بيروت تدخن، في السيارة أو في المطعم أو في المكتب. دخان السجائر في كل مكان من دون اعتراض أحد. بالنسبة الى الأوروبيين الذين يرزحون أكثر فأكثر تحت وطأة منع التدخين، تعتبر العاصمة اللبنانية جنة حقيقية، فالتدخين هنا جزء طبيعي من الحياة العامة. يقول محمد 24 سنة أحد زبائن مقهى في الحمرا:" لو لم يكن مسموحاً لي بالتدخين هنا لما أتيت". فالسيجارة تعتبر جزءاً لا يتجزأ من وجبة طعام شهية بالنسبة إليه. يدخن محمد علبة ونصف العلبة يومياً، ويعترف بأنها مضرة بالصحة إلا أنه يعتبرها"جزءاً من الثقافة اللبنانية". لو كان محمد في ألمانيا لكان خارجاً عن المجتمع. المدخنون هناك أقلية اجتماعية. فقد قامت وزارة الصحة بحملات كثيرة مناهضة للتدخين، منها رفع سعر السجائر ومنع إعلانات التدخين في شكل كامل، كما أن شركات التدخين ملزمة قانونياً بطبع عبارة:"التدخين خطر على صحتك وصحة الآخرين". إضافة إلى ذلك أصبح من الصعب على المدخنين إيجاد مكان للتمتع بإدمانهم. في ولاية هيسن، ومن مدنها فرانكفورت، أصبح التدخين ممنوعاً في جميع الأماكن العامة منذ سنوات. منذ منع التدخين في المدارس عام 2004، يلتقي التلامذة والمعلمون أمام المداخل الرئيسة للمدارس للتدخين. وبعد نقاشات حادة منع التدخين في المطاعم والمقاهي. أصحاب المقاهي المؤلفة من صالة واحدة اعترضوا واعتبروا أن هذا القرار مجحف بحقهم، إذ بإمكان المقاهي المؤلفة من صالتين تخصيص إحداها للتدخين. ومن المفترض أن يتغير هذا القانون قريباً ليتمكن المرء من التدخين في المطاعم والمقاهي الصغيرة مرة أخرى. لكن منع التدخين لا يطبق في الولايات الألمانية ال16 في شكل موحد. لكل واحدة طريقتها الخاصة لمعالجة هذا الموضوع. في ولاية بافاريا مثلاً يسمح بالتدخين في خيم الكحول للمحافظة على أجواء"مهرجان البيرة في ميونيخ". إلا أنه يتم التحضير في مفوضية الاتحاد الأوروبي لفرض منع عام للتدخين في كافة الدول الأعضاء"لأن المطاعم والمقاهي هي أيضاً أماكن عمل"بحسب تعبير مفوضية الاتحاد الأوروبي للشؤون الصحية، القبرصية أندولا فاسيليو. ولا يمكن لمالك المقهى في الحمرا أن يمنع ضيوفه من التدخين لمعرفته المسبقة ان أحداً لن يقصد المقهى بعد ذلك. هو يقول إنه لا يوجد نقاش حول هذا الموضوع على المستوى السياسي في لبنان كما في الاتحاد الأوروبي. أما السؤال الجدير بأن يطرح هو:"لماذا يدخن اللبنانيون كثيراً"؟ أحد الأسباب طبعاً هو السعر، ففي حين أن ثمن علبة السجائر في ألمانيا هو 5 يورو، تعرض السجائر في بيروت ب2000 ليرة أي 5/1 السعر الألماني. إلا أن ضيف المقهى البيروتي ربيع 47 سنة يعطي تفسيراً آخر لشغف التدخين:"التدخين يريح الأعصاب وهو مرتبط أيضاً بالماضي". هل السبب يا ترى في لجوء الناس إلى النيكوتين يعود للحرب الأهلية وحرب تموز يوليو 2006؟ ويفيد تقرير لمنظمة الصحة العالمية بأن المعدل العالمي للذين يتناولون أدوية لمعالجة الأمراض النفسية هو 5 في المئة. وفي لبنان تصل النسبة الى 16 في المئة. في ألمانيا درست النتائج النفسية للحرب العالمية الثانية في شكل علمي كما دفعت مؤسسات الضمان الصحي مصاريف العلاجات النفسية. يقول الطبيب النفسي في الجامعة الأميركية في بيروت دوري الهاشم لصحيفة"دايلي ستار":"لا توجد تقارير حول المعالجة النفسية في لبنان، أما الحكومة فتعرض أحدث الأدوية المضادة للأمراض النفسية من دون مقابل، مع قلة التفهّم هذه وغياب المساعدة في حالات الأمراض النفسية، لا يعد مفاجئاً أن يقبل الناس على التدخين". إلا أن البعض بدأ في اتخاذ إجراءات منع التدخين في أماكن محددة. سلسلة مقاهٍ أجنبية في بيروت تسمح بالتدخين فقط على طاولاتها الخارجية. وفي المقهى الواقع في الحمرا توجد صالة يمنع فيها التدخين وهي المكتبة، لكنني لم أر فيها هذا المساء أي ضيف. * صحافي في جريدة"فرانكفورت روندشو"الألمانية، والنص من مساهماته التي تنشرها"الحياة"، في إطار برنامج"كلوز أب"للتبادل الصحافي، بالاتفاق مع المعهد الثقافي الألماني غوته. وتشارك في البرنامج صحف ألمانية وأخرى من أفريقيا والشرق الأوسط، على مدى أسابيع، لتغطية شؤون سياسية وثقافية واجتماعية. www.goethe.de/closeup نشرت في العدد: 16653 ت.م: 2008-11-07 ص: 27 ط: الرياض