برهن جون ماكين المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية تماماً كيف يمكن للمرء أن يستغل استطلاعات الرأي. في إطار نقاش حول أهمية استطلاعات الرأي نظمه الاثنين الماضي"نادي علم الاجتماع"التابع للجامعة الأميركية في بيروت في مقهى"تاء مربوطة"، قال مدير"مجموعة الدولية للمعلومات"المستقلة جواد عدرة: راودت ماكين فكرة أنه يخسر. وهو، بصفته خبيراً ومحترفاً في مجال الإعلام، عرف أن الظهور بثقة على رغم استطلاعات الرأي الرديئة، يمكنه أن يجلب إليه أصوات الناخبين. لاستطلاعات الرأي في الولاياتالمتحدة أهمية بالغة، عكس الحال في العالم العربي. يقدم عدرة بعض الأمثلة على ذلك، فيشير في البدء الى قدم التقاليد المرتبطة بدرس توجهات الرأي العام في الولاياتالمتحدة، حيث نظمت أولى استطلاعات الرأي عام 1824. أما في لبنان فإن أولى الاستطلاعات أجريت في السبعينات من القرن العشرين. وأوضح عدرة أن الناس في هذا الجزء من العالم"غير مقتنعين بجدواها بينما يعمل السياسيون استناداً الى أرقام وهمية غير مبنية على أساس جدّي". ويضيف:"يزعم سياسيان خصمان أنهما يملكان 70 في المئة من الأصوات، يصبح المجموع 140 في المئة". أما غياب اهتمام السياسيين اللبنانيين باستطلاعات الرأي فهو عائد، بحسب عدرة، الى عدم رغبتهم في سماع الأخبار السيئة. ويشير الى أن ذلك ليس حكراً على السياسيين بل يطاول أيضاً رجال الأعمال. ويعطي مثالاً مركزاً تجارياً في الأشرفية قائلاً:"يقع المركز عند تقاطع حيوي، إلا أن المستثمرين لم يسألوا الناس رأيهم في الموقع. لم يريدوا أن يعرفوا". ويتابع عدرة أن استطلاعات الرأي لا تحظى بثقة كبيرة حتى لدى المواطنين اللبنانيين. وأجريت دراسة عام 2002 لمعرفة مدى تصديق الناس هذه الاستطلاعات، والنتيجة دلت الى أن النصف لا يثقون باستطلاعات الرأي أو على الأقل ينظرون اليها بارتياب، فيما قال حوالى الربع فقط أنهم يصدقونها. وعلى رغم أن الدراسات الاجتماعية لا تجد صدى في الحياة العامة اللبنانية، فإلى جانب"مجموعة الدولية للمعلومات"هناك عدد كبير من مؤسسات استطلاعات الرأي غير المعروفة في لبنان، معظمها، كما يضيف عدرة، ثمرة مبادرات من دول غربية:"بالنسبة الى الغرب ما يفكر فيه الناس في العالم العربي يكتسب أهمية كبيرة". تولى عدرة ومجموعة الباحثين معه أعمالاً تحضيرية عدة، وتصدر"مجموعة الدولية للمعلومات"مجلة"The Monthly"التي تتضمن احصاءات حول أحدث الأعمال البحثية في مواضيع مثل ارتفاع نسبة الانتحار أو الطلاق. ووجد الباحثون أن 75 في المئة من الناس في لبنان لا يثقون بالسياسيين، لذلك ليس غريباً ألا تحظى آراء الناس المبنية على الاحصاءات باهتمام كبير لدى وسائل الإعلام اللبنانية. الأمر مختلف في ألمانيا حيث استطلاعات الرأي، مثلاً، حول شعبية السياسيين، من"الطقوس"المحببة لدى الصحف والمجلات. وتذيع محطات التلفزيون الرسمية كما تنشر مجلات مثل"در شبيغل"كل شهر، معطيات حول اتجاهات الرأي العام والمعروفة ب"توجهات ألمانيا". السؤال المعيار هو:"من ستنتخب إن أُجريت الانتخابات الأحد المقبل"؟ وتستطلع صحيفة"فرنكفورتر روند شاو"آراء الناخبين قبل الانتخابات المحلية في مقاطعة هيسن، علماً أن المستشارة انغيلا مركل تحتل المركز الأول في سلم السياسيين المفضلين، إذ قال 60 في المئة من المواطنين إنهم سيصوتون لها في حال أجريت انتخابات مباشرة. وترتبط ثقة المواطنين باستطلاع الرأي بالجهة التي تعدّ هذا الاستطلاع. بعض هذه الجهات محافظ، مثل معهد"ألنسباخ"في ألمانيا، في حين أن بعضها الآخر ذو اتجاهات يسارية. لكن التجربة دلت الى أن هذه الفوارق لا تستطيع التأثير في القيمة الفعلية للنتائج، فنسبة الخطأ في التوقعات الانتخابية لا تتعدى نحو 3 في المئة. أما السياسيون المتأخرون في استطلاعات الرأي فيجدون في ذلك فرصة، كما فعل جون ماكين، إذ يأملون بأن يتخلف مؤيدو خصمهم عن الذهاب الى صناديق الاقتراع لأنهم واثقون من الانتصار. * صحافي في جريدة"فرانكفورتر روندشو"الألمانية، والنص أولى المساهمات التي ستنشرها الجريدة و"الحياة"في إطار برنامج"كلوز أب"للتبادل الصحافي بالاتفاق مع المعهد الثقافي الألماني غوته. تشارك في البرنامج صحف ألمانية وأخرى من افريقيا والشرق الأوسط، على مدى أسابيع، لتغطية شؤون سياسية وثقافية واجتماعية.