وعلى رغم أن تسريبات من قيادات سياسية مختلفة أكدت طرح موضوع سحب الثقة من الحكومة وتشكيل أخرى بديلة في اجتماعات ضمت الأطراف الثلاثة أخيراً، لكن الأطراف نفسها كما يبدو مقتنعة أيضاً أن المعادلة العراقية اكثر تعقيداً من أحداث تغيير جديد فيها حتى لو كان تحت مظلة الدستور والبرلمان.
وينص الدستور العراقي على أن"لمجلس الرئاسة حق تقديم طلب إلى مجلس النواب بسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء ولمجلس النواب وبناءً على طلب خُمس أعضائه طرح سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء اثر استجواب موجه إليه"على ان"يقرر مجلس النواب سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، بالأكثرية المطلقة لعدد أعضائه".
وعلى رغم أن جمع نحو 139 نائباً برلمانياً من بين 275 نائباً ليست مهمة مستحيلة حالياً لكن حساباتها السياسية والأمنية بعيدة المدى تكاد تقترب من هذا الافتراض.
استراتيجية المواجهة
وسواء كان ذلك خياراً أم اضطراراً فإن المالكي اختبر منذ بداية عام 2008 سياسة المواجهة باعتبارها استراتيجية جديدة وانتقل سريعاً من التحالف مع تيار الصدر إلى استخدام الآلة العسكرية والأمنية لضربه وتجريده من نفوذه سياسياً وجغرافياً ودعائياً.
ولم يكن خافياً أن مواجهة تيار الصدر كانت تحتاج في الأساس إلى واجهة شيعية في مقابل واجهة مجالس"الصحوة"السنية التي حجمت دور تنظيم"القاعدة"والمجموعات المسلحة الأخرى، لكنها كانت تحتاج أيضاً إلى مغامرة سياسية واسعة النطاق والى حصول توافق أميركي - إيراني ضمني نادر على القبول بنتائجها.
والمالكي الذي عكس طبيعة متحفظة لا تميل إلى إظهار الانفعالات ولا تنخرط في استعراض الميول الطائفية أو العرقية نجح في تحقيق التغيير في المستوى الأمني في شكل سريع وغير متوقع مدعوماً بتأييد حلفائه في الحكومة وحتى منافسيه ومعارضيه خارجها وقبل ذلك بقناعة أميركية وإيرانية، ما سمح له بنقل استراتيجية المواجهة سريعاً إلى خندق حلفائه أنفسهم.
وفي خضم المواجهة مع الإدارة الأميركية لانتزاع تنازلات معلنة حول الاتفاق الأمني والانسحاب والصلاحيات كانت الجبهات تفتح تباعاً مع الأكراد حول صلاحيات المركز والإقليم وكركوك والموازنة وتسليح البيشمركة وعقود النفط، ومع المجلس الأعلى حول مجالس الإسناد ومخططات السيطرة على نتائج الانتخابات المحلية والعامة خلال عام 2009 وأيضاً مع السنة عبر حملات اعتقال شمل بعضها مقربين من جبهة التوافق.
ومواجهات المالكي التي دفعت حزب"الدعوة"بقوة إلى تصدر الواجهة السياسية وإدارة التحالفات جمعت مؤيدين بدرجات مختلفة داخل الطيف السياسي شملت أطرافاً سياسية سنية وأخرى شيعية من داخل كتلة الائتلاف، إضافة إلى مؤيدين في الوسط السياسي العلماني، واتسعت خارجياً لتشمل عشائر وأحزاب وقوات أمن شيعية في الجنوب وسنية في الغرب وأيضاً عشائر كردية اتهمتها حكومة إقليم كردستان ب"الخيانة"لسعيها إلى تشكيل"مجالس إسناد"على تخوم الإقليم.
وعلى رغم خطورة الموقف السياسي الذي فرضته جبهات الصراع تلك إلا أن خطوط اختراق عميقة حفرتها سياسة المالكي لمنع تحول الانتقاد العلني لسياساته إلى جبهة تحالف قادرة على إزاحته من منصبه.
حسابات متداخلة
وإضافة إلى ان توقيع الاتفاق الأمني مع الولايات المتحدة وضرورة ضمان تطبيقه ونجاحه في استفتاء تموز يوليو 2009 اصبح أولوية أميركية تستدعي عدم أحداث زلازل سياسية والضغط على الأطراف الأخرى للحفاظ على الوضع القائم وضمان عدم تفاقم الخلافات إلى صراع علني، فإن السنّة وهم الطرف الأساسي في شرعنة أي انقلاب دستوري يفضلون ضمنا ممارسة الضغوط لانتزاع التنازلات من المالكي على غرار وثيقة الإصلاح السياسي بديلاً عن خوض مغامرة قلب الطاولة السياسية الحالية غير محمودة العواقب.
المجلس الإسلامي الأعلى الذي كان أكد قبل فض تحالفه مع تيار الصدر انه قادر على حسم المعارك الانتخابية الصالحة باعتباره القوة السياسية الأكثر خبرة في توجيه الرأي العام الشيعي وقيادة محافظات جنوب العراق لم يكن هو الآخر بمعزل عن تداعيات صعود المالكي الذي سحب بالضرورة حزبه إلى الواجهة على رغم انه لم ينل في تحالف الأحزاب الشيعية خلال انتخابات عام 2005 أكثر من نصف وزن المجلس الذي كان يسيطر واقعياً على أكثر من 50 في المئة من مقاعد كتلة الائتلاف الشيعية.
ومتغيرات عام 2008 وضعت المجلس الأعلى في حيز يجد فيه أن تدعيم سلطة الحكومة بقيادة المالكي وشبكة معاونيه من حزب الدعوة لن تستثني النيل من شاطئه المجلس الذي تعرض أخيراً إلى هزات غير منظورة.
فجمع محصلة القوة لدى الحكومة المركزية اضعف في شكل تدريجي مشروع"إقليم الوسط والجنوب"الذي يشكل أحد شعارات المجلس الرئيسة حتى انه اضطر في النهاية إلى التغاضي عن رفع هذا الشعار خلال الدعاية الانتخابية لمجالس المحافظات.
كما ان منظومة التعبئة الشيعية التي انفرد المجلس بقيادتها في موازاة تيار الصدر تغيرت هي الأخرى لتسمح ببروز حزب"الدعوة"الذي كان حتى عام 2007 يعد شيعياً من الأحزاب النخبوية غير القادرة على أحداث التعبئة الجماهيرية.
وآليات التنظيم العشائري التي أسسها المجلس منذ بداية عام 2003 في مدن الجنوب كتجمعات عشائرية توالي سياسات المجلس اضطر أخيراً إلى التخلي عنها بعد إقدام المالكي على تأسيس مجالس الإسناد في الجنوب ما أثار أزمة بين الطرفين خرجت خلالها اتهامات للمالكي بمحاولة جعل مجالس الإسناد واجهة دعائية وتعبوية لحزبه.
وحتى شكل الحل لتلك الأزمة لم يكن هو الآخر لمصلحة المجلس تماماً بعد أن قرر المالكي إلغاء جميع مجالس الإسناد غير التابعة للدولة ما يعني ضمناً فقدان عنصر تأثير أساسي في الجنوب.
المجلس الأعلى في رسالة انتقادية مطولة لسياسات المالكي في شأن مجالس الإسناد كان أشار ضمناً إلى امتعاضه من احتكار المالكي للإنجاز الأمني لمصلحته وقال الأكراد في رسالة مطولة مشابهة ان النجاح الأمني لم يكن ليتحقق لولا دعم حلفاء الحكومة وهو ليس انجازاً يسجل لسياسات المالكي الذي اتهمته أيضاً بمحاولة إعادة إنتاج"الديكتاتورية"في العراق.
لكن المجلس الأعلى على عكس الأطراف الكردية يتخندق في موقع حساس يفترض انه خيط ربط بين خلافات المالكي والأكراد ويدرك بالمقابل ان إثارة الخلاف الشيعي - الشيعي على نطاق واسع، خصوصاً بين طرفين يمثلان واجهة الأحزاب الإسلامية لا يخدم أياً منهما بمقدار ما يخلق مناخاً موائماً لانطلاق الحركات الوطنية والعلمانية وحتى الإسلامية المناوئة التي ترتكز في دعاياتها الانتخابية اليوم على محاولة إثبات فشل الأحزاب الدينية التقليدية في إدارة العراق.
وفي هذه الأجواء المتشنجة عكفت الأطراف السنية على الاقتراب من المواقف الناقدة لسياسات رئيس الحكومة في محاولة لإبقائه تحت الضغط ومنع تحوله إلى ظاهرة سياسية دائمة.
واللافت في الموقف السنّي انه يجمع تناقضات المرحلة، فمن جهة يدعم السنة تركز الصلاحيات لدى السلطة المركزية في مواجهة الأقاليم"للحفاظ على وحدة العراق"ويدركون ان مزاجاً جماهيرياً سنّياً ما زال غير مقتنع بمفهوم المحاصصة أشار إليه طارق الهاشمي أخيراً بعرضه التخلي عن السلطة مقابل إنهاء المحاصصة ويرفض بشدة شكل الحل الكردي لقضية كركوك ومن جهة أخرى لا يخدم تعاظم سلطة المالكي مطالبهم بتوسيع نطاق"التوازن الطائفي"في مؤسسات الدولة، خصوصاً الأمنية منها وتدعيم صلاحيات مجلس الرئاسة أمام صلاحيات رئيس الوزراء وتنشيط مشاركتهم في صنع القرار السياسي ما يستدعي تعميق مفهوم التوافق السياسي بدلاً من إلغائه لمصلحة رئيس الحكومة.
ووفق زوايا النظر المتداخلة إلى المشهد العراقي الملتبس اليوم تبرز فرضيتين أساسيتين:
الأولى تمثل وجهة نظر خندق المالكي الذي سيمضي قدماً في استثمار المتغيرات الأمنية والسياسية عبر دعاية انتخابية واسعة النطاق تقلب هرم المنظومة الحزبية التقليدية لتسندها"كاريزما"المالكي على الأرض، ويتوسع في تخفيف حدة التمثيل الديني الشيعي لحزب الدعوة قبل تحويل الخندق برمته إلى ممثل لشكل الدولة على غرار اختيار تسمية"تجمع دولة القانون"لخوض انتخابات المحافظات على أن يعكف على الحفاظ على التحالف مع المجلس الأعلى والأكراد والسنة وفق توازنات جديدة.
والثانية تمثل مرتكزات الأحزاب الحكومية الأخرى التي لن تقبل التخلي عن شكل منظومة الحكم الحالية باعتبارها تقوم على مبدأ التوافق الإجباري الذي يسعى إلى أن يحد من نطاق نفوذ طائفة على حساب الأخرى ويقلص حراك المالكي أو أي رئيس وزراء قادم داخلياً وخارجياً لكنها تخشى تمكن المالكي خلال الأشهر العشرة المقبلة من تأسيس قاعدة صلبة لتجديد ولايته باستثمار الإمكانات الحكومية ما يستدعي أحداث متغيرات جديدة قد تكتفي بسياسة الضغط الموجه الحالية أو تتجاوزها إلى تحويل مشروع"طرح الثقة"إلى أمر واقع.
لكن حسابات أخرى تذهب إلى أن طرح الثقة بحكومة المالكي في عام يشهد عمليتين انتخابيتين في غاية الأهمية يتخللهما استفتاء شعبي على الاتفاق الأمني واستفتاءات متوقعة على إعلان عدد من الأقاليم على غرار مشروع"إقليم البصرة"يصاحبه تراخٍ أمني قد يؤثر كثيراً في النتائج الانتخابية نهاية العام المقبل.
والمحصلة أن الأزمة العراقية المتنقلة بملفاتها المؤجلة وحساباتها غير المحسومة ستسمح خلال الأشهر المقبلة بإيجاد حيز واسع للتحالفات والصراعات بالاستناد إلى معطيات خلاف وتلاق جديدة ربما تختلف نسبياً عن تلك التي أنتجت الحكومة الحالية.
نشر في العدد: 16695 ت.م: 19-12-2008 ص: 14 ط: الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.