ارتفاع أسعار النفط عند التسوية    أمير القصيم يكرم بندر الحمر    نائب أمير الرياض يعزي رئيس مركز الحزم بمحافظة وادي الدواسر في وفاة والدته    نجل بولسونارو: والدي دعم ترشحي لرئاسة البرازيل في 2026    البيت الأبيض: أوروبا معرضة لخطر «المحو الحضاري»    اكتشاف استثنائي لمئات التماثيل الجنائزية بمقبرة تانيس في مصر    سالم الدوسري عن قرعة المونديال : لكل حادث حديث... حالياً تركيزنا على كأس العرب    أمير الرياض يتوج الفائزين بأول السباقات الكبرى على كأسَي سمو ولي العهد للخيل المنتَجة محليًّا ولخيل الإنتاج والمستورد    مساعد رينارد يتفوق عليه في فوز الأخضر الكبير بكأس العرب    الأخضر يتغلب على جزر القمر بثلاثية ويتأهل لربع نهائي كأس العرب    جمعية ريف تُكرَّم في المنتدى الدولي للقطاع غير الربحي لحصولها على شهادة الاستثمار ذي الأثر الاجتماعي عن مشروع "مطبخ طويق"    منتخب السعودية يتأهل لربع نهائي كأس العرب بالفوز على جزر القمر    المكسيك تواجه جنوب إفريقيا في افتتاح كأس العالم 2026    الأخضر الأولمبي يتغلب على البحرين بخماسية في كأس الخليج    تقارير.. حقيقة خروج نونيز من الهلال في الشتاء    نادي وسم الثقافي بالرياض يعقد لقاءه الشهري ويخرج بتوصيات داعمة للحراك الأدبي    سيبراني تختتم مشاركتها في بلاك هات 2025 وتُعزّز ريادتها في حماية الفضاء السيبراني    جامعة القصيم تحصد الجائزة الوطنية للعمل التطوعي لعام 2025    Gulf 4P, CTW & Mach & Tools 2025 المنصّة الإقليمية الرائدة للابتكار والتقدّم الصناعي    بمشاركة 3000 مستفيدًا من منسوبي المساجد بالمنطقة … "الشؤون الإسلامية" تختتم برنامج "دور المسجد في المجتمع" لمنسوبي مساجد الشريط الحدودي بجازان    خطيب المسجد النبوي يبيّن مكانة آية الكرسي وفضلها العظيم    الدكتور المعيقلي يزور مقر الاتحاد الإسلامي في جمهورية مقدونيا الشمالية    مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون يفوز جائزة أفضل مشروع حكومي عربي لتطوير القطاع الصحي    الذهب يستقر مع ضعف الدولار وسط رهانات خفض أسعار الفائدة وتراجع عوائد السندات    مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري يشارك في مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة 2025    وزير التعليم يلتقي القيادات بجامعة تبوك    اللواء العنزي يشهد حفل تكريم متقاعدي الأفواج الأمنية    هيئة الهلال الاحمر بالباحة تشارك جمعية الاطفال ذوي الاعاقة الاحتفاء باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة    جمعية التطوع تفوز بالمركز الأول في الجائزة الوطنية للعمل التطوعي    اعلان مواعيد زيارة الروضة الشريفة في المسجد النبوي    المجلس العالمي لمخططي المدن والأقاليم يختتم أعماله    التوصل لإنتاج دواء جديد لعلاج مرض باركنسون "الشلل الرعاش"    أمين جازان يتفقد مشاريع الدرب والشقيق    تهامة قحطان تحافظ على موروثها الشعبي    الدفاع المدني يحتفي بيوم التطوع السعودي والعالمي 2025م    أمير تبوك يستقبل معالي وزير التعليم ويدشن ويضع حجر الأساس لمشروعات تعليمية بالمنطقة    جمعية سفراء التراث تحصد درجة "ممتازة " في تقييم الحوكمة لعام 2024    معركة الرواية: إسرائيل تخوض حربا لمحو التاريخ    سفير المملكة في الأردن يرعى حفل ذوي الإعاقة في الملحقية    قمة البحرين تؤكد تنفيذ رؤية خادم الحرمين لتعزيز العمل الخليجي وتثمن جهود ولي العهد للسلام في السودان    أمير منطقة تبوك يكرم المواطن فواز العنزي تقديرًا لموقفه الإنساني في تبرعه بكليته لابنة صديقه    مفردات من قلب الجنوب ٣١    أمير تبوك يواسي في وفاة محافظ الوجه سابقاً عبدالعزيز الطرباق    فرع الموارد البشرية بالمدينة المنورة يُقيم ملتقى صُنّاع الإرادة    سمر متولي تشارك في «كلهم بيحبوا مودي»    معرض يكشف تاريخ «دادان» أمام العالم    الناتو يشعل الجدل ويهدد مسار السلام الأوكراني.. واشنطن وموسكو على حافة تسوية معقدة    أكد معالجة تداعيات محاولة فرض الأحكام العرفية.. رئيس كوريا الجنوبية يعتذر عن الأخطاء تجاه «الشمالية»    برعاية خادم الحرمين..التخصصات الصحية تحتفي ب 12,591 خريجا من برامج البورد السعودي والأكاديمية الصحية 2025م    تعاون سعودي – كيني لمواجهة الأفكار المتطرفة    مقتل آلاف الأطفال يشعل الغضب الدولي.. العفو الدولية تتهم الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب    آل حمدان يحتفل بزواج أحمد    صيني يعيش بولاعة في معدته 35 عاماً    ابتكار علاج صيني للقضاء على فيروس HIV    الكلية البريطانية تكرم الأغا    إقحام أنفسنا معهم انتقاص لذواتنا    لم يكن يعبأ بأن يلاحقه المصورون    القيادة تعزي رئيس سريلانكا في ضحايا إعصار ديتواه الذي ضرب بلاده    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إضاءات مغاربية على مسألة التجديد الإسلامي في معناها وسياقاتها
نشر في الحياة يوم 07 - 07 - 2007

ظلّ مفهوم "التجديد" في الأدبيات العربيّة المعاصرة من المفاهيم "القَلِقَة" سواء أُضيف إلى الإسلام أو إلى الفكر الديني. اتضح ذلك منذ أن ظهر في الثلث الأوّل من القرن العشرين ما عُرف في المشرق بالمعركة بين القديم والجديد التي أُصيب جراءها المفهوم بوصمة استهجان ورفض. كان الرافعي من أشهر الفاعلين في حملة تنديديّة تعمل على"إسقاط البدعة الجديدة التي يريد دعاتها تجديد الدين واللغة والشمس والقمر".
لم تُفلح محاولة البعض، بعد ذلك، في إعادة الاعتبار إلى مفهوم التجديد بربطه بعبارات أكثر استساغة مثل"الإصلاح"وپ"الاجتهاد". لقد بقي التجديد هامشيّاً لا يفارقه الغموض المفاهيمي وذلك لعوامل عدة من أهمّها:
- شبهة الترابط بين التجديد والابتداع الذي وقعت مقاومته قديماً وحديثاً.
- اقتران المفهوم بالتحديث الأتاتوركي في معاداته الإسلام عقيدةً وحضارة.
- إعراض المؤسسات التعليمية الإسلامية عن أيّ تجديد مفاهيمي أو تراكم معرفي.
أدّى هذا الوضع إلى ضرب من الاتفاق على أن"الإسلام لا يُجدَّدُ ولا يتجدد لأنه ليس فكرة إنسانية بل هو منهج إلهي".
في الفضاء المغاربي الحديث عرف التجديد مسيرة مختلفة عمّا عرفه في المشرق لحرص عدد من المفكّرين المغاربة على تقليص مساحة الالتباس التي اكتنفته في محنة تيهٍ مفاهيمي شأنَ مفاهيم أخرى كپ" التقدّم"وپ"الحداثة"وپ"العَلمانيّة".
لتفسير هذه الخصوصيّة المغاربيّة ينبغي التذكير بأن الموقع الجغرافي - الثقافي لهذه المنطقة كان ذا أثر في الفكر قديماً وحديثاً. ظلّ المغرب - كالأطراف الأخرى للعالم الإسلامي - في بُعده عن"المركز"بكلّ رمزيته وقدسية معالمه وزخمه الحضاري متأرجحاً بين إعادة إنتاج المركز في معارفه ونُظمه ومعاييره وبين محاولة التفرّد والحرص على التميّز.
تأكّدت هذه الخصوصيّة في العصر الحديث مع نخب مغاربية كانت في احتكاكها بالحضور الأوروبي تتدرّج في وعيها نحو تصوّر جديد للعالم. بدأ ذلك مع المغاربة الذين شدّوا الرِحال إلى ما وراء البحار ليعودوا وقد ألحّت عليهم مشاهداتهم تطالب بمراجعة التقسيم القديم للعالَم إلى دارَيْن متدابرتين. تحقّق ذلك مع بيرم الخامس التونسي في"صفوة الاعتبار"الذي أثبت فيه أنّ السفر إلى أوروبا" لا يخدش من عدالة المسلم أو يسقطها". تواصل الأمر مع الإصلاحيين المغاربة نهايةَ القرن التاسع عشر وبداية العشرين فكانوا في إدراكهم للمساعي التوسّعية الأوروبية موقِنين أنَّ العالَم قد انخرط في سياق جديد الفيصلُ فيه رهانٌ على قيم التمدّن والمعرفة.
من الإقرار بتفوّق"الآخر"الأوروبي الحديث كان الإصلاحيون المغاربة لا يترددون في تجذير مقولة الارتفاع من درجة المدنيّة الدنيا إلى الدرجة العليا والتي لا تتحقّق إلاّ بالارتفاع العام للمجتمع في شكل يبلّغه مستوى الحضارة الكونية. هذا الاعتراف بالآخر قاسمٌ مشترك لرجال الإصلاح المغاربة على رغم الصراع السياسي ومخاطر الاستلاب الثقافي.
كانوا في ذلك ينجزون قطيعة كاملة مع جهود الحركة السلفية المشرقيّة في معالجتها الداخلية لانحطاط المسلمين.
في هذا نقرأ لپ"سالم بوحاجب"التونسي قولَه:"إني بعد أن تأملت تأملاً طويلاً في أسباب تقدم الأمم وتأخرها جيلاً بعد جيل بما تصفحته من التواريخ الإسلامية والإفرنجية... التجأت إلى الجزم بما لا أظن عاقلاً من رجال الإسلام يناقضه من أَنَّا إذا اعتبرنا تسابقَ الأمم في ميادين التمدّن وتحزّب عزائمهم على فعل ما هو أعوَدُ نفعاً لا يتهيأ لنا أن نميّز ما يليق بنا إلا بمعرفة أحوال من ليس من حزبنا... فإن الأمر إن كان صادراً من غيرنا وكان صواباً موافقاً للأدلة... فلا وجه لإنكاره وإهماله".
ذات التوجّه نجده عند ابن باديس في مقال بعنوان: أيها المسلم الجزائري:"هاك وصايا نافعة، ... احذر من التوحّش فإن المتوحّش في عصر المدنيّة محكوم عليه بالتناقض ثم الفناء والاضمحلال كما فنيت جميع الأمم المتباعدة عن التمدّن والرقيّ... وكن عصرياً في فكرك وفي عملك".
أما علاّل الفاسي فيذهب في فصل من كتابه"النقد الذاتي"إلى:"أن الذي غمر غالبية الناس هو انقسام المجتمع إلى فريقين: واحد يرى أن كل ما فعله القدماء أو فكّروا فيه هو الصحيح الذي يجب أن يُشايَع ولذلك فهو يفقد الثقة في كل ما لم تأت به الأوائل... وآخرون طغت عليهم رغبتهم في الجِدّة والابتكار فأصبحوا يؤمنون بأن كل ما نُقل من الماضي يجب أن ينقرض... أساسُ الغلط هو الخلط بين العصرية أي البحث عن الجديد والمعاصرة وهي إدراك المُجدي في الجديد والقديم... يجب أن نمضي قُدماً مستنيرين بعقولنا التي لم تقيّدها أسباب القلق المعاصرة لندرس كل ما في الغرب مقتبسين ما هو صالح لانبعاثنا".
ثم كان استقلال الأقطار المغاربية منتصفَ القرن العشرين إعلاناً عن مشروع حداثي لا يختلف عمّا اعتمده الإصلاحيون في القول بپ"وحدة التاريخ"التي تلتقي فيها مختلف الشعوب من حيث قدرتها على تمثّل حركة التقدّم الإنساني. بهذا الحرص على مواجهة الإخفاق التاريخي الكبير للمسلمين تأكّد القول إن العناصر الذاتية لم تعد مؤهّلة وحدَها للإجابة عن الأسئلة الجديدة.
لكن هذا الطور أفرز تياراً فكريّاً سياسيّاً تحديثيّاً مُلِحاً على قطيعة تاريخية بين النخب ومجتمعاتها ومع الداعين إلى تحصين الهوية الثقافيّة.
نتيجة لهذا، جاء التجديديون المغاربة يتجاوزون تلك العقلانيّة الجامحة المقتصرة على نقل الحضارة دون الاقتدار على المساهمة في صنعها بالعمل على إعادة بناء قيم الثقافة الحديثة من دون قطيعة بين النخب وتاريخها. ذلك ما سمّاه هشام جعيط:"ثورةً على العقلانية البدائية والذهنية المعادية للدين بصورة نسقية".
إنّها نهاية رحلة شكّ النخب المغاربية في موروثها الثقافي.
بهذه المرحلة الثالثة المفصلية اكتسب"التجديد"دقّة مفاهيمية يمكن تحديدها بأنّه:
- القطع مع الطرح السلفي ووعيه المتماهي مع ذاته بالانفتاح على"الآخر"المختلف سياسياً وحضارياً ودينيّاً باعتماد الأثر المعرفي للعنصر الخارجي.
- التخلي عن فكرة توقّف مصير مجتمع على نظام اجتماعي وسياسي تاريخيّ بما يعني أنّ الأزمة ليست في الواقع فقط بل في فكر ذلك الشعب أيضاً.
- التأسيس لوعي بديل يتجاوز منهج الوصف بما يكشف العلل التي حكمت مؤسسات الماضي وفكرَه معرّياً القوانين التي صاغت الظواهر والوقائع السالفة.
بهذه العناصر أضحت إشكالية التجديد مُثَنّاة: هي تمثّلٌ لتاريخية التراث وقراءته من الخارج ثم العَوْدُ إليه من الداخل قصد إحداث تغييرات فكرية وواقعية. تلك هي المثاقفة التي تستوعب معارف ومنظومات وقيم جديدة لمزيد التفرّس في الذات والتعمّق في خصائصها.
بذلك اتضح التجديد الإسلامي بدلالته الجدلية المزدوجة: رفض التقليد بنوعيه التحديثي والتراثي وما ينجم عنهما من قطيعة وإنتاج للمعرفة نفسها.
عندئذ أمكنت إعادة الاعتبار إلى مفهوم التجديد بفضل جهود نخب مغاربية معاصرة كان أبرز من مثّلها: مالك بن نبي ثم محمد عزيز الحبابي في المغرب الأقصى وأخيراً مع هشام جعيط في تونس.
- حرص بن نبيّ على التواصل مع الفكر الحضاري ونظرية الدورة الحضارية الخلدونية من دون تردد في الانفتاح على فلاسفة غربيين محدثين كانت لهم مقولات مهمّة في فلسفة الحضارة.
- أمّا الحبابي فقد اعتبر أن العقل النقدي للحداثة في حال أزمة وأنّ هذه حال عامة تتطلّب انعتاقاً من الركود في الحقل الأهلي ومن أزمة العدمية في الحقل الغربي. إنّها"تشيئة الشعوب والأجيال بحضارة التصنيع ومواكبة فلسفات ترسّخ شعوراً باليأس أو تتبنّى توجّهاً ذرائعياً يزيد الفوارق الاجتماعية عمقاً". من ثَم برزت عنده مقولة"النموذج الشخصاني": المجاور لمجال"جاذبية الخط الديني المتعالي لأجل المصالحة بين المتدين وغير المتديّن".
- يكمّل جعيط هذه الرؤية حين يعلن أن تجديد الشخصية العربية ينبغي اعتماد عَلمانية غير معادية للإسلام، ذلك أنّ الإسلام"هو الذي أنار طفولتنا وكان أوّل دليل لنا على الخير واكتشاف المطلق". ما يعنيه بالعَلمانيّة ليس تلاعباً"بالإسلام والتستّر بقناع الإصلاح إنما هي وضع حدود يقع فيها الاعتراف بالعلاقة الجوهرية بين الدولة وعناصر السلوك الأخلاقي والاجتماعي وبنية الشخصية الجماعية والعقيدة الإسلامية". التجديد عنده لا يمكن أن يتمّ"على حساب الدين إنّما يقع في الوقت نفسه بواسطة الدين وفي الدين ومستقلاً عنه".
ما تلا ذلك من مراجعات في الفضاء المغاربي مع الجابري وأومليل ويفوت وطه عبدالرحمن وأركون والطالبي والمرزوقي والإسلاميين التقدميين وألفة يوسف وغيرهم اعتمد إرساء علاقة مع التراث بمناهج معاصرة. هذه الجهود على اختلافها مدينةٌ لما شرع فيه محمد إقبال أوّلُ المجددين في الطرف الآخر من العالم الإسلامي: حين عمل على إعادة تركيب الفكر الديني بما يفضي إلى تقديم تفسير جديد غير إيديولوجي لمقولة"الإسلام صالح لكل زمان ومكان".
إنّه الوعي ضمن وحدة الزمن التاريخي بما يتيح للنخب العربية والمسلمة أن تبحث ضمن الدائرة الفكرية العالمية عقائدَها وخطوطَها الفكرية فتجعلها نتاجاً إنسانيّاً ومفاهيمَ عالمية.
* باحث تونسي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.